الاعتراض المطلق
المؤلف : تغريد عبد القادر المنقحة
الكتاب أو المصدر : مبدا الفصل بين السلطات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الاعتراض المطلق وهو الذي يمكن نعته بحق التصديق Sanction بمعناه الدقيق، ويكون حق الاعتراض مطلقاً إذا استوجب الدستور موافقة رئيس الدولة على مشروعات القوانين التي أقرها البرلمان حتى تصبح نهائية ، ويستنتج ذلك انه إذا لم يعرض مشروع قانون أقره البرلمان على رئيس الدولة أو عرض عليه ولم يوافق عليه، فلا يعد القانون نهائياً في الحالتين ولا يجوز من ثم إصداره. ويتبين لنا ان هذا الاعتراض هو مطلق ونهائي الأثر وعندما يستخدمه رئيس الدولة يكون قد قبر القانون لانتفاء أي طريق دستوري يعطي البرلمان فرصة تجاوز هذا الاعتراض حتى وان أقر نفس مشروع القانون من جديد ، ولو بالإجماع(1).

وهذا ما أخذت به دساتير 1814 ، 1830 ، 1852 ، 1870 الفرنسية(2). وكذلك الدستور الروماني الصادر سنة 1923 نص على هذا الحق في المادة (88) منه ، حيث نصت (للملك حق التصديق على القوانين وإصدارها ، وله رفض التصديق) ، وفي إنجلترا إذا رفض الملك التصديق فانه يكتب على المشروع (انه سينظر في الأمر) (3).

ويبدو واضحاً ان حق الاعتراض المطلق هذا (حق التصديق) يتعارض مع النظام الديمقراطي الذي يجد أساسه في مبدأ سلطات الأمة ، فإذا كانت الأمة هي مصدر السلطات فكيف يمكن ان تعترض إرادة رئيس الدولة وحدها قانوناً اقره البرلمان ، وهو يمثل الأمة وفي النظام البرلماني بوجه خاص لا يتفق حق الاعتراض المطلق مع ما يقرره هذا النظام حيث رئيس الدولة يمارس سلطاته بواسطة وزرائه ، ومن ثم فلا يجوز للرئيس ان ينتهج سياسة شخصية ويتشبث بوجهة نظره ، ويعارض رأي الوزارة وهو يمثل عادة رأي الأغلبية البرلمانية وذلك لان الوزارة في الظروف العادية وطبقاً للأوضاع البرلمانية السليمة تؤلف من رجال حزب الأغلبية في البرلمان وتظل قائمة بإدارة دفة الحكم وهي معتمدة ومستندة إلى تأييد ودعم الأغلبية البرلمانية وحائزة لثقتها(4).

ولقد حاول البعض التوفيق بين حق الاعتراض المطلق والمبادئ الديمقراطية وذلك بجعل هذا الحق مرهوناً في استعماله باردة الأمة نفسها ، أي بإرادة البرلمان الجديد المنتخب بعد حل البرلمان الأول الذي أختلف مع الرئيس على مشروع القانون ، فان قيد حق التصديق برأي الامة بعد هذا الحل أصبح هذا الحق متفقاً والمبدأ الديمقراطي وزوال التعارض بينه وبين كون الأمة مصدر السلطات. بيد ان الفقه الحديث عامة لا يستسيغ هذا الحق على الرغم من محاولة البعض إدماجه في النظام الديمقراطي(5).

كما أخذ على هذا الحق ما قد يؤدي إليه من اضطرابات داخلية كما حدث في فرنسا فكان عامل من عوامل السخط التي أدت إلى ثورة 1848 ، ولعل لمثل هذه الاعتبارات مجتمعة لم يستعمل هذا الحق حتى في البلاد التي وجد فيها ، ففي بلجيكا لم يستعمل الملك حقه في الاعتراض المطلق منذ عام 1884 ، ولم يلجأ إليه قبل ذلك الا بصدد قوانين قليلة الأهمية ، وفي إنجلترا لم يستعمله أي ملك من ملوكها منذ سنة 1707 ايام ان رفضت الملكة آن (Anne) التصديق على قانون التجنيد الاسكتلندي . وهكذا فلم يعد لحق الاعتراض المطلق سوى قيمة تاريخية لان خصائص النهائية والإطلاق الذي يتصف بهما يتعارضان مع المبدأ الديمقراطي الذي يجعل لممثلي الأمة الدور الأول في سن القوانين(6).

______________________________

[1]- د. محمود حلمي ـ مصدر سابق ـ ص235 . ود. فؤاد العطار ـ مصدر سابق ـ ص633.

2- ورد حق الاعتراض المطلق (حق التصديق) في فرنسا لأول مرة في المادة 22 من دستور سنة 1814 فقد جاء فيها (يصدق الملك وحده على القوانين ويصدرها) ثم ورد النص على حق التصديق الملكي للمرة الثانية في دستور سنة 1830 في المادة 18 منه إذ نصت على انه (يصدق الملك على القوانين ويصدرها) وهذا يعني ان الملك يتمتع بصلاحية تصديق وإصدار القوانين في ان واحد بحيث ان عدم التصديق أي الاعتراض عليها يؤدي إلى قبرها وإنهائها كما أعطى دستور 1852 الامبراطور حق التصديق (الاعتراض المطلق) على مشروعات القوانين بعد إقرارها من الهيئة التشريعية ، بحيث يستحيل إصدار قانون ما ، مالم يوافق عليه الإمبراطور (م/40) . أيضاً خول دستور 1870 رئيس الدولة سلطة اعتراض مطلق على مشروعات القوانين التي تقرها الهيئة التشريعية (م17).

Esmein ، Elements de Droit constitutionneel Francais et compare، paris، 1928.p71.

3-د. السيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص318.

4- د. محمد حلمي ـ مصدر سابق ـ ص . ود. محمد كامل ليله ـ نظم سياسية ـ مصدر سابق ـ ص643.

5- د. وحيد رأفت ود. وايت إبراهيم ـ مصدر سابق ـ ص394 ، ود. مصطفى كامل ـ شرح القانون الدستوري ـ (المبادئ العامة والدستور المصري) ـ الطبعة الثانية ـ مطابع دار الكتاب العربي ـ مصر ـ 1952 ، ص433.

6- د. عثمان خليل ـ مصدر سابق ـ ص418 ود. عبد الحميد متولي ـ مصدر سابق ـ ص820.