كسب الملكية ابتداء ، أي بالاستيلاء ، سبب قديم من أسباب التملك عرفته البشرية منذ القدم ، وقد كانت له اهمية خاصة عند الشعوب البدائية. كما عرفت القوانين القديمة الحرب والغزو سبباً من أسباب الاستيلاء على أموال العدو المهزوم . اما التملك بالاستيلاء في القوانين الحديثة فلا يتم عن طريق القوة او الغلبة ، ولا يرد على شيء مملوك للغير (1). فالاستيلاء في العصر الحديث هو غير السلب والغنائم ، وهو رغم تضاؤل اهميته في الوقت الحاضر فإنه وسيلة لكسب الملكية ما دامت هناك اشياء مباحة مع ملاحظة ان الاستيلاء في القوانين المدنية الحديثة قاصر على المنقولات دون العقارات (2). فالاستيلاء بمفهومه الحديث هو وضع شخص يده على شيء لا مالك له بنية تملكه. فهو بهذا الاعتبار واقعة مادية ؟، هي وضع اليد أو الحيازة ، ولكنها تختلط بارادة التملك (3).

شروط تملك المباحات :

وقد نظمت المواد 1098- 1105 من القانون المدني العراقي الأحكام الخاصة بكيفية تملك الاشياء المباحة. فقد نعست المادة 1098 ف1 على انه : “كل من احرز بقصد التملك منقولاً مباحاً لامالك له ملكه ” ويفهم من هذه المادة انه يشترط لكسب الملكية بالأحراز أو بالاستيلاء الشروط الآتية :

الشرط الأول ــ الاحراز :

الاحراز يعني وضع الشيء في موضع حصين (4) . وهو على نوعين حقيقي وحكمي . فالأحراز الحقيقي يكون بوضع اليد حقيقة ، أو فعلاً على الشيء. كحصد الكلأ أو قطع الاشجار أو جنى الثمار أو مسك الصيد او اخذ الماء باناء من النهر . أما الاحراز الحكمي فيكون بتهيئة سبب الاحراز كوضع اناء لجميع ماء المطر أو نصب شبكة للصيد (م1098 ف2).

الشرط الثاني ــ أن يكون الشيء منقولاً مباحاً :

ومن أجل ان يصح الاحراز أو الاستيلاء ، لابد أن يقع على منقول مباح أي بغير مالك ، كالنباتات والماء والنار والكلاء والحيوانات البرية والبحرية ، والاشياء المشتركة التي يفيد منها الكافة ، ولا يستطيع أحد أن يستأثر بها بمجموعها كمياه الانهار والبحار أو الهواء ، فمن يستحوذ على قدر محدد منها فإنه يمتلكه بالأحراز . وكذلك المياه غير المحرزة اي الجارية على سطح الارض أو مياه العيون والآبار غير المملوكة تكون مباحة كذلك أما المياه في المساقي والقنوات الخاصة فهي ملك لأصحابها. والمنقولات التي كانت سلوكه ثم اصبحت بغير مالك ، وهي الاشياء المتروكة التي يتخلى عنها اصحابها بقصد النزول عن ملكيتها كالملابس القديمة وفضلات الطعام ونحو ذلك ، فإنها يصح الاستيلاء عليها (5).

ويجب التمييز بين الاشياء المتروكة التي تعتبر لا مالك لها وبالتالي يمكن تملكها بالاستيلاء وبين الاشياء الضائعة. فالأشياء الضائعة كالحيوانات الاليفة التي تتسرب من اصحابها والحقائب والامتعة التي يغفل عنها اصحابها في المحطات ووسائل النقل، والنقود التي تضيع من اصحابها تعتبر مملوكة لهم لانهم لم يتخلوا عنها وانما خرجت من تحت ايديهم دون ارادتهم فإذا عثر احد عليها كانت من قبيل النقطة (6) ، ووجب عليه ان يقوم بما يقرره القانون في سبيل اعادة الشيء إلى صاحبه. وقد أحال القانون المدني فيما يتعلق باللقطة إلى أحكام القوانين الخاص فقد نصت المدة(1103) على انه : “الحق في صيد البر والبحر واللقطة والاشياء الاثرية تنظمه القوانين الخاصة”.

الشرط الثالث ــ ان يكون الاحراز بقصد التملك :

ويجب كذلك ان يكون الاحراز مقترناً بقصد التملك (7). فمن يحرز شيئاً لا بقصد تملكه بل بالصدفة فإنه لا يكون مالكه ، بل يبقى الشيء مباحاً لكل أحد. فمن وضع اناء أو اعد حوضاً بقصد جمع الماء فإن الماء المتجمع يكون ملكاً له ، ولكنه لو وضع الاناء في محل بدون قصد جمع الماء فنزل المصر فلا يكون الماء ملكاً له. كذلك فإذا نشر شخص شبكته لأجل تجفيفها ووقع فيها صيد فإنه لا يكون له. وترتب على اشتراط ان يكون الاحراز بقصد التملك انه ليس للصغير غير المميز أو المجنون ان يتملك بالأحراز لانعدام القصد. فإذا كان الاستيلاء واقعة مادية ، فهي بذلك لا تتطلب الاهلية ، ولكنها وجدنا أن هذه الواقعة تختلط بارادة التملك ، وهذه الارادة تفترض قدرا معيناً من الوعي والادراك ، وذلك غير متوفر في الصغير غير المميز أو المجنون. فإذا توفرت الشروط المتقدمة ، كسب واضع اليد ملكية الشيء المستولي عليه فوراً دون اشتراط استمرار الحيازة مدة معينة.

الكنز :

الكنز هو ما يوجد في باطن الارض مما اودعه الانسان نفوذاً كان او حلباً أو سبائك . ولهذا فهو لا يعد جزءاً من الارض التي دفن فيها، فلا يتناوله ملكها. وينبغي التمييز بين الكنز وبين المعادن فالمعادن هي ما يوجد في باطن الارض من اصل الخلقة والطبيعة . سواء كانت صلبة كالذهب والفضة والنحاس او سائلة كالزئبق والنفط ، أما الكنز فهو المدفون في باطن الارض بفعل اصحابه الاولين أو على اثر حادث من حوادث الطبيعة يؤدي إلى طمر بلد في باطن الارض بما فيه من ثروات. وقد نظمت المادة (1101) من القانون المدني العراقي أحكام الكنز فقضت بأن : ” الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع احد ان يثبت ملكيته يكون لمالك العقار أن كانت الارض مملوكه وللدولة ان كانت الارض اميرية ولجهة الوقف ان كان الارض موقوفة وقفاً صحيحاً “.

فيتبين من ذلك انه يشترط للكنز ما يلي:

(1) ان يكون منقولاً ، إذ لو كان عقاراً لا صبح جزءاً من العقار الذي وجد فيه فيسرى عليها ما يسرى على هذا العقار من احكام.

(2) ويجب ان يكون هذا المنقول مدفوناً او مخبوأ . فالمنقول الثمين الذي يوجد في مكان ظاهر لا يكون كنزاً، بل يعتبر منقولاً ضائعاً. ويستوى في الكنز ان يكون مدفوناً في ارض أو مخبوء في عقار آخر كسقف أو جدار.

(3) ويجب إلا تثبت ملكيته لاحد . إذ لو ثبتت ملكيته لشخص آخر غير صاحب العقار الذي وجد فيه الكنز فإنه هو الذي يكون صاحب الحق فيه (8).

وطبقاً للمادة (1101) من القانون المدني فإن الكنز يتبع العقار في ملكيته. فهو لمالك الارض إذا كانت الارض مملوكة ، وللدولة إذا كانت الارض اميرية ، ولجه الوقف ان كانت الارض موقوفة وقفاً صحيحاً (9). والكنز من حق مالك رقبة الارض ، فلا يعطي لمن له على تلك الارض حق انتفاع او اجارة او غير ذلك. ويبدو ان أساس الحكم الوارد في المادة (1101) هو انه طالما ان ملكية الكنز لم تثبت لاحد آخر غير مالك العقار فيكون هذا هو حق الناس به (10).

فيتضح ان كسب ملكية الكنز في القانون العراقي ليس اساسه الاستيلاء ثم ورود المواد التي تنظم احكامه بين النصوص الخاص بالاستيلاء . فالكنز لمالك العقار الذي يوجد فيه ، ولو كان الذي عبر عليه شخص آخر وضع يده عليه بنية تملكه ، فلا يكون لهذا الاخير اي حق فيه (11)، مع أن العدالة تقتضي ان يكون لمن وجد الكنز نصيب فيه (12). وهذا ما أخذت به بعض القوانين الفرنسي (13).

الآثار القديمة :

والآثار القديمة إذا كانت من المنقولات فإنها لا تعتبر كنوزاً ، وإذا كانت من العقارات فإن ملكية الارض لا تكسب صاحبها حق التصرف في الأثار التي توجد فيها، كما انها لا تخضع لاحكام الاستيلاء ، بل تخضع لاحكام القوانين الخاص بها (14). ومن هذا يتضح ان قوانين الآثار القديمة هي من اخطر القيود التي ترد على حق الملكية. وقد نظم احكام الاثار القديمة قانون الأثار رقم 59 لسنة 1936 وتعديلاته فيتبين من ذلك ان الآثار ليست من الاشياء المباحة التي يجوز اكتساب ملكيتها بالاستيلاء عليها، فهي لا تعتبر ملكاً لمن وجدها أو غير عليها . وهي من جهة اخرى لا تتبع ملكية الأرض لأنها من املاك الدولة العامة.

الصيد :

الصيد هو اقتناص حيوان متوحش طبعاً مع قدراته على الفرار وحكمه انه مباح براً وبحراً (م1102 ف1 مدني) . على انه يشرط لاعتبار الحيوان محلاً للاستيلاء ان يكون وحشياً غير اليف ، حتى ولو كان من صفار الحيوان أو فراخه. فالحيوانات الداجنة او المستأنسة لا تصلح لذلك والغالب ان يكون لهذه الحيوانات مالك. ويشترط كذلك ان يكون الصيد ممنعاً من الانسان بقدرته على القرار (1102 ف1 مدني).

فإذا توفر هذان الشرطان كان الحيوان مباحاً لا مالك له. فيكون ملكاً لاول من يستولي عليه بالفعل . وهذا هو الاستيلاء الحقيقي . أو لمن يجعنه في حال يعجر معها عن القرار والخلاص . وهذا هو الاستيلاء الحكمي. فيكون الحيوان في هذه الحالة ملكاً للصائد ولا يجوز لغيره ان يستوفي عليه ولو وقع في ارض هذا الغير. وقد اقتصر المشرع في تنظيم حكم الصيد في القانون المدني على نص المادة (1102) اكتفاء بأحكام القوانين الخاصة التي حالت عليها المادة (1103) بقولها : “الحق في صيد البر والبحر . . . تنظمه القوانين الخاصة ” (15).

_______________

1- ولهذا فإن مصطلح “الاستيلاء” الذي يشبع استعماله ليس بالمصطلح الدقيق ، وأولى منه ان يقال ” وضع اليد ” أو الاحراز”.

2- انظر المادة 1098 من القانون المدني العراقي ، والمادة 870 من القانون المدني المصري. وإذا كانت المادة 874 من القانون المدني المصري تنظم الاستيلاء على عقار ليس له مالك فإنها قد الغيت بالقانون رقم 100 لسنة 1964 ، وبذلك لم يعد في القانون المصري ، أي مجال للاستيلاء على العقارات (راجع في ذلك : منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ف109) (راجع : كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، ج2 باريس 1959 ، جـ 2 ، ف742 ريبير وبولانجيه ، ، جـ 2، ف2768).

3- راجع: السنهوري ، الوسيط ، جـ1 ، ف23.

4- انظر: ما ورد في درر الحكام شرح مجلة الاحكام ، لعلي حيدر ، جـ 3 ، ص151.

5- تنص المادة 1104 من القانون المدني العراقي على انه : “يصبح المنقول مباحاً إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكية” . وتضيف المادة 871 من القانون المدني المصري إلى ذلك الحيوان غير الأليف ، إذ يعتبر لا مالك له ما دام طليقاً ، وإذا اعتقل حيوان منها ثم اطلق بعد الاعتقال ، فإنه يعود لا مالك له (راجع : عبد المنعم فرج الصدة ، حق الملكية ، القاهرة ، 1964 ، ف 242).

6- اللقطة هي المنقول الصائغ الذي لا يعرف صاحبه.

7- يقرر بعض رجال الفقه الاسلامي ان “ترتيب الملكية على الاستيلاء الحقيقي لا يحتاج إلى قصد ولا يشترط في تماماه نيه التملك . ولهذا يعتبر كل ما من يفعله ولو كان غير اهل للالتزام. وانبنى على ذلك ان المجنون والصغير الذي لا يميز إذا تناول كل منهما مالا مباحاً تملكه ، وان المميز إذ تناوله بقصد النظر إليه لا بقصد التملك تملكه بذلك ايضاً، لان القصد إلى ذلك في هذا النوع ليس شرطاً “.

غير ان المادة 1250 من المجلة صريحة في اشتراط القصد في الاحراز دون تمييز بين احراز حقيقي أو حكمي ، فهي تقدر بأنه : “كون الاحراز مقروناً بالقصد لازم”. ص176 في هذا المعنى الزرقاء ، ، جـ 1 ف413. عكس ذلك : عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية ، ج2، الحق، الكويت 1970 ، جـ 2 ، ف460.

8- راجع : ريبير وبولانجيه ، جـ 2 ، ف2782 وما بعدها.

9- الاراضي الموقوفة وقفأ صحيحاً في الاراضي المملوكة . أما الاراضي الموقوفة وقفاً غير صحيح فهي الاراضي الاميرية التي وقفتها الدولة أو صاحب حق التصرف.

10- في هذا المعنى : اسماعيل غانم ، حق الملكية ، طـ2 ، القاهرة ، 1961، جـ 2 ، ص6 ، عبد المنعم فرج الصدة ، المرجع السابق ، ف244.

11- انظر عبد المنعم فرج الصدة ، المرجع السابق ، ف244 ، شاكر ناصر حيدر ، الموجز في الحقوق العينية الاصلية ، بغداد 1971 ، ص204.

12- في هذا المعنى : منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ص280.

13- انظر المادة (716) مدني فرنسي .

14- انظر المادة 1103 مدني عراقي.

15- انظرك فلا قانون تنظيم صيد واستغلال الاحياء المائية وحمايته رقم 48 لسنة 1976 المدني بالقانون رقم 10 لسنة 1981.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .