من اجل التمييز بين عقد الوساطة التجارية وعقد التمثيل التجاري لابد من التطرق الى الصفة التي يظهر فيها الوسيط التجاري والممثل التجاري في تنفيذ المهمة المكلف بها اذ لابد من بيان هذه الصفة اثناء القيام بالعمل فضلا عن ذلك لابد من بيان كيفية اضفاء الصفة التجارية على كل منهما لذلك سنتناول هذين الأمرين كما يأتي :

أولاً- الصفة التي يظهر بها كل من الممثل التجاري والوسيط التجاري في تنفيذ المهمة المكلف بها .

قبل بيان الصفة التي يظهر بها الممثل التجاري في تنفيذ المهمة المكلف بها لابد من تعريف عقد التمثيل التجاري فقد عرف بأنه (( نوع من الوكالة التجارية يتعهد بموجبه الممثل التجاري بالقيام بإدارة شؤون موكله التجارية وتمثيله في ادارة هذه الشؤون ويعتبر ممثلا تجاريا سواء قام بالعمل المكلف به في محله الخاص او في محل موكله التجاري وتحت اشرافه فمادام قائما بالنيابة عن موكله كان ممثلا تجاريا وليس مستخدما))(1).أما الممثل التجاري فقد عرف بأنه(( شخص يرتبط بالتاجر الذي يعمل لحسابه بعقد عمل يتعهد بمقتضاه القيام بالأعمال التي يكلفه بها التاجر سواء في محله الخاص او في محل التاجر او في الأسواق ))(2). وهناك نوعان من الممثلين التجاريين فالنوع الاول من يقوم بعمله في ذات المدينة التي يوجد فيها المحل التجاري وهؤلاء هم الوكلاء المفوضون او الممثل التجاري غير المتجول ) والنوع الثاني هو الممثل التجاري الذي يقوم بعمله متجولا ومنتقلا من مدينة الى اخرى ومن قطر الى اخر وهذا هو الممثل التجاري المتجول (3). وبناءا على ذلك فإن الممثل التجاري يقوم بمهمة هي القيام بالأعمال التجارية التي يفوضه فيها التاجر أما في محل تجارة التاجر الذي فوضه او في محل اخر ، ويلاحظ ان القوانين قد اختلفت في الصفة التي من الممكن إضفاؤها على الممثل التجاري هل هو وكيل ام انه مستخدم لدى رب العمل ( التاجر ) ، فالمشرع الفرنسي قد اصدر قانون 8 تموز 1937 الذي جعل فيه الممثل التجاري والطواف مرتبطا بمخدومه بعقد عمل لا بموجب عقد وكالة اذا توافرت شروط خاصة وذلك حتى ينتفعوا من التشريعات العمالية ويحتموا بحمايتها(4). وقد حذا المشرع المصري حذو المشرع الفرنسي فنص في المادة 676 مدني مصري على سريان احكام عقد العمل على العلاقة بين ارباب العمل وبين الممثلين التجاريين والطوافين الجوابين ومندوبي التأمين(5). اما القانون الاردني فقد أضفى على الممثل التجاري تارة صفة المستخدم وتارة اخرى صفة الوكيل العادي وذلك تبعا لطبيعة العقد المبرم بينه وبين التاجر من حيث ارتباطه او استقلاله في العمل (م86/1) تجاري . ويلاحظ ان المشرع الاردني قد مال الى اعتبار العقد المبرم بين التاجر والممثل التجاري اقرب الى عقد الاستخدام منه الى عقد الوكالة بدليل انه اشار في الفقرة الثانية من المادة (86) الى انه يحق للممثل التجاري في كل حال اذا فسخ عقده ان يستفيد من مهلة الانذار المقررة قانونا او عرفا ولو كان هذا الفسخ ناجما عن سبب غير تعسفي بشرط ان يكون التمثيل التجاري مهنته الوحيدة وذلك انسجاماً مع موقف المشرع المصري ( المادة (676) والمشرع الفرنسي (18 تموز 1937)وذلك بغية اضفاء الحماية الاجتماعية على هذه الفئة من العاملين(6).أما بالنسبة لموقف المشرع العراقي فنلاحظ انه لا يعتبر مستخدما بل وكيلا تجاريا وذلك لان الممثل التجاري يحتفظ باستقلال وتنظيم خاص ويتخذ عمله شكل مشروع تجاري حقيقي فتنتفي بذلك صفة التبعية التي تتراءى لاول وهلة انها قائمة بين الطرفين وعلى اية حال فإن الفقرة الاولى من المادة الثالثة من قانون تنظيم الوكالة والوساطة التجارية المرقم 11 لسنة 1983 ادخلت التمثيل التجاري في عداد الوكالة التجارية دون قيد او شرط (7) . وقد الغي هذا القانون بقانون تنظيم الوكالة التجارية رقم 26 لسنة 1994 وصدر أخيراً القانون المرقم 51 لسنة 2000 الذي نظم ممارسة مهنة الوكالة التجارية عن شخص طبيعي او معنوي خارج العراق سواء كانت وكالة تجارية او وكالة بالعمولة او اية وكالة اخرى ويبدو ان التمثيل التجاري يدخل في نطاق هذا العموم (8). بعد هذا العرض نأتي إلى تحديد مهمة الممثل التجاري التي تختلف بحسب العقد الذي يربطه بالتاجر فقد يكون عقد وكالة اذا احتفظ الممثل التجاري باستقلاليته في ممارسة عمله او عقد عمل اذا كان تابعا للتاجر في اداء عمله وتبعا لذلك فهو يمارس عمله بإحدى الطريقتين :

الطريقة الاولى : ان يعمل وكيلاً عادياً عن التاجر الذي وكله ، وفي مثل هذه الحالة تختلف ممارسة نشاطه بحسب ما اذا كان ممثلاً تجارياً متجولاً او غير متجول فإذا قام بمهمته في محل التاجر فإنه يكون غير متجول وفي هذه الحالة يقوم الممثل التجاري بالاعمال التجارية المفوض فيها باسم التاجر الذي فوضه وليس باسمه الشخصي ويجب عليه عند التوقيع عن التصرفات التي يقوم بها في مواجهة من يتعاقد معه ان يضع الى جوار اسمه الكامل اسم التاجر الذي فوضه كاملا او عنوان الشركة المفوضة مع اضافة كلمة ( بالوكالة ) فهذه الكلمة تمثل صفته كنائب في تعاقده مع الغير وليس بصفته أصيلاً في التعاقد فإن لم يفعل ذلك التزم الوكيل شخصيا تجاه من تعاقد معه (9) . في هذه الحالة فإن أثار العقد تنصرف مباشرة في ذمة الموكل وكأنه هو الذي باشر التصرف باسمه. من ناحية اخرى يجوز ان يكون الممثل التجاري متجولا دون ان يتخذ مقرا ثابتا له أي ان يباشر عمله في مقر العملاء ، وفي هذه الحالة يقوم الممثل المتجول بالاعمال التجارية الداخلة في تفويضه باسم التاجر الذي فوضه وعليه ان يدرج اسم التاجر الذي يمثله بكامله الى جانب اسمه وهو يختلف عن الممثل التجاري غير المتجول في انه لا يستعمل التعبير بالوكالة او ما يعادلها عند التوقيع على المعاملات التي يقوم بها وعندما لا يقوم الممثل المتجول بكتابة اسم التاجر الذي يمثله بجانب اسمه يكون مسؤولاً شخصيا عن العمليات التجارية التي أجراها ونظرا للوضع الخاص الذي يتصف به الممثل التجاري يحظر عليه حماية التاجر الذي يمثله ان يقبض ثمن الاموال التي لم يسلمها او يخفض او يؤجل شيئاً من اثمانها (10) .

اما الطريقة الثانية : ان يعمل مستخدما لدى التاجر ومن ثم فهو يرتبط مع التاجر بعقد عمل وعليه فإن الممثل التجاري يكون تابعا للتاجر ويخضع لإشرافه ورقابته ومن ثم يقوم بتنفيذ تعليماته فيما يتعلق بتصريف منتجاته او بضائعه بشكل توسط في ابرام الصفقات التجارية والترويج لبضاعته كما قد يفوض في ابرام العقود نيابة عن الموكل وهنا نعود الى ما قلناه بصدد الممثل التجاري في الفقرة السابقة (11) . وفي كلتا الحالتين ان الصفة التي يظهر بها الممثل التجاري تختلف عن صفة الوسيط التجاري في اداء مهمته المكلف بها فاذا كان وكيلا للتاجر في حالة استقلاله في العمل فإنه يقوم بعمل قانوني هو التعاقد باسم موكله ولحسابه في حدود التفويض المعطى له من قبل موكله التاجر في حين ان الوسيط التجاري يقوم بعمل مادي وهو البحث عن متعاقد والتقريب بين الطرفين من اجل إبرام العقد (12) ، وإذا فوض بإبرام العقد نيابة عن احد الطرفين يكون ذلك بموجب عقد وكالة مستقل أي انه يجمع صفتين صفة الوكيل وصفة الوسيط التجاري .اما اذا كان الممثل التجاري مستخدما لدى التاجر تبعا لعدم استقلاله وارتباطه به في أداء عمله في هذه الحالة ايضا يختلف عمله او صفته عن الوسيط التجاري اذ ان الاخير يحتفظ باستقلال تام عن طرفي العقد فهو لا يكون تابعا لأي من طرفي العقد لذلك نلاحظ اختلاف صفة كل من الممثل التجاري والوسيط التجاري في اداء المهمة المكلف بها .

ثانياً – من حيث اضفاء الصفة التجارية على كل من الممثل التجاري والوسيط التجاري .

ان اضفاء صفة التاجر على الممثل التجاري تتوقف على تكييف العلاقة بينه وبين التاجر او الشركة المفوضة فاما ان يكون مستخدما او وكيلا كما ذكرنا سابقا بحسب ما يدل عليه العقد من ارتباطه او من استقلاله بالعمل ان هذه الصفة تتحدد في ضوء طريقة التعامل مع الممثل التجاري والعلاقة بينه وبين المشروع الذي يقوم بتوزيع منتجاته اذ تتحدد في ضوء ذلك صفة التاجر من عدمه وبناء على ذلك اذا كانت علاقة الممثل التجاري بالتاجر علاقة تبعية ناشئة عن عقد عمل لايعتبر الممثل التجاري تاجراً لأنه يتصرف باسم التاجر ولحسابه دون استقلال ما في هذا التصرف اذ من المعلوم ان اكتساب هذه الصفة تتطلب مباشرة العمليات التجارية على وجه الاستقلال (13) . ويختلف حكم الممثل التجاري في هذا الخصوص عن الوسيط التجاري الذي لا يقوم بمهمته تحت إشراف او أوامر الموكل اذ يعتبر مستقلا في عمله وهو الذي يقرر طريقته او وسيلته لمباشرة الحرفة لذلك فهو يعتبر تاجرا ويلتزم بالتزامات التاجر . ان الممثل التجاري من الممكن ان يقوم بأعمال تجارية لحسابه الخاص فليس هناك ما يمنع الممثل التجاري من القيام بأعمال تجارية لحساب نفسه وحينئذ يكتسب صفة التاجر في هذه الحالة يجمع بين صفة الممثل التجاري وبين صفة التاجر مثال ذلك ان يكون شخص ممثلا تجاريا لشركة منتجة او موزعة للسيارات فيقيم او يستأجر مباني لعرضها على الجمهور لحساب الشركة الى جانب إقامته مركزاً لخدمة السيارات وصيانتها واستبدال القطع القديمة بقطع غيار جديدة لحسابه الخاص ومن ثم يعتبر ممثلا تجاريا للشركة بالنسبة لعرض السيارات وبيعها وتاجرا بالنسبة لخدمتها ولبيع قطع الغيار لأصحابها (14) . واذا كانت العلاقة بين الممثل التجاري والمشروع الذي فوضه ناشئة عن عقد وكالة يتمتع فيه الممثل التجاري باستقلال في تنظيم عمله فإنه لا يعد تابعا للمشروع المفوض ولا تنطبق عليه قواعد عقد العمل ويمكن على أساس ذلك اعتباره تاجرا ومن الامثلة الواضحة لاستقلال الممثل التجاري الحالة التي يكون فيها الممثل التجاري وكيلا لبيوت تجارية متعددة وله مكاتب ومستخدمين يجوز معها اعتباره مستقلا ويصبح هو نفسه تاجرا (15) ، ويماثل حكم الممثل التجاري في هذه الحالة حكم الوسيط التجاري اذ يعتبر كلاهما تاجرا نظرا لمباشرته عملهما بشكل مستقل والغالب ان يكون ذلك في صورة مشروع .

_____________________

[1]- ينظر : سليمان بيات ، القضاء التجاري العراقي ، جزء أول ، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة بغداد ، 1953 ، ص 73 ؛ وبنفس المعنى ، ينظر : د. صلاح الدين ناهي ، الوسيط في شرح قانون التجارة العراقي ، الجزء الاول ، ط3 ، مطبعة الرشيد ، بغداد ، 1949 ، ص 319 .

2- ينظر : د. حسني المصري ، العقود التجارية ، المصدر السابق ، ص 250 .

3- ينظر : د. حافظ محمد ابراهيم ، القانون التجاري العراقي ، ( النظرية العامة ) ، طبعة اولى ، الشركة الاسلامية للنشر والطباعة المحدودة ، بغداد ، ص 172 .

4- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، الوسيط ، ج7 ، المصدر السابق ، ص 380 .

5- ينظر : نص المادة 676 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 .

6- ينظر : د. عبد القادر عطير ، المصدر السابق ، ص 318 .

7- ينظر : د. باسم محمد صالح ، القانون التجاري ، المصدر السابق ، ص

8- ينظر : نص المادة (3) فقرة اولى من قانون الوكالة التجارية المرقم51 لسنة 2000 .

9- ينظر : د. حافظ محمد ابراهيم ، المصدر السابق ، ص 175 .

0[1]- ينظر : د. سليمان بيات ، المصدر السابق ، ص 79 .

1[1]- ينظر : د. عبدالقادر عطير ، المصدر السابق ، ص 318 .

-12 Alain Benabent ، Droit civil ،Les Contrats spesiaux edition ،Montchrestien ،1999 –P.378 .P379 .

3[1]- ينظر : د. عزيز المشرقي ، ص 461 . اشارت اليه : د. سميحة القليوبي ، الموجز في القانون التجاري، المصدر السابق ، ص 468 .

4[1]- ينظر : د. حسني المصري ، العقود التجارية ، المصدر السابق ، ص 251 .

5[1]- ينظر : د. سميحة القليوبي ، عقود الوكالات التجارية ، المصدر السابق ، ص 468 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .