تصحيح العقد الباطل ، بزوال صفة البطلان عنه ، يستند الى ارادة المشرع ، وقد اورد المشرع تطبيقات عديدة ، يتم بموجبها زوال تلك الصفة ، ومن ثم تصحيح العقد . وجميع هذه التطبيقات تتضمن تغييراً في عنصر من عناصر العقد الباطل ، سواء أكان باطلاً بطلاناً جزئياً ام بطلاناً تاماً ، فهذا التغيير يؤدي الى زوال صفة البطلان وتصحيح العقد الباطل(1). وعلى هذا ، فأن تصحيح العقد الباطل يتحقق نتيجة (( التغيير في عنصر من عناصر العقد ،سواء تم هذا التغيير ،بأبدال العنصر القديم بعنصر جديد ، او بالزيادة فيه ،أو بالأنتقاص منه ، على أن يأخذ الانتقاص معنى متسعاً لايقتصر على رفع المغالاة في عنصر من عناصر العقد ،بل يمتد ليشمل ابطال شق فيه))(2). والمقصود بالعنصر الذي يمكن أن يحصل فيه التغيير، هو (( كل عنصر لازم لأبرام التصرف القانوني إبراماً صحيحاً ، فيترتب على تخلفه عدم قيام التصرف أو عدم ترتيب آثاره ، لذلك ، فلا يقتصر العنصر على أركان التصرف القانوني من ارادة ومحل وسبب أو غاية وشكل خاص بالنسبة لتصرفات معينة بل يشمل كذلك شروط صحة التصرف من أهلية وأرادة خالية من العيوب ، لذلك يشمل كل شرط أو عنصر آخر يدخل في تكوين العنصر الجوهري ، ويكون بالتالي لازماً لقيام التصرف القانوني ، كالثمن في البيع ، وبصيغة عامة المقابل في التصرفات القانونية غير المجانية ، وكذلك المدة بالنسبة لبعض التصرفات القانونية … وغير ذلك من العناصر التي تختلف بأختلاف التصرفات ….))(3).

وعلى هذا ، فأن العناصر التي يمكن أنْ يحصل فيها التغيير المؤدي الى التصحيح ، لاتقتصر على اركان العقد ، وانما تشمل بالأضافة الى ذلك ، كل شرط تطلبه القانون لوجود هذا الركن بصورة نهائية ،أي يشمل كل شرط أو عنصر لازم لقيام العقد ، ففقدان شرط من شروط صحة الرضا قد يؤدي الى بطلان العقد عندما يتمسك بذلك من له الحق به ، إذ يُبْطَل العقد عندما يتمسك بالأبطال من وقع تحت تأثير عيب من عيوب الرضا ، فسبب البطلان هنا ، عيب من عيوب الرضا ولكن بعد التمسك بالبطلان من قبل من له الحق في ذلك(4). (( فأذا وقع الغلط على احد الاشياء التي يرد عليها التصرف … فأن التصرف يكون قابلاً للأبطال بالنسبة للشيء الذي وقع الغلط فيه ، اما بالنسبة للشيء الآخر أو الاشياء الاخرى فيظل صحيحاً ، طالما كان هناك انفصال بينها يسمح لقيام التصرف في احدهما دون الآخر ، فأذا تمسك من له حق الابطال بهذا العيب ، وتوافرت شروط ذلك ، أُبطل التصرف بالنسبة له ، وقام صحيحاً بالنسبة للآخر ، وفي هذه الحالة يكون هذا التصرف محلاً للانقاص والتصحيح))(5). أما التغيير الذي يشترط أن يحصل في عنصر من عناصر العقد الباطل حتى يمكن زوال سبب البطلان ،ومن ثم يؤدي الى تصحيحه ، فأنه يتحقق بعدة وسائل منها الاضافة الى عناصر العقد ، ومنها إستبدال العنصر القديم بعنصر جديد، ومنها إنقاص جزء من عنصر قديم ، بحيث يترتب على هذا التغيير زوال البطلان وتصحيح العقد الباطل .

إلا انه لايوجد مبدأ عام يتضمن زوال البطلان بواسطة التغيير في عنصر من عناصر العقد الباطل، بل هناك تطبيقات تشريعية لذلك ، مما أدى هذا ،الى أن يتجه بعض الفقهاء الفرنسيين(6). الى إن تصحيح العقد الباطل يمكن أن يتحقق في جميع الحالات التي يحصل فيها تغيير في العنصر المعيب يتمثل بتوقف سببه أو انقطاعه، يؤدي الى زوال البطلان ، وذلك للتقليل من انعدام العقود وإنقاذ أكبر عدد منها ، وتجنباً لآثار البطلان التي تقضي باعادة الحالة الى ما كانت عليه . وهذا يعني إمكانية تصحيح العقد الباطل بالأبقاء عليه بعد زوال البطلان . وإستندوا في ذلك الى قرار لمحكمة النقض الفرنسية ، إذ جاء فيه(( بأن العقد الباطل بطلاناً مطلقاً في حالة عدم مصادقته ، من حق الأطراف أن يجددوا إتفاقهم ، أو يحافظوا على ارادتهم المشتركة عندما يكون سبب البطلان قد توقف ))(7). ويستثني هؤلاء الفقهاء من ذلك، العقد المخالف للنظام العام التقليدي والنظام العام التوجيهي الذي يتعلق بالمصلحة العامة، ففي هذه الحالة يُترك أمر تصحيحه للمشرع وحده. إلا أن التصحيح بزوال سبب البطلان يجب أن يستند الى نص قانوني ، لذا ذهب القسم الآخر من الفقهاء(8) ، الى إن تصحيح العقد الباطل يمكن أن يستند الى نص المادة (1844) الفقرة الحادية عشرة منها ، على الرغم من انها متعلقة بعقد الشركة، إذ يرون بأنه من الممكن أن تتضمن مبدأً اساسياً هو جواز تصحيح العقد الباطل بزوال سببه ، وبغض النظر عن كون البطلان مطلقاً أم نسبياً ، فقد جاء في هذه الفقرة (( إن دعوى البطلان قد تنتهي عندما يكون سبب البطلان قد زال في يوم انعقاد الجلسة الاولى للمحكمة ،ما عدا اذا كان سبب البطلان مخالفة الهدف او الغرض الاجتماعي ))(9). فعلى وفق هذا الرأي ، أن هذه الفقرة قد تضمنت اشارة صريحة الى أمكانية تصحيح العقد الباطل ، وقد أعُطي الخيار ، في الفقرة التالية من هذه المادة ، للمتعاقد بين تصحيح العقد وبين التمسك ببطلانه ،وإذا إختار تصحيح العقد والابقاء عليه فعليه اتباع الطريقة التي حددها القانون لزوال البطلان، ومن ثم تصحيح العقد ، وهذه الطريقة هي اكمال الاجراءات التي تطلبها القانون خلال ستة اشهر من ابرام العقد(10). إن زوال لايمكن أن يحصل إلا بتغيير في عنصر من عناصر العقد ،لأن عدم حصول هذا التغيير يؤدي الى بقاء سبب البطلان وعدم تصحيح العقد . وعليه ، نرى ، إن بقاء العقد الباطل ، بأرادة المشرع ودون تغيير في عنصر من عناصره ، لايعد تصحيحاً للعقد ، لعدم حصول التغيير ، ومن ثم تبقى صفة البطلان ملازمة للعقد .

لذا فأن ترتيب العقد الباطل لآثاره الأصلية ، في بعض الحالات التي جاء بها المشرع المصري ، لاتعد تطبيقات لتصحيح العقد الباطل ، من تلك الحالات ، عقد الشركة الباطل(11).وبطلان سند ملكية الراهن(12). فسريان آثار العقد تجاه الغير ، لايعني زوال البطلان ، (( فبقاء العقد مرتباً لآثاره تجاه الغير ،يرجع الى ضرورة حماية الغير حسن النية ووجوب إستقرار المعاملات، على الرغم من بقاء صفة البطلان ، فسريان الآثار الأصلية للعقد الباطل ،بوصفه عقداً ، يرجع الى إن القانون قد عدّ العقد في هذه الحالات ، قائماً حكماً رغبةً منه في حماية الغير حسن النية وإستقرار العقد ))(13). وهذا يعني ، إن العقد يكون غير قائم بالنسبة للمتعاقدين ، وتسري آثاره تجاه الغير حمايةً لهم ، لذا نتفق مع وصف الدكتور وليم سليمان قلادة لهذه الحالات ، بأنها حالات عدم سريان البطلان تجاه الغير ، وليس زوالاً للبطلان ، إذ ذكر (( والمسألة تتأكد حين نواجه عدم سريان البطلان ،ذلك أن إنعدام التصرف بسبب تخلف أحد أركانه يمكن أن يسبب ضرراً للغير حسن النية فهنا يتدخل القانون فيمنع سريان البطلان ، أي يأمر بأبقاء بعض آثار العقد التي أطمأن إليها الغير))(14). وعلى هذا ، فأن سريان آثار عقد الشركة الباطل تجاه الغير ، وعدم جواز إحتجاج الشركاء بالبطلان قبل الغير ، لايعد تصحيحاً لهذا العقد ، لعدم حصول التغيير في عنصر من عناصر العقد ، على الرغم من بقاء العقد الباطل حكماً(15)، وللسبب ذاته لايُعد ذلك أجازة للعقد(16). وكذلك بقاء الرهن قائماً على الرغم من بطلان سند ملكية الراهن ، لايعد تصحيحاً لعقد الراهن ، بل عدم سريان آثار هذا البطلان تجاه الدائن المرتهن الذي كسب حقه وهو حسن النية(17). ان العقد الباطل لايمكن تصحيحه إلا بزوال صفة البطلان بتغيير في عنصر من عناصر العقد(18). بالأنقاص أو الأستبدال أو الأضافة ، فعدم تحقق تغيير بأحدى هذه الوسائل ، معناه بقاء العقد باطلاً دون تصحيحه ، فحتى لو سمحَ القانون بتنفيذه على الرغم من بطلانه ، لأعتبارات معينة ، فأن ذلك لايترتب عليه زوال البطلان(19). بالأضافة الى ذلك ، قد يشترط القانون لتصحيح العقد الباطل ، أن لايكون التغيير في عنصر من عناصر العقد ، متعارضاً مع إرادة المتعاقدين أو أحدهما .

_____________________

1- انظر في هذا ، الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / نظرية الالتزام بوجه عام / الجزء الاول/ القاهرة/ مطبعة جرينبرغ /1952/ص501 هامش (2) ، وكذلك عبد الرزاق السنهوري : مصادر الحق في الفقه الاسلامي / الجزء الرابع / دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع /ص103-104 ، والدكتور عبد العزيز المرسي حمود : نظرية إنقاص التصرف القانوني في القانون المدني المصري ” دراسة تحليلية وتأصيلية مقارنة ” /رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة عين شمس / 1988/ص17-18 ، الدكتور صاحب عبيد الفتلاوي : تحول العقد في ضوء متطلبات التحول الاشتراكي / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون /جامعة بغداد/ مسحوبه على آلة الرونيو /1986/ص197 وما بعدها ، الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت : نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد/الكتاب الاول/ مصادر الالتزام/ الطبعة الثانية/مطبعة مصر/القاهرة/1954/ص158 ، الدكتور إبراهيم الدسوقي أبو الليل : المفهوم القانوني لأنقاص التصرفات القانونية / مجلة الحقوق الكويتية / السنة الاولى/ العدد الثاني / 1987 /ص116-117. وكذلك انظر في الفقه الفرنسي :

MARTY et RAYNAUD ،op.cit،op، p.230-231.

STARCK، ROLAND et BOYER ،op .cit ،p.386.

2- انظر د. عبد العزيز المرسي حمود : نظرية إنقاص التصرف القانوني في القانون المدني المصري ” دراسة تحليلية وتأصيلية مقارنة ” /رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة عين شمس / 1988/ص18.

3- د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل / البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية /دراسة تحليلية تطبيقة لنظرية الأنقاص /مطبوعات جامعية الكويت /1988/ص107.

4- فعدم توافر شروط صحة الرضا من أهلية وارادة خالية من العيوب ، قد يكون سبباً لبطلان العقد ، عند التمسك به ممن له الحق في ذلك، وهذا يؤدي الى عدم قيام العقد بأثر رجعي يمتد الى يوم ابرامه، ونعتقد أن هذا يفسر إخضاع العقد القابل للابطال ، في القانون المدني المصري ،لانتقاص العقد الباطل وتحوله ، في حين ان الانتقاص والتحول لايمكن ان يتحقق إلا في العقد الباطل . وهذا ما دعانا سابقاً الى القول بعدم وجود انواع للبطلان ، وتفضيل موقف القانون المدني العراقي بجعل البطلان مرتبة واحدة، من جهة . وعدم النص على إخضاع العقد الموقوف على الرغم من كونه مهدداً بالبطلان ، في حالة رفض الاجازة ، لانتقاص العقد وتحوله، من جهة آخرى .

5- د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل /البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية /مصدر سابق/ص109-110.

6- TERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op .cit ، p.398.

وقد وردت في هذا المصدر بعض القرارات الصادرة من محكمة النقض الفرنسية لتأييد هذا الرأي ومنها :

Cass 1re civ 26 nov ،1983 ،Bull ،civ، I ، no 28، p .252.

RTD .civ، 1984 . p. 710 ، obs ، J .MESTRE.

7- القرار الصادر من محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 8/1/1985 مشار اليه في المصدر السابق وقد جاء فيه (بالفرنسية )

((Si 1 a’ct nul de nullite’ absolue ، ne peut être re’troactivement confirme’ ،il est loisible aux parties de renouvel leur accord ou de maintenir leur commune volonte’ lorsque la cause de la nullite’a cesse’ )).

(8)STARCK ، ROLAND et BOYER ،op .cit ،p. 387. MARTY et RAYNAUD ، op .cit، p. 232.

(9) L’ article 1844 -11″ L a’ction en nullite’ est e’teinte lorsque La cause de La nullite’ a cesse’ d e’xister le jour ou’ le tribunal statue sur le fond en premie’re instance ، sauf si cette nullite’ est fonde’e sur l’illice’ite de l o’bjet social “.

10- انظر في ذلك قرار محكمة النقض الفرنسية :

civ 13mai 1986 ،Bull ،civ. IV ،no 89.p. 77.

مشار اليه في :

STARCK ، ROLAND et BOYER ، op .cit . p.387.

11- فقد جاء في المادة (507/ف2) من القانون المدني المصري مايلي : (( غير أن هذا البطلان لايجوز أن يحتج به الشركاء قبل الغير ولايكون له أثر فيما بين الشركاء أنفسهم ، إلا من وقت أن يطلب الشريك الحكم بالبطلان )).

12- إذ نصت المادة (1034) من القانون المدني المصري على انه (( يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الراهن الصادر في المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر ، اذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أُبرم فيه الرهن )).

13- أنظر في تفصيل ذلك ، د. احمد حشمت أبو ستيت /مصدر سابق /ص263، والدكتور السنهوري / شرح القانون المدني / النظرية العامة للالتزامات /نظرية العقد / القاهرة/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / 1954/ص640.

14- د. وليم سليمان قلادة /التعبير عن الأرادة في القانون المدني المصري/ دراسة مقارنة /الطبعة الاولى /القاهرة /المطبعة الحديثة /1955/ص291.

15- لذا لانتفق مع الدكتور عبد المنعم فرج الصدة ، الذي عدّ حرمان الشركاء من الأحتجاج بالبطلان قبل الغير تصحيحاً لعقد الشركة الباطل .أنظر مؤلفه نظرية العقد في قوانين البلادالعربية /مكتبة المحكمة العليا /بدون سنة طبع /ص388-389.

16- وعليه ، لانتفق مع رأي الدكتور السنهوري ، الذي يرى بأن عدم جواز الأحتجاج بالبطلان تجاه الغير ، يُعد أجازة للعقد الباطل من قبل القانون ، إذ ذكر ((… وقد يسمح بأجازته كما في الشركة التي لم تستوف الشكل المطلوب …)) أنظر ذلك ، عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / نظرية الالتزام بوجه عام / الجزء الاول/ القاهرة/ مطبعة جرينبرغ /1952/ص492.

17- لذا فلا نعتقد بصحة الرأي الذي يذهب الى القول بأن المادة (1034) مدني مصري ، تتضمن تصحيح عقد الرهن لمصلحة الدائن المرتهن حسن النية الذي قيد رهنه قبل شهر دعوى البطلان . أنظر في هذا الرأي ، المستشار فتيحة قرّة /الأوضاع الظاهرة /المكتبة القانونية /دمشق/ 2001/ص75ومابعدها.

18- إلا إنه ليس كل تغيير في عنصر من عناصر العقد هو تصحيح للعقد الباطل ، بل يجب أن يستند التغيير الى إرادة المشرع . لذا لايعد إعادة عمل العقد الباطل من جديد ، تصحيحاً له . أنظر تفصيل ذلك ، ص73 من الأطروحة.

19- أنظر المادة (489 ) من القانون المدني المصري ، إذ إن التنفيذ الاختياري لعقد الهبة الباطل ، إستناداً الى نص القانون ، لايعد تصحيحاً للعقد .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .