تعني الخصخصة في التعبير الاقتصادي نقل الملكية العامة أو إسناد إدارتها إلى القطاع الخاص. تأخذ الخصخصة أسلوبين، الأول: هو بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص. والثاني: هو أن تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها في السابق مباشرة وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات.

وتوصف عملية الخصخصة اليوم بأنها ظاهرة عالمية، ويرجع تاريخ أول عملية للخصخصة في العالم، بمعنى قيام شركة خاصة بخدمة عامة كانت تضطلع بها مؤسسة حكومية، يرجع إلى سماح بلدية نيويورك لشركة خاصة بأن تقوم بأعمال نظافة شوارع المدينة عام 1676، أما استخدام الخصخصة كسياسة اقتصادية أو وسيلة عملية لإحداث تحول مبرمج في اقتصاديات الدول فقد بدأ في السبعينيات من القرن العشرين. وكلمة الخصخصة صار لها أكثر من دلالة سياسية لارتباطها بإنجاز

عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي في الدول التي كانت تتبع التخطيط المركزي، وكذلك ما تستهدفه الخصخصة من تسهيل اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي، وإعادة هيكلة اقتصادياتها لتتماشى مع نمط وآليات الاقتصاد الحر. وأصبحت الخصخصة من البنود الأساسية التي يتبناها كل من البنك والصندوق الدوليّين كإحدى المعالجات للأوضاع المالية المتدهورة في الدول النامية، حيث تمثل الملكية العامة في الدول النامية حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، الأمر الذي يدل على أن هناك العديد من المؤسسات العامة ما تزال في أيدي الحكومات.

اتجاهات الخصخصة في الدول النامية
تزايدت وتيرة الأخذ بالخصخصة باعتبارها عنصرًا حاسمًا في عملية التحول الاقتصادي في جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فقد طبقت برامج واسعة في كل من بريطانيا واليابان وهي دول صناعية، كما طبقت في أصغر الاقتصاديات حجمًا مثل نيوزلندا وشيلي.

ووفقًا لأحدث تقرير صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 2000، فقد زادت الحكومات في العالم أجمع من بيع أنصبتها في الشركات العامة إلى القطاع الخاص، وبلغت قيمة حصيلة الخصخصة ما يفوق 10% ما تحقق قبل عشرة سنوات، أي ما يعادل 145 مليار دولار أمريكي، وتمت أكبر عملية بيع في إيطاليا، وقيمتها 14 مليار دولار تمثل 34.5% من حجم الأسهم في أكبر شركة عامة للكهرباء.

وخلال السنوات 1996 – 1997 وصلت مبيعات المؤسسات العامة في أوروبا 53 مليار دولار أمريكي، وفي أمريكا اللاتينية 17 مليارًا، وفي آسيا 9 مليارات، ولعل هذا يعكس تناقص دور القطاع العام كمالك للأصول الإنتاجية في الاقتصاد.

أما بيانات البنك الدولي الصادرة في عام ألفين فتبين أن الخصخصة صارت اتجاهًا معروفًا خلال العشر سنوات الماضية. فقد زاد عدد الدول التي طبقت برامج وعمليات الخصخصة من 12 دولة في عام 1988 إلى أكثر من 80 دولة عام 1995. ويذكر أن بيانات البنك الدولي غطت حوالي 88 دولة باعت أصول قيمتها 135 مليار دولار في 3,800 عملية، تقدر كل واحدة منها بأكثر من 50.000 دولار خلال الفترة من 1988 – 1995، وتقسيمها على النحو التالي:

– دول أمريكا اللاتينية قادت عمليات خصخصة بإجمالي مبيعات 54 مليار دولار أو ما يعادل 46% من جملة قيمة الأصول العامة المخصخصة في العالم. – وفي شرق آسيا التي احتلت المرتبة الثانية، وصلت المبيعات إلى 28 مليارًا بما يعادل 25% من جملة الأصول العامة المخصخصة في العالم. – وفي أوروبا ووسط آسيا بما يشمل دول الاتحاد السوفييتي السابق ودول الاقتصاد المخطط في شرق أوروبا بلغت المبيعات 20 مليارًا بما يعادل 17% من جملة الأصول العامة المخصخصة في العالم.

– بينما حققت بقية دول العالم النامية عمليات بيع نسبتها 12% من جملة المبيعات من الخصخصة في العالم.

ضغوط الخصخصة وأهدافه
وأيًّا كانت حجج المؤيدين والمعارضين للخصخصة فإن استقراء الواقع يؤكد وجود العديد من القوى والضغوط التي دفعت دول العالم للجوء إلى الخصخصة كأسلوب لإدارة المنشآت الاقتصادية، وتتمثل هذه الضغوط والقوى في ضغوط عملية تهدف إلى إيجاد حكومات أكثر كفاءة تطبق سياسات مالية أفضل يترتب عليها اقتصاد في النفقات، وضغوط أيديولوجية تقضي بتقليل دور الحكومة وتدخلها في الحياة الاقتصادية، وضغوط تجارية تهدف إلى توسيع مجالات العمل وزيادة كفاءة الإنتاج، وضغوط شعبية تسعى إلى خلق مجتمع أفضل تتوفر لدى أفراده فرص أوسع في اختيار السلع والخدمات، وزيادة مشاركتهم في النشاطات الاقتصادية..

وأخيرًا ضغوط دولية تهدف إلى إيجاد اقتصاد تتوفر لديه القدرة على المنافسة مع الأسواق والمنتجات الأخرى، في ظل برامج التصحيح والنظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي تفرضه الدول الكبرى عن طريق المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين.

تحسين الأوضاع الاقتصادية هدف أسمى
وتهدف الدول التي طبقت الخصخصة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، بعضها يتعلق بالهيكل المالي والنقدي والنمو الاقتصادي وتتمثل في:-

تحسين النتائج الاقتصادية والمالية للمشروعات العامة التي يتم خصخصتها، ومساندة القطاع الخاص في زيادة نشاطه بفضل ضمان استقلاله في الإدارة بما يتلاءم مع الظروف الاقتصادية وحركة المنافسة.

خفض عجز الموازنة العامة للدولة الناجم عن دعم الدولة للمشروعات العامة، واستثمار حصيلة بيع حصص الدولة في تلك المشروعات؛ سواء في النهوض بالمشروعات الأخرى لتتمكن من بيعها أو في الإنفاق على الخدمات الأخرى وتطوير أداء الهيئات التابعة لها.

زيادة إيرادات الدولة من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الشركات بعد خصخصتها.
إنعاش السوق المالي وتنشيط بورصة الأوراق المالية وجذب مدخرات القطاع الخاص، وفتح باب الاستثمار أمام رأس المال الأجنبي، والتوسع في مشاركة العمال في ملكية المشروعات.

أما أهداف الخصخصة في مجال سوق العمل فتتمثل في:
تخفيض البطالة المُقنَّعة عن طريق التخلص من العمالة الزائدة أو تطبيق نظام التدريب التحويلي، واستغلالها في إقامة مشروعات إنتاجية أخرى.

توجيه سوق العمل نحو المهنة المطلوبة، وبالتالي تحقيق الكفاءة في فرض العمل والمساهمة في توجيه السياسة التعليمية ومخرجاتها لتتوافق مع الطلب المحـلي عـلى العـمل
أساليب الخصخصة وآلياتها الشائعة في العالم

1 – بيع وحدات القطاع العام:
ويعد هذا الأسلوب هو الأكثر انتشارًا في العالم (كما في مصر مثلاً)، ويتم تنفيذه بأشكال مختلفة، ويمكن أن يكون البيع جزئيًّا بمعنى طرح جزء فقط من رأس مال المنشأة للبيع، ويمكن أن يكون كليًّا بطرح الشركة كلها مرة واحدة. وتتخذ عملية البيع عدة أشكال من أهمها:

أ – طرح الجزء المراد بيعه أو الشركة في صورة أسهم للاكتتاب العام في البورصة، حيث يتم تقسيم رأس المال إلى حصص تسمى أسهمًا، وطرحها للراغبين في الشراء عن طريق البورصة، وذلك بعد تحديد حد أدنى للسهم لا يجوز البيع بأقل منه مع منح الراغبين في الشراء فرصة للمزايدة عليه، وفي حالات أخرى يتم ترك الحرية للسوق في تحديد سعر السهم فيما يسمى بنظام السعر الاستكشافي.

ب – ومن الأشكال الأخرى لبيع الوحدات العامة البيع المباشر للقطاع الخاص؛ حيث تقوم الحكومة بالتفاوض المباشر مع مستثمر أو عدد من المستثمرين الراغبين في شراء الوحدات عن طريق المناقصات أو المزايدات والعروض للتوصل للسعر المناسب الذي يرضي الطرفين، مع الالتزام بقوانين الدولة في هذا الشأن، وهو ما يعرف بنظام البيع لمستثمر رئيسي أو استراتيجي.

ج – وهناك شكل ثالث يتمثل في تحويل العاملين بالشركة إلى مساهمين عن طريق السماح لهم بشراء أسهم الشركات، وغالبًا ما تلجأ الدولة في هذه الحالات إلى تقديم تسهيلات للعاملين تتمثل في تخفيض سعر السهم أو السماح بسداد قيمة الأسهم بالتقسيط على عدة سنوات، وأحيانًا ما تلجأ الحكومات إلى هذا الأسلوب في بعض المشروعات الحيوية. وقد تقوم الحكومة بتمليك الشركة كلها أو جزء منها للعاملين طبقًا لفلسفتها في الخصخصة.

د – ويعتبر مقايضة الشركات بالديون الخارجية أحد أشكال البيع؛ حيث تقوم الدولة بمقايضة ديونها الخارجية أو جزء منها مقابل أصول من القطاع العام، يحصل عليها المستثمرون الذين يقومون بشراء تلك الديون.

هـ – ويبقى شكل آخر هو نظام الصكوك أو الكوبونات وهو الشكل الذي ظهر في أوربا وخاصة تشيكوسلوفاكيا ويقوم على أساس أن لكل فرد من الشعب الحق في الحصول على نسبة من رأس المال في المشاريع التي ستتحول للقطاع الخاص باعتبار أن الحكومة ليست مالكة بل هي تدير فقط نيابة عن الشعب، ولذا يتم توزيع كوبونات على المواطنين تمنحهم ملكية عدد من الأسهم أو الدخول في مزادات عامة للحصول على عدد من الأسهم.

2 – التعاقد أو خصخصة الإدارة:
في هذا الشكل تبقى ملكية رأس مال الشركات في يد الدولة في حين تتنافس وحدات القطاع الخاص على الحصول على عقود تخولها حق الإدارة لحساب الدولة مقابل مزايا معينة كحصة في الربح أو الإنتاج.. وهذا الأسلوب أقل إثارة للجدل من الأسلوب السابق ذكره ويتم عن طريق المناقصات العامة من خلال عقود إدارة للوحدات أو عقود تأجير لخطوط الإنتاج مقابل مبلغ ثابت تحصل عليه الدولة، وقد طبقت الصين هذا الأسلوب.

3 – السماح للقطاع الخاص بمزاولة نشاطات يحتكرها القطاع العام:
وذلك بهدف توسيع مدى المنافسة وتحسين الأداء ويتم ذلك عن طريق إصدار القوانين المؤيدة لذلك وإزالة القيود التي تحول دون دخول القطاع الخاص هذه الأنشطة -مثل صناعة السلاح- وهذا يؤدي مع مرور الوقت لتوسيع مشاركة القطاع الخاص والخصخصة على المدى الطويل دون الحاجة لتغيير ملكية المنشآت العامة؛ ولذا فهو يسمى بالخصخصة التلقائية.

4 – أسلوب البناء – التشغيل – التحويل “b.o.t”:
وهو يعني السماح للقطاع الخاص بإقامة مشروع معين دون مقابل واستغلاله لمدة معينة على أن يتم تسليمه بعد ذلك للحكومة، وربما لا يهتم المستثمر بتدريب العاملين في المشروع ويهمل صيانته عند اقتراب التسليم، لكن هذا الأسلوب لا يمكنه من السيطرة الدائمة على المشروعات الاستراتيجية كما أنه يعفي الدولة من الإنفاق على مشروعات جديدة. ومثال ذلك مشاريع الطرق السريعة في ماليزيا.

5 – أسلوب البناء – التشغيل – التمليك:
وهو يختلف عن الأسلوب السابق في أن يسمح للمستثمر بتملك المشروع وعدم تسليمه للدولة بعد فترة.

6 – أسلوب البناء – التشغيل – التمليك – التحويل:
وهو يختلف عن الأسلوبين السابقين في أن المستثمر يتملك المشروع لفترة معينة بعد قيامه ببنائه ثم يقول بتحويله إلى الدولة.

ومما لا شك فيه أن نجاح عملية الخصخصة في أي دولة من الدول تحكمه مجموعة من الضوابط التي يجب أن تتوفر قبل البدء فيها، وتتمثل هذه الضوابط في: حماية الملكية الخاصة من التأميم أو المصادرة، وتوفر النظم القانونية الصالحة لنمو القطاع الخاص بمعنى وضوح القوانين الاقتصادية وملاءمتها للواقع الاقتصادي والسياسي، وسرعة التقاضي، وإقرار قانون للعمل ينظم العلاقة بين المنتجين والعمال ويراعي العدالة والوضوح، يُضاف إلى ذلك توفر إدارة حكومية جيدة وحازمة تقضي على الفساد وترفع من شأن القانون وتتمتع بجهاز إدارة على مستوى عالٍ من الكفاءة والنزاهة، فضلاً عن توفر شبكة من البنية التحتية والمرافق الأساسية من كهرباء واتصالات وصرف صحي وطرق ومواصلات وتأمين ونظام معلومات وموانئ وهيكل مالي ومحاسبي جيد، ولا شك أن كل هذا يتطلب سياسات اقتصادية واضحة ومحددة تؤمن بمبدأ التدرج في بيع الوحدات وإصلاح الهياكل المتعثرة منها، وتوفر الرقابة الصارمة على عمليات التقييم والتسعير، فضلاً عن الشفافية في جميع المراحل وفي كل الأوقات ووجود سوق رأسمالي قوي ونشط
دروس مستفادة من الخصخصة

(1) التنوع في استخدام أدوات التحول:
قامت ماليزيا بمحاولات ناجحة في الخصخصة بدأت في 1982، وشملت أنجح عمليات الخصخصة شركة الخطوط الماليزية، ومجمع حاويات السفن بميناء “كلانغ”، فعند تحويل الخطوط الجوية الماليزية طرحت أسهمها للبيع، وفي الوقت نفسه عرض اكتتاب عام في أسهم جديدة، أما محطة الحاويات فبدأت ببيع الأصول المنقولة وإيجار الأصول الثابتة، وعقد إدارة للقطاع الخاص لمدة سنتين أعقبه بيع الأسهم للمواطنين الماليزيين.

والدرس المستفاد من التجربة الماليزية أن الأدوات والسياسات التي استخدمت لإنجاز الخصخصة قد تم اختيارها بعناية، وهي تتراوح بين أكثر الأدوات شمولاً كتصفية المؤسسات العامة تمامًا، وبين أوسطها كبيع أسهم المؤسسة للعاملين وصغار المستثمرين، أو أقلها صرامة كإعادة تنظيم المؤسسة العامة إلى فروع صغيرة أو دمجها في مؤسسة كبيرة، والعناصر المؤثرة في اختيار الوسيلة مرتبطة بالهدف من برنامج الخصخصة، والوضع المالي للمؤسسة العامة، وإمكانية حشد وتعبئة موارد القطاع الخاص، والظروف السياسية المواتية.

(2) إيجاد بيئة اقتصادية مستقرة:
للسياسات الاقتصادية على الصعيد الكلي والقطاعي أهمية بالغة، فالتحول الذي يتم في ظروف التضخم وعدم استقرار الأسعار وتقييد حرية التجارة لا يكتب له النجاح طويلاً، وتجربة سريلانكا خير مثال على ذلك، فعند خصخصة هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية استهدفت الحكومة في البداية الاتفاق على وضع إطار سياسي بوضع قانون ينظم الهيئة وإدارة جديدة، ولم يسمح للقطاع الخاص بالدخول إلا بعد فترة طويلة من ترتيب أوضاع الهيئة.

(3) تحديد مبادئ توجيهية واضحة:
من أهم آثار الخصخصة هو ما يتعرض له العمال والموظفون من فقدان وظائفهم أو وضع شروط مجحفة من قبل الإدارة الجديدة، وهنا تلعب الحكومات دورًا رائدًا في تحديد مبادئ توجيهية، مثل ألا يكون هناك إضرار بالعمالة عند إجراء الخصخصة، وأن يتم استيعابهم بشروط مناسبة وعادلة أو ضمان حصولهم على مكافآت مناسبة.

والسماح للعمال بشراء أسهم المؤسسات المخصصة، مما يخفف حدة المعارضة لهذه الخطوة التي غالبًا ما يكون هؤلاء العمال ضحيتها، وهو الدرس الذي تعلمته الدول النامية من تجربة بريطانيا عندما باعت مؤسسة فريت الوطنيـة 82% من أسهمها إلى العمال السابقين والجدد.

(4) خطورة مقايضة الدَّين الخارجي بملكية المشروعات الوطنية:
تنطوي عملية مقايضة الديون الخارجية بحقوق ملكية في المشروعات العامة على عدة مخاطر من أبرزها:

– إن تحويل الأرباح والفوائد والدخول والتوزيعات التي يجنيها الملاك الجدد – خاصة الأجانب – ستؤثر في الأجل المتوسط على زيادة العجز في ميزان المدفوعات، رغم ما يكون في الأجل القصير من تخفيض عبء الدَّين من خلال إلغاء دفع الفوائد والأقساط المستحقة عن الديون التي ستقايض بحقوق الملكية.

– يصبح للأجانب المستثمرين نصيب في الدخل المحلي المخفض، وهو يتضاعف مع زيادة تحويل الديون إلى حقوق ملكية، وسيظل مستمرًّا طالما بقيت المشاريع مملوكة للأجانب.

– إتاحة الفرصة للهيمنة الاقتصادية عبر الشركات متعددة الجنسية من خلال امتلاكها للمشروعات المحلية، ويكون ذلك غالبًا في ضوء امتيازات وضمانات سيتضرر منها البلد مثل حرية تحديد الأسعار والأجور، ونوعية التقنية المستخدمة، والإعفاءات الجمركية والضريبية، الأمر الذي يتعارض مع السياسات القومية.

– تحويل الدَّين الخارجي إلى أصول إنتاجية سيدفع البنك المركزي إلى التوسع لإصدار النقود لمواجهة طلب تحويل الدين الخارجي إلى نقد محلي، مما يسهم في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، ويذكر في هذا الصدد أن تحويـل 5% من الدين المستحق في أربع دول في أمريكيا اللاتينية قد أدى إلى زيادة عرض النقود المحلية بنسب تتراوح بين 33 – 59%.

(5) مراعاة المصلحة العامة:
لا بد من وضع ترتيبات معقولة ومناسبة تمنع المؤسسة المنقولة إلى القطاع الخاص من الاصطدام بالمصلحة العامة؛ ولذلك نجد بعض الحكومات تختار سياسة الاحتفاظ بالأغلبية في ملكية المؤسسات. وعند إتمام عمليات البيع بالكامل ينبغي توفير الإطار السياسي المناسب لنقل الملكية، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بنسبة الأسهم المطروحة للمستثمرين المحليين مقابل التي تطرح للمستثمرين الأجانب.

من الخطأ أن يتم البيع أو نقل ملكية المؤسسات العامة دون دراسات وافية، فكثيرًا ما أدت القرارات الارتجالية وغير الشورية إلى بيع المؤسسات بأقل من سعرها في السوق إلى مجموعة من أصدقاء الحكومة، وكان ذلك فتحًا لباب من الفساد والرشاوى.

(7) التدرج والانتقائية:
التدرج في إتمام عملية الخصخصة يفضي إلى نتائج إيجابية، وفي المقابل التسرع يؤدي إلى كثير من الفشل في تحقيق الهدف المعلن من الخصخصة؛ لذلك نجد أن بريطانيا التي يضرب بها المثل في تجربة الخصخصة كانت انتقائية ومتدرجة، ولم تتعدَّ عمليات الخصخصة أصابع اليد خلال حكومة المحافظين التي تبنّت هذه السياسة في عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، في الوقت الذي بيعت فيه كل المؤسسات العامة بلا حدود وفي أي وقت في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحسب تعبير أحد السياسيين في هذه البلاد فإن عمليات البيع والخصخصة كانت تتم كل ثلاث أو أربع ساعات. بينما نجد أن التجربة الصينية في الخصخصة كانت متدرجة وانتقائية في آن واحد.

(8) دور الخصخصة كسياسة اقتصادية للإصلاح المالي:
لا يُنْكر دور الخصخصة إذا توخِّيَت شروط نجاحها في تقليل عدم التوازن المالي الذي تعاني منه معظم الدول النامية. ويمكن أن تدلنا أرقام العائدات المالية من عمليات الخصخصة، على أن العديد من الدول بدأت تجني ثمار الخصخصة في الفترة من 1990 -1996، ومثال ذلك البرازيل التي حققت 22.4 مليار دولار، والأرجنتين 16.3 مليارًا، والمكسيك 24.9 مليارًا كنتيجة لعملية الخصخصة.

وكذلك الاقتصاديات الصغيرة مثل بيرو التي حققت مليار دولار، والفلبين 3.7 مليارات، وبولندا 3.8 مليارات.< إن عملية التخصيص في ضوء الدروس المستفادة لا بد منها لإطلاق المبادرة الفردية في مجتمعات الدول النامية، ليس على الصعيد الاقتصادي فقط، وإنما لتشمل النواحي الاجتماعية والسياسية، وبغير إزالة القيود أمام إطلاق المبادرات الفردية والخاصة التي في مجموعها تشكل المبادرات الجماعية. ولا سبيل لهذه المجتمعات في الوصول إلى مراقي التحضر، إلا عندما تسود قيم العدل والمساواة والحرية. ” ” منقول