للحيازة عنصران : مادي ومعنوي :

1- العنصر المادي :

يتكون العنصر المادي للحيازة من مجموع الاعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق العيني . وهذه الأعمال المادية التي يمارسها الحائز على الشيء يجب ان تتفق في مظهرها الخارجي مع ممارسة الحق موضوع الحيازة. فإذا كان هذا الحق حق ملكية وجب ان يباشر الحائز الاعمال التي يباشرها المالك عادة. والأعمال المادية التي يتحقق بها العنصر المادي هي استعمال الشيء واستغلاله أو تغييره وذلك طبقاً لما تسمح به طبيعة الشيء. فحيازة الأرض الزراعية تكون بزراعتها والمنزل بسكناه والأرض الفضاء بالبناء عليها. أما الاعمال القانونية كالبيع والإيجار فلا تكفي وحدها لتحقق العنصر المادي للحيازة ، لأنه هذه الأعمال يمكن أن تصدر من شخص غير جائز بالفعل . فهي ترد على الحق العيني كحق الملكية ، ولا ترد على الشيء نفسه ، ولهذا فإنها لا تستلزم ان يكون لمن صدرت منه سلطة فعلية على الشيء (1).

الحيازة بالواسطة :

ولا يشترط في الاعمال المادية المكونة للعنصر المادي للحيازة ان يباشرها الحائز بنفسه ، بل يصح ايضاً ان يباشرها شخص آخر باسم الحائز ولحسابه (2) . فكما يصح ان تكون الحيازة مباشرة يصح ان تكون غير مباشرة أو بالواسطة، كحيازة التابع لحساب المؤجر. وحيازة الوسيط تعتبر حيازة عرضية لحساب الحائز الحقيقي، وهو المتبوع أو المغير أو المؤجر ويلاحظ ان الحيازة بالواسطة قاصرة على العنصر المادي ، إذ يمكن ان تباشر الاعمال المادية التي يتكون منها هذا العنصر بواسطة شخص آخر غير الحائز ، اما العنصر المعنوي فيجب ان يتوفر، بحسب الاصل، لدى الحائز نفسه.

لا تقوم الحيازة على عمل من اعمال الاباحة :

الاعمال التي يتكون منها الركن المادي يجب ان تنطوي على معنى التعدي . فإذا كانت الأعمال التي يقوم بها الشخص ، والتي قد تؤدي بوجه من الوجوه إلى الانتفاع بملك الغير ، مما يعتبر استعمالاً لرخصة مقررة في القانون ، فلا يتحقق الركن المادي لانتفاء التعدي (3). وفي هذا تقول المادة (1145 ف2) من القانون المدني العراقي : “ولا تقوم الحيازة على عمل يأتيه الشخص على انه مجرد اباحة ..”. ويترتب على ذلك انه لو فتح احد نافذة في أعلى جداره الملاصق لأرض الجار ، وبعد مضى خمس عشرة سنة اراد الجار ان يقيم بناء على حدود ملكه ، فليس لصاحب النافذة منعه من ذلك بدعوى انه اكتسب حق ارتفاق على ارضه بالتقادم ، ذلك ان فتح النافذة ليس سوى استعمال لحق الملكية وليس فيه ممارسة حق على أرض الجار حتى يقال بتوفر حيازة لحق ارتفاق.

لا تقوم الحيازة على اعمال متقطعة :

فيجب ان تكون الحيازة مسترة وغير متقطعة . ويتحقق الاستمرار بتوالي الأعمال اللازمة لمزاولة الحق الذي يدعيه الحائز ، دون ان يتخللها فترات انقطاع غير اعتيادية . فالحيازة التي لا تمارس بشكل منتظم غير جديرة بحماية القانون، لأنها ليست حيازة بالمعنى الصحيح . فالركن المادي للحيازة لا يتحقق إلا إذا كانت الأعمال التي تنطوي عليها ممارسة الحق موضوع الحيازة على درجة من الأهمية والكثرة بحيث تحمل على الاعتقاد بأن من يباشرها هو صاحب حق عيني على الشيء (4) . فالتقطع أو عدم الاستمرار ليس مجرد عيب من العيوب التي تشوف الحيازة . بل ان استمرار الحيازة شرط لقيامها (5). ويلاحظ ان استمرار الحيازة وتقطعها مسألة موضوعية يترك ….. تقديرها لقاضي الموضوع.

2- العنصر المعنوي :

ويجب كذلك لتحقق الحيازة بالمعنى الصحيح ان تتوفر لدى الحائز …. استعمال الشيء الذي يحوز ، كمالك أو كصاحب حق عيني آخر عليه . وبعبارة أخرى نية الظهور بمظهر صاحب حق عيني يحوز لنفسه ولحسابه الخاص. وهذا العنصر المعنوي هو الذي يحدد ، كما سنرى ما إذا كانت الحيازة قانونية او عرضية. وإذا كان العنصر المعنوي قوامه نية الحائز ، فإنه يشترط فيه ان يكون اهلاً . لأن نية التملك لا تصدر عن عديمي التمييز كالصبي دون السابعة من العمر أو المجنون . وإذا كان الشخص غير أهل لأن تتوفر لديه النية المطلوب لكونه غير مميز أو مجنون، فإن ذلك لا يمنعه من كسب الحيازة عن طريق من ينوب عنه . فيمكن إذن ان يتحقق الرهن المعنوي لدى الولي او الوصي أو القيم (6) . وكذلك الحال بالنسبة للشخص المعنوي إذ يمكن القول بتحقق العنصر المعنوي لدى من يمثله قانوناً.

وفيما عدا ذلك لا يصح ان يتوفر العنصر المعنوي لدى غير الحائز (7) فلو وضع المستأجر، مثلاً ، يده على أرض مجاورة للأرض التي أستأجرها ومارس إلا …… المكونة دون علم المؤجر ، فلا تتوفر للمؤجر حياز : قانونية لتخلف العنصر المعنوي.

انتفاء العنصر المعنوي في الأعمال المبنية على التسامح :

يراد بالأعمال المبنية على التسامح تلك التي لا تستند إلى رخصة أو حق يقرره القانون ، ولكن الغير يتحملها رغم ما فيها من تعد على ملكه تسامحاً منه حفظا لعلاقات حسن الجوار ما دامت لا تبلغ حداً تحرمه من التمتع بملكه على الوجه المعتاد ولا تسبب له ضرراً يعتد به ، كمن يبيح لجاره ان يمر في ارضه أو ان تتدلى اغصان شجره على ملكه او ان يستقى من مياهه . فمثل هذه الاعمال تقوم على اذن المالك الصريح أو الضمني وهي لذلك لا تصلح ان تكون أساساً لحيازة مكسبة لحق (8) ، بل أن المالك يستطيع في أي وقت ، إذا ازدادت المضايقات ، ان يرجع في ترخيصه فيمنع المرور في ارضه مثلاً، دون ان يستطيع الجار ان يدعي كسب ارتفاق المرور ولو مرت على هذا الوضع مدة التقادم. فالأعمال المبنية على التسامح لا تكون حيازة لتخلف الركن المعنوي.

الحيازة القانونية والحيازة العرضية :

الحيازة القانونية هي التي يتوفر لها ركناها المادي والمعنوي . اما الحيازة العرضية فهي حيازة الشيء لحساب الغير ، دون ان تكون لدى الحائز فيه تملكه أو اكتساب حق عيني عليه. فالحيازة العرضية ينقصها العنصر المعنوي. ولهذا فهي لا تعتبر حيازة حقيقية بالمعنى المتقدم حيث يتوفر فيها العنصر المادي دون العنصر المعنوي . ومن اجل ذلك فهي لا تؤدي إلى كسب الحق بالتقادم مهما طالت مدتها (9). ومن امثلة الحائز العرضي المستعير والمستأجر والوديع والوكيل والولي والتابع والناقل . فهؤلاء ينتفعون بالشيء أو يحافظون عليه او يتولون ادارته لحساب غيرهم . ومن ثم تنتفى لديهم نيه الظهور بمظهر المالك أو صاحب حق عيني، فيعتبر كل منعم حائزاً بالواسطة . أما الحيازة القانونية فتكون لمن يعمل هؤلاء لحسابه وهو المغير أو المؤجر أو المودع أو الأصيل أو المتبوع. على انه ليس هناك ما يمنع من ان تقترن الحيازة العرضية بحيازة قانونية كصاحب حق الانتفاع وصاحب حق السكني أو حق الاستعمال والدائن المرتهن رهناً حيازياً. فكل من هؤلاء يكون حائزاً قانونياً بالنسبة للحق العيني الذي له على الشيء ، وحائزاً عرضياً بالنسبة لحق الملكية إذا الحائز الحقيقي هو مالك الرقبة.

تغير صفة الحيازة العرضية :

وإذا كانت الحيازة عرضية فإنها تظل محتفظة بصفتها مهما طال الزمن عليها ، لأن السند الذي يستند إليه الحائز العرضي في وضع يده على الشيء يتضمن اعترافاً منه بملكيتها . وهذا الاعتراف أو صاحب حق عيني آخر ، ومن ثم فإن ذلك يحول دون ان تكون الحيازة العرضية مؤدية إلى كسب مثل هذا الحق. فلا يستطيع الحائز العرضي ان يكسب الملكية بالتقادم ، او ملكية المنقول بالحيازة ، ولا ملكية الثمار للسبب نفسه . كما انه لا يستطيع الاحتماء إلا بدعوى واحدة من دعاوي الحيازة الثلاث هي دعوى استرداد الحيازة.

غير ان الحيازة العرضية قد تتغير صفتها فتنقلب إلى حيازة حقيقية تترتب عليها آثار الحيازة الكاملة. ولكن لا يكفي لذلك مجرد تغير نية الحائز العرضي ، بل يجب ان يتخذ هذا التغيير المظهر الخارجي الذي يتطلبه القانون (10) ، ويكون ذلك بإحدى وسيلتين :

أولاً ــ تغير صفة الحيازة بفعل الغير :

فتتغير صفة الحيازة العرضية بفعل الغير إذا حصل الحائز العرضي على سند من شأنه ان يكسب الحق العيني لو انه كان صادراً من المالك كبيع او هبة أو غير ذلك . فالمستأجر الذي يشتري العين المؤجرة أو تصدر له هبة أو وصية من غير مالكها الحقيقي ، يتغير سبب وضع يده وتصبح حيازته حيازة حقيقية مقترنة بنية التملك.

ويشترط لتغيير صفة الحيازة في هذه الحالة حسن نية الحائز ، أي ان يكون معتقداً ان الغير الذي صدر منه التصرف هو المالك الحقيقي ، لأنه لو كان يعلم بأن هذا الغير ليس مالكاً فيكون قد اراد ان يغير صفة حيازته بارادته وهذه الارادة وحدها لا تكفي لتغيير الحيازة (11).

ثانياً – تغير صفة الحيازة بفعل الحائز :

وكذلك تتغير صفة الحيازة بفعل الحائز ، بأن يتعرض للمالك في ملكه. والمقصود بذلك الأعمال التي يأتيها الحائز العرضي والتي تدل دلالة قاطعة على انه ينكر على المالك ملكيته ويريد الاستئثار بها لنفسه ، سواء كان حسن النية أو سيئها ، كأن يمتنع عن دفع الأجرة أو عن رد المأجور بادعائه ملكيته وانكار حق المؤجر عليه . أما مجرد امتناع الحائز العرضي عن الوفاء بالالتزامات التي يلتزم بها بمقتضى سند حيازته العرضية ، كامتناع المستأجر عن دفع الأجرة ، فلا يكفي لتغيير صفة الحيازة. بل يلزم ان يقترن ذلك بمعارضة حق المالك على النحو المتقدم. وتقدير ذلك امر متروك لقاضي الموضوع.

ويجب ان تكون هذه المعارضة في مواجهة المالك نفسه . فلا يكفي مثلاً ان يدعى المستأجر اما جمع من الناس ، في غيبة المالك ، ملكية العين ، لأن ادعاءه هذا لم يتم في مواجهة المالك (12). ويلاحظ انه إذا كان تغيير صفة الحيازة بفعل الغير يتم بحصول الحائز على سند من شأنه ان يكسب الحق العيني لو انه كان صادراً من مالك الشيء فإن تغيير صفة الحيازة بفعل الحائز يختلف عن ذلك في أن الحائز لا يحصل على سند جديد ، بل هو يهدر سند حيازته العرضية ، فتكون حيازته الجديدة بدون سند (13).

_________________

1- انظر: ريبير وبولانجيه ، جـ 2 ، ف2286 ، كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، باريس 1959 ، جـ 1 ، ف375 ، عبد المنعم الصدة ، حق الملكية ، القاهرة ،1964 ، ف 345 ، الدكتور منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 . ف161 ص373.

2- تقضي المادة 951 ف 1 من القانون المدني المصري بأنه : “تصح الحيازة بالواسطة منى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز وكان متصلاً به اتصالاً لا يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة “. اما القانون المدني العراقي فلم يرد فيه نص خاص بالحيازة بالواسطة ، وكلنه قد اشار إلى هذا الوع من الحيازة لدى تعريفه الحيازة في المادة 1145 ف1بقوله : “الحيازة وضع مادي به يسيطر الشخص بنفسه أو بالواسطة سيطرة فعلية ، ….”.

3-انظر في هذا المعنى : عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف347 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية ، ف161 ص 347 ، وقارن : عبد الفتاح عبد الباقي ، دروس الاموال ، القاهرة ، 1956، ف293.

4- عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف 365 ، عبد المنعم البدراوي، شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956 ، ف 505 ، شاكر ناصر حيدر ، الموجز في الحقوق العينية الاصلية ، بغداد 1971 ،ص 221 ، منصور مصطفى منصور ، الملكية ، 15 ص395.

5- وقد اشارت إلى ذلك المادة 1145 ف2 من القانون المدني العراقي بقولها : (( …. وكذلك لا تقاوم (أي الحيازة) على أعمال متقطعة)). وهو ايضاً ما كانت تشير إليه المادة 1399 من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري.

6- وعلى هذا نصت المادة 950 من القانون المدني المصري بقولها : ويجوز لغير المميز ان يكسب الحيازة عن طريق من ينوب عنه نيابة قانونية ” ولا مقابل لهذه المادة في القانون المدني العراقي.

7- راجع: ريبير وبولانجيه ، جـ 2 ف2290 ، هنري ولون وجون مزو ، ، جـ 2 ، ف2431 ، عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف 349 ، منصور مصطفى منصور الملكية ، ف 163 ص 379.

8- وعلى هذا نصت المادة 1145 ف2 مدني عراقي بقولها ” ولا نقوم الحيازة على عمل يأتيه الشخص على انه مجرد اباحة او عمل يتحمله الغير على سبيل التسامع منه ….”.

9- رجع ريبير وبولانجيه ، المرجع السابق ، جـ 2 ، ف2223.

10- تقضي المادة 1160 من القانون المدني العراقي بأنه : 15 – ليس لاحد ان يحتج بالتقادم على خلاف مقتضى سنده ، فلا يستطيع ان يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته والأصل الذي تقوم عليه هذه الحيازة 20- ولكن يستطيع ان يحتج بالتقادم إذا تغيرت صفة حيازته أما بفعل الغير وأما بمعارضة منه هو لحق المالك . ولا يبدأ سريان التقادم في هذه الحالة إلا من تاريخ هذا التغيير”.

11- انظر في هذا المعنى : ريبير وبولانجيه ، المرجع السابق ، جـ 2 ، ف2328 ، أوبري ورو ، المرجع السابق ، جـ 2 ، ف 82 ، ف180 ، كولان وكابيتان وجوليو دولامور اندبير ، المرجع السابق ، جـ 2 ، ف387 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، الاموال ، ف291 ، عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف357 ، منصور مصطفى منصور ، الملكية ، 163 ، ص386.

12- انظر : كولان وكابيتان رجوليو دولامور اندبير ، المرجع السابق ، ج2 ف 2388 وهامش 1ص 215.

13- انظر: عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف358.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .