لا بد ان نذكر ان شراح مجلة الاحكام العدلية اقاموا حكم تصرفات صاحب حق الخيار التي تؤدي الى سقوط خياره على اربعة اسس :

الاساس الاول : هو تصرف المشتري المخير بالمبيع على وجه يثبت به الحق للغير سواء كان
ذلك قبل الرؤية ام بعدها فعلى كلتا الحالتين يسقط خياره .

الاساس الثاني : هو ان خيار الرؤية يسقط بما يسقط به خيار الشرط من تصرفات يجريها المشتري على المبيع .

الاساس الثالت : هو ان خيار الرؤية لا يسقط بالتصرفات التي تصدر من المشتري ان لم يثبت بها حق للغير .

الاساس الرابع : الذي اعتمده شراح المجلة لا مجال لذكره هنا وسيأتي بيانه في حينه .

ولا تستقل المجلة في ايراد الحكم المتضمن لسقوط خيار الرؤية بتصرف صاحب حق الخيار بل يشترك معها في ذلك شرح مرشد الحيران(1). اما موقف القانون المدني العراقي من سقوط خيار الرؤية بتصرف المتعاقد بالمعقود عليه فلم يضع المشرع العراقي معياراً للتمييز بين التصرفات التي تصدر من صاحب حق الخيار بعد رؤية المعقود عليه وتلك التي تصدر منه بعد العقد وقبل رؤية المعقود عليه فجميع التصرفات تؤدي الى سقوط الخيار وفقاً لما يقضي به هذا القانون (2). والقانون المدني العراقي يتفق مع ما يذهب اليه فقهاء المسلمين بأعتبار التصرفات التي لا يمكن صدورها الا من المالك كالبيع والاجارة والرهن وغيرها يؤدي صدورها منه الى سقوط خياره(3). فالقول المعبر عن قبول المتعاقد والفعل الدال على رضاه بالمعقود عليه يؤدي الى سقوط الخيار سواء صدر من المتعاقد قبل رؤية المعقود عليه ام بعدها اذ انهما في مرتبة واحده من حيث حكم اسقاط الخيار في هذا القانون (4). وبذلك لم يأخذ المشرع العراقي بما ذهب اليه فقهاء المسلمين من تقسيم لتصرفات المشتري بالمعقود عليه الى صنفين :

الصنف الاول : يمنع من قيام خياره وهي التصرفات التي تصدر منه قبل رؤية المعقود عليه .

الصنف الثاني : هي التصرفات التي يؤدي صدورها من المتعاقد بعد رؤية المعقود عليه الى سقوط خياره .

ويؤخذ على المشرع العراقي خروجه على المصدر الذي استمد منه احكام هذا الخيار وهو الفقه الاسلامي بمساواته في الحكم بين القول والفعل اللذين يصدران من المتعاقد قبل رؤية المعقود عليه والنص على سقوط الخيار بهما فالمأخذ الاول هو ان جمهور الفقهاء اتفقوا على عدم السماح بإمضاء العقد او اجازته او قبول المعقود عليه او الرضا به بالقول قبل رؤيته بينما القانون المدني العراقي ذهب الى العكس من ذلك فأجاز قبول المتعاقد للمعقود عليه قبل رؤيته اما المأخذ الثاني فيتمثل في اتفاق جمهور الفقهاء على عدم اجازة اسقاط خيار الرؤية قبل رؤية المعقود عليه بينما القانون المدني العراقي اعتبر انما يصدر من المتعاقد من قول يدل على رضاه بالمعقود عليه قبل رؤيته يؤدي الى سقوط خياره مع ان الخيار لم يقم بعد حتى يحكم بسقوطه مع ملاحظة ان المشرع العراقي اورد حكم سقوط الخيار بتصرف المتعاقد ومن ثم اردفه بحكم يتضمن سقوط الخيار بالقول او الفعل الذي يصدر من المتعاقد قبل الرؤية او بعدها فيا حبذا لو اكتفى المشرع العراقي بأحد الحكمين اذ ان اياً منهما يمكن ان يشتمل على معنى الحكم الاخر ونعتقد بعدم وجود ما يدعو الى تكرار الحكم نفسه لاكثر من مرة في الفقرة الواحدة .

اما القانون المدني اليمني فقد حاول التقيد بالاحكام التي اوردها فقهاء المسلمين فقد نص على اعتبار تصرفات المشتري التي يوجب فيها حقاً للغير تؤدي الى سقوط خياره (5). وميز المشرع اليمني بين اقوال المشتري الدالة على رضاه بالمعقود عليه التي تصدر قبل رؤيته او بعدها فأعتبر أي قول او فعل يصدر من المشتري بعد رؤية المعقود عليه يؤدي الى سقوط خياره اما القول الذي يصدر منه بعد العقد وقبل رؤية المعقود عليه فلا يصلح سبباً لسقوط خيار الرؤية بموجب هذا القانون (6). ويظهر مما تقدم ان القانون المدني اليمني كان اكثر توفيقاً من القانون المدني العراقي بخصوص حكم هذه المسألة اما القانون المدني الاردني فلم يسمح بالاسقاط الصريح لخيار الرؤية قبل رؤية المعقود عليه واعتبر قبول المتعاقد بالمعقود عليه بعد رؤيته صراحة او دلالة او تصرفه به على الشكل الذي يرتب حق الغير عليه يؤدي الى سقوط خيار الرؤية (7). ويذهب شراح القانون المدني المصري والقوانين العربية الاخرى التي اكتفت بالنص على شرط العلم بالمبيع الى القول بأن اسباب سقوط خيار الرؤية هي الاسباب نفسها التي يسقط بها حق المشتري بالمطالبة بأبطال العقد لعدم العلم لان خيار الرؤية هو الاصل الشرعي لشرط العلم بالمبيع (8) . ويضيفون الى اسباب سقوط خيار الرؤية ما تضمنته القواعد العامة من اسباب كمضي مدة التقادم وهي ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالمبيع او خمس عشرة سنة من تاريخ العقد بالاضافة الى اجازة المشتري للبيع صراحة او ضمناً بالقول او بالفعل الدال على رضاه بالمعقود عليه (9). فالقانون المدني المصري حاول التقريب بين احكام خيار الرؤية والقواعد العامة بنصه على شرط العلم بالمبيع لذا لا غرابة في ان اسباب سقوط خيار الرؤية تصلح كي تكون اسباباً لسقوط حق المشتري بالمطالبة بأبطال العقد لعدم العلم هوما ذهب اليه اغلب شراح هذا القانون فضلاً عن ان الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون المدني المصري الحالي تحيل الى احكام الشريعة الاسلامية فيما لا يوجد فيه نص بأعتبارها المصدر التشريعي لهذا القانون ولما كان تصرف المشتري بالمعقود عليه من ابرز اسباب سقوط خياره سواء كـان ذلك التصـرف قوليـاً ام فعليـاً بمقتضى ما يذهـب اليه فقهـاء المسـلمين فهـذا التصـرف يصـلح سـبباً فــي ســقوط الحـق المــترتب للمـشتري اذا انعدم شرط العلم بالمبيع وهو ما يذهب اليه شراح هذا القانون (10). والقانون المدني السوري لا يختلف في حكم هذه المسألة عما ذهب اليه القانون المدني المصري فبعد اعتباره وصف الشيء وصفاً يكفي لتحقق العلم او ذكر المشتري في العقد انه عالم بالمبيع سببين في سقوط حقه في المطالبة بأبطال العقد لعدم العلم (11). وما ورد في القواعد العامة من ان هذا الحق يسقط بمضي مدة التقادم وبأجازة العقد صراحة او ضمناً (12). يذهب شراح هذا القانون الى القول بأن اسباب سقوط خيار الرؤية ومنها تصرف صاحب حق الخيار بالمعقود عليه تصلح لتكون اسباب لسقوط حق المشتري بالمطالبة بالأبطال لعدم العلم بالمبيع (13). ويذهب شراح القانون المدني الكويتي الى القول بأن اسباب سقوط الحق المترتب على انعدام شرط العلم في هذا القانون تماثل اسباب سقوط خيار الرؤية فليس وصف الشيء في العقد وصفاً كافياً لتحقق العلم او ذكر المشتري في العقد انه عالم بالمبيع فقط من اسباب سقوط هذا الحق بل اضاف اليه القانون الكويتي ان تسلم المشتري للمبيع يعد سبباً في سقوط حقه بالمطالبة بأبطال العقد ولما كان التسلم يؤدي الى سقوط الحق فالتصرف الصادر من صاحب الحق بالمعقود عليه اولى ان يكون سبباً في ســقوط حقــه (14). اما المشرع التركي فقد اورد حكماً يقضي بأن البيع يعتبر ملزماً للمشتري اذا لم يبين قبوله للمبيع او عدم رغبته بالاحتفاظ به خلال المدة المعــينة بالعقــد او خـلال مدة معقــولة بعـــد اخطـــاره مـن قبــل البــــائع وضرورة بيان موقفه من المعاملة (15). وذلك يدل على ان سكوت المشتري بعد قبضه للمبيع يعد قبولاً ضمنياً للصفقة فأذا كان سكوت المشتري يعتبر قبولاً ضمنياً للمبيع فأن تصرفه بالمبيع هو ادعى للدلالة على قبوله به وذلك يؤدي الى سقوط حقه في رد المبيع وفسخ العقد . ويمكن ان نستنتج مما سبق ما يلي :-

ان القانون المدني العراقي اعتبر تصرف المشتري بالمعقود عليه سواء كان تصرفاً قولياً ام فعلياً يؤدي الى سقوط خياره سواء صدر منه قبل رؤية المعقود عليه ام بعدها وبذلك خرج عما ذهب اليه فقهاء المسلمين من حكم إذ اعتبروا تصرف المشتري بالمعقود عليه قبل رؤيته مانعاً من قيام الخيار كما لم يجيزوا اسقاط الخيار بالقول قبل الرؤية .

ان القانونين المدنيين اليمني والاردني كانا اكثر تقيداً بما ذهب اليه فقهاء المسلمين من عدم تأثير قول المشتري الدال على رضاه بالمعقود عليه قبل رؤيته في قيام خياره من القانون المدني العراقي .

انه اغلب شراح القوانين المدنية العربية التي اكتفت بالنص على شرط العلم بالمبيع جعلوا اسباب سقوط خيار الرؤية ومنها تصرف المشتري بالمعقود عليه اسباباً مضافة لاسباب سقوط الحق في المطالبة بأبطال العقد لعدم العلم .

يمكن القول بأن المشرع التركي اعتمد اسباب سقوط خيار الرؤية بطريق الدلالة كأسباب لسقوط حق المشتري في فسخ العقد .

____________________

1- محمد سعيد المحاسني ، شرح مجلة الاحكام العدلية ، مطبعة الترقي ، دمشق ، 1346هـ ، 1927م – ص269-270 ; علي حيدر ، درر الحكام شرح مجلة الاحكام ، تعريب المحامي فهمي الحسيني ، منشورات مكتبة النصر ، بيروت – بغداد ، بدون سنة طبع – ص281 ; سليم رستم باز اللبناني ، شرح المجلة ، ط3 ، المطبعة الادبية ، بيروت ، 1923م – ص178-179 ; محمد زيد الابياني محمد سلامه السنجقلي ، شرح مرشد الحيران ، ط2 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1375هـ ، 1955م – ص196 .

2- جاء في نص المادة (523/1) من القانون المدني العراقي ( يسقط خيار الرؤية ، بصدور ما يبطل الخيار قولاً او فعلاً قبل الرؤية او بعدها … ) .

3- د. سعيد مبارك ، طه الملا حويش ، صاحب عبيد الفتلاوي ، الوجيز في العقود المسماة البيع والمقاولة ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ، 1992،1993م – ص34 ; د.حسن علي الذنون – شرح القانون المدني العراقي العقود المسماة (عقد البيع) ، بدون سنة طبع ص67 ; د. جعفر الفضلي ، الوجيز في شرح العقود المدنية البيع والايجار والمقاولة دراسة في ضوء التطور القانوني معززة بالقرارات القضائية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، 1989م ص36-37 ; د. محمد طه البشير ، العقود المسماة البيع والايجار ، مذكرات مطبوعة على الرونيوم ، بدون سنة طبع – ص69-70 ; د. سعدون العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع والايجار ، ط3 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1974م – ص42-43 .

4- نصت المادة (523/1) من القانون المدني العراقي على انه ( يسقط خيار الرؤية بموت المشتري ، وبتصرفه بالمبيع قبل ان يراه ، وباقراره في عقد البيع انه قد رأى الشيء وقبله بحالته ، وبوصف الشيء في عقد البيع وصفاً يقوم مقام الرؤية وظهوره على الصفة التي وصفت ، وبتعيب الشيء او هلاكه بعد القبض ، وبصدور ما يبطل الخيار قولاً او فعلاً من المشتري قبل الرؤية او بعدها … ) وذهبت محكمة التمييز في قرار لها الى اعتبار قبض المشتري للمعقود عليه مع علمه لما يحتويه من نقص مسقطاً لحقه في المطالبة بالتعويض لاعتبار ذلك قبول صريح من قبله وذلك في قراره المرقم ( 238/موسعه اولى/85/86/تاريخ القرار 29/7/1986 المنشور في مجموعة الاحكام العدلية العددان الثالث والرابع سنة 1986 ) – ص26-28 .

5- جاء في نص المادة (243) من القانون المدني اليمني ( يسقط حق من له خيار الرؤية اصيلاً او وكيلاً في الاحوال التالية : (1. تصرف من له الخيار في العين تصرفاً يوجب حقاً للغير … )

6- نصت المادة (242) من القانون المدني على انه ( من تعاقد على ما لم يره فهو مخير عند رؤيته المميزه ان شاء قبل وامضى العقد وان شاء فسخه وله الفسخ قبل الرؤية وعقبها ما لم يسقط حقه او ما لم يرضَ بعد الرؤية قولاً او فعلاً ولا يعتد بالرضاء قبل الرؤية قولاً … )

7- نصت المادة (187) من القانون المدني الاردني على انه ( 1. لا يسقط خيار الرؤية بالاسقاط ، 2. ويسقط برؤية المعقود عليه وقبوله صراحة او دلالة كما يسقط بموت صاحبه وبهلاكه كله او بعضه وبتعيبة وبتصرف من له حق الخيار فيه تصرفاً لا يحتمل الفسخ او تصرفاً يوجب حقاً للغير )

8- د. برهام محمد عطاالله ، عقد البيع ، كلية الحقوق ، الاسكندرية ، 1983م – ص47 ; د. انور العمروسي ، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل بمذاهب الفقه واحكام القضاء الحديثة في مصر والاقطار العربية ، دار المطبوعات الجامعية ، 1983م ص45 ; د. جميل الشرقاوي ، شرح العقود المدنية البيع والمقايضة ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع ص45 ; د. رمضان ابو السعود ، دروس في العقود المسماة عقد البيع في القانون المصري واللبناني ، بدون سنة طبع – ص95-96 .

9- راجع نص المادتين ( 139 ، 140 ) من القانون المدني المصري الحالي .

10- د. خميس خضير ، البيع في القانون المدني ، الناشر مكتبة القاهرة الحديثة ، 1969م ص57-58 ; د. عبدالعزيز عامر ، عقد البيع ، الناشر دار النهضة العربية ، 1387هـ ، 1967م – ص56 ; د. اسماعيل غانم ، مذكرات في العقود المسماة عقد البيع ، مطبعة الكتاب العربي ، مصر ، 1958م ص70-72 ; د. عبدالرزاق احمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني العقود التي تقع على الملكية (البيع والمقايضة) ، مطابع دار النشر للجامعات المصرية ، القاهرة ، 1960م ص125 ; د. انور العمروسي ، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل بمذاهب الفقه واحكام القضاء الحديثة في مصر والاقطار العربية ، دار المطبوعات الجامعية ، 1983م ص52 ; د. مصطفى الجمال ، البيع في القانونين اللبناني والمصري ، الدار الجامعية ، 1986م – ص103-104 .

11- راجع نص المادة (387) من القانون المدني السوري .

12- راجع نص المادتين (140 ، 141) من القانون المدني السوري .

13- د. مصطفى احمد الزرقاء ، شرح القانون المدني السوري العقود المسماة عقد البيع والمقايضة ، ط6 ، مطابع فتى العرب ، دمشق ، 1384هـ،1965م – ص62-63 .

14- راجع نص المادة (456) من القانون المدني الكويتي ولمزيد من المناقشة انظر د. حسام الدين كامل الاهواني ، عقد البيع ، بدون سنة طبع ص89-92 ; د. محمود جمال الدين زكي ، قانون عقد البيع في القانون المدني الكويت ، 1974،1975م ص119-122 ; د. الصراف – شرح عقد البيع في القانون المدني الكويتي دار البحوث العلمية ، الكويت ، بدون سنة طبع ص248-251 .

15- نصت المادة (221) من قانون الوجائب التركي على انه ( اذا سلم المبيع للمشتري بدون معاينة ولم يبين المشتري عدم قبوله المبيع ورده الى البائع عقيب الاخطار اذا لم يكن اجلاً معيناً او خلال الاجل المعين في المعاملة او المعين عادة فيكون البيع كاملاً (3) وما يليها ويتم البيع ايضاً اذا سلم المشتري كلاً او قسماً بدون قيد احترازي او انه تصرف في المبيع بصورة غير صورته الضرورية لاجل المعاينة ) .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .