مفهوم السبب حسب القانون

قيل في السبب عدة تعريفات فهو بصورة عامة كنظرية تبرير لوجود الإرادة وركن ضروري لحمايتها وحماية المجتمع،وقد عرَّفه السنهوري بأنه الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من جراء التزامه، ,وبهذا فقد اعتبره السنهوري أن له صلة وثيقة بالإرادة، فلا يتصور وجود إرادة لا تتجه إلى السبب إلا إذا صدرت من غير وعي .

ومهما اختلفت التعريفات وكثرت فهي تصب في معنىً واحد وهو أن السبب الدافع الذي يدفع الإرادة إلى التصرف وتحقيق الأغراض المنشودة من خلال إنشاء الالتزام.

ويمكن القول أن هناك نظريتين للسبب في الفقه الغربي

أولهما النظرية التقليدية و ثانيها النظرية الحديثة في السبب والتي تسمى في بعض الأحيان بنظرية القضاء لانها من ابتداع القضاء الغربي.

وتذهب النظرية التقليدية الى التمييز بين ثلاثة انواع من السبب هي السبب المنشئ : ويقصد به الواقعة القانونية التي أنشأت الالتزام وبهذا المعنى فإن مصطلح السبب يرادف مصطلح مصدر الالتزام مما يجعله أمرا لا علاقة له باركان الالتزام ولا أركان العقد.

اما النوع الثاني فهو السبب القصدي : وهو الغرض المباشر الذي يهدف المتعاقد للوصول إليها من وراء تعاقده ويمكن معرفة هذا السبب بالجواب على لماذا أوجب المتعاقد على نفسه التزاما لمصلحة المتعاقد الآخر؟ ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا النوع من السبب واحد في كل طائفة من العقود.

ويسمى النوع الثالث من السبب بالباعث الدافع ويقصد به الغرض غير المباشر الذي يهدف المتعاقد الوصول إليه ، وهو بهذا المعنى يختلف من حالة الى أخرى ومن عقد الى عقد فقد يبيع الشخص داره ليسدد دينا أو ليشتري دارا أخرى أو ليشتري سيارة وهكذا .

وتقابل النظرية التقليدية بين السبب المباشر والباعث الدافع فتصف الأول بأنه موضوعي وداخل في العقد وثابت والثاني ذاتي خارج عن العقد ومتغير وبالتالي فان المعول عليه عند بحث ركن السبب هو السبب القصدي لا الباعث الدافع الى التعاقد.

وبالنتيجة فإن النظرية التقليدية تحدد السبب القصدي في العقود بناء على تقسيمها الى ثلاث طوائف هي العقود الملزمة لجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد وعقود التبرع ، اذ تعتبر النظرية التقليدية ان سبب التزام كل متعاقد في العقود الملزمة لجانبين هو التزام المتعاقد الآخر فالتزام البائع بنقل الملكية سببه التزام المشتري بدفع الثمن وسبب التزام المستأجر بدف الإيجار هو تمكينه من الانتفاع بالمأجور وتنطبق هذه القاعدة على كل عقد ملزم لجانبين.

اما بالنسبة للعقود الملزمة لجانب والذي اما يكون عينيا وفي هذه الحالة يكون سبب التزام المتعاقد هو التسليم ففي عقد القرض يكون سبب التزام المفترض برد القرض هو الحصول عليه ، وأما يكون العقد رضائيا فيكون عندئذ سبب التزام المتعاقد هو إبرام العقد النهائي. وفي عقود التبرع يكون التبرع هو السبب دائما في هذا النوع من العقود ففي عقد الهبة يكون السبب هو نية التبرع إذ يكون الغرض المباشر الذي يهدف إليه هو تقديم شيء من دون مقابل للمتبرع له.

وتشترط النظرية التقليدية لتحقق ركن السبب شرطان أولهما ان يكون السبب موجودا اي يجب أن يوجد سبب لالتزام المتعاقد فإذا التزم المتعاقد دون سبب كان هذا الالتزام باطلا ، اما الشرط الثاني هو ان يكون السبب مشروع اي ان لايكون مخالفا للقانون او النظام والاداب العامة والا عد العقد باطلا. اما النظرية الحديثة التي هي من ابتداع القضاء الفرنسي تحديدا والذي لم يلتفت الى المناقشات بين أنصار السبب وخصومه بل اختط لنفسه خطا خاصا به بسبب ما واجهه من صعوبات في تطبيق النظرية التقليدية للسبب حيث لم يستطع إبطال بعض الأنواع من العقود مثل عقد إيجار دار لجعلها دارا للقمار لان السبب القصدي المباشر موجود ومشروع.

فلم يجد القضاء بدا من التحرر من النظرة التقليدية الى السبب باعتباره الغرض المباشر الذي يهدف الملزم إليه من وراء التزامه فقام القضاء باعتماد السبب الذي يستند الى الباعث الدافع الى التعاقد وهو الغرض الذي دفع المتعاقد الى التعاقد ويختلف الباعث الدافع الى التعاقد عن السبب القصدي في ثلاثة أمور:
اولا: إن الباعث ليس شيئا داخلا في العقد بل هو أمر خارج عنه لا يذكر فيه ولا يدل عليه نوع العقد فيما يكون السبب القصدي أمرا داخلا في العقد يمكن معرفته عن طريق نوع العقد.
والثاني: ان الباعث يختلف من شخص الى آخر ومن عقد الى آخر حتى وان كان من نفس الطائفة أما السبب القصدي فهو واحد في كل طائفة من العقود.

واخيرا ان الباعث أمر نفسي لا يمكن معرفته إلا بالرجوع إلى نية الشخص بخلاف السبب الذي هو شيء مادي موضوعي يمكن معرفته من خلال معرفة العقد. وبالنتيجة فان النظرية الحديثة ترى ان السبب باعتباره ركنا في العقد هو الباعث الدافع الى التعاقد وهو ليس واحدا في كل العقود وعند كل الأشخاص.

وبهذا فقد توصل القضاء عن طريق تطبيق هذه النظرية الى إبطال العقود التي يكون فيها الغرض البعيد الذي يهدف المتعاقد الوصول إليه غير مشروع وهو ما عجز عنه في ظل النظرية التقليدية.

المحامية: ورود فخري