نظام العمل الجديد يتصدى للاعتداءات على حقوق المرأة العاملة
د. محمد عرفة
نشرت “الاقتصادية” تحقيقاَ في عددها (4870) الصادر في 22 محرم 1428هـ ص 30، جاء فيه أن بعض إدارات التوظيف والموارد البشرية في بعض مؤسسات القطاع الخاص الطبية تلجأ إلى توقيع عقود لمدة سنة واحدة للموظفة رغم سنوات الخدمة الطويلة في المنشأة التي تمكن أرباب العمل من اشتراط الشروط التي يرغبون فيها, خاصة فيما يتعلق بإجازات الأمومة والإجازات المتعلقة بأمراض الحمل وحصر الإجازات في إجازة واحدة هي الإجازة السنوية فقط.

ومما لا شك فيه أن هذه التصرفات تخالف أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها في البلاد التي كفلت للمرأة حقوقها ومنها حقها في العمل؛ إذ تضمن النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 27/8/1412هـ نصوصاً عديدة تكفل المساواة وحقوق الإنسان, وهو ما ينطبق على حقوق المرأة؛ منها نص المادة (8) الذي يقضي بأنه: “يقوم الحكم في المملكة على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية”، فهذه المادة تشير إلى إقرار مبدأ المساواة بين جميع المواطنين لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. كما نص على أن الدولة ترعى جميع المواطنين وتوفر لهم حقوقاً عديدة كالتعليم والعمل. وعلى المستوى الدولي وقعت السعودية على ميثاق حقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م الذي أقر مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الناس بسبب اللون أو الجنس, ثم وقعت في السابع من أيلول (سبتمبر) 2000م على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (24/180) وتاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 1979.

لهذا فقد حرص نظام العمل الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 26/8/1426هـ على كفالة حق المرأة في العمل، حيث خصص الباب التاسع منه لتشغيل النساء (المواد من 149 إلى 160). إذ أجازت المادة (149) للمرأة أن تعمل في كل المجالات التي تتفق مع طبيعتها، وحظرت تشغيلها في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة، ثم أعطت المادة ( 151) للمرأة العاملة الحق في إجازة وضع لمدة الأسابيع الأربعة السابقة على التاريخ المحتمل للوضع، والأسابيع الستة اللاحقة له، ويحدد التاريخ المرجح للوضع بوساطة طبيب المنشأة، أو بموجب شهادة طبية مصدقة من جهة صحية. ويحظر تشغيل المرأة خلال الأسابيع الستة التالية مباشرة للوضع”.

ثم أوجبت المادة (152) على صاحب العمل أن يدفع إلى المرأة العاملة أثناء انقطاعها عن عملها بسبب إجازة الوضع ما يعادل نصف أجرها، إذا كان لها خدمة سنة فأكثر لدى صاحب العمل، والأجرة كاملة إذا بلغت مدة خدمتها ثلاث سنوات فأكثر يوم بدء الإجازة، ولا تدفع إليها الأجرة أثناء إجازتها السنوية العادية إذا كانت قد استفادت في السنة نفسها من إجازة وضع بأجر كامل، ويدفع إليها نصف أجرها أثناء الإجازة السنوية، إذا كانت قد استفادت في السنة نفسها من إجازة وضع بنصف أجر”.

لقد أوجبت المادة (153) على صاحب العمل توفير الرعاية الطبية للمرأة العاملة أثناء الحمل والولادة”. ولم تجز المادتان (154) و(155) له أن يقوم بفصل العاملة أو إنذارها بالفصل أثناء تمتعها بإجازة الوضع أو أثناء فترة مرضها الناتج عن الحمل أو الوضع، ويثبت المرض بشهادة طبية معتمدة، على ألا تتجاوز مدة غيابها 180 يوماً، ولا يجوز له فصلها بغير سبب مشروع من الأسباب المنصوص عليها في هذا النظام خلال 180 يوماً السابقة على التاريخ المحتمل للولادة”. لهذا، فإننا نرى ضرورة تفعيل هذه النصوص النظامية التي تكفل للمرأة العاملة حقوقها لا سيما أن الواقع العملي يشهد أن للمرأة دوراً فاعلاً في الأنشطة الاقتصادية في الوقت الراهن, وهو ما يتضح على سبيل المثال من بعض الإحصاءات الرسمية التي توضح أن إجمالي السعوديين الذين التحقوا بسوق العمل خلال سنوات خطة التنمية السادسة (1995م – 2000م) نحو 9659 عامل منهم 7078 إناث، وأن عدد السعوديات العاملات في القطاع الحكومي بلغ نحو 533138 ألف موظفة ومستخدمة من حجم العمالة النسائية الكلية, منهن 82.2 في المائة في وظائف تعليمية و9.5 في المائة في وظائف عامة و6.3 في المائة في الوظائف الصحية, فيما تتوزع النسبة المتبقية على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات .

كما توضح أن عدد سيدات الأعمال السعوديات يتجاوز ألفي سيدة أعمال يمتلكن سجلات تجارية خاصة, تشير تقديرات غير رسمية إلى أن حجم معاملاتهن المالية عبر البنوك تتجاوز الـ 20 مليون ريال شهرياً. ومن المتوقع في ظل خطة التنمية الحالية أن يتزايد الاهتمام بحقوق المرأة ومشاركتها في الحياة الاقتصادية على نحو أكثر فاعلية. ومما لاشك فيه أن تفعيل هذه النصوص يتطلب وجود رقابة دورية وفاعلة من وزارة العمل ومن مكتب العمل والعمال؛ بحيث يتم إلزام أرباب العمل في القطاع الخاص بإيداع نسخة أصلية من عقود العمل لدى إدارة الشؤون القانونية بالوزارة لمراجعتها والتحقق من اتفاق بنودها مع نصوص نظام العمل, وذلك منعاَ للظلم, وحتى لا تصبح تلك العقود بمثابة عقود إذعان وتفرغ الحماية النظامية التي قررتها الأنظمة من مضمونها الحقيقي؛ كما يلزم أن يكون هناك دور ملموس للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان دور فاعل في حماية حقوق المرأة العاملة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت