انتخابات مجلس الأعيان الاردني بين الموافق و المعارض

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين /

هل ما زال هناك من يريد انتخاب مجلس الأعيان???

أثار إقرار مجلس النواب لمشروع قانون جوازات السفر الجديد لعام 2012 والذي بموجبه تم منح النواب جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة موجة عارمة من الغضب والسخط الشعبي على المجلس الذي كثرت في الآونة الأخيرة هفواته وأخطاؤه التشريعية التي كان آخرها إقراره للمادة (23) من القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد. إلا أنه وكالعادة فقد مارس مجلس الأعيان سياسية “الترقيع” على أعمال مجلس النواب من خلال رد مشروع القانون لرشده, وعقلنة القرارات التي يتخذها السادة النواب التي غدت مصدراً حياً وذخيرة جيدة للحراك في الشارع يزودهم بالشعارات والهتافات بشكل مستمر.

إن من خلال رفض الأعيان منح أنفسهم أولا وزملائهم النواب جوازات سفر دبلوماسية أبدية, فإن مجلس الأعيان يكون قد وجه الضربة القاضية إلى تلك الأصوات التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى وتدعو إلى تغيير آلية تشكيل مجلس الأعيان واستبداله بآلية انتخاب أعضائه مباشرة من الشعب. فقد أسكت قرار اللجنة القانونية في مجلس الأعيان جميع الأصوات المشككة في شرعية المجلس وقدرته على القيام بمهامه التشريعية بأعلى درجات الشفافية والنزاهة والحيادية رغم ما يقال عنه بأنه “مجلس الملك”. كما قدم مجلس الأعيان أقوى الأدلة والبراهين على أن ديمقراطية الانتخاب التي يسعى البعض إلى فرضها على المجلس قد لا تفرز بالضرورة أشخاصا على قدر عال من النزاهة والحيادية السياسية كتلك الأسماء التي يختارها الملك في مجلس الأعيان لسد الفراغ الحاصل في أسلوب وآلية انتخاب مجلس النواب والأسماء التي تترشح للعضوية فيه والتي دائما ما تضع نصب عينيها مصالحها الخاصة من مقاولات ومشاريع مالية قبل العمل البرلماني العام.

إن هذه هي المرة الثانية خلال فترة زمنية قصيرة التي ينتصر فيها مجلس الحكماء على مجلس المصالح والمنافع المادية, حيث سبق لمجلس الأعيان أن أعمل العقل والمنطق الدستوري من خلال رد مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد وما أثارته المادة (23) منه المتعلقة بجريمة اغتيال الشخصية من لغط ومتاعب شعبية جمة كانت يمكن أن تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. فها هو مجلس الأعيان يقدم أوراق اعتماده كمجلس الحكمة والعقل في المجال التشريعي من خلال حنكة وخبرة برلمانية يحسد عليها في التعاطي مع الأزمات التشريعية التي يتسبب بها مجلس النواب المنتخب.

لقد أثبت مجلس الأعيان بما لا يدع مجالا للشك أن الديمقراطية في الأردن ما زالت في مرحلة الخداج المبكر وأنها بحاجة إلى البقاء في الحاضنة لفترة ليست بالقصيرة, بحيث يجب خلال تلك الفترة عدم طرح فكرة استبدال مجلس الحكماء والعقلاء المعين بمجلس منتخب ستكون حصيلته نسخة كربونية مكررة من مجلس المصالح المادية والامتيازات. فتخيلوا لو كان مجلس الأعيان الحالي منتخبا كما تنادي بذلك بعض الأصوات السياسية والأكاديمية منها من غير أصحاب الاختصاص, فإن الأعيان المنتخبين لن يتوانوا عن إقرار مشروع قانون جوازات السفر وتقرير تقاعد مدني لأنفسهم أسوة برفاق دربهم النواب المناضلين في سبيل تعزيز مصالحهم الخاصة وصون أموالهم ومشاريعهم الفردية على حساب خزينة الدولة.

إن ما تشهده الساحة البرلمانية الأردنية هذه الأيام من تخبط تشريعي وتنازع مصالح في مجلس النواب يتمثل في سرعة إنجاز مشاريع القوانين ذات النفع الخاص وبطء في إقرار قوانين الإصلاح السياسي يجعلنا نتشبث بمجلس الأعيان المعين كما هو عليه الآن إلى أن يأتي الوقت الذي يحسن فيه الناخب الأردني اختيار ممثله في البرلمان ومن قبله النائب الأردني إيثار الصالح العام على مصالحه الخاصة. هنا فقط نجرؤ على القول ان الديمقراطية الأردنية قد اشتد عودها واكتمل نموها وأصبحت قادرة على الانتقال إلى مرحلة متقدمة تتمثل في انتخاب مجلس الأعيان أسوة بمجلس النواب شريطة عدم إفراغ المجلس الأعلى من مهامه ودوره الرقابي على أعمال المجلس الأدنى.