أكدت بعض القوانين ضرورة توفير الضمانات الكافية للمؤجر وصولاً إلى حقه في استيفاء الاجرة، ومن ذلك مثلاً القانونين المصري والفرنسي اللذين فرضا على مستأجر العقار وضع منقولات كافية في المأجور ضماناً لوفاء بدل الايجار، كما قرر للمؤجر حق امتياز على المنقولات الموجودة في العين وحقه في حبس هذه المنقولات واستردادها إذا ما نقلت بغير علمه ورغم معارضته(1). والمنقولات التي يضعها المستأجر في العين المؤجرة تختلف باختلاف العين وباختلاف استعمالاتها. فإذا كانت منزلاً كانت المنقولات في العادة مفروشات وأدوات وأثاث منزلية أخرى، وإذا كانت العين حانوتاً أو مخزناً كانت المنقولات بضائع، وإذا كانت المنقولات قليلة لا تتعدى أثاث هذا المكتب. الضرورية لتسيير عمله، وإن كانت مصنعاً كانت المنقولات آلات ومصنوعات وإن كانت أرضاً زراعية كانت المنقولات المواشي والآلات الزراعية وكذلك المحصولات التي تنتجها الأرض وهكذا بقية العقارات. ويشترط أن تكون هذه المنقولات ملكاً للمستأجر، وهي تعتبر كذلك ما لم يثبت العكس(2). وإذا ما وقع خلاف على كفاية ما وضع في العين المؤجرة من منقولات لضمان الأجرة فإن للمحكمة السلطة التقديرية اللازمة في اللجوء إلى كافة الوسائل كالاستعانة بالخبراء لمعرفة مدى كفاية هذه المنقولات لضمان دين الأجرة أو عدم كفايتها. ويعتقد البعض (3). أن ذلك يأتي من باب الاسراف والمبالغة التي قررها المشرع لحماية المؤجرين وهم عادة من طبقة الملاك الكبار. ولكننا لا نؤيد هذا الاتجاه لسبب بسيط، هو أن الحاجة إلى مثل هذا الضمان لا يبرز إلا عند اخلال المستأجر بالتزامه في الوفاء بالأجرة وهو ما اعتبره المشرع من أهم التزامات المؤجر. أما بالنسبة للمشرع العراقي فلم يلزم المستأجر بوضع منقولات تكون قيمتها كافية لضمان الوفاء بالأجرة وإنما جعل المنقولات الموجودة فعلاً في المأجور مثقلة بحق امتياز للمؤجر. وقد نظمت لنا ذلك المادة (1374) م القانون المدني العراقي بقولها:

(1) أجرة المباني والأراضي الزراعية لثلاث سنوات، أو لمدة الايجار إن قلت عن ذلك، وكل حق آخر للمؤجر بمقتضى عقد الايجار، لها جميعها حق امتياز على ما يكون موجوداً في العين المؤجرة مملوكاً للمستأجر من منقول قابل للحجز ومن محصول الزراعي.

(2) ويقع حق الامتياز على المنقولات والمحصولات المملوكة للمستأجر من المستأجر الأصلي، إذا كان المؤجر قد اشترط صراحة على المستأجر عدم الايجار. فإذا لم يشترط ذلك فلا يثبت حق الامتياز إلا على المبالغ التي تكون مستحقة للمستأجر الأصلي في ذمة المستأجر منه في الوقت الذي ينذره فيه المؤجر بعدم دفع هذه المبالغ للمستأجر الأصلي.

(3) وإذا نقلت الأموال المثقلة بحق الامتياز من العين المؤجرة على الرغم من معارضة المؤجر أو على غير علم منه، ولم يبق في العين أموال كافية لضمان المبالغ الممتازة، بقي حق الامتياز قائماً على الأموال ايت نقلت دون أن يضر ذلك بالحق الذي يكسبه الغير حسن النية على هذه الأموال.

(4) وتستوفي هذه المبالغ الممتازة من ثمن الأموال المثقلة بحق الامتياز بعد الديون الواردة في المواد السابقة، إلا ما كان من هذه الديون غير نافذة في حق المؤجر باعتباره حائزاً حسن النية.

ويتضح من هذه المادة أن القانون العراقي جعل للمؤجر حق امتياز على ما يكون موجوداً في العين المؤجرة من منقولات مملوكة للمستأجر قابلة للحجز ومن محصول زراعي. ويستطيع المؤجر بمقتضى هذا الامتياز استيفاء حقوقه المتولدة من عقد الايجار مقدماً على الدائنين العاديين والدائنين الممتازين الذي يتكون مرتبته علماً بأن هذا الامتياز يحتل المرتبة السادسة بين حقوق الامتياز الأخرى(4). إن هذا الامتياز لا يثبت لكل مؤجر بل يقتصر على مؤجر العقار دون مؤجر للمنقول، كما أن هذا الامتياز يتحدد بمبلغ الأجرة المستحقة عن ثلاث سنوات إذا كان المستأجر مديناً للمؤجر بأجرة تزيد على هذه المدة. أما إذا قلت مدة الايجار عن هذا القدر فإن حق المؤجر يثبت على كل الأجرة(5). ثم أن الامتياز لا يضمن دين الأجرة محددة على الوجه السابق فقط، وإنما يضمن أيضاً كل حق يتولد للمؤجر قبل المستأجر بمقتضى عقد الايجار كالتعويض الذي يستحقه المؤجر بسبب اساءة المستأجر استعمال العين المؤجرة، أو بسبب احداثه تغييراً فيها بدون اذن المؤجر(6). ومن الملاحظ أيضاً أن المشرع العراقي لم ينص صراحة على السماح للمؤجر ضماناً لكل حق يثبت له بمقتضى عقد الايجار، أن يحبس المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين المؤجرة ما دامت مثقلة بامتياز المؤجر ولو لم تكن مملوكة للمستأجر، كما فعل المشرع المصري، ولكن المدة (1374) السالفة تضمنت معنى مقارناً هو بقاء حق الامتياز قائماً على الأموال التي نقلت من العين المؤجرة على الرغم من معارضة المؤجر أو على غير علم منه بشرط أن لا يبقى في المأجور أموال كافية لضمان دين الأجرة. وهذا يعني أن الأموال الباقية إذا كانت كافية فإن المؤجر لا يستطيع أن يتعرض على خروج الأموال الأخرى كما لا يبقى له حق امتياز عليها. ويرجع هذا الأمر في تقديره إلى سلطة القاضي التقديرية. كل هذا مشروط بأن تكون تلك الأموال ملكاً المستأجر في العقد أو معرفة المؤجر لهذه المهنة أو الحرية يقيم قرينة بسيطة النية(7). ومن الجدير بالملاحظة هنا أن الفقرة الثانية من المادة (1374) عالجت موضوع الامتياز في حالة الايجار من الباطن، ومعلوم أن الأصل في القانون العراقي هو جواز الايجار من الباطن والاستثناء هو عدم جواز ذلك في حالة وجود ما نسميه بالشرط المانع (المادة 775 مدني عراقي)(8). ولذلك فرقت المادة (1374/ فق2) بين حالتين:

أولهما: اشتراط المؤجر صراحة على المستأجر عدم الايجار من اباطن أي وجود شرط مانع يحول دون جواز اجراء هذا التصرف من قبل المستأجر وفي هذه الحالة يبقى حق الامتياز قائماً على المنقولات والمحصولات المملوكة للمستأجر من الباطن.

وثانيهما: عدم وجود هذا الشرط المانع أو هذا الاتفاق، أي جواز قيام المستأجر الأصلي بالتأجير من الباطن استناداً إلى الأصل العام في القانون المدني. وهنا لا يثبت حق الامتياز إلا على المبالغ التي تكون مستحقه للمستأجر الأصلي في ذمة المستأجر منه (المستأجر الباطن) في الوقت الذي ينذره فيه المؤجر بعدم دفع هذه المبالغ للمستأجر الأصلي. ويبدو لنا جلياً بأن المشرع أراد حماية مصلحة المؤجر على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بينه وبين المستأجر الباطن، ولكنه الزم المؤجر في ذات لوقت بضرورة تنبيه المستأجر من الباطن بوجود دين أجرة له بذمة المستأجر الأصلي وبعكس هذا أي في حالة توجيه مثل هذا الانذار، يصبح المستأجر من الباطن في حل من هذا الالتزام القانوني.

ولم يعالج القانون المدني العراقي امتياز المؤجر على المنقولات المملوكة للغير كزوجة المستأجر مثلاً، بينما عالجت هذا الموضوع الهام المادة ـ (1143) من القانون المدني المصري بقولها: ((ويثبت الامتياز ولو كان المنقولات مملوكة لزوجة المستأجر، أو كانت مملوكة للغير ولم يثبت أن المؤجر كان يعلم وقت وضعها في العين المؤجرة بوجود حق للغير عليها، وذلك دون اخلال بالأحكام المتعلقة بالمنقولات المسروقة والضائعة)). ويبدو من هذا النص أن المنقولات الموجودة في المأجور وتكون غير مملوكة للمستأجر، أما أ، تكون مملوكة لزوجة المستأجر. وأما أن تكون مملوكة للغير أي غير الزوجة وغير المستأجر من الباطن. فإذا كانت المنقولات مملوكة لزوجة المستأجر، فهناك قرينة على أن الزوجة عندما رضيت بوضع منقولات مملوكة لها في عن استأجرها زوجها قد قبلت ضمناً أن تكون هذه المنقولات ضامنة للأجرة، فيكون للمؤجر حق امتياز عليها. أما إذا لم ترد الزوجة ذلك، فعليها أن تنفي هذه القرينة بإعلانها للمؤجر أن المنقولات الموجودة بالعين المؤجرة ملكها وإنها لا تريد بوضعها في العين أن تكون ضامنة للأجرة. حتى لا يعول المؤجر عليها وحتى يطالب المستأجر (الزوج) بوضع منقولات أخرى ضماناً للأجرة. وهذا كله على فرض الأخذ بقرينة أن الجهاز ملك المرأة المسلمة، فإذا استطاعت أن تسترد أثاث المنزل بفضل هذه القرينة تجد نفسها أما قرينة أخرى هي رضاؤها الضمني بأن يكون الأثاث ضامناً للأجرة فتبقى المنقولات منقلة بحق امتيز المؤجر. أما عند غير المسلمين فليست هناك قرينة ما على أن الجهاز ملك للزوجة، ولذلك يستعمل المؤجر حق امتيازه على المنقولات باعتباره ملكاً للمستأجر نفسه(9). أما المنقولات المملوكة للغير فلا يشملها الامتياز إلا إذا كان المؤجر حسن النية لا يعلم بوجود حق للغير عليها، ووجود المنقولات في العين المؤجرة قرينة على أنها مملوكة للمستأجر، ولذلك يفترض حسن نية المؤجر في ذلك إلى أن يثبت العكس(10). كما إذا كان المستأجر مصلحاً للسيارات أو الأجهزة الكهربائية أو معروفاً بأمانته فتكثر الودائع لديه. أو كان صانعاً أو مديراً لفندق أو بائعاً بالمزاد، فظاهر أن السيارات أو الأجهزة الكهربائية أو الأشياء الأخرى الموجودة في العين المؤجرة ليست ملكاً للمستأجر وانما هي ملك لعملائه أو للآخرين(11).

__________________

1- د. توفيق حسن فرج ـ ص801.

2- د. السنهوري ـ ص492 ـ 493، د. تناغو ـ ص221.

3- د. عبد الفتاح عبد الباقي ـ عقد الايجار ـ 1952 ـ فق233، ص374. د. الصراف ـ ص393.

4- على أن بعض القوانين ـ كالقانون اللبناني ـ بالإضافة إلى أنه لم يفرض على المؤجر وضع منقولات تكون قيمتها كافية لضمان الوفاء بالأجرة فإنه قصر الضمان الذي يخول للمؤجر على ما يوجد فعلاً في العين من منقولات وجعل له حق حبسها، ولم يقرر له حق امتياز عليها. راجع المواد (571، 574) من قانون الموجبات والعقود اللبناني ـ د. توفيق حسن فرج ـ ص801 ـ 802.

5- ومن الملاحظ بأن المادة 588 مدني مصري الزمت المستأجر بوضع منقولات تكون قيمتها كافية لضمان الأجرة عن سنتين، أو عن كل مدة الايجار إذا قلت عن سنتين.

6- وفي هذا يختلف القانون العراقي والمصري عن القانون اللبناني حيث يتقرر بمقتضاه هذا الحق لضمان مبالغ الأجرة فقط، ولا يضمن هذا الحق ما قد يستحق للمؤجر من مبالغ أخرى من قبل المستأجر كمبلغ تعويض عن أضرار وقعت منه مثلاً. ومعنى ذلك أنه لا يجوز استعمال الحق في الحبس على الأثاث وسائر المنقولات الموجودة في المأجور ضماناص لحق المؤجر في التعويض قبل المستأجر.

د. توفيق حسن فرج ـ ص82.

7- د. العامري ـ ص276ـ277.

8- وهذا بعكس ما جاءت به المادة (11) من قانون ايجار العقار الحالي التي حظرت الايجار من الباطن أو التنازل عنه كلاً أو جزءاً ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بخلاف ذلك وهو ما سنتولى دراسته لاحقاً.

9- السنهوري ـ ص504.

10- انظر الفقرة الثانية من المادة (1143) مدني مصري. تناغو ـ ص224.

11- راجع السنهوري ـ ص505.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .