تقنين الأحوال الشخصية.. ضرورة لا ترف
​بدء التعرف على قانون الأحوال الشخصية كمصطلح في بدايات القرن الماضي حيث تم صياغة الأحكام الشرعية الإسلامية ضمن إطار حديث مترادف مع القوانين، مع الالتزام بروح الشريعة الإسلامية في مضامين الأحكام، أخذاً بالراجح منها دون التقييد بمذهب معين.ونتيجة للتطورات المتلاحقة في الجانبين السياسي والاجتماعي بدأت الدول بالأخذ بمبدأ صياغة بعض أحكام الشريعة على شكل مواد قانونية وذلك بالإستناد إلى كتب الفقة المعتمدة والمراجع الشرعية الصحيحة، وذلك للأثر الإيجابي من حيث التأكد من سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على أحوال الناس، وحتى تسود الطمأنينة على كافة المتعاملين بالقانون من قضاة ومحامين ومتقاضين.

أن عدم وضوح حقوق وإلتزامات كل فرد من أفراد الأسرة يؤدي إلى ظهور المشاكل التي قد تتعدى محيط العائلة وتصل إلى أروقة المحاكم أو إلى الرأي العام. فلو عرف كل من الزوج والزوجة ماله وماعليه اطمأنت نفسه، وسكن إلى زوجه فتعمهما المودة والرحمة، وخلاف ذلك يؤدي إلى عدم الرضا عن الأحكام الصادرة وتكون نتيجتها تعقيد العلاقات الأسرية وزيادة المشكلات في المجتمع، والتي تنعكس بدورها على الأجيال المتعاقبة بدلاً من أن يكوم القضاء الشرعي وسيلة لرأب الصدع ولم شمل الأسرة.

إن الهدف من التقنين ليس أبداً نقل سلطة استنباط الأحكام من كتاب الله عز وجل إلى البشر، أو وضع أحكام الله في معرض العبث والتلاعب والتغيير والتحريف، بل الهدف هو توحيد الأداة التشريعية عند التعامل مع قضايا الأسرة عبر تدوين وتنظيم الأحكام الشرعية المتناثرة في بطون الكتب الفقهية وتقليل التباين بين أحكام القضاة، حسبما يتفق عليه الفقهاء والعلماء والقضاة الشرعيين، وفي ضوء الشريعة الإسلامية ابتداء واستمرار، ودون تصرف في البنود الشرعية، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العصرية التي تتطلب معالجات مجتهدة لخدمة أحوال الأسرة وتمكين أفرادها من حقوقهم الشرعية.وجود قانون الأحوال الشخصية يعطي للقاضي فسحة لاستنباط الاحكام الشرعية في القضايا الشرعية المطروحة عليه وحل المنازعات من زواج ووصية ونفقة واثار الزواج والطلاق.

إن القاضي الشرعي في حالة وجود قانون للأحوال الشخصية بأمكانه استنباط الحكم الشرعي سواء فيما يتعلق بأحكام الخطبة والزواج والطلاق وغيرها فنجد انه في المحاكم الشرعية لم يصدر حكم نفقة الطلاق ألي امرأة وكذلك الحال بالنسبة الى التحكيم بين الزوجين في حالة الخلاف بين الزوجين حيث ان التحكيم يخفف من الخلافات الزوجية من خلال ندب القاضي حكمين من اهل الزوجين لتقريب اوجه الخلاف بين الزوجين ووضع الحلول للمسائل المتنازع عليها. ويجب إلى جانب تقنين أحكام الأحوال الشخصية زيادة عدد المحاكم بالإضافة إلى بناء نظام قضائي قوي.

إن عملية التقنين من المنظور الحقوقي، ستسهم بلا شك في حل جزء كبير، من الإشكالات العديدة التي تتعرض لها الأسر في مسائل الطلاق التعسفي وآثاره، وتأخير الفصل في الخصومات وغيرها من القضايا اليومية الكثيرة التي تحولت إلى ظواهر اجتماعية مهددة للأمن الأسري دون أن يحرك القضاة أو رجال الشريعة ساكنا، ذلك أنه في الوضع الحالي تختلف غرف المحكمة الواحدة في القضايا المتشابهة مثل الحضانة مثلا، فبعضهم يقول سنتان وبعضهم يقول سبع سنين مما يجعل المتخاصمين يتوجهون على المحكمة التي تحكم لصالحه. ويجب في ذلك الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العصرية فيما يخص النفقة والعدل بين الزوجات ومستوى معيشة الأطفال، والتحقق من صحة المعلومات المقدمة من المتخاصمين وغيرها للبت بأحكام منصفة.

مشاعل السناني

مستشارة قانونية – برنامج الأمان الأسري الوطني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت