هناك إلتزامات لا يمكن تنفيذها إلا إذا قام بها المدين نفسه، أو يكون تنفيذها غير ملائم إلا بتدخله الشخصي، وٕامتنع عن ذلك، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ، ويدفع غرامة تهديدية بعد تصفيتها (1)، واعتبارا لعدم وجود نص تشريعي خاص بتعريفها، فإنه سيتم الإعتماد على تعريف الفقه والقضاء الذي ورد في هذا المجال.

بالنسبة للفقه : قد عرفها الأستاذ السنهوري بقوله هو مبلغ مالي يلزم به القضاء المدين من أجل تنفيذ إلتزامه عينا في خلال مدة معينة، فإذا تأخر في التنفيذ كان ملزما بدفع مبلغ عن التأخير عن كل يوم أو كل أسبوع أو في أي وحدة أخرى من الزمن أو عن كل مرة يأتي عملا يخل بإلتزاماته، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني أو إلى أن يمتنع نهائيا بالإخلال عن الالتزام(2)

أما بالنسبة للقضاء: لقد عرفتها محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بما يلي:

الغرامة التهديدية كما يدل عليها اسمها وتقتضيه طبيعتها، ليس فيها أي معنى من المعاني الملحوظة في العقوبة كما أنه ليس فيها معنى التعويض عن الضرر، وٕانما الغرض منها هو إجبار المدين على تنفيذ إلتزامه على الوجه الأكمل، وهي لا تدور مع الضرر وجودا وعدما، ولا يعتبر التجاوز عنها في ذاته تجاوزا بالضرورة عن ضرر حاصل أو تنازلا عن تعويض الضرر بعد إستحقاقه، خصوصا إذا إقتضى عدم التمثيل بها دواعي العدالة أو دوافع مصلحة(3)،

ونفس التعريف جاء به القضاء المغربي(4) أما القضاء الجزائري لم نتحصل على حكم منشور يعرفها، وعليه الغرامة التهديدية هي وسيلة غير مباشرة من وسائل التنفيذ الجبري تسري أحكامها وقواعدها على كل إلت ا زم بعمل أو إمتناع عن عمل متى كان الوفاء به عينا لايزال ممكنا، وكان هذا الوفاء يقتضي تدخل المدين نفسه، حيث تسلط على مال المدين، وذلك بتدخل القاضي والحكم بغرامة يومية يدفعها المدين عن كل يوم تأخير في التنفيذ، وذلك إلى أن ينفذ كل ما إلتزم به إتجاه الدائن. ونظمها المشرع الجزائري بنصين، الأول في المادة 471 ق إ م(5)، والثاني في المادة 174 من القانون المدني(6)، حيث إكتفى فيهما بذكر شروط الحكم بها، وبعض الإجراءات الخاصة وأثارها دون تعريفها.

______________

1- عمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وٕاشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وٕاجراءاته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار عنابة 2004 ، ص 51-52. وكذلك يوسف نجم جبران: طرق الاحتياط والتنفيذ، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1981: ص 23

2- عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الإلتزام بوجه عام ، الجزء الثاني ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، سنة 1970 ، ص 807 ، ونفس التعريف إعتمده الفقه التونسي ، أنظر: عبد الوهاب الجويني : القاضي وتنفيذ العقد، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ، السنة الجامعية 91-92

كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،جامعة تونس ص 81 ،III.

3- نقض مدني مصري- جلسة 13 أكتوبر 1969 نقلا عن يحي عبد الودود ،موجز في النظرية العامة للالتزام ) المصادر، الأحكام، الأثار( ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1994 ، ص 392.

4- حكم عدد 752 بتاريخ 11 نوفمبر 1977 رقم 76-701 نقلا عن الطيب برادة : التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط 1988 ، ص 363

5- أنظر المادة 471 من ق إ م .

6- أنظر المادة 174 من الأمر رقم- 75 58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1976 المتضمن القانون المدني الجزائري وسيتم الرمز إليه ب ق م ج في هذه الأطروحة.

التأصيل التاريخي للغرامة التهديدية :

 أ -الاجتهاد القضائي:

القضاء الفرنسي (1)(les astreintes) ،هو من أوجد الغرامة التهديدية أو التهديد المالي كوسيلة لحمل المدين على التنفيذ العيني للالتزام على الرغم من عدم وجود نص قانوني يجيزها معللا ذلك بما يلي:

-1 أنه ليس من سلطة القضاء أن يقول حكم القانون فحسب، بل إن من سلطته أيضا أن يعطي لأحكامه الفعالية المطلوبة.

-2 لجأ إليها كوسيلة بديلة بعد إلغائه لنظام الحبس كوسيلة لإكراه المدين على الوفاء (2) ومن الوقت الذي إستعمل فيه القضاء الفرنسي هذه الوسيلة وهو يواجه إنتقادات شديدة من بعض الفقه الفرنسي وحجتهم في ذلك أنها عقوبة تصدر من غير نص تشريعي، الأمر الذي جعل القضاء يجتهد في وجود نص قانوني يستند إليه وقد وجد مطلوبه في المادة 1036 من تقنين المرافعات الفرنسي)3)، وعليه فالحكم الصادر بالغرامة التهديدية هو أمر يصدر عن المحكمة بما لها من سلطة الأمر لا بما لها من ولاية الحكم، على المدين المتعنت عن تنفيذ إلتزامه، فإن لم ينفذ فجزاؤه الغرامة التهديدية)4)، إلا أن الفقه إنتقد هذا التأسيس بإعتبار أن المشرع يقصد بهذا النص أن يبسط القاضي سلطانه من أجل حفظ نظام الجلسة أو إتخاذ إجراءات التحقيق، والتهديد المالي ما هو إلا حكم موضوعي لا علاقة له بذلك(5) .وعليه تعد هذه النظرية من إجتهاد القضاء لا المشرع.

ب- في التشريع:

وأخيرا أقيمت هذه الوسيلة على أساس متين وهو النص عليها في التشريع، حيث صدر بتاريخ 22 ديسمبر 1912 أول قانون في فرنسا خاص بالمساكن الصغيرة أجاز للقضاء أن يصدر حكما تهديديا عن كل يوم يتأخر فيه الملتزم عن تنفيذ الإلتزام (6)، ثم بعد ذلك نص عليه بالقانون 72 – 626 المؤرخ في 5 جوان 1982 الذي عدل المادة العاشرة من القانون المدني حيث أجاز الحكم بإكراه مالي لإلزام الشاهد الممتنع عن الإدلاء بشهادته بأداء هذه الشهادة لمعاونة العدالة على الحقيقة(7)، وأخذت بذلك أغلب التشريعات الحديثة(8)، ومنها القانون الجزائري الذي نص عليه في المادتين (174،175) من القانون المدني (9) والمادة (471) من قانون الاجراءات المدنية (10)،وتم التأكيد عليها في القانون الجديد بموجب المادة 625 ف 2 منه(11).

__________________

1-وقد ثبت ذلك بموجب حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29 جانفي 1834 . أنظر سوزان عدنان الأستاذ: الغرامة التهديدية، بحيث مقدم لنيل درجة دبلوم القانون الخاص، السنة الجامعية- 1993 94 كلية الحقوق جامعة دمشق، ص14ه1.

2- حيث ألغي نظام الإكراه البدني في فرنسا بموجب قانون 22 جويلية 1867 ما عدا الديون الناجمة عن جرم جزائي، وبقي الأمر عليه حتى صدور مرسوم جانفي 1960 حيث قصره على ديون الدولة، أنظر الطيب برادة في مرجعه السابق، ص 383 ، وكذلك شرف الدين محمد الكهالي: وسائل التنفيذ العيني في القانون المدني اليمني، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي والقانون المدني المصري، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة سنة 1997 ، ص 211.

3- تنص المادة 1036 مرافعات فرنسي بأنه” وللمحاكم أن تقضي بمحض رغبتها أوامر في القضايا المطروحة أمامها طبقا للظروف، كأن تأمر بإعدام أوراق أو التقرير بأنها أوراق ماسة بكرامات الأفراد، ولها أن تأمر بطبع أحكامها وإعلانها” أشار إليها شرف الدين محمد: في مرجعه السابق، ص 212

4- السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الإلتزام بوجه عام ، الجزء الثاني ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، سنة 1970 ، ص 817

5- شرف الدين محمد: المرجع السابق، ص 212 ه 4.

6- أشار إلى ذلك: الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط 1988، ص 366

7- أشار إليها: سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني، المجلد الأول في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، الطبعة الخامسة بدون دار الطبع، ص 128

8- بإستثناء القانون الإنجليزي الذي لا يأخذ بها، ولكن إذا كان المدين ملتزما بعمل وامتنع عن إلتزامه يكون قد إرتكب ما يسمى باحتقار المحكمة حيث لا توجد عند المحاكم البريطانية وسيلة لإرغامه على تنفيذ التزامه فقد يدفع تعويض لكونه إرتكب احتقار للمحكمة مما يؤدي إلى آثار مشابهة لآثار الغرامة التهديدية، وعلى نفس الإتجاه كان القانون البلجيكي والألماني والإسباني، أشارت إلى ذلك سوزان عدنان الأستاذ: المرجع السابق، ص 15

9- وهما يتطابقان مع المادتين (213-214) قانون مدني مصري، و المادتين 214،215 قانون مدني سوري يتطابقان المادتين 253-254 قانون مدني عراقي والمادتين 217،216 من القانون المدني الليبي، أشارت إلى ذلك: سوزان عدنان الأستاذ المرجع السابق ص16.

10- والملاحظ بهذا الصدد أن قرار المحكمة العليا رقم 41783 المؤرخ في 27 أكتوبر 1985 قد ربط بين المادتين 471 ق إ م التي تنص على التهديد المالي والمادة 182 ق م التي تتحدث عن عناصر التعويض، أشار إلى ذلك سائح سنقوقة: الدليل العملي في إجراءات الدعوى المدنية، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر الطبعة بدون تاريخ ص 145.

11- تنص المادة 625 ف 2 من قانون إ م د القانون الجديد على ما يلي: “دون الإخلال بأحكام التنفيذ الجبري، إذا رفض المنفذ عليه تنفيذ إلتزام بعمل، أو خالف إلتزامات بالامتناع عن عمل، يحرر المحضر القضائي محضر إمتناع عن التنفيذ ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة بالتعويضات أو المطالبة بالغرامات التهديدية ما لم يكن قد قضي بها من قبل”.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .