قراءة قانونية في مشروع قانون المحكمة الدستورية لسنة 2012

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين

بدأت اللجنة القانونية في مجلس النواب مناقشة مشروع قانون المحكمة الدستورية الجديد لسنة ,2012 وذلك تمهيدا لاستكمال إجراءات إقراره الدستورية من مجلس الأمة وتصديق الملك عليه قبل أن يتم نشره في الجريدة الرسمية ودخوله حيز النفاذ. إن أهمية مشروع هذا القانون تأتي من كونه يعد تطبيقا للتعديلات الدستورية الأخيرة التي تضمنت إنشاء محكمة دستورية في الأردن للرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير أحكام الدستور. فمن خلال قراءة قانونية متعمقة لأحكام مشروع القانون نبدي الملاحظات التالية التي نتمنى أن يأخذها أعضاء مجلس الأمة بعين الاعتبار عند مناقشتهم أحكام مشروع القانون:

أولا: شروط تعيين القضاة في المحكمة الدستورية

لقد حددت المادة (6/أ) من مشروع القانون الشروط الواجب توافرها فيمن يعين عضوا في المحكمة الدستورية لتشمل ما يلي:

1- أن يكون أردنياً ولا يحمل جنسية دولة أخرى.

2- أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر.

3- أن يكون من أي من الفئات التالية:

– ممن خدموا قضاة في محكمتي التمييز والعدل العليا.

– من أساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الأستاذية.

– من المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة في المحاماة.

ب- يجب أن يكون أحد أعضاء المحكمة من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان على أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر.

من خلال استعراض شروط تعيين القضاة الدستوريين نجد أن مشروع القانون لم يميز بين الأردني الأصيل والأردني المتجنس لغايات التعيين في المحكمة الدستورية. لقد كان من الأفضل أن يشترط المشرع الأردني مرور عشر سنوات على اكتساب الشخص الجنسية الأردنية لشغر منصب قاض في المحكمة الدستورية, وذلك تطبيقا لأحكام المادة (14) من قانون الجنسية الأردني رقم (6) لسنة 1954 والتي استثنت مناصب معينة يحظر على الأردني المتجنس أن يشغلها إلا بعد مضي عشر سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية كالمناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة التي يحددها مجلس الوزراء أو أن يكون عضوا في مجلس الأمة. فالغاية من حرمان الأردني المتجنس من تولي المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة إلا بعد مرور عشر سنوات على اكتسابه الجنسية الأردنية متحققة في شغر منصب قاض في المحكمة الدستورية.

أما بخصوص شرط أن يكون القاضي الدستوري قد خدم في محكمتي التمييز والعدل العليا, فإن هذاالنص يثير مشكلة أنه يشترط الخدمة في المحكمتين معا لكي يعين القاضي في المحكمة الدستورية, ومعظم القضاة يعملون إما في محكمة التمييز أو محكمة العدل العليا. لذا كان يجب أن ينص مشروع القانون على أن يعين في المحكمة الدستورية من خدم في محكمة التمييز أو محكمة العدل العليا. كما أن النص لم يحدد عددا معينا من سنوات الخدمة للقاضي في محكمة التمييز والعدل العليا لكي يعين في المحكمة الدستورية.

أما ما أورده مشروع القانون في الفقرة (ب) من المادة بأنه يجب أن يكون أحد أعضاء المحكمة من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان على أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر, فهو ينطوي على مخاطرة توسيع نطاق الأشخاص المعينين في المحكمة الدستورية. فقد أخطأ المشرع القانوني ومن قبله المشرع الدستوري في المادة (61) من الدستور عندما أقام القياس بين شروط التعيين في المحكمة الدستورية وشروط العضوية في مجلس الأعيان وذلك بسبب الاختلاف في طبيعة الوظيفتين ومهام كل منها. فمجلس الأعيان هو المجلس الأعلى الذي يراجع جميع الأعمال والقرارات التي تصدر عن مجلس النواب في الأمور التشريعية, بالتالي فإنه يستقيم مع المنطق القانوني أن يشترط في العين أن يكون من الشخصيات الحائزة على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن. أما قضاة المحكمة الدستورية فهم يقومون بمهمة قضائية بحت ويجب أن يكون المؤهل والخبرة القانونية والقضائية هي المعايير الأساسية لاختيارهم بغض النظر إذا كانوا من الشخصيات المعروفة بخدمتهم للوطن والأمة.

أما بما يتعلق بعدد القضاة الدستوريين وطريقة تعيينهم, فقد نصت المادة (5/أ) من مشروع القانون على أن يتم تعيين تسعة أعضاء بمن فيهم الرئيس بإرادة ملكية لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد عند نفاذ القانون, على أن يتم تعيين ثلاثة أعضاء على الأقل في المحكمة كل سنتين من تاريخ تعيين الأعضاء التسعة. إن النص السابق لم يحدد الجهة التي تقوم بتنسيب أسماء القضاة الدستوريين إلى جلالة الملك, فهل هي السلطة التنفيذية صاحبة الولاية العامة في إدارة جميع الشؤون الداخلية في الدولة? أم أنها المجلس القضائي باعتبار أن المحكة الدستورية هي جهة قضائية وإن كانت لا تتبع للمجلس القضائي.

كما أن مشروع القانون ومن قبله الدستور لم يكن موفقا في اشتراط عدم تجديد تعيين قضاة المحكمة الدستورية بعد مضي مدة ست سنوات, ذلك أن القاضي بعد تلك الفترة الزمنية الطويلة يكون قد اكتسب خبرة معرفة بالقضاء الدستوري تبرر الإبقاء عليه والتجديد له ولو لمرة واحدة على الأقل. وما جاءت به المادة (5/أ) من مشروع القانون من تعيين ثلاثة قضاة على الأقل في المحكمة الدستورية كل سنتين فإن ذلك من شأنه أن يرفع من عدد القضاة الدستوريين في المحكمة بشكل سيعيقها من القيام بمهامها. فعدد أعضاء المحكمة عند تشكيلها بعد نفاذ القانون سوف يكون (9) بمن فيهم رئيس المحكمة, وبعد سنتين من تشكيلها يجب أن لا يقل عدد القضاة فيها عن (12) عضواً, ويجوز أن يكون أي عدد أكبر من ذلك, وبعد أربع سنوات من تشكيلها يجب أن لا يقل عدد القضاة فيها عن (15) عضواً, ويجوز أن يكون أي عدد أكبر من ذلك. إن المحكمة الدستورية ليست بحاجة إلى مثل هذا العدد الكبير من القضاة كونها تشكل جهة قضائية على درجة واحدة وقراراتها نهائية غير قابلة للطعن أمام هيئة قضائية أخرى في المحكمة.

كما عجز مشروع القانون عن توفير أية ضمانة أساسية لاستقلال القضاة الدستوريين, حيث كان يفترض به أن ينص صراحة على عدم جواز عزل القضاة أثناء فترة عضويتهم في المحكمة.

ثانيا: الجهات التي تملك الطعن بعدم دستورية القوانين والأنظمة وإجراءات الفصل به:

لقد حصر مشروع القانون الجهات التي لها حق الطعن مباشرة لدى المحكمة الدستورية في دستورية القوانين والأنظمة النافذة بمجلس الأعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء. إن التساؤل الذي يثار في هذا الصدد هو مدى شرعية وفعالية إعطاء مجلسي الأعيان والنواب حق الطعن بدستورية القوانين التي تصدر عنهما باعتبارهما يمثلان السلطة التشريعية إلى المحكمة الدستورية. فهل يعقل أن يصدر قانون عن السلطة التشريعية من خلال مجلسي الأعيان والنواب ومن ثم يتقدم أي من المجلسين بالطعن بعدم دستورية ذلك القانون الذي صدر عنهما إلى المحكمة الدستورية؟

إن حق البرلمان في الطعن مباشرة إلى المحكمة الدستورية يكون في حال الأخذ بنظام الرقابة السابقة على دستورية القوانين والمتمثلة في الرقابة على دستورية مشاريع القوانين التي يناقشها مجلس الأمة وقبل إصدارها. فمجلس الأمة عند مناقشته مشروع أي قانون يملك أن يحيله إلى المحكمة الدستورية للبت في مدى دستورية مشروع القانون وذلك لغايات استكمال مناقشته من عدمه.

أما القول بأن تقرير حق الطعن مباشرة بعدم دستورية القوانين لمجلسي الأعيان والنواب يكون لصالح الأقلية من النواب والأعيان الذين رفضوا التصويت على مشروع القانون عند إقراره في مجلس الأمة هو قول تعوزه الدقة, ذلك أن أي طلب من الأقلية الرافضة لمشروع أي قانون أقر بإحالته إلى المحكمة الدستورية يجب أن يصوت عليه أعضاء المجلس بأغلبية معينة, وفي هذه الحالة فمن غير المتصور أن تصوت الأكثرية التي أجازت مشروع القانون على إحالته إلى المحكمة الدستورية. هذا مع ملاحظة أن كلا من النص الدستوري ومشروع القانون لم يحددا الأكثرية المطلوبة من مجلسي الأعيان والنواب للطعن بعدم دستورية القانون, فهل هي الأكثرية المطلقة أم أغلبية الحاضرين؟.

وكذلك الحال بالنسبة لمجلس الوزراء, فهل يعقل أن يقر مجلس الوزراء نظاما معينا ومن ثم يقرر إحالته إلى المحكمة الدستورية للطعن بعدم دستوريته؟ إن مجلس الوزراء لن يقدم على ممارسة مثل هذا الحق الدستوري المقرر له خوفا من أن تجد المحكمة أن النظام الصادر عن مجلس الوزراء مخالفا للدستور وتقرر بالتالي إلغاءه مما سيتسبب بإحراجات سياسية كبيرة لمجلس الوزراء.

أما إذا قامت حكومة لاحقة بإحالة نظام أصدرته حكومة سابقة إلى المحكمة الدستورية للبت في دستوريته, فإن ذلك سيفتح مجال التنافس بين الحكومات في الطعن بالأنظمة التي تصدر عنها. كما أنه يتناقض مع مبدأ أن الحكومات المتعاقبة يفترض بها أن تتابع مهام وأعمال من يسبقها وأن تبني عليها, لا أن تهدم ما قامت به الحكومات السابقة من خلال الطعن بعدم دستورية الأنظمة الصادرة عنها.

أما بخصوص حق الأفراد في الطعن بعدم دستورية أي قانون أو نظام نافذ, فقد أبقى مشروع القانون على أسلوب الدفع الفرعي بعدم الدستورية, حيث أجاز في المادة (11) منه لأي من أطراف دعوى منظورة أمام المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها الدفع بعدم دستورية أي قانون أو نظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى, بحيث إذا وجدت المحكمة المختصة بنظر الدعوى أن القانون أو النظام الذي أثير الدفع بعدم دستوريته واجب التطبيق على موضوع الدعوى وأن الدفع بعدم الدستورية جدي توقف النظر في الدعوى وتحيل الدفع إلى محكمة التمييز لغايات البت في أمر إحالته إلى المحكمة الدستورية, بحيث يكون قرار المحكمة المختصة بعدم الإحالة قابلا للطعن مع موضوع الدعوى.

ولغايات البت في أمر الإحالة, تنعقد محكمة التمييز بهيئة من ثلاثة أعضاء على الأقل وتصدر قرارها خلال شهر من تاريخ ورود الدعوى إليها, وإذا وافقت على الإحالة تقوم بتبليغ أطراف الدعوى بذلك.

إن المشرع الأردني لم يكن موفقا عندما علق إحالة الدفع المثار بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية على موافقة محكمة التمييز, ذلك أنه إذا قررت محكمة التمييز قبول الدفع, فإنها تحيله للمحكمة الدستورية للبت فيه ضمن المدة القانونية. أما إذا رفضت محكمة التمييز الدفع بعدم الدستورية, فإنها لن تحيله إلى المحكمة الدستورية, بحيث يعد هذا القرار بمثابة إعلان دستورية القانون أو النظام المطعون به. فمحكمة التمييز من خلال رقابتها على الدفوع المثارة بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع فإنها تمارس مهام المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وهي غير مختصة في ذلك.

أما مدة الشهر التي قررها مشروع القانون لمحكمة التمييز لإصدار القرار بإحالة الدفع بعدم الدستورية من عدمه إلى المحكمة الدستورية فهي مدة طويلة نسبيا, والسبب في ذلك يعود إلى أن مشروع القانون قد سمح لأطراف الدعوى بتقديم مذكرات إلى محكمة التمييز بشأن أمر إحالة الطعن بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور قرار المحكمة المختصة بإحالة الدفع إلى محكمة التمييز. إن مثل هذا الإجراء القضائي غير ضروري ويجب إلغاؤه من مشروع القانون, ذلك أن المذكرات التي تقدم بها أطراف الدعوى إلى المحكمة المختصة لطلب إحالة الدفع بعدم الدستورية إلى محكمة التمييز تكفي, خاصة وأنه لم تطرأ هناك أية تطورات قانونية أو دستورية جديدة بعد قرار إحالة الطعن إلى محكمة التمييز ليقدمها الأطراف إلى محكمة التمييز غير تلك التي تقدموا بها في مذكراتهم إلى المحكمة المختصة الناظرة في الدعوى.

وحول الجهات التي تملك الحق في الطعن في دستورية القوانين والأنظمة فإن التساؤل يثور فيما إذا كان يحق لمحكمة الموضوع إثارة الدفع بعدم دستورية القانون أو النظام من تلقاء نفسها على اعتبار أنه دفع يتعلق بالنظام العام وإحالته إلى المحكمة الدستورية, أم أن قاضي الموضوع ملزم بإحالة الدفع بعدم الدستورية أولا إلى محكمة التمييز لتبت في أمر عرضه على المحكمة الدستورية؟

إن المتعارف عليه دستوريا أن إنشاء محكمة دستورية للرقابة على دستورية القوانين والأنظمة يعني الأخذ بمبدأ رقابة الإلغاء على دستورية القوانين والأنظمة وإيقاف العمل برقابة الامتناع التي يطبقها جميع قضاة المحاكم الأردنية حاليا, فلا يجوز الجمع بين أسلوبي الرقابة السابقين في نظام قضائي واحد وذلك خوفا من حصول تعارض في الأحكام القضائية الخاصة بدستورية القوانين والأنظمة.

في المقابل, فإن مشروع قانون المحكمة الدستورية لم يتضمن أية أحكام حول حق محكمة الموضوع في الرقابة ومن تلقاء نفسها على دستورية القانون الواجب تطبيقه على الدعوى المرفوعة أمامها. فهل تملك محكمة الموضوع إذا ما رأت أن القانون الواجب التطبيق في الدعوى المعروضة أمامها غير دستوري أن تحيله مباشرة إلى المحكمة الدستورية, أم أنه لا بد من رقابة محكمة التمييز وموافقتها على قرار الإحالة؟ إن عدم الاعتراف لقضاة المحاكم بسلطة إحالة أي دفع يثيروه يتعلق بعدم دستورية أي قانون أو نظام إلى المحكمة الدستورية مباشرة, وإخضاع قراراتهم المتعلقة بذلك إلى رقابة محكمة التمييز من شأنه من يقلل من هيبة المحاكم, حيث سيحجم القضاة عن البحث في دستورية القانون المطبق ولو لم يثره أي من طرفي الدعوى خوفا من أن يتم رد دفعهم من محكمة التمييز.

وسواء قدم الطعن بعدم دستورية أي قانون أو نظام نافذ مباشرة إلى المحكمة الدستورية من مجلسي الأعيان أو النواب أو مجلس الوزراء أو أحيل من قبل محكمة التمييز إلى المحكمة الدستورية, فإن مشروع القانون قد ألزم رئيس المحكمة في المادتين (10) و(12) بأن يرسل نسخة من الطعن المقدم أو قرار الإحالة إلى رئيس ديوان التشريع والرأي ليقدم ره على الطعن إلى المحكمة الدستورية وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ تسلمه الطعن أو قرار الإحالة.

إن إدخال رئيس ديوان التشريع والرأي في الطعن بعدم دستورية أي نظام نافذ لا يوجد له ما يبرره, فهو معين من السلطة التنفيذية وسيقتصر دوره في التأكيد على دستورية النظام الصادر عن مجلس الوزراء. أما بخصوص الطعن بعدم دستورية القوانين, فإن دور رئيس ديوان التشريع والرأي ينتهي بمجرد صياغة مشروع القانون وتقديمه إلى مجلس الوزراء ومن ثم إلى مجلس النواب, الذي يملك الحق الدستوري في إعادة صياغة وتعديل وإلغاء أي من المواد التي يراها مناسبة. وهو ما من شأنه أن يجعل من مشروع القانون الذي يقره مجلس الأمة صورة مغايرة تماما للمشروع الذي اقترحه رئيس ديوان التشريع والرأي ووصل إلى مجلس النواب.

أما مدة الفصل في الطعن المحال بعدم دستورية القوانين والأنظمة, فقد ميز مشروع القانون بين الطعن مباشرة بعدم الدستورية المقدم من مجلسي الأعيان والنواب ومجلس الوزراء بحيث ألزم المحكمة الدستورية بأن تفصل في هذا الطعن خلال شهرين من تاريخ وروده إليها, وبين الطعن بعدم الدستورية المحال إليها من المحاكم والذي يجب أن تفصل به المحكمة الدستورية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ ورود قرار الإحالة إليها.

إن سبب زيادة المدة القانونية للمحكمة الدستورية للفصل في الطعون بعدم الدستورية المحالة إليها من المحاكم هو إعطاء الحق لأطراف الدعوى بتقديم مذكرات خطية إلى محكمة التمييز بشأن أمر الإحالة وهو إجراء قضائي غير ضروري يطيل إجراءات الفصل في الطعن بعدم الدستورية.

وسواء أكانت المحكمة الدستورية ملزمة بالفصل في الطعن خلال شهرين أو ثلاثة أشهر, فإن مشروع القانون قد اشترط في المادة (15) أن تصدر المحكمة أحكامها بشأن الطعون المقدمة لديها وفق أحكام هذا القانون تدقيقاً أو في جلسة علنية وفق ما تراه مناسباً. وتصدر الأحكام عن المحكمة الدستورية باسم الملك وتكون نهائية وملزمة للسلطات كافة وتكون نافذة بأثر مباشر ما لم يحدد الحكم تاريخاً آخر لنفاذها. إن الأصل أن تكون قرارات المحكمة الدستورية نافذة من تاريخ صدورها كأية جهة قضائية أخرى ولا يجوز أن يسمح للقضاة في المحكمة الدستورية أن يعلقوا نفاذ الحكم الصادر بعدم الدستورية إلى تاريخ لاحق وأن يحددوا في الحكم الصادر تاريخا آخر لنفاذه.
( 2-2)

ثالثا: إنهاء خدمات قضاة المحكمة الدستورية

تضمنت الم¯ادة (22) من مشروع قانون المحكمة الدستورية الحالات التي تعتبر فيها خدمة العضو في المحكمة منتهية وتشمل:

أ- الوفاة .

ب- الاستقالة على أن يسري مفعولها بعد صدور الارادة الملكية بقبولها .

ج- إرادة ملكية بناء على توصية من ستة أعضاء آخرين وذلك في أي من الحالات التالية:

1- فقدان أي من شروط العضوية المنصوص عليها في المادة (6) من هذا القانون .

2- صدور إذن من الهيئة العامة بملاحقة العضو ما لم تكن الجريمة موضوع الملاحقة جنحة غير مقصودة أو مخالفة .

3- العجز الصحي أو فقدان الأهلية المدنية .

إن حالات إنهاء خدمات عضو المحكمة في مشروع القانون قد جاءت ناقصة, حيث كان يفترض بالمشرع أن يعتبر مخالفة العضو لأحكام المادة (8) من مشروع القانون مبررا لإنهاء خدماته والتي تشترط على العضو التفرغ الكامل لأعمال المحكمة وأن لا يكون موظفا في القطاع العام أو الخاص أو أن يشغل أي منصب لدى أي منهما أو أن يمارس أي عمل أو نشاط تجاري. كما ثحظر المادة (8) على العضو أن يكون عضواً في مجلس ادارة أي شركة أو هيئة مديرين أو رئيساً أو عضواً في مجلس ادارة أو مجلس أمناء أي مؤسسة عامة أو خاصة, أو أن يقوم بأي عمل لصالح أي جهة مهما كانت صفتها أو أن يكون منتسباً لأي حزب.

أما ما يتعلق بفقدان العضو لشروط العضوية في المحكمة الدستورية والمحددة في القانون, فقد اشترط مشروع القانون لإنهاء خدماته صدورإرادة ملكية بذلك بناء على توصية من ستة أعضاء آخرين. إن الأصل أن يتم اعتبار العضو الذي يفقد أيا من شروط العضوية المنصوص عليها في القانون فاقدا لعضويته في المحكمة الدستورية حكما من تاريخ فقدانه أي من شروط العضوية كاكتسابه جنسية دولة أخرى, وذلك أسوة بالمادة (88) من الدستور التي تقضي بإسقاط العضوية عن أعضاء مجلسي الأعيان والنواب حكما بمجرد فقدان أي من شروط العضوية في مجلس الأمة, وهو الأمر الذي أكده المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره الأخير رقم (4) لسنة 2011 الذي قضى بسقوط عضوية كل من النائب والعين والوزير مزدوج الجنسية حكما من تاريخ نفاذ التعديلات الدستورية من دون الحاجة الى تعليق إسقاط العضوية على أي قرار من جهة أخرى.

أما بخصوص انتهاء خدمات الأمين العام للمحكمة الدستورية, فقد غفل مشروع القانون عن تنظيمها وبيان الأسباب التي تنتهي بها خدمته, حيث اقتصر على بيان حالة واحدة لانتهاء خدمة الأمين العام وهي أن تنتهي خدماته بالطريقة نفسها التي تم تعيينه فيها بقرار من مجلس الوزراء وذلك في المادة (29) من مشروع القانون. إن هناك حالات إضافية كان يجب على مشروع القانون أن يتضمنها والتي تنتهي بموجبها خدمات الأمين والعام وهي:

– الوفاة

– العجز الطبيعي

– الاستقالة

كما كان يفترض بمشروع القانون أن يشمل الأمين العام بالحظر الذي فرضه في المادة (8) على القاضي العضو بأن يكون موظفا في القطاع العام أو الخاص أو تاجرا أو عضوا في هيئة مديري أو مجلس إدارة أي شركة أو رئيسا أو عضوا في مجلس أي مؤسسة عامة أو خاصة, أو أن يقوم بأي عمل مقابل أجر لصالح أية جهة مهما كانت صفتها أو أن يكون منتسباً لأي حزب.

رابعا: الحصانة الممنوحة لقضاة المحكمة الدستورية

لقد أعطت المادة (24) من مشروع قانون المحكمة الدستورية القاضي العضو حصانة قانونية بأن لا تتم ملاحقته عن أي شكوى جزائية خلال مدة عضويته في المحكمة أو عن أي شكوى جزائية متعلقة بالمهام والأعمال المناطة به وفق أحكام الدستور وهذا القانون أو بسببها أو ناجمة عنها إلا بإذن من الهيئة العامة. فقد ألزم مشروع القانون الهيئة العامة بأن تستمع إلى أقوال المشتكي والعضو المشتكى عليه والاطلاع على أي بينة قبل أن تقرر إما حفظ الشكوى أو أن تأذن بملاحقة العضو وفق أحكام التشريعات النافذة.

وقد استثنى مشروع القانون من ذلك حالة التلبس بالجريمة التي تبرر إلقاء القبض على العضو أو توقيفه فورا على أن يتم إعلام رئيس المحكمة بذلك, وتصدر الهيئة العامة قرارها بمنح الإذن بملاحقة العضو خلال مدة لا تتجاوز أربع وعشرين ساعة من تاريخ القبض على العضو أو توقيفه وذلك عملا بأحكام المادة (24/ج) من مشروع القانون.

إن مشروع القانون لم يحدد مدة معينة للهيئة العامة لإصدار قرارها بحفظ الشكوى الجزائية أو الإذن بملاحقة العضو واتخاذ الإجراءات الجزائية اللازمة بحقه, ذلك أن مدة الأربع والعشرين ساعة الواردة في الفقرة (ج) من المادة (24) هي في حال إلقاء القبض على العضو أو توقيفه في حال التلبس بالجريمة ولا تنسحب إلى حالة تقديم شكوى جزائية بحق العضو متعلقة بالمهام والأعمال المناطة به وفق أحكام التشريعات النافذة أو بسببها أو ناجمة عنها. كما أن مدة (24) ساعة للهيئة العامة لإصدار القرار في حال التلبس بالجريمة وإلقاء القبض على العضو أو توقيفه هي مدة قصيرة لا تكفي لسماع مطالعة النائب العام وأقوال المشتكى عليه, حيث نقترح تمديدها إلى ثمان وأربعين ساعة.

إن قرار الهيئة العامة بعدم الإذن بمحاكمة العضو وحفظ الشكوى المقدمة بحقه ينسحب آثاره إلى ما بعد انتهاء عضويته في المحكمة بحيث لا يجوز ملاحقته عن أي من الشكاوى التي تقرر حفظها أثناء خدمته بالمحكمة بعد انتهاء عمله في المحكمة. إن تقرير مثل هذه الحصانة المطلقة لأعضاء المحكمة يتعارض مع القواعد العامة التي تسمح بإعادة ملاحقة المشتكى عليه في حال ظهور أدلة جديدة من شأنها أن تغير من مجريات التحقيق.

خامسا: تفسير نصوص الدستور

إن الجهات التي تملك الحق في طلب تفسير الدستور من المحكمة الدستورية قد أبقى التعديل الدستوري الأخير ومشروع القانون عليها نفسها التي كانت تملك طلب تفسير الدستور من المجلس العالي لتفسير الدستور وهي مجلس الوزراء أو أحد مجلسي الأمة وذلك بقرار يصدر بأغلبية أعضاء المجلس, حيث يكون قرار التفسير نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية.

إن التساؤل الأساسي الذي يثور حول الدور التفسيري للمحكمة الدستورية والذي لم يعالجه مشروع القانون يتمثل في مدى أحقية المحكمة الدستورية في إعادة تفسير نص دستوري سبق وأن فسره المجلس العالي لتفسير الدستور. فمنذ تأسيسه عام 1952 فقد أصدر المجلس العالي لتفسير الدستور عددا لا بأس منه من القرارات التفسيرية التي أصبحت تعد جزءا لا يتجزأ من النص الدستوري, بحيث سيبقى هذا المجلس قائما إلى حين وضع قانون المحكمة الدستورية موضع التنفيذ. لكن هل تملك المحكمة الدستورية التصدي لتفسير نص دستوري سبق وأن فسره المجلس العالي لتفسير الدستور? وهل يمكن إنشاء جهة تفسيرية قضائية ويتم تقييدها بمجموعة من القرارات التفسيرية قبل إنشائها من دون مراعاة أن التفسير السابق لأي نص دستوري من قبل المجلس العالي كان له طابع سياسي في حين أن التفسير الذي ستقوم به المحكمة الدستورية هو تفسير قضائي بحت.

الخلاصة

إن أثر قانون المحكمة الدستورية على العملية الديمقراطية والإصلاح الساسي سيكون مثار شك كونه أسند حق الطعن في دستورية القوانين والأنظمة الى السلطة التنفيذية والتشريعية اضافة الى الدفع الفرعي ولم يمنح هذا الحق الى جهات أخرى كالنقابات والأحزاب السياسية والجمعيات. كما أن شروط اختيار أعضاء المحكمة تفتقرإلى أية معايير موضوعية واضحة بالإضافة إلى قصور في إجراءات النظر في الدفع بعدم الدستورية.