أنواع التفريد

كشف التطور الحديث الذي لحق بالسياسة الجنائية حديثا عن مبدأ هام هو مبدأ التناسب، ويتوجه مضمون هذا المبدأ إلى المشرع، وينبه إلى ضرورة مراعاة التناسب بين إيلام العقوبة الجنائية والجريمة التي تقررت لها هذه العقوبة[1]، وظهر بموازاته مبدأ المساواة في العقاب كرد فعل ضد نظام عدم المساواة الذي اتسمت به الإدارة الجنائية في النظم القديمة، لكن المساواة في القانون الجنائي أدت إلى عدم المساواة بين أناس مختلفين، لأن العقاب وإن كان واحداً في الإسم، فإنه يختلف في الحقيقة بإختلاف النوع والسن والظروف؛ وغير ذلك من الأحوال، فالشكلية التي اتسم بها الاتجاه المحافظ كادت تقضي على المبررات التي من أجلها نودي بمبدأ الشرعية؛ وذلك بالهبوط بالقاضي إلى مستوى الآلة في تطبيقه للقانون بحرمانه من أي سلطة تقديرية، وهذا بطبيعة الحال، يضر بمبدأ المساواة أمام القانون الذي يتطلب بالضرورة أن يؤخذ في الاعتبار التغيرات الإجتماعية للمصالح، وأيضا الظروف الواقعية التي أحاطت بارتكاب الجريمة[2]، ومن ثم فإن المساواة الحقيقية هي المساواة بين جميع الجناة في الألم.

ومن هنا ظهر التفريد للتعبير عن هذا المنطق الذي هو في الحقيقة عصب السياسة الجنائية، فالمعنى الحقيقي للمساواة هو تماثل العقوبة كلما تماثلت الظروف والأوضاع، ومن ثم فلا تعارض بين مبدأ المساواة في العقوبة ومبدأ تفريدها[3]، ولما كان تفريد العقوبة يحقق العدالة والمساواة، فقد أخذت به النظم الجنائية الحديثة على ثلاث مستويات: ابتداء من المرحلة التشريعية إلى المرحلة القضائية، ثم إلى مرحلة تنفيذ العقوبة.

[1] أمين مصطفى محمد، علم الجزاء الجنائي ـ الجزاء الجنائي بين النظرية والتطبيق ـ دار الجامعة الجديدة للنشر، 1995، ص78

[2] مأمون محمد سلامه، مرجع سابق، ص23

[3] أحمد المجذوب، الغرامة كبديل للحبس قصير المدة، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ قسم بحوث المعاملة الجنائيةـ، القاهرة، 2004، ص87