إن الغاية الأساسية من النصوص القانونية لعموم الجرائم لاسيما الجرائم الماسة بالسكينة العامة هي المحافظة على حياة الافراد من اي اعتداء. كما ان التشريع يعكس الأوضاع السائدة في المجتمع ويحكمها، فهو يأخذها بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تصاحب ظهوره، حيث انه يضطلع بعبء حماية ركائز ودعائم المجتمع لإشباع حاجات معينة ينهض عليها ظهور بناء المجتمع المتطور. والمشرع ينظر الى هذه الدعائم بوصفهما (مصالح) تصلح في تقديره لإشباع حاجة إنسانية معينة، وعليه ما هي المصالح أو المصلحة التي يتوخى المشرع تحقيقها من تجريم السلوك الماس بالسكينة العامة هل هي المال أم الإنسان؟(1)

للإجابة على هذا التساؤل ثارت العديد من الآراء فالبعض ذهب الى ان المصلحة المحمية في التشريع العقابي هي الأموال ومن ثم فان الجريمة تعّد عدواناً على المال عاماً كان أو خاصاً بالفرد وكحقه في الملكية أو في الحياة. في حين ذهب البعض الى ان المصلحة المحمية في النصوص القانونية هي الإنسان وليس المال، فالقول ان المشرع إنما يتكفل بإخفاء حمايته للمال الخاص بمعنى انه يتكفل بذلك حماية العلاقة ما بين الشخص والمال، لكون المال خاصاً أي تربط بينه وبين شخص ما ثمة علاقة تنطوي على تقدير لصلاحيته في إشباع حاجة معينة وبالتالي فان الحماية القانونية تنصرف الى الإنسان دون المال لتجعل منها مصلحة قانونية أساسية فان أي مساس بالمصلحة المحمية جنائياً في الجرائم موضوع الدراسة يعد إهداراً للعلاقة التي تربط بين الإنسان باعتباره شخص طبيعي وبين قيمة معنوية هي السلام والطمأنينة(2).

وعليه فان مهمة السلطة التشريعية الأساسية هي صيانة وحماية المجتمع من أي اعتداء، فتحدد العقاب الأكثر ملائمة بمكانة هذه المصالح وأهميتها وبالتالي فإذا قدرت هذه السلطة بان مصلحة ما تستحق اهتمام اكبر فتعبر عن ذلك بمقدار العقوبة، وهذا الأمر يتحدد وفقاً لظروف واحتياجات كل مجتمع وتقاليده وأنظمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وذلك لان هذه التغيرات سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم السياسية تعكس وبدون شك التطورات الحاصلة في قيم المجتمعات، وهذه القيم عبارة عن مجموعة من المعتقدات وأشكال وأنواع السلوك والتي ربى عليها المجتمع.فمن الضروري إقامة علاقة وطيدة بين قواعد السلوك في المجتمع والعلاقات الاجتماعية، فهذه العلاقات هي وسيلة المجتمع التي يسير عليها أفراده وهذه العلاقات أما ان تكون أمراً مقبولاً وأما لا تكون كذلك .

وعليه ما دامت هذه العلاقات في إطار المجتمع فهي ظاهرة اجتماعية وإذ تم نقلها إلى حيز نطاق قانون العقوبات فتصبح فكرة قانونية لتفرض العقاب وبهذا تنهض الجماعة. وفي مجال الجرائم الماسة بالسكينة العامة يلاحظ بان المصلحة المتوخآة من تجريم سلوكياتها هي حماية سلامة الإنسان، إذ ان السلامة في هذه الجرائم السلامة النفسية والذهنية ، ذلك لان هذه الجرائم تحسن المصالح في الوقت ذاته وهذا ما يميزها عن جرائم الأموال التي تمثل اعتداء على أموال الأفراد، وعن الجرائم الواقعة على الأشخاص التي تمس السلامة البدنية للأشخاص فضلاً عن حرياتهم وشرفهم واعتبارهم . إذن المصلحة المراد حمايتها في هذه الجرائم هي مصالح عامة، بمعنى ان المصالح العامة هي التي يهدف المشرع الى حمايتها وصيانتها من التعريض للخطر، فهذه الحماية استلزمت من المشرع تجريم كل سلوك خطر من شأنه تعريض هذه المصالح للخطر، كما هو الحال في جريمة إلهاب الألعاب النارية أو نحوها(3).إذا كان محل الجريمة من الأماكن التي من شأن إلهاب تلك الألعاب إحداث خطر فيها، كمصنع أو مستودع للذخائر أو الأسلحة، أو محطة للقوة الكهربائية أو المائية أو الذرية أو محطة للسكك الحديدية والمباني الرسمية أو شبه الرسمية.

فضلاً عن ان جسامة الخطر له دور كبير في جعل المشرع، فالخطر يكون جسيماً عندما يكون من شأنه تعريض عدد كبير وغير محدد من الأفراد، لما في ذلك من ترويع للأفراد وتهديد لنفسيتهم، كما ان الخطر في هذه الجرائم لا يمكن التنبؤ بعواقبه. والمشرع الجنائي يحدد حالات الجرائم الماسة بالسكينة العامة وفقاً لسياسته في التجريم، حيث ان التشريعات الجنائية تحرص على ان يقتصر التجريمية على الحالات التي تمثل قدراً من الأهمية(4).هذا ويلاحظ بان الخطر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة ينشأ في جرائم الخطر المجرد لأنه يقصد بها صفة عامة تعرض الحقوق والمصالح القانونية للخطر(5).

_________________

[1]- د. حسنين إبراهيم عبيد، فكرة المصلحة في قانون العقوبات، المجلة الجنائية القومية، المجلد السابع عشر، 1974، ص237.

2-د. حسنين عبيد، المرجع السابق، ص241. وكذلك د.احمد محمد خليفه، النظرية العامة للتجريم، رسالة دكتوراه، القاهرة، 1959، ص110.

3- ينظر نص المادة (495/أولا ) من قانون العقوبات العراقي.

4- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام) ، المرجع السابق، ص284.

5- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص113.

المؤلف : ندى صالح هادي الجبوري
الكتاب أو المصدر : الجرائم الماسة بالسكينة العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .