شرح عدم سماع الدعوى بعد خمس سنوات في المبالغ والديون المالية وفقا للقانون اليمني

تنص المادة (23) من قانون الإثبات رقم (21) لسنة 1992 المعدل بالقانون رقم (20) لسنة 1996م على:
(لا تسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد الاربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق الاداء من يوم ثبوته ما لم يضرب له أجل للسداد فلا يعتبر مستحقا إلا بعد انقضاء الأجل، هذا وعدم سماع الدعوى في المواد الاربع السابقة ما لم يكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيدا لحفظ الحقوق).حسنا حتى انا اول ما قرأتها لم أفهم منها شيئا. لكن على حقا أن افهمها واعرف ما يريده المشرع منها اول حاجة سألت هل يوجد مذكرة تفسيرية أو توضيحية لقانون الإثبات قبل التعديل أو بعد التعديل.
فكانت الإجابة هي … لا.
وهذه مشكلة إذا ليس أمامي سوى أن اجتهد.
لذلك اقول واسأل الله التوفيق والسداد.
المادة وردت ضمن الفصل الثاني من الباب الأول من قانون الإثبات النافذ. هذا الفصل بعنوان (في عدم سماع الدعوى) الذي أورد فيه القانون أحوال عدم سماع الدعوى وخصص له المواد من 14 إلى 25.
تبرز إشكالية هذه المادة من وجهين:
الوجه الاول: انها مرتبطة بما سبقها من مواد وتحديدا المواد الاربع السابقة لها ولا يمكننا فهمها أو تفسيرها إلا في سياق تلك المواد.
وهذا ما سنفعله:
بعد أن تطرق القانون في المادة (18) لحالة عدم سماع الدعوى المتعلقة بدعاوى العقارات.
وضع نصا لا أجد له تفسير سوى أنه نص تحذيري انه أشبه باللون الأصفر في إشارة المرور وهو نص المادة (19) التي نصت على:
((مع مراعاة الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة لا تسمع الدعوى بحق لا يتعلق بعقار طبقا لما هو منصوص عليه في المواد التالية).

المادة (20) (لا تسمع الدعوى من حاضر بحق متجدد كأجرة المباني والاراضي بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق كما لا تسمع دعوى القاصر فيما باعته أمه أو من له ولاية عليه للضرورة أو الإنفاق إذا كان بثمن الزمان والمكان).
المادة (21) (لا تسمع الدعوى من ذي مهنة حاضر كالطبيب وغيره بحق من حقوق مهنته أو مصروفات تكبدها في أدائه بعد مضي سنة من وقت اداء العمل).
المادة (22) (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الاستحقاق في الأحوال الآتية:
1-حقوق التجار والصناع عن اشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فيها مع عدم المطالبة.
2 -حقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الاقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم.
3 -حقوق العمال والخدام والأجراء من أجور يومية وغير يومية أو ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم.
والآن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الرابط بين هذه المواد بعضها بعضا من جهة وبينها وبين المادة موضوع البحث؟
الجواب:
الذي يربط بين المواد الاربع مع بعضها شيئين:
الأول: عدم تعلق اي منها بعقار حسب المادة 19.
الثاني: الزمن. أي المدة التي إذا مضت لا يمكن سماع الدعوى بعدها، والتي تختلف من دعوى إلى أخرى حسب التصنيف الوارد فيها.
أما الرابط بين هذه المواد والمادة 23 فهو أن هذه المادة ليست سوى تتمة واستدراك لكل مادة من المواد الاربع السابقة
وبمعنى أكثر وضوحا هذه المادة تقول بصراحة ما لم يرد بشأنه نص في المواد الاربع السابقة رغم أنه يأخذ حكم اي منها فيطبق عليه هذا النص وهو عدم سماع الدعوى بشأنه بعد مضي خمس سنوات.
الوجه الثاني من الإشكالية: يتعلق بالتعديل الذي ادخله المشرع في هذه المادة وهو إضافة الفقرة التالية إليها:

(هذا وعدم سماع الدعوى في المواد الاربع السابقة ما لم يكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيدا لحفظ الحقوق).
هذه الفقرة تطرقت صراحة إلى أن نطاق تطبيقها هو المواد الاربع 19 إلى 22 السابقة على المادة 23 موضوع بحثنا.
فالقانون بعد أن بين في المواد 20 و21 و22 بعض حالات سماع الدعوى. أي عدم إمكانية سماع الدعوى ولزوم الحكم برفضها بقوة القانون لمضي المدة.
إلا أنه تراجع عن هذا الحكم تماما وسمح للقاضي بسماع الدعوى رغم مضي المدة المحددة لتقديمها إذا كانت هناك قرائن دالة على صدق الدعوى.
وهو بالتأكيد نهج غير موفق أفقد النص قيمته لأنه وان كان استثناء الا انه استثناء غير محدد أو محصور ولا يمكن ضبطه.
فإذا كانت الدعوى غير مسموعة اصلا لمضي المدة ولو كان دليلها قائم فكيف يمكن سماعها بناء على مجرد قرائن.
لو كانت القرائن المقصود بها هنا تعود إلى التراخي في تقديم الدعوى اي كان هناك اسباب وجيهة منعت او حالت بين صاحب الحق وبين المطالبة به خلال مدته لكان للنص وجه قانوني يعتد به ومسوغ لقبوله.
لكن متن النص قد قطع علينا هذا الاحتمال حين ربط القرائن بصدق الدعوى نفسها.
فمن المعلوم أن من أهم أسباب تقنين الدفع بعدم سماع الدعوى هو أن من كان له حق لدى غيره فعليه أن يبادر برفع الدعوى للمطالبة به بمجرد استحقاقه له أما ان يترك ذلك سيفا مسلطا على رأس المدعى عليه ليضربه به متى شاء وعلى حين غفلة فهو أمر يضر بالعدالة.
وإذا كان المشرع قد قصد من إضافة تلك الفقرة إلى النص كما ورد فيه بأنه حفظ الحقوق باعتبار أن الحق قديم يمكن المطالبة به في اي وقت ولا تبرأ ذمة المدعى عليه إلا بأدائه فأعتقد انه يجب ترك هذا الأمر لذمة المدعى عليه نفسه لأنه حتما أن لم يحاسب عليه في الدنيا سيحاسب في الآخرة.
والقانون ينظم أمور دنيوية ويضع قواعد عامة يمكن تطبيقها على ظاهر الأمور وليس على بواطنها فاستقرار المعاملات وثباتها وتنظيم استخدام الحق في المطالبة بها أمر فرضته مستجدات الواقع وله مصلحته.
وكل ما على صاحب الحق للحفاظ على حقه هو عدم التسويف في المطالبة به واتخاذ الاحتياطيات اللازمة للمحافظة عليه. فعندما يحرر لك شخص سند دين بما في ذمته وورد فيه بأنه سيدفعه لك في وقت محدد فقد أصبح الوقت عنصر أساسي في الموضوع يجب أخذه بعين الاعتبار.
لذلك فإننا نرى أن هذا النص بحاجة إلى تعديل أما بحذف الاضافة التي اوجدها القانون رقم 20 لسنة 96م والإبقاء على النص كما كان في قانون 21 لسنة 92.
أو بإعادة صياغته ليكون المقصود به إمكانية سماع الدعوى رغم مضي مدة تقديمها لتوافر قرائن متعلقة بسبب التراخي في تقديمها وليس بالدعوى نفسها.
هذا مع خالص تحياتنا
المحامي / عبد الله عبد الله المشرقي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت