مدى استحقاق معاش الوزير أو نائبه لغير من يشغل منصبهما بشكل فعلي – حكم قضائي هام

الطلب رقم 1 لسنة 41 ق ” تفسير تشريعي ” جلسة 4 / 1 / 2020

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتـور حمدان حسن فهمى والدكتور محمـد عماد النجـار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت القرار الآتى

في الطلب المقيد بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 41 قضائية ” تفسير تشريعي “.
المقدم من
وزيـر العــدل

الإجراءات
بتاريخ الحادي والعشرين من يوليو سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا كتاب السيد وزير العدل رقم 1024، المؤرخ 18/7/2019، بطلب تفسير نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلـة بالقانـون رقم 160 لسنة 2018، لبيان ما إذا كان النص يقتصر، في تطبيقه، على من يشغل، فعليًّا، منصبي الوزير ونائب الوزير، أم يمتد تطبيقه لغيرهم.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن رئيس مجلس الوزراء طلب تفسير المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018؛ فيما تنص عليه من أنه: “يُسوى معاش كل من يشغل فعليًّا، منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم، بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة، قُضيت في المنصب، وذلك بمراعاة الآتى:
1- يُقصد بأجر التسوية آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب أو آخر راتب بالنسبة لباقي الفئات وبما لا يجاوز صافى الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب.
2- يكون الحد الأقصى للمعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه بالبند السابق.
3- إذا قل المعاش عن (25%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة رُفع إلى هذا القـدر، وإذا انتهى شغـــل المنصب بسبب الوفاة أو الإصابة أو العجز الكلى الإصابي فيكون المعاش بواقع (80%) من أجر التسوية المشار إليه في البند (1) من هذه المادة.
4- يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.
وفى حالة تكرار الانتفاع بأحكام هذه المادة، يكون الجمع بين المعاشات المستحقة، وفقًا لأحكامها بما لا يجاوز الحد الأقصى للمعاش المشار إليه بالبند (2) من الفقرة السابقة.
وتتحمل الخزانة العامة بالمعاش المستحق، وفقًا لهذه المادة من هذا القانون.
ولا يستفيد من أحكام هذه المادة، من صدر ضده حكم نهائي في جناية أو حكم عليه، في إحدى جرائم الإرهاب، أو في إحدى الجرائم المضرة بأمن الدولة.
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد المعاشات، والزيادات التي تُستحق عليها، والتي تتحملها الخزانة العامة، والمستحقة وفقًا لهذا القانون، أو أي قانون آخر، عن صافى الحد الأقصى للأجور المشار إليه بالقانون رقم 100 لسنة 1987 بتحديد المعاملة المالية لرئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم.
ويُلغى كل حكم يخالف أحكام هذه المادة، ويصدر قرار من وزير التأمينات بالقواعد المنظمة لتنفيذ أحكام هذه المادة”.

وذلك تأسيسًا على أن هذا النص قد أثار خلافًا في التطبيق، إذ تضاربت في شأنه الآراء؛ فذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلستها المعقودة في 9/1/2019 ملف رقم 86/2/389، إلى انطباق حكم هذه المادة على من لم يشغل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضاء الهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات، بينما اتخذت اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة منحى مغايرًا بما قررته، بجلسة 22/6/2019 في الطعن رقم 523 لسنة 2019 عليا؛ إذ انتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا الوظائف الواردة في هذه المادة، حصرًا دون غيرهم.

وأضاف طلب التفسير أن توحيد تفسير ذلك النص، وتحديد الفئات المنطبق عليها، له أهمية بالغة، نظرًا لعظم وجسامة الآثار المالية، التى تقع على عاتق الخزانة العامة للدولة المترتبة على تطبيقه.

وإزاء أهميـة توحيد التفسير، في هذه المسألة، فقد طلب السيد وزير العدل – بناءً على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء – عرض الأمر على هذه المحكمة لإصدار تفسير تشريعى لذلك النص؛ عملاً بما تنص عليه المادة (192) من الدستور، والمادتان (26) و(33) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.

وحيث إن المادة (192) من الدستور تنص على أنه: “تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، …….”. وتنص المادة (195) من الدستور على أنه “تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، ……”.

كما تنص المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أنه: “تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها”. وتنص المادة (33) من القانون ذاته على أنه: “يقدم طلب التفسير من وزير العـدل بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب (النواب) أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويجب أن يبين في طلب التفسير النص التشريعي المطلوب تفسيره، وما أثاره من خلاف في التطبيق ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره تحقيقًا لوحدة تطبيقه”.

وحيث إن البين من هذه النصوص، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها، في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في الدستور، وفى قانونها – على ما جرى به قضاؤها – يخولها تفسير النصوص القانونية، تفسيرًا ملزمًا للناس كافة، نافذًا في شأن السلطات العامة، والجهات والهيئات القضائية على اختلافها، تكشف فيه عن إرادة المشرع، التي صاغ على ضوئها هذه النصوص، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها، محددًا لدلالتها تحديدًا، جازمًا، لا تعقيب عليه، ولا رجوع فيه، وقوفًا عند الغاية، التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلوغًا إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها، حتى تتحدد، نهائيًّا، المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها، على ضوء هذا التفسير الملزم.

وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية – وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن تكون للنص التشريعى، المطلوب تفسيره، أهمية جوهرية، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص – فضلاً عن أهميته – قد أثار، في تطبيقه، خلافًا سواء بالنظر إلى مضمونه، أو الآثار التى يرتبها، ويقتضى ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصيًا على التوفيق، متصلاً بذلك النص، في مجال إنفاذه أو آثاره، نابذًا وحدة القاعدة القانونية في شأن يتعلق بمعناه، ودلالته، مفضيًا إلى تعدد تأويلاته، وتباين المعايير التي ينتقل إليها، من صورته اللفظية، إلى جوانبه التطبيقية، ليؤول، عملاً، إلى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمه، فلا يعاملون، جميعهم، وفق مقاييس موحدة، بل تتعدد تطبيقاته، بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد، يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه، ضمانًا لتطبيقه تطبيقًا متكافئًا بين جميع المخاطبين به.

وحيث إن الشرطين اللذين تطلبهما المشرع، لقبول طلب التفسير قد توافرا, في الطلب المعروض، بشأن النص التشريعي المطلوب تفسيره، ذلك أنه قد أثار خلافًا في تطبيقه، بين الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من ناحية، واللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة من ناحية أخرى، إذ رأت الأولى انطباق حكمه على من لم يشغــل فعليًّا منصب وزير أو نائب وزير، من أعضـاء الهيئات القضائية ممن شغلوا درجة رئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وكذا رؤساء الجامعات وذلك على سند من أنه: « لا يجوز التعويل على جملة “يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب ……………”، الواردة بنص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018، للقول بحرمان الفئات التي كان المشرع قد قرر، في قوانينهم الخاصة، معاملتها، حكميًّا، بذات المعاملة المعاشية للشاغلين الفعليين لهذه المناصب، من التمتع بذات المزايا المعاشية، الواردة بنص هذه المادة بعد استبدالها، بحسبان هذه الفئات لا تستمد، أصلاً، أحقيتها في التمتع بذات المزايا المعاشية، المقررة لشاغلي هذه المناصب، من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، وإنما تستمدها بموجب نصوص قوانينها الخاصة، وتدور، وجودًا وعدمًا، مع هذه النصوص، وعلى نحو ما سلف، فإنه لا يجوز للقانون العام نسخ أحكام القوانين الخاصة، وإنما ينصرف أثر استبدال هذه المادة، على مفهوم المساواة المقصودة في هذا الشأن، فهي لم تعد المساواة المطلقة، في مقــــــدار المعاش، بالنظر إلى الأجور المتساوية، التي كانت تتقاضاها هذه الفئات، إذ لم تعد مساواة قيمية، أو رقمية، وإنما أضحت مساواة في المعاملة، بذات المعادلة الحسابية، الواردة بنص المادة (31) المشار إليها بعد استبدالها بموجب القانون رقم (160) لسنة 2018».

في حين نحت الثانية منحى آخر، مناقضًا، فانتهت إلى قصر تطبيق ذلك النص على من يشغل فعليًّا، الوظائف الواردة في هذه المادة حصرًا، دون غيرهم، وذلك على سند من أنه: « باستقراء نص المادة (31) من القانون رقم 79 لسنة 1975 قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، والتى لم تكن تتضمن عبارة “يشغل فعليًّا”، يتضح أن استفادة أعضاء الجهات، والهيئات القضائية، من نص تلك المادة، كان مرده قرار المحكمة الدستورية العليا، في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية “تفسير”، الذى اتخذ معيارًا عادلاً، هو الاعتداد بالمرتب الفعلى، كأساس للتماثل بين وظائف الوزراء ونوابهم وبين الوظائف الأخرى، على اعتبار أن معيار المرتب المتماثل، هو المعيار الأعدل الذى يحقق المساواة في المعاملة من حيث المعاش، بين من يتقاضون مرتبات متماثلة، وفقًا لجداول المرتبات التى استعرضها القرار، وأنه وبصدور القانون رقم 28 لسنة 2018، الذى تضمن تحديد مرتب الوزير بصافي الحد الأقصى للأجور، ومرتب نائب الوزير بواقع 90% من هذا الحد، دون وجود جدول محدد لرواتبهم، يكون قد انتفى المعيار، الذى اتخذته المحكمة الدستورية العليا، أساسًا لتطبيق نص المادة (31) من القانون 79 لسنة 1975 على أعضاء الجهات والهيئات القضائية».

وحيث إن النص محل طلب التفسير، إذ يتعلق بممارسة بعض الحقوق الدستورية الأساسية، وهي الحق في المعاش، والحق في المساواة، فضلاً عن أن هذا الخلاف يؤثر – على نحو ما جاء بطلب التفسير – على استقرار أوضاع الخزانة العامة للدولة، بما يرتبه من آثار مالية جسيمة على عاتقها، فإن طلب تفسيره يكون مقبولاً.
وحيث إن من المقرر، في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن اختصاصها بتفسير النصوص التشريعية، لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها؛ ذلك أن المادة (26) من قانونها، لا تخولها سوى استقصاء إرادة المشرع، من خلال استخلاصها، دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية، إنما ترد، دومًا، إلى هذه الإرادة، وتُحمل عليها حملاً، سواء كان المشرع، حين صاغها، مجانبًا الحق، أم منصفًا، وسواء كان مضمونها ملتئمًا مع أحكام الدستور، أم كان منافيًا لها، ولا يُتصور – تبعًا لذلك – أن يكون طلب تفسير تلك النصوص تفسيرًا تشريعيًّا، متضمنًا، أو مستنهضًا الفصل في دستوريتها، لتقرير صحتها، أو بطلانها، على ضوء أحكام الدستور.

وحيث إن قرارات التفسير الصادرة من المحكمة الدستورية العليا قد تواترت على أنها قد خُولت سلطة تفسير النصوص التشريعية – بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين – تفسيرًا تشريعيًّا ملزمًا؛ محددًا مضمونهـا، لتوضيح ما أُبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض، قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفيًا إرادة المشرع، تحريًّا لمقاصده منها، ووقوفًا عند الغاية التى استهدفها من تقريره إيّاها، بلا زيادة أو ابتسار، مما مؤداه أن هذه المحكمة تحدد مضامين النصوص التشريعية، حملاً على المعنى المقصود منها ابتداءً؛ ضمانًا لوحدة تطبيقها، ودون إقحام لعناصر جديدة على القاعدة القانونية التي تفسرها، بما يغيّر من محتواها الحق، أو يُلبسها غير الصورة التي أفرغها المشرع فيها، أو يردها إلى غير الدائرة التي قصد أن تعمل في نطاقها، بل يكون قرارها بتفسير تلك النصوص كاشفًا عن حقيقتها، معتصمًا بجوهرها، مندمجًا فيها، وتستعين المحكمة، في سبيل ذلك، بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره، وبأعماله التحضيرية الممهدة له.

وحيث إنه باستعراض التطور التشريعي للنص محل طلب التفسير المعروض؛ فإنه يتبين، من الأعمال التحضيرية لذلك النص، وما جرى بشأنه من مناقشات، حال وروده في بادئ الأمر، ضمن نصوص القانون رقم 28 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987 بشأن تحديد مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، أنه تم النص على عبارة “من شغل فعليًّا”، وقيل إيضاحًا لمعناها، أثناء مناقشة مشروع ذلك القانون، على لسان رئيس مجلس النواب، أنه يُقصد بها من باشر العمل في المنصب فعلاً، وليس من هم في درجة وزير. ثم أعيد النص على كلمة “فعليًّا”، حال إقرار تعديل نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بموجب القانون رقم 160 لسنة 2018. ومن ثم والحال هذه، يضحى ما ورد في مضابط مناقشة القانون رقم 28 لسنة 2018، على نحو ما قرر رئيس مجلس النواب، منسحبًا، بحكم الضرورة، على القصد من التعديل، الذي أدخل على المادة (31) المعنية، فالتداخل الزمنى بين القانونين، إنما يفيد بالقطع أن ما قُصد، في تعديل المادة (31)، هو القصد ذاته المصرح به، عند سن القانون رقم 28 لسنة 2018، بما مؤداه أن مفهوم هذه العبارة يظل ملازمًا لهما أيضًا، أينما وردت من بعد، باعتبار أن هذا المفهوم، هو ما كشفت عنه مناقشات مجلس النواب من قبل، وفى شأن نص مماثل.

يضاف إلى هذا، ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة، ومكتب لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، عن مشروع القانون رقـم 160 لسنة 2018، تسبيبًا لهذا التعديل، من أنه « مضي على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، أكثر من 40 سنة، دون تعديل، مما أدى إلى تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم». وهو ما دلالته انصراف قواعد حساب المعاش الواردة بالنص المطلوب تفسيره، إلى من يشغل “فعليًّا” المناصب الواردة به، دون غيرهم.

وحيث إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي، قبل استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، كان يجرى على أن “يسوى معاش المؤمن عليه الذي شغل منصب وزير أو نائب وزير على أساس…،”، ثم جاءت صياغته بعد الاستبدال بالقانون المشار إليه، على أن “يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم بواقع جزء …….”.

وحيث إنه لا يجوز صرف عبارة النص محل التفسير عن معناها الظاهر، وتفسيرها قسرًا واعتسافًا، على نحو يؤدى إلى شمول حكمها، لما ليس منها؛ وإلا كان تأويلاً له غير مقبول.

وحيث إن المشرع قد استحدث بالنص محل التفسير بعد استبداله، حكمًا مغايرًا، لما جرى عليه سابقه، إذ أورد عبارة “يشغل فعليًّا”، والمعروف أن كلمة “فعليًّا”، لغة من فَعَلَ، تفَعل، فَعْلاً وفعالاً وفعاليَةً. وفعل الشئ: عمله، وصنعه: كائنًا موجودًا، واقعًا، لا محالة، وقال تعالى، في قصة موسى عليه السلام، “وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ”. وفعلىِ: اسم منسوب إلى فعل: حقيقىّ، واقعىّ، موجود فعلاً. والفعل، في الاصطلاح، هو العمل – وهو مشتمل على ثلاثة عناصر: أولها الحدوث، وثانيها الزمـان، وثالثها النسبة إلى الفاعـل. ومـن ثم فـإن “الفعلي” هو الحقيقي والواقعي، وهو الموجود فعلاً، وهو عكس ” الحكمي”. وإذ عدد النص، المناصب التي يسري عليها حكمه، تعدادًا حصريًّا، فدل بذلك على أن حكمه مقصور، على شاغلي تلك المناصب، شغلاً فعليًّا، لا حكميًّا.

كما استحدث أيضًا، ذلك النص، قواعد جديدة، لتسوية معاش من شغل “فعليًّا”، منصبًا من المناصب الواردة به، تختلف كلية، عن قواعد التسوية، التي كان معمولاً بها، قبل استبدال هذا النص، فأصبحت التسوية، تتم بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية، عن كل سنة، قضيت في المنصب. ويقصد بأجر التسوية: آخر مكافأة لرئيس مجلس النواب، وآخر راتب بالنسبة لباقي الفئات. ولما كان المشرع قد سبق أن قرر راتبًا واحدًا لكل فئة من الفئات الواردة بهذا النص، وذلك بموجب القانون رقم 28 لسنة 2018 المشار إليه، ولم يعد شاغلو هذه المناصب يحصلون على راتب أساسي، وآخر متغير، وأصبح أجر التسوية، هو ما يحصل عليه الوزير من راتب فقط، فإن ذلك يؤكد، أن ما أتى به التعديل، الذى أُدخل على المادة (31)، إنما استحدث منظومة متكاملة، تتوافق مع أوضاع شاغلي “المناصب الفعلية” للوزراء ونوابهم، ولا تصلح لأن تُمد إلى غيرهم ممن في حكمهم، ذلك أن غير شاغلي تلك المناصب، ممن هم في درجة وزير، أو نائب وزير، ومنهم بعض أعضاء الجهات، والهيئـات القضائية، ورؤساء الجامعـات وغيرهم، لا يشغلون فعليًّا تلك المناصب، كما لا تسوى معاشاتهم على أساس أجر تسوية، وإنما تسوى معاشاتهم عن الأجر الأساسي، والأجر المتغير، وفقًا لجداول المرتبات، الملحقة بقوانينهم الخاصة. وعليه تصير قواعد التسوية، التي أوردها النص المطلوب تفسيره، عصية على التطبيق، في شأن تسوية معاش، أي فئات أخرى غير الفئات، الواردة في النص المشار إليه، لا سيما بعد أن انتفى معيار التماثل، بين مرتبات بعض شاغلي الوظائف، ممن هم في درجة وزير أو نائب الوزير، وبين الوزراء الفعليين، الذى كان مناط حصول الأولين على معاش الوزير، وكان متكأً لقرار التفسير الصادر عن هذه المحكمة في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية.

ولا وجه للقول بأن ذلك مؤداه أن تضحى النصوص، الواردة في التشريعات المنظمة لشئون المعاملين بكادرات خاصة، دائرة في الفراغ، مجردة من قوة نفاذها، وأن التشريعات التأمينية، تغدو خلوًا من نصوص، تبين كيفية تسوية معاشات شاغلي المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير أو نائب الوزير. فذلك مردود بأن المستقــر في قضاء هذه المحكمة أن قراراتها في شأن تفسير النصوص التشريعية، سواء في ذلك تلك التي أقرتها السلطة التشريعية، أو التي أصدرها رئيس الجمهورية في شكل قرار بقانون، وفقًا لأحكام الدستور، لا تنفصل عن النصوص التي تقوم بتفسيرها، بل تندمج فيها، باعتبارها كاشفة عن المعنى المقصود منها، ومحددة، من ثمّ، لمضامينها، وبالتالي تأخذ حكمها، وتكـون لها قوتها، منذ إقرارها أو إصدارها، ولا تمتد إلى غير من شملتهم تلك النصوص، ومن ثم يتقيد الكافة بمقتضاه، وتنزل عليه كل سلطة في الدولة.

وحيث إنه سبق لهذه المحكمة أن انتهت، بقرار التفسير الصادر بجلسة 3 مارس سنة 1990 في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية “تفسير”، إلى أنه:
« في تطبيق أحكام المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 ، يعتبر نائب رئيس محكمة النقض، ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لرئيس محكمة النقض، كما يعتبر نائب رئيس محكمة الاستئناف ومن في درجته من أعضاء الهيئات القضائية، في حكم درجة نائب الوزير، ويعامل معاملته، من حيث المعاش المستحق، عن الأجر الأساسي، والمعاش المستحق عن الأجر المتغير، وذلك منذ بلوغه المرتب المقرر لنائب الوزير، ولو كان بلوغ العضو المرتب المماثل في الحالتين إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من قواعد تطبيق جداول المرتبات المضافة بالقانون رقم 17 لسنة1976 بتعديل بعض أحكام قوانين الهيئات القضائية ».

وإذ نصت المادة الثالثة من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات على أنه: ” لا يترتب على تطبيق أحكام القانون المرافق الإخلال بما تتضمنه أحكام القوانين المنظمة للشئون الوظيفية للعاملين بالكادرات الخاصة، ويستمر العمل بالمزايا المقررة في هذه القوانين والأنظمة الوظيفية، وتتحمل الخزانة العامة، فروق التكلفة المترتبة على ذلك، طبقًا لأحكام القانون المرافق “.

وجاءت المادة (27) من مواد ذلك القانون تكرارًا لنص المادة (31) المطلوب تفسيرها، إلا أنها قد أضافت عبارة ” لا يسرى حكم هذه المادة على من هم في درجة وزير” في البند (5) منها، الأمر الذى يستلزم أن تستمر معاملة أعضاء الجهات والهيئات القضائية، ممن شغلوا درجة نائب رئيس محكمة النقض، ورئيس محكمة الاستئناف، ونائب رئيس محكمة الاستئناف، والدرجات المناظرة لها، وغيرهم من ذوى المناصب التى تعامل معاملة الوزير أو نائب الوزير دون أن تشغل فعليًّا هذا المنصب، بالأسس والقواعد ذاتها التى كانوا يعاملون بها في ظل المادة (31) من قانون التأمينات الاجتماعية، قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2018، وذلك في ضوء الحجية الملزمة لقرار التفسير الصادر في الطلب رقم 3 لسنة 8 قضائية “تفسير”، سالف الذكر.

يؤكد ذلك أن المشرع كان يهدف من النص المراد تفسيره، وعلى (ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القـوى العاملة ومكتب لجنة الخطة والموازنة) – سالف الذكر – معالجة « تدنى قيم المعاشات، التي تستحق للسادة الوزراء، والمحافظين ونوابهم، لذلك تم وضع قواعد جديدة لحساب معاشاتهم»، قاصدًا منه تمييز تلك الفئة بنظام خاص لحساب معاشاتهم، دون أن يهدف، من ذلك، الانتقاص من الحقوق التأمينية، والمعاشية المكتسبة لشاغلى المناصب الأخرى، ممن هم في درجة الوزير، أو نائب الوزير، ولم يشغلوا فعليًّا هذا المنصب، التى تحددت بموجب قرار التفسير، الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه.

فلهــــذه الأسبــاب
وبعد الاطلاع على نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والمستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2018.
قررت المحكمة :
إن نص المادة (31) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، بعد استبداله بالقانون رقم 160 لسنة 2018، لا يسري إلا على من يشغل فعليًّا أحد المناصب الواردة به حصرًا، دون غيرهم.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .