مقال هام عن مشروعية تقاعد النواب و الوزراء

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين /

تقاعد النواب والوزراء بين المشروعية ومخالفة القانون
2012-04-29

رفض مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب خلال الجلسة المشتركة التي عقدت قبل أيام القانون المؤقت رقم (10) لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني الذي صدر في عهد حكومة سمير الرفاعي والذي كان من أهم تعديلاته إلغاء الفقرة (ط) من المادة (5) من قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 التي كانت تتضمن اعتبار خدمة عضو مجلس الأمة خدمة مقبولة للتقاعد المدني, وإضافة الفقرة (ز) إلى أحكام المادة (7) من القانون المخصصة للخدمات التي لا تعتبر خاضعة للتقاعد المني والتي تشمل مدة العضوية في مجلس الأمة. فبعد أن رفض كلا المجلسين القانون المؤقت مرتين انعقد مجلس الأمة بجلسة مشتركة وفقا لأحكام المادة (92) من الدستور حيث صوت المجلسان بأغلبية الأعضاء على رفض القانون المؤقت وبالتالي منح أعضاء مجلس الأمة راتباً تقاعدياً مدى الحياة.

إن التساؤل الذي يثور هو مدى مشروعية تقرير راتب تقاعدي للنائب والعين في مجلس الأمة والمساواة بينهما وبين الوزير رغم الاختلاف في طبيعة عمل كل منهم والقيود التي تفرض على حق الوزير والنائب في الجمع بين العمل العام والمصالح المالية الخاصة. كما يتوقف الأمر كذلك على تكييف المركز القانوني للوزير كعضو معين في السلطة التنفيذية والنائب كعضو منتخب في السلطة التشريعية, والموازنة بين صرف الرواتب التقاعدية وضرورة ضبط النفقات العامة.

أولا: حق كل من النائب والوزير في الجمع بين العمل العام والمصالح المالية الخاصة

لقد تضمن الدستور الأردني أحكاما عامة مشتركة حول تشكيل ومهام السلطتين التشريعية والتنفيذية والعلاقة بينهما, إلا أنه قد أفرد أحكاما خاصة بالوزراء لا تنطبق على النواب أهمها تلك المتعلقة بالمصالح المالية الشخصية للوزراء أثناء فترة خدمتهم في السلطة التنفيذية. فقد نصت المادة (44) من الدستور الأردني على أنه “لا يجوز للوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أي شركة”. فهذا النص يحظر على الوزير العامل أن يكون له أي عمل أو مهنة خاصة به يتقاضى منها راتبا إضافيا أثناء فترة عضويته في مجلس الوزراء, ذلك أن الدستور الأردني يشترط بالوزير أن يعمل بدوام كامل في متابعة شؤون وزارته, وأن يتقاضى عن ذلك العمل راتبا شهريا أسوة بباقي الموظفين في القطاع العام الذين يحظر عليهم ممارسة أية أعمال خاصة بهم أثناء خدمتهم في السلطة العامة.

أما بالنسبة للسادة النواب, فلم يحظر الدستور الأردني على من ينتخب في مجلس النواب أن لا يشترك في أي عمل تجاري أو مالي خاص به أو أن لا يتقاضى راتبا أو مكافأة من أية جهة خارجية, ذلك أنه لم يشترط أن يكون النائب متفرغا تماما للعمل البرلماني. فالنائب أثناء عمله في مجلس النواب يحق له أن يتابع شؤون أية وظيفة أو عمل أو مهنة خاصة به أو إدارة شركة مساهمة عامة يتقاضى مقابلا عنها راتبا شهريا أو مكافأة مالية إلى جانب دخله الشهري من مجلس النواب.

إلا أن القيد الوحيد على منافع النواب المالية الخاصة أثناء عضويتهم في مجلس النواب قد وردت في المادة (75/1) من الدستور والتي تحظر على النائب أثناء مدة عضويته التعاقد مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستثناء ما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك. بالتالي كان لا بد من إجراء تغيير على طبيعة الامتيازات المالية المقررة للنواب حيث لم يعد النائب يتقاضى راتبا شهريا, بل أصبح يستحق مكافأة شهرية تكون متساوية المقدار للجميع على امتداد الفصل التشريعي تنتهي بانتهاء مدة مجلس النواب. وهو ما يتفق مع طبيعة عمل النائب كعضو غير متفرع للعمل النيابي وبدوام جزئي.

ولغايات تطبيق الحظر على مصالح الوزراء المالية الخاصة الوارد في المادة (44) من الدستور, فإن على كل وزير عند تعيينه في السلطة التنفيذية أن يستقيل من أي عمل أو وظيفة له في القطاعين العام أو الخاص, وأن يتوقف عن متابعة أية مصالح أو مهن خاصة به بحيث يكون عمله في الوزارة هي وظيفته الوحيدة ويكون الراتب الذي يتقاضاه من الدولة هو دخله الشهري الوحيد. وهو الأمر الذي برر استمرارية شمول الوزراء بالتقاعد المدني واحتساب مدة خدمتهم الحكومية كخدمة فعلية لغايات التقاعد المدني أسوة بباقي الموظفين العامين الذين يتقاضون راتبهم من الميزانية العامة مقابل خدمتهم في الوظيفة العامة, ذلك على خلاف النواب الذين حرموا من التقاعد المدني عن سنوات الخدمة في مجلس الأمة في قانون التقاعد المدني لعام 2010 .

كما أن الوزير الذي يستقيل من وظيفته ويتوقف عن متابعة مشروعاته وأعماله المالية الخاصة كشرط لإنضمامه إلى مجلس الوزراء قد لا يتمكن من العودة إلى وظيفته السابقة أو متابعة مصالحه الخاصة بالشكل الذي كان عليه قبل الوزارة وذلك بسبب ابتعاده عن أعماله فترة من الزمن, وهو ما يبرر أيضا شموله بأحكام التقاعد المدني أثناء خدمته الوزارية كمصدر دخل مالي له بعد ترك المنصب الوزاري. فالدستور الأردني في هذا المجال يختلف عن الدستورين المصري والسوري اللذين يسمحان للعاملين في الحكومة وفي القطاع العام أن يرشحوا أنفسهم لعضوية مجلس الشعب بشرط أن يتفرغوا لعضوية مجلس الشعب على أن يتم الاحتفاظ لهم بوظائفهم أو أعمالهم السابقة على العضوية, وتعتبر مدة العضوية في مجلس الشعب خدمة فعلية لهم.

أما بالنسبة للسادة النواب الذين يحق لهم الاحتفاظ بالاعمال كافة التي كانوا يزاولونها والمشروعات التي كانوا يديرونها قبل انتخابهم لمجلس النواب, فإن الغاية من عدم احتساب مدة عضويتهم في مجلس النواب لغايات التقاعد المدني متحققة على اعتبار أنهم قد يكونوا خاضعين لأحكام التقاعد أو الضمان الاجتماعي بموجب الأعمال والوظائف الخاصة التي يمارسونها إلى جانب العمل النيابي. بالتالي فإن أية محاولة لمقارنة الوزراء بالنواب فيما يتعلق بعدم احتساب مدة الخدمة في الوزارة لغايات التقاعد المدني يتنافى مع أبسط قواعد العدالة والمساواة نظرا لاختلاف المراكز القانونية لكل من النائب والوزير في الدستور الأردني فيما يتعلق بالمصالح المالية الخاصة أثناء الخدمة العامة. فمتى تساوت المراكز القانونية لكل من الوزير والنائب بالنسبة لطبيعة الدخل الشهري والأعمال التي يمكن مباشرتها مع العمل العام يمكن عندها الحديث عن المساواة في تطبيق أحكام قانون التقاعد المدني, كما هو الحال عليه في كندا حيث يحظر على النواب في البرلمان الكندي أن تكون لهم أية مصالح أو أعمال خاصة بهم أثناء عضويتهم في مجلس النواب أسوة بالوزراء, فهم متساوون مع الوزراء فيما يتعلق باستحقاق الراتب الشهري باعتباره الدخل الشهري الوحيد لهم, بالتالي يمكن المساواة بينهم بالنسبة لاحتساب أو عدم احتساب مدة العمل العام لغايات التقاعد المدني.

ثانيا: المركز القانوني للوزير المعين في الحكومة وللنائب المنتخب في السلطة التشريعية

إن الديمقراطية النيابية المطبقة في الأردن تقوم على أساس انتخاب ممثلين عن الشعب لفترة زمنية محددة بحيث يكون هؤلاء الأعضاء المنتخبون ممثلين عن الأمة بكاملها وليس عن أفراد معينين أو عن دائرة انتخابية معينة وذلك تحقيقا لمبدأ سيادة الأمة. فقد اتفق الفقه الدستوري على أن أفضل تكييف للعلاقة بين النائب بالناخب هي أن الشعب ينتخب ممثلين عنه يتطوعون لممارسة اختصاصات تشريعية ورقابية على السلطة التنفيذية نيابة عنه وذلك تحقيقا للصالح العام. فالنائب استنادا إلى هذه النظرية الواقعية لا يمكن أن يعد موظفا عاما, بالتالي فهو لا يستحق راتبا شهريا ولا راتبا تقاعديا وإنما مكافأة شهرية ثابتة تصرف له لتغطية نفقات عمله البرلماني. فالنائب يفترض به أن يعمل للخدمة العامة وأن لا يتسلم موقع التشريع والرقابة ليبحث عن مغنم شخصي له كونه ممثلا عن الشعب يقوم بممارسة سلطاته وصلاحياته البرلمانية باسمه ونيابة عنه. فالأصل أن يكون العمل النيابي هو عملا مجانيا وأن ما يتقاضاه النائب من مكافأة شهرية هي رمزية, وهو الأمر المطبق في مصر حيث يتقاضى عضو مجلس الشعب مكافأة شهرية قدرها خمسة وسبعون جنيها فقط تستحق من تاريخ حلف العضو اليمين ولا يجوز التنازل عنها أو الحجز عليها وتعفى من كافة أنواع الضرائب وذلك استنادا لأحكام المادة (29) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المصري.

كما أن الأصل أنه لا يحق للنائب في البرلمان المصري أن تكون له مصالح ومنافع مالية خاصة به أثناء عضويته في مجلس الشعب إلا في حالات استثنائية محددة في القانون وذلك وفقا لأحكام المادة (89) من الدستور المصري التي تنص أنه “يجوز للعاملين فى الحكومة والقطاع العام أن يرشحوا انفسهم لعضوية مجلس الشعب وفيما عدا الحالات التى يحددها القانون يتفرغ عضو مجلس الشعب لعضوية المجلس, بوظيفته أو عمله وفقا لأحكام القانون وتحسب مدة عضويته في مجلس الشعب في المعاش أو المكافأة”. فالوظائف التي يحق للنائب المصري الاحتفاظ بها إلى جانب عضويته في مجلس الشعب قد حددتها المادة (28) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المصري والتي تنص على أنه “لا يجوز أن يعين عضو مجلس الشعب في وظائف الحكومة أو القطاع العام وما في حكمها أو الشركات الأجنبية مدة عضويته ويبطل أي تعيين على خلاف ذلك, إلا إذا كان التعيين نتيجة ترقية أو نقل من جهة إلى أخرى أو كان بحكم قضائي أو بناءً على قانون”.

أما الوزير في مصر, فهو أسوة بالوزير في الأردن, فإنه يحظر عليه أثناء تولي منصبه أن يزاول مهنة حرة أو عملاً تجارياً أو مالياً أو صناعياً, أو أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة, أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو أن يقايضها عليه وذلك بموجب المادة (158) من الدستور المصري. كذلك يطبق الحظر نفسه على الوزراء في سورية حيث تنص المادة (123) من الدستور السوري لعام 2012 على أنه “يُمنع الوزراء أثناء توليهم مهامهم من أن يكونوا أعضاء في مجلس إدارة شركة خاصة أو وكلاء عنها أو أن يزاولوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي عمل تجاري أو مهنة حرة”. وفي البحرين , فقد نصت المادة (48) من الدستور البحريني أنه لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى أية وظيفة عامة أخرى, أو أن يزاول, ولو بطريق غير مباشر, مهنة حرة أو عملاً صناعياًّ أو تجارياًّ أو مالياًّ, كما لا أن يجمع بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أية شركة إلا كممثل للحكومة من دون أن يؤول إليه مقابل لذلك.

إن مثل هذه الأحكام الدستورية قد استدعت أن تكون فترة خدمة كل من الوزراء في مصر وسورية والبحرين خدمة فعليه محسوبة لغايات التقاعد المدني شأنهم في ذلك شأن الوزراء في الأردن وذلك لتوافر الغاية من التقاعد بحقهم. فالتقاعد هو منظومة مالية خاصة للأشخاص المعينين في السلطة العامة والذين يباشرون مهام عملهم العام بشكل كامل وبتفرغ تام, وهو الأمر الذي لا ينطبق على النواب المنتخبين. فالوزير معين في وزارته وفق أحكام الدستور وليس منتخبا تطوعا عن الشعب, ويمارس مهام عمله في إدارة الشؤون الخاصة بوزارته بشكل كامل وبتفرغ تام, بعكس النائب المنتخب والذي أثبتت الممارسات السابقة أن هناك الكثير من الأشخاص يترشحون إلى مجلس النواب من أجل البحث عن امتيازات إضافية وزيادة المخصصات المالية التي يحصلون عليها شهريا. فبموجب قانون التقاعد المدني السابق لعام 1959 الذي كان يحتسب خدمة النواب في المجلس لغايات التقاعد المدني, فقد كانت الأرقام والعوائد التقاعدية التي يحصل عليها النائب تتضاعف بشكل كبير ومرهق للميزانية العامة بمجرد أن تطأ قدماه أرض مجلس النواب خاصة إذا كان قد سبق له الخدمة في وظيفة حكومية سابقة.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن قانون التقاعد المدني لعام 2010 لا يلغي فكرة الجمع بين الراتب التقاعدي للنائب والمكافأة الشهرية التي يتقاضاها مقابل عضويته في مجلس النواب. فالنائب الذي كان متقاعدا, سواء كان متقاعدا مدنيا أوعسكريا, قبل عضويته في مجلس النواب سسيستمر في تقاضي راتبه التقاعدي نفسه الذي كان يتقاضاه قبل عضويته في مجلس النواب مع حصوله على المكافأة الشهرية المقررة من مجلس النواب. إلا أنه وبعد انتهاء عضويته في مجلس النواب سيستمر في تقاضي نفس راتبه التقاعدي الذي كان يتقاضاه قبل انتخابه إلى مجلس النواب من دون أي تعديل بحيث لا يترتب على عضويته في مجلس النواب أي اثر على احتساب راتبه التقاعدي. أما بالنسبة للنائب الذي ليس له أي راتب تقاعدي ابتداءً, فإنه لن يحصل على أي راتب تقاعدي بعد انتهاء خدمته في مجلس النواب وإنما يحصل على مكافأة شهرية خلال عضويته في مجلس النواب.

إن الاعتراف للوزراء بحقهم في الحصول على تقاعد مدني يجب أن لا يتم التوسع في تطبيقه وذلك بسبب العجز المتنامي في الميزانية السنوية الذي يستدعي ضبط النفقات العامة للوزارات والدوائر الحكومية كافة وتقليلها للحيلولة دون تفاقم المديونية. ففي ظل قصَر عمر الحكومات في الأردن يكون من غير المقبول أن يصرف للوزير الذي يخدم عدة أشهر في السلطة التنفيذية راتبا تقاعديا كاملا مدى الحياة أسوة بالموظفين العامين الذي أمضوا أكثر من عشرين سنة في الخدمة العامة, فلا بد من إيجاد آليات معينة لاحتساب وصرف رواتب الوزارء بشكل يضمن حقهم في التقاعد المدني وعدم المساواة بينهم وبين من يفني زهرة شبابه في الوظيفة العامة. فمن الاقتراحات البديلة لنظام التقاعد الأبدي للوزراء التي قدمت أن يتم تطبيق نظام تقاعد مؤقت للوزراء بحيث يصرف راتب تقاعدي للوزير لفترة معينة من السنوات تتناسب مع المدة التي قضاها في مجلس الوزراء بحيث إذا ما انتهت تلك المدة يسقط حق الوزير في تقاضي أي راتب تقاعدي.

إلا أن منح الوزراء راتبا تقاعديا مؤقتا بالمقارنة بعدد سنوات الخدمة الحكومية يتنافى مع الغاية التي يسعى التقاعد إلى تحقيقها والمتمثلة في توفير ضمان أبدي للمشتركين الذين خدموا في السلطة العامة وهو ما يفسر عدم تطبيقه في أي من الأنظمة الدستورية العربية أو الأجنبية.

إن هناك حلولاً أخرى يمكن تطبيقها خاصة بآلية احتساب الرواتب التقاعدية للوزراء والتي تضمن الموازنة بين حق الوزراء في الحصول على دخل شهري مناسب بعد أن تركوا أعمالهم ومصالحهم المالية الخاصة للعمل في الحكومة, والاقتصاد في النفقات العامة والرواتب التقاعدية. فآلية احتساب الراتب التقاعدي للوزراء تختلف من دولة إلى أخرى بسبب اختلاف النظام الدستوري المتبع فيها بخصوص كيفية تشكيل الحكومة واختيار الوزراء. ففي الدول التي يتم فيها اختيار الوزراء من النواب المنتخبين وفقا لقاعدة الحكومة البرلمانية, فإن الوزير الذي يستقيل أو يقال من الحكومة يبقى محتفظا بمقعده البرلماني والذي يتقاضى عنه راتبا أو مكافأة شهرية, مما يستوجب وبالضرورة أن تكون آلية احتساب الراتب التقاعدي مختلفة.

ففي بريطانيا مثلا, فإن مدة خدمة الوزراء في الحكومة تعد مقبولة لغايات التقاعد المدني على اعتبار أن الوزير البريطاني, شأنه شأن الوزير الأردني, عليه أن يستقيل من جميع وظائفه وأعماله الخاصة قبل الانضمام إلى الحكومة. إلا أن آلية احتساب الراتب التقاعدي للوزير في بريطانيا لا تكون على أساس آخر راتب تقاضاه كوزير, بل تكون على أساس متوسط دخل الوزير قبل الحكومة وبعدها باعتبار أنه قد تم انتخابه نائبا في البرلمان أولا قبل أن يتم اختياره وزيرا في الحكومة. فإذا ما استقال الوزير البريطاني من الحكومة فإنه يبقى محتفظا بصفته نائبا في البرلمان ويتقاضى راتبا شهريا عن ذلك.

كما أن الوزير في بريطانيا يستحق راتبه التقاعدي فقط عندما يقرر اعتزال الحياة السياسية وعدم الترشح نهائيا عن أي من الأحزاب السياسية إلى مجلس العموم البريطاني وليس عند استقالته أو إقالته من الحكومة, وذلك لضمان عدم الجمع بين راتبه التقاعدي كوزير وأية رواتب أو مكافآت شهرية تصرف له كنائب في مجلس العموم البريطاني.

أما فيما يتعلق بتقاعد رئيس الوزراء البريطاني فقد كان وحتى عام 2008 يعامل معاملة مختلفة عن الوزراء فيما يتعلق بآلية احتساب راتبه التقاعدي. فقد كان يستحق راتبا تقاعديا يعادل نصف راتبه الشهري كرئيس وزراء, إلا أن ذلك الاستثناء قد ألغي عام 2008 حيث يطبق الآن على رئيس الوزراء البريطاني ما يطبق على باقي الوزراء فيما يتعلق بآلية احتساب الراتب التقاعدي.

ويبقى الحل الأمثل الذي تبناه مجلس الأعيان أثناء مناقشة قانون التقاعد المدني المتمثل في الاعتراف للوزراء بتقاعد مدني لكن وفق آلية مختلفة بحيث يتم احتساب تقاعد مدني للوزير إذا ما تجاوزت مدة خدمته الفعلية في الدولة عشر سنوات مضافا إليها الفترة الزمنية التي قضاها في السلطة التنفيذية. فسنوات الخدمة الوزارية يمكن أن يتم ضمها لخدمة الوزراء ضمن الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص أو العمل في الحكومة على اعتبار أن أغلب الوزراء إما قادمين من شركات خاصة أو مسؤولين في المؤسسات الحكومية وهم منتسبون للضمان الاجتماعي, وبالتالي فإن أحدا من المشتغلين في القطاعين لن يخسر جراء تعيينه وزيرا في السلطة التنفيذية.

الخلاصة

إن تقرير راتب تقاعدي للسادة النواب يعد مخالفة للقانون, ذلك أن النواب أثناء عملهم في البرلمان لا يكونوا متفرغين تماما ويكون لهم الحق في متابعة شؤونهم المالية الخاصة بهم مما يبرر حرمانهم من التقاعد المدني ذلك على خلاف الوزراء الذين يحظر عليهم العمل في أية مشاريع أو أعمال تجارية أثناء فترة عضويتهم في السلطة التنفيذية مما يبرر منحهم الحق في تقاعد مدني لكن ضمن آلية محددة تضمن المساواة بينهم وبين باقي الموظفين العامين الذين يقضون سنوات طوالا في العمل العام.