المفاجأة الحقيقية (التلبس بالزنى) :

أن حالة المفاجأة بالتلبس بالزنى، توهم لأول وهلة بلزوم وقوع الفعل الجنسي وقت المفاجأة، ولكن الحقيقة غير ذلك، إذ أن التلبس يمكن أن يتوفر حتى وأن لم ير الجاني المشهد الجنسي متى وجدت قرائن قوية تحمل على الاعتقاد بوقوع فعل الزنى أو بقرب وقوعه، ذلك لأن هاتين الصورتين المتطرفتين متقاربتان تماماً لحالة الزنى الصريحة ولأنهما تختلطان في ذهن الزوج مع الزنى الحقيقي ولأنهما يحدثان نفس التأثير البسيكولوجي للاستفزاز(1). فالتلبس بالزنى لا يعني مشاهدة الزوج زوجته (أو إحدى محارمه) اثناء اتصالها الجنسي بعشيقها، إذ لو فهم التلبس في هذا المعنى لضاق نطاق التلبس على نحو غير مقبول فضلا عن أن ثورة الزوج (أو المحرم) ليست مقتصرة على هذه الحالة، فالتلبس في هذا المدلول يعني – فضلا عن مشاهدة الزوجة (أو احدى المحارم) اثناء الاتصال الجنسي – كل وضع لا يدع مجالاً لشك في ان الزنى قد ارتكب أو هو على وشك ان يرتكب(2) ، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه (لايشترط في التلبس بجريمة الزنى أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنى بالفعل، بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك عقلاً في أن جريمة الزنى قد ارتكبت بالفعل)(3). أي أن التلبس بالزنى لا يقصد به أن تشاهد الزانية لحظة ارتكاب فعل الزنى نفسه بحيث تصبح الخيانة – من الناحية الواقعية- حقيقة ثابتة، بل المقصود أن تكون فكرة الخيانة – من الناحية التصويرية- ماثلة أمام الزوج(4). وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (إذا فاجأ المتهم شقيقته في غرفتها وقد أخفت فيها عشيقها الذي مارس العمل الجنسي معها، تحت فراشها وقتله في الحال فتكون جريمة القتل المرتكبة معاقباً عليها بالمادة (409) عقوبات)(5). كما قضت محكمة النقض المصرية (بعّد حالة التلبس قائمة متى دخل الزوج على زوجته فوجد معها رجل غريباً وكليهما بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بجوار بعض)(6). كما قضت بأنه (عندما عاد الزوج الذي كان متغيباً عن البلد اثناء الليل على غير توقع من الزوجة، فتلكأت طويلاً في فتح الباب وظهر عليها الارتباك عند رؤيته، ولما دخل غرفة النوم وجد حالتها مريبة، فقام بفتح الحجرة التي ينام فيها اولاده، وعندئذ فوجئ بالمتهم بجوار سرير الاولاد منهمكا في لبس بنطلونه)(7). وعلى أساس ما تقدم يمكن ان نخرج بنتيجة الا وهي أنه لا تعد من حالات التلبس بالزنى، كل حالة لا ينطبق عليها الوصف المتقدم ذكره ومنها على سبيل المثال:

اولا- لا يعد التلبس بالزنى متوفراً في غير حالة المفاجأة بهذا التلبس. وقد قضت المحكمة العليا في ليبيا في هذا الصدد بأنه (…إذا كان الثابت من اقوال الطاعن في التحقيقات والتي اخذت بها محكمة الجنايات في تصوير الواقعة أنه وجد المجنى عليه متجها في سيره نحو بيته وسأله عن وجهته ولم يجبه فأنهال عليه ضرباً وطعناً حتى ارداه قتيلاً وكانت زوجته وقتئذ في بيتها فأن ذلك لا ينهض دليلاً على وجود تلبس بالزنى مع زوجته ويكون النعي على الحكم بخطاه في معاقبته على جريمة القتل دون تطبيق المادة (375) عقوبات على غير أساس)(8). علما أنه يجب أن يشاهد الشخص حالة التلبس بنفسه فلا يكفي ان يخبره الغير بأنه عاين الزوجة (او احدى المحارم) في هذا الوضع، ذلك أن الاستفزاز الذي يبرر قيام العذر لا يتوفر بهذا الشرط(9).

ثانياً- إذا ما عقد شخص على أمرأة بعّدها بكراً ولم يرها الا عند الدخول بها فإذا هي حامل، فهاله هذا بعد أن صارت زوجته وايقن بسبق زناها واخرجه الغضب عن وعيه فقتلها، فلا يمكن ان ينطبق عليه العذر المخفف الذي يشترط القتل عند مفاجأته بتلبسها بالزنى لا بزناها السابق(10). وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن (الاعذار القانونية استثناء لا يقاس عليها وعذر الزوج في قتل الزوجة خاص بحالة مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنى فلا يكفي الزنى بعد وقوعه بمدة مذكورة) (11).وكذلك الحال إذا فوجئ شخص بأحدى محارمه غير المتزوجة حاملاً من علاقة غير مشروعة فقتلها فلا يستفيد من العذر المنصوص عليه (409) عقوبات لاقتصار هذا النص على حالة المفاجأة بالتلبس بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع الشريك.

ثالثاً- لا تتوفر حالة التلبس بالزنى إذا فوجئ الزوج أو المحرم بالاطلاع على رسالة في حقيبة زوجته أو احدى محارمه تفيد علاقتها الجنسية بشخص آخر، وتحت تسلط الغضب عليه قتل الخائنة فأنه لا يستفيد من العذر القانوني المخفف ويّعد فعله جريمة قتل عادية(12). وكذلك نعتقد بأنه لا يّعد تلبساً بالزنى الصور الفوتغرافية وأفلام الفديو الجنسية لأن العصر الحديث شهد تطوراً هائلاً في مجال التصوير الفوتغرافي ويمكن الآن الجمع بين شخصين في صورة واحدة وربما لم يلتقيا من قبل ولم يشاهدا بعد، فهي ليس تلبساً مادياً أو فعلياً.

رابعاً- إذا فوجئ شخص بزوجته أو إحدى محارمه متلبسة بالسحاق(13) مع امرأة اخرى، فأنه لا يستفيد من العذر المخفف أن ارتكب جريمة القتل أو الاعتداء حال المفاجأة به، لأن النص القانوني يقتضي أن يفاجأ بها متلبسة بالزنى، والسحاق ليس بزنى(14). وكذلك لا يّعد زنى إذا ما مكنت المرأة من نفسها حيواناً، لأن الوطء لم يحصل من إنسان(15). فالمفاجأة به لا تّعد مفاجأة بالتلبس بالزنى وبالتالي لا يتوافر العذر المخفف عند ارتكاب الجريمة في هذه الحالة. كما نعتقد أنه لا يّعد تلبساً بالزنى مشاهدة الزوج لشخص آخر مختبئاً تحت سرير الزوجة أو إحدى المحارم ولا تربطه بها علاقة غير مشروعة ولكنه مختبئاً بقصد السرقة مثلاً. ولكن هل للتلبس بجريمة الزنى معنى خاصاً به ام يجب التقيد بمعنى التلبس الوارد في قانون اصول المحاكمات الجزائية(16)؟ يذهب رأي(17) إلى القول بأنه لا يفهم التلبس في المدلول الذي يحدده قانون اصول المحاكمات الجزائية، إذ قد حدد الشارع هذا المدلول مستهدفا اعتبارات اجرائية لا شأن لها بسبب التخفيف، فللتلبس في مجال جريمة الزنى معنى آخر، فيكفي في هذا المقام ان تشاهد الزوجة وشريكها في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنى قد ارتكب او هو على وشك ان يرتكب. ولا يشترط ان يشاهد الزوج زوجته (او احدى محارمه) لحظة ارتكاب فعل الزنى نفسه. وهذا الرأي تؤيده أحكام القضاء، فقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه (التلبس بجريمة الزنى تحققه مشاهدة المتهم في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالا للشك في أن الجريمة ارتكبت بالفعل)(18). ويذهب رأي آخر إلى ان التلبس يجب ان يحمل على مفهومه المحدد في قانون الاجراءات ذلك ان التلبس مفهوم قانوني اجرائي والتخفيف في العقوبة هو أثر قانوني مترتب على توافر احدى حالاته، واذا كان يكفي ان تشاهد الزوجة او شريكها في ظروف لا تترك مجالا للشك في ان الزنى قد وقع فأن ذلك تطبيق للحالة الأولى من حالات التلبس وهي مشاهدة الجريمة حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة يسيرة(19) يصح عدّها امتدادا لزمنه، فيتصور- لأنطباق الحكم – أن يكتشف الزنى لحظة وقوعه او بعده ببرهة وجيزة لا يتاح فيها للزانية ولا الزاني مغادرة مسرح الخطيئة وهذا يقطع بلزوم التقارب الشديد بين زمن ارتكاب الزنى وزمن اكتشافه، وهو اكثر اتفاقاً مع مفهوم التلبس في الاذهان، فالتلبس –لغة واصطلاحاً – ليس جوهره الدليل القاطع وأنما جوهره التعاصر والتقارب الزمني الشديد بين وقوع الأمر واكتشافه(20). يذهب رأي ثالث(21) إلى ان التلبس يتحقق ابتداءاً إذا كان مما تنطبق عليه المادة الخاصة بذلك في قانون الإجراءات، كما يتحقق كذلك إذا وجدت الزوجة في حالة لا تدع مجالاً للشك في أن الفعل قد ارتكب، وكذلك إذا وجدت قرائن قوية تحمل الزوج على الاعتقاد بذلك ولو لم يكن الفعل قد وقع أو مقدراً له ان يقع. نعتقد ان التلبس مع ان له معناه الخاص في مجال جريمة الزنى، وهو معنى يختلف عن المعنى الذي يحدده قانون اصول المحاكمات الجزائية للجريمة بصفة عامة، أي لا يشترط ان يفاجأ بالزوجة او احدى المحارم حال ارتكابها للفعل نفسه. ومع ذلك يمكن القول ان الزانيين يكونان في حالة تلبس بالزنى استنادا لما نصت عليه المادة (1/ب) الأصولية من أن الجريمة تكون مشهودة إذا شوهدت حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة يسيرة، كما لو فوجئ شخص بزوجته او احدى محارمه مع عشيقها سواء حال ارتكابهما للفعل الفاحش او بعد الانتهاء منه وهما لا يسترهما شئ من ملابسهما وما زالا على مسرح الجريمة، أي ان الزوج “يشاهد السلوك الاجرامي المكون للركن المادي للجريمة لذلك يصح تسميتها بالجريمة المتلبس بها فعلاً”(22). ففي قضية شوهد المتهمان فيها في فراش واحد وأنه كشف عنهما الغطاء قبل ان يباشرا الجماع، قضت محكمة التمييز في العراق بوقوع جريمة التلبس بالزنى إذ قالت (ان الفعل التام أي الوصال الجنسي يحتاط له بسرية يكاد يستحيل الوقوف عليه عياناً، ولهذا لم يشترط القانون ثبوت وقوعه عيانا بل ترك للمحكمة ان تستخلص ذلك بالقرائن الحسية والأدلة الأخرى، كمشاهدة الزاني والزانية عقب الفعل مباشرة أو في حالة لا تدع مجالاً للشك في أن الجريمة ارتكبت)(23).

_______________________

1- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص228.

2- ينظر د. محمود، نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص137 وما بعدها.

3- الطعن رقم 477 لسنة 44 ق. جلسة 10/6/1974. اشار إليه معوض عبد التواب، الموسوعة الشاملة في الجرائم المخلة بالآداب العامة وجرائم هتك العرض، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1983، ص425.

4 -ينظر د. جلال ثروت، نظرية القسم الخاص، مرجع سابق، ص263.

5- القرار رقم 161/موسعة ثانية/85-86 في 13/5/86 . اشار إليه ابراهيم المشاهدي ، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، مرجع سابق، ص224.

6- نقض 18/مارس/1940 . اشار إليه محمود احمد عمر، مجموعة القواعد القانونية، ج5، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، رقم القضية 80، 1946، ص142.

7- نفض 16/نوفمبر/1964. اشار إليه حسن الفكهاني، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، ج41، الدار العربية للموسوعات، القاهرة، 1980، ص609. كما قضت (بأن الزوجة تكون متلبسة بالزنى إذا شاهد الزوج رجلاً مختفياً تحت السرير وخالعاً حذائه وكانت زوجته عند قدومه لا شئ يسترها غير جلابية النوم). نقض 2/12/1935. اشار إليه محمود احمد عمر، مرجع سابق، ج3، رقم القضية 409 ، ص413.

8- المحكمة العليا في ليبيا في 8/يونية/1955. اشار إليه د. ادوار غالي الدهبي، مرجع سابق، ص88.

9- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص138.

10- ينظر د. احمد حافظ نور ، مرجع سابق، ص389.

11- نقض مصري في 21/12/48 طعن 2131 سنة 18 ق. اشار إليه د. معوض عبد التواب، الموسوعة النموذجية في الدفوع، ج4، ط3، الدفوع الجنائية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2001، ص408.

12- ينظر د. أدوار غالي الدهبي، مرجع سابق، ص88.

13- السحاق: عرفته المادة (268) من قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994 لجمهورية اليمن بأنه (اتيان الأنثى للأنثى). وهو نفس التعريف الذي اورده الفقه. ينظر د. عبد الخالق النواوي، جريمة الزنى، مرجع سابق، ص34.

14- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص232.

15- ينظر علي السماك ، مرجع سابق، ج2، ط1، 1964، ص300.

16- يسمى قانون اصول المحاكمات الجزائية في بعض الدول بقانون الاجراءات الجنائية، كمصر وليبيا. وقد عرف قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 الجريمة المشهودة في المادة (1/ب) منه وينظر بنفس المعنى ايضا المادة (30) من قانون الاجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950. والمادة (28) من قانون اصول المحاكات الجزائية السوري رقم (112) لسنة 1950.

17- ينظر د. رمسيس بهنام، قانون العقوبات- جرائم القسم الخاص، مرجع سابق، ص851. د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات –القسم الخاص، مرجع سابق، ص137. د. محمود محمود مصطفى ، مرجع سابق، ص237. د. محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص87. د. عمر السعيد رمضان، مرجع سابق، ص235.

18- الطعن رقم 1357 جلسة 12/10/1983. اشار اليه د. معوض عبد التواب،الدفوع النموذجية، مرجع سابق، ص193.

19- ينظر د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص91. د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات -القسم الخاص، ج2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982، ص87-88.

20- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق، ص118.

21- ينظر د. رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص88.

22- ينظر د. اكرم نشأت ابراهيم، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن، مرجع سابق، ص74.

23- القرار رقم 216/هيئة عامة ثانية /77 في 8/10/1977. مجلة القضاء، نقابة المحامين في العراق، ع1 و2، س33، دار الحرية للطباعة، 1978، ص380.

المفاجأة الحكمية (الوجود في فراش واحد مع الشريك) :

وسنبحث في معنى الفراش الواحد، وفي موقف محكمة التمييز في العراق منه.

أولاً: معنى الفراش الواحد:

الفِراَش ، قد يكنى به عن المرأة، وفَرَشَ الشيء يَفْرشُه بالضم فِراَشاً بالكسر ، بسطه. وافتَرشَ الشيء انبسط. وافْتَرشَه وطِئَه(1)، فالفراش في الحقيقة المرأة لأنها هي التي توطأ(2). والفراش الواحد كما عرفته محكمة التمييز في العراق بأنه (ما يفترشه الشخص ويضطجع عليه بصرف النظر عن نوعه)(3). كما قضت بأنه (يقصد به الحالة المريبة التي يغلب معها الظن بوقوع الجماع أو وشك وقوعه كما لو شوهدت الزوجة أو إحدى المحارم مع شخص آخر على فراش واحد أو تحت غطاء واحد)(4). وقد عرفه الفقه بأنه كل خلوة مريبة مع العشيق في أي مكان كان، على الارض، على الأريكة، أو في السيارة أو في العربة، بشرط أن تتوفر لدى الشريك صفة العشيق أي صفة الرجل الذي له علاقات جنسية غير مشروعة مع المرأة. فإذا ضبطت في حالة لا تدع مجالاً للشك بأنها عشيقة يستفيد القاتل من العذر القانوني. كما لو شاهدها في حالة عناق مع عشيق لها، أو رآها في سيارة إلى جانب عشيقها وهي واضعة ذراعها حول رقبته، ومن باب أولى إذا عثر عليها في غرفة واحدة وهما في وضع مريب(5). كما يعّد فراشاً واحداً وجود المرأة مع رجل غريب عنها في محل مريب وبحالة تدعو إلى الاعتقاد بأن بينهما علاقة جنسية، لأن وجود المرأة هناك قرينة قوية على أن فعل الزنى واقع لا محالة(6). وبذلك فالفراش يتسع مفهومه ليشمل أي موضع مريب لوقوع الوطأ أو التمهيد لوقوعه(7). فأنفراد الزوجة أو ذات الرحم المحرم مع شخص أجنبي في أي مكان منعزل وفي وضع مريب يّعد خلوة صحيحة وبالتالي تّعد موجودة في فراش واحد مع عشيقها ولو ضبط وهو لم يباشر بعد العملية الجنسية الفعلية معها، فالخلوة الصحيحة تقوم شرعاً مقام الزنى(8). وبذلك يكون المقصود بالفراش الواحد المنصوص عليه في المادة (409) عقوبات عراقي هو ليس الفراش الذي اعتاد الناس اتخاذه مضجعاً أو مكاناً للنوم والراحة وأنما كل مكان يجمع بين اثنين ويمكن معه مزاولة العمل الجنسي وهو لا ينصرف إلى الشئ حسب وأنما إلى الهيئة والحالة التي وجدت فيها الزوجة أو إحدى المحارم مع شريكها(9)، ويكفي أن تضبط المرأة مع رجل في وضع يدل على أنه عشيق لها أياً كان مكان ضبطهما إذ يتوفر العذر بشرط أن تكون هيئتها وهيئة من معها، تدل على أنه عشيقها(10). وبذلك يمكن القول أن الفراش الواحد هو كل وضع أو خلوة مريبة توجد فيها المرأة-زوجة أو إحدى المحارم- مع عشيقها في أي مكان وبهيئة تدعو إلى الاعتقاد ولا تدع مجالاً للتردد أو الشك بأن بينهما علاقة جنسية. وتجدر الاشارة إلى أن وجود المرأة في الفراش الواحد هو أمر ترك تقديره إلى محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف القضية وملابساتها(11)، إذ أن لظروف الحادثة أهمية كبيرة في ذلك. وأن قوانين أخرى قد نصت على الاستفادة من العذر المخفف في حالة وجـود المرأة في فراش غير مشروع كقانون العقوبات الاردني(12)، أو في الحالة المريبة كالقانون السوري واللبناني. والحالة المريبة تفترض وضعاً مادياً مخلاً في ذاته بالاخلاق وخالقاً للشك في أن الجماع غير المشروع قد ارتكب أو يحتمل ارتكابه، ومثالها مفاجأة المجنى عليها مع رجل في داخل مسكن احدهما أو في غرفة استأجرها احدهما في فندق وكانا محتفظين بملابسهما ولكنهما في وضع غير لائق ومن ثم مثير للشبهة في سلوكهما(13). فالمقصود بالحالة المريبة هو أن تكون فكرة الخيانة ماثلة في الذهن(14)، وقد بينت محكمة التمييز الجزائية اللبنانية بأن الحالة المريبة هي (كل وضع من شأنه أن يخلق الاعتقاد بحصول أو توقع حصول فعل الجماع غير المشروع مع آخر)(15). والحالة المريبة لا تقوم بمجرد شائعات عن سلوك المجنى عليه كما لا تقوم إذا كان الجاني قد عاين المجنى عليه في وضع تأباه التقاليد لكنه لايثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بالفعل بينها وبين آخر أو توقع قيامها كما لو شاهدها تقف مع رجل في الطريق العام(16)، وقد قضت محكمة النقض السورية بأنه (لاتتوفر الحالة المريبة إذا قتل شخص ابنته لمجرد أنها صارحته بحبها الآثم لعشيقها)(17). وهناك اتجاه في الفقه يرى أن عبارة (حالة مريبة) التي وردت في النص السوري واللبناني اوسع نطاقاً من عبارة (وجودها في فراش واحد مع عشيقها) الوارد في المادة (409) عقوبات عراقي، فبموجب العبارة الأولى تكون فكرة تدنيس الشرف ماثلة في الذهن، ورغم أن الجاني لم يشهد الزنى غير أن واقع الحال يقطع في الدلالة على أن جرم الزنى قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع، وبذلك يكون القانونان اللبناني والسوري اكثر توفيقاً سواء من حيث اتساقه مع ظروفنا الاجتماعية أو من حيث تجاوزه في التعبير لما قد يثير تفسيراً مختلفاً في التطبيق(18). وأن عبارة الفراش الواحد قد يفهمها الإنسان البسيط او غيره بأنها سرير المنام او ما شابه، لكن نعتقد ان المشرع العراقي قد احسن اختيارها لغويا لأنصراف معناها إلى المرأة التي تكنى بالفراش عندما توجد في وضع مريب او خلوة مع آخر ولأنها هي التي توطأ. وهناك جانب من الفقه المصري يرى انه لما كان دون الوطأ من الفاحشة لايّعد زنى فأن التلبس به لا يكفي لأنطباق حكم المادة (237) عقوبات فلا يعذر الزوج إذا ثار ثائره لمرآى هذه الأفعال فقتل زوجته وشريكها، ومن قبيل اعمال الفحش التي لا تعد وطئاً العناق والتقبيل والمضاجعة التي لا يخلع العاشقان فيها ما عليهما من ثياب(19).

ثانياً: موقف محكمة التمييز في العراق من الفراش الواحد

يلاحظ ان محكمة التمييز في العراق في قراراتها القديمة بالنسبة لحالة التلبس بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع الشريك، انها قد اشترطت أن تكون المفاجأة مؤكدة ولا يمكن أن تكون القرينة كافية لاستفادة الجاني من العذر المخفف. ففي قضية قتل المتهم فيها إحدى محارمه بضربه اياها بعصى كان يحملها احدث لها كسورا في رأسها أدى ذلك إلى موتها، وذلك عندما رجع من مزرعته شاهد المدعو (ل) الذي هرب من ربعة البيت وشاهد المقبورة (ش) عارية وعليها عباءة فقط فتأكد لديه أن عشيقها (ل) كان معها في فراش واحد. لكن محكمة التمييز قالت (…وجد ان المتهم لم يرتكب فعل القتل في حالة مشاهدته ارتكاب القتيلة الزنى مع الرجل الذي هرب اثناء دخوله الدار ولم يشاهدها مع عشيقها في فراش واحد اثناء القتل، لذا فأن تطبيق المادة (216) عقوبات بغدادي بحقه كان في غير محله إذ إن المادة الواجبة التطبيق في هذه الحالة يجب أن تكون المادة (212) عقوبات بغدادي)(20)، (المقابلة للمادة (405) عقوبات عراقي). ونعتقد أن حالة الفراش الواحد متحققة في هذه الواقعة، لأن وجود المجنى عليها عارية لا يسترها غير العباءة، وهي قرينة كافية على التلبس فالمجنى عليها في وضع مريب حقاً ولا حاجة لمشاهدة ارتكابها للزنى. وبالتالي يستفيد الجاني من العذر المخفف. كما قضت محكمة التمييز في قضية أخرى بأنه(لا يّعد قتل المحارم في المبغى العام بمثابة القتل مع التلبس بالزنى المنصوص عليه في المادة (216) بل قتلاً يعاقب عليه بمقتضى المواد المخصوصة)(21). ونعتقد إن المبغى العام مما ينطبق عليه معنى الفراش الواحد وهو الدليل على التلبس، لأن وجود المجنى عليها فيه قرينة على ارتكابها فعل الزنى أو أنها سترتكبه، والا بماذا يفسر وجودها هناك! فوجودها في المبغى العام وضع مريب بلا شك. وفي هذا السياق قضت محكمة النقض في سوريا بتوفر الحالة المريبة عندما قتل شخص اخته التي صادفها في بيت يدار للفجور)(22). ويلاحظ إن موقف محكمة التمييز في العراق حديثا قد تغير في تحديد المقصود بالفراش الواحد، ففي احد قراراتها قضت بأنه (…انما القول بأن المادة (409) عقوبات غير منطبقة لعدم حصول فعل الزنى أو وجودهما في فراش واحد فقول غير صحيح، فارتباك الزوجة واختفاء غريمها المجني عليه تحت السرير تدل على وقوعه أو على وشك وقوعه، وحتى إذا فرضنا بأن الزنى لم يقع فوجودهما في فراش واحد حالة ثابتة وكافية لأنطباق هذه المادة إذ أن الفراش لا يؤخذ بنطاقه الضيق فوجود الزوجة في البستان مع عشيقها وحدهما وفي مكان وحدهما وفي مكان منزوي أو وجودهما بالطريق بالسيارة وقد وضع العشيق يده على عنقها هذه حالات يتوفر معها وجودهما في فراش واحد فكيف إذا كانا بالبيت…)(23).

___________________

1- ينظر محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، مرجع سابق، ص497.

2- ينظر أبو الحسين بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج4، ط1، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1369هـ، ص486.

3- القرار رقم 1960/ج/65 في 20/2/1966. سبقت الاشارة إليه ص68 من الرسالة.

4- القرار رقم 111/ج/53 في 24/2/1953. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول، ص214.

5- د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص229.

6- رشيد عالي الكيلاني، مسالك قانون العقوبات، ط3، مطبعة التفيض الأهلية، بغداد، 1940، ص371.

7- ينظر د. ضاري خليل محمود، تفاوت الحماية الجنائية، مرجع سابق، ص47.

8- ينظر علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص378.

9- ينظر د. عبد الستار الجميلي، مرجع سابق، ص408.

10- ينظر جبرائيل البنا، مرجع سابق، ص73.

11- ينظر د. واثبة داود السعدي ، قانون العقوبات-القسم الخاص، طبع على نفقة جامعة بغداد، 1988-1989، ص126.

12- يقصد بالفراش غير المشروع هو كل وضع غير اخلاقي كالمعانقة أو التحضين أو التقبيل أو أي وضع مخل بالحياء. ينظر د. محمد احمد المشهداني، مرجع سابق، ص183.

13- ينظر د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص174.

14- ينظر د. جلال ثروت، مرجع سابق، ص276.

15- قرار محكمة التمييز الجزائية اللبنانية في 15/ت2/1965 اشار إليه محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص174.

16- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني ، مرجع سابق، ص765.

17- قرار محكمة النقض السورية في 29/حزيران/1965. اشار إليه د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص175.

18- ينظر فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة، مرجع سابق، ص155، هامش رقم 1.

19- ينظر مصطفى مجدي هرجه، مرجع سابق، المجلد الثاني، ص319.

20- القرار رقم 1428/ج/52 في 3/11/1952. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول، ص213.

21- القرار رقم 94/ت/47 في 11/3/1947. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، ص84.

22- قرار النقض في 17/ آب/1965. اشار إليه د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص174.

23- القرار رقم 159/موسعة ثانية /90 في 19/12/1990. اشار إليه ابراهيم المشاهدي، مرجع سابق، ج3، 1997، ص123.

المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : لمفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .