العدل الإداري

عامر حسن شنته
يعد الموظف عنصراً أساسياً في نجاح الإدارة العامة بأداء مهامها، الأمر الذي ينعكس في النهاية سلباً أو إيجاباً على مستوى الخدمات المقدمة للجمهور.

والموظف عند أدائه لواجباته قد تصدر منه أفعالا ترتب (مسؤولية انضباطية)، وقد تصل في بعض الأحيان إلى مستوى الأفعال التي ترتب المسؤولية (الجزائية أو المدنية)، غير أن إثارة أي من تلك المسؤوليات بحق الموظف ينبغي أن يحاط بضمانات كافية تمكنه من العمل في أجواء من الاطمئنان والاستقرار الوظيفي، وبخلاف ذلك فان أداء الموظف سيتسم بطابع الإرباك والخوف من تعسف الإدارة تجاهه، الأمر الذي دعا العديد من الدول، ومنها العراق إلى تنظيم آلية التحقيق وفرض العقوبات بموجب قوانين خاصة، حيث نظم المشرع العراقي تلك الآلية بموجب قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام.

وتقوم تلك القوانين على ركيزتين أساسيتين، أولاهما التحقيق مع الموظف المخالف، من قبل لجنة محايدة توفر كافة الضمانات للموظف المخالف للدفاع عن نفسه، وثانيهما توفير طريق للطعن أمام جهة قضائية مستقلة، في قرارات فرض العقوبة. ويكشف واقع الحال وعدد الدعاوى المثارة أمام محاكم قضاء الموظفين عن انتهاكات عديدة تطال الضمانات الواجب توفرها للموظف حيث تصدر العديد من العقوبات بحق الموظفين، دون أن يتم التحقيق معهم من قبل اللجان التحقيقية.

ودون أن يتاح لهم تقديم ما لديهم من أوجه الدفاع عن أنفسهم. وما يطال الكثير من الموظفين من عقوبات مقنعة تحت مسميات مختلفة، وبداعي المصلحة العامة.

كما أن قانون انضباط موظفي الدولة نفسه قد خرق تلك الضمانة حين نص على إمكانية قيام الوزير أو رئيس الدائرة بفرض عقوبات معينة دونما حاجة إلى تشكيل لجنة تحقيقية بل يُكتفى بالاستجواب، والذي لم يبين شكله الأمر الذي يجيز أن يكون الاستجواب شفويا؟ وتتولى محاكم قضاء الموظفين المرتبطة بوزارة العدل اختصاص النظر في الطعون الموجهة ضد قرارات فرض العقوبة.

وذلك ما يمثل في رأي الكثيرين خرقا آخر لضمانات الموظف كون وزارة العدل جزءا من السلطة التنفيذية التي يطعن الموظف في القرارات الصادرة منها، فيكون الموظف الذي ينعى على الإدارة تعسفها في معاقبته (كالمستجير من الرمضاء بالنار). لذلك يقتضي الأمر أن يتولى الفصل في تلك الطعون جهة قضائية مستقلة ضمانا للحياد.

مع التنويه إلى أن الكلام السابق لا يقلل من أهمية الدور الكبير الذي تقوم به محاكم قضاء الموظفين في الوقت الحاضر. وذلك ماتشهد به العديد من الأحكام التي أعادت الحق إلى نصابه وأنصفت الموظفين، ولكننا نبحث عن الوضع الأمثل وفقا لما استقرت عليه تجارب الدول.

وحسناً فعل المشرع العراقي حين سار قدماً بتشريع قانون مجلس الدولة (قيد التشريع)، والذي نص بموجبه على فك ارتباط محاكم قضاء الموظفين والقضاء الإداري ومجلس شورى الدولة بوزارة العدل وجمعها تحت مسمى (مجلس الدولة) انسجاماً مع الدستور.

لكنه لم يكن موفقاً حين نص على ارتباط مجلس الدولة برئيس الجمهورية والذي يمثل أحد جناحي السلطة التنفيذية (مع أن الأسباب الموجبة نصت على فصل القضاء الإداري عن السلطة التنفيذية).

وكان الأجدر به أن ينص على اعتباره جهة قضائية مستقلة،كما فعل المشرع المصري خاصة وأن النص على إنشاء مجلس الدولة ورد في الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور العراقي والذي جاء تحت عنوان (السلطة القضائية)وهو ما يشي بأنه أراد لهذه المؤسسة أن تكون من مكونات السلطة القضائية ضمانا لحياد اكبر ورقابة أشد صرامة تجاه تعسف الإدارة.

وبتحقق تلك الضمانات تكون الأجواء أكثر ملائمة لسيادة العدل الإداري.ويبقى مجلس الدولة كما يقول السنهوري “الغوث الذي يفزع اليه الأفراد والجماعات…وهو الحليف الطبيعي للإدارة وصديقها الأمين الذي يسمع لها ويشير عليها”.