بقلم كمال قوبع
طالب باحث في ماستر المتخصص
قانون العقار والتعمير
بالناظور

للحديث عن ممارسة حق الشفعة لابد من تعريف “الشفيع” الذي له الحق في استشفاع الحصة شائعة في العقار المشاع أو حق عيني مشاع، وكذلك التعريف بالمشفوع منه الذي يمثل أحد أركان شفعة إلى جانب المشفوع به والشيء المشفوع.

فقد تعددت تعاريف حول الشفيع بتعدد الفقهاء والباحثين، فلقد عرف الأستاذ الحمزاوي أن الشفيع هو من له الحق في استشفاع حصة شائعة في عقار مشاع أو حق عيني مشاع.[1]

ويقصد كذلك بالشفيع هو كل من له الحق في استشفاع حصته شائعة في عقار يملك فيه جزءاً شائعا فوتها شريكه للغير بعوض[2] أي بمبلغ مالي.

وبهذا فقد ميز الدكتور محمد بن معجوز المزغراني بين الشفيع في الفقه الإسلامي ونظريه في التشريع العقاري المغربي فنص على أن: “الشفيع هو الشخص الذي يحق له أن يستعمل الشفعة بصدد انتقال مال شخص إلى آخر، وأنه – حسب القانون العقاري المغربي ـ هو الشريك على الشياع في عقار أو في حق عيني فقط دون غيره”.[3]

أما المرحوم الدكتور مأمون الكزبري، فقد ميز هو الآخر بين الشفيع في قانون الالتزامات والعقود والشفيع في ظهير 2 يونيو، فقال: “الشفيع حسب ق ل ع هو المالك على الشيوع للمنقول أو العقار الذي له لا حصة شائعة فيه، صغير أم كبيرة، وسواء كان الشيوع اختياريا ـ أي وليد الاتفاق ـ أو كان اضطراريا أي ـ وليد التوارث ـ، الشفيع حسب أحكام ظهير 19 رجب (2 يونيو) فهو المالك على الشيوع لعقار محفظ أو مالك على الشيوع لحق من الحقوق العينية العقارية القابلة للتداول بحد ذاتها في حق انتفاع أو حق سطحية أو حق كراء طويل الأمد.[4]

كما يمكن تعريف المشفوع منه وهو من تملك الحصة المشفوعة في العقار أو الحق العيني المشاع بعوض بصفة لازمة واختيارية، وإذا اتفق الفقهاء على جواز الشفعة على الأجنبي، فقد اختلفوا في جوازها ضد الشريك، إلا أن الفقهاء المالكية اتفقوا على جوازها ضد الشريك وضد الأجنبي، وسندهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما يقسم بين الشركاء[5].

كما أن مدونة الحقوق العينية في الفقرة الثالثة من المادة 296 التي نصت عن حالة الشفعة ضد الشريك، أي عندما يكون شريك هو نفسه المشتري.[6]

فمن خلال التعريفات السابقة يمكن استخراج شروط ممارسة حق الشفعة وهي:

لابد أن يكون الشفيع مالكاً للجزء الذي يشفع به، وأن يكون تاريخ تمليك الشفيع للجزء المشاع سابقاً على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة، ويشترط أن تكون حيازته لحصته في ملك المشاع حيازة قانونية أو فعلية وأن يكون شفيع مليئاً بالثمن.[7]

اذن هل حاول المشرع المغربي تحديد شروط صحة طلب الشفعة بشكل دقيق؟

هذا ما سوف نحاول مناقشته على ضوء القانون والاجتهاد القضائي ، وما يثيره الموضوع من اشكالات.

أولا: أن يكون الشريك في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكه في عقار أو الحق العيني

يقصد بهذا الشرط أن يكون الشفيع مالكاً على شياع مع البائع أثناء قيام هذا الأخير بتفويت حصته للغير، وهذا ما أشار إليه عاصم في حصته بقوله:
“وفي الأصول شفعة مما شرع *** في ذي الشياع وبعد تمتنع”[8].

لا يعقل أن يطالب بالشفعة من لم يكن مالكاً للجزء الذي يشفع به سواء انتقل إليه عن طريق الإرث أو عن طريق اشتراكه مع شخص آخر بسبب شراء منقولاً أو حقاً عينياً عقارياً أو أن سبب تملكه كانت نتيجة هبة أو وصية أو نحو ذلك.[9]

وعلى هذا الأساس يجب أن تكون ملكية الشفيع سابقة على ملكية المشفوع منه وإلا فلا شفعة، وهذه النقطة الأخيرة وإن كانت لا تثير إشكال بالنسبة لشفعة المنقول أو العقار غير المحفظ أو العقار في طور التحفيظ، فإنه أثار خلال بين الفقه والقضاء من جهة وقرارات مجلس الأعلى (محكمة النقض) من جهة أخرى، فيما يتعلق بالشفعة في العقار المحفظ.

فالمرحوم الدكتور مأمون الكزبري يرى أنه لما كانت العبرة في الأسبقية بالنسبة للعقارات المحفظة هي للتسجيل لأن الحقوق العينية العقارية لا تنشأ ولا تنقل حتى بين المتعاقدين إلا اعتباراً من تسجيلها في السجل العقاري، فإن الشريك الذي لم يسجل حقه أو الذي سجل بعد أو في نفس تاريخ تسجيل الحق المتصرف فيه لا يستطيع أن يطالب بشفعة هذا الحق.[10]

بهذا فإنه عند الرجوع إلى قرار صادر عن المجلس الأعلى فإنه: “يجوز للشفيع أن يمارس حق الشفعة ولو قبل تسجيل عقد الشراء على الرسم العقاري، لأن المقتضيات المنصوص عليها في الفصلين 31 و32 من قانون 2 يونيو المتعلق بالعقار المحفظ تحده آجال سقوط وليس فيها ولا في غيرها من المقتضيات الأخرى، ما يمنع من استعمال حقه في الشفعة ولو قبل التسجيل.[11]

وهذا الشرط أكدته كذلك مدونة الحقوق العينية في معرض تعدادها في المادة 293 لشروط صحة طلب الشفعة، فلا يمكن الحديث عن الشفعة في حالة انتفاء الشركة، وبالتالي فلا شفعة لجار خلافاً لأبي حنيفة ولا في الشريك بمساحة معينة أو جزء معين لأن ذلك في حكم مقسوم.

وقد جاء في المجلس الأعلى (محكمة النقض حالياً) الصادر تحت عدد: 8 بتاريخ 06/01/1998 على أنه: “إذا وقع البيع على بقعة أرض مفرزة، محددة المساحة فلا شفعة لانتفاء الشياع، لأن كلا من المالكين يعتبر جاراً ولا شفعة للجار.[12]

وهذا مطابق لما جاءت به الشريعة الإسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرف فلا شفعة”.

لكن الإشكال الذي يطرح نفسه هو حينما يكون الشفيع مالكاً على الشياع بمساحة معينة وهنا مع الأسف رغم قيام المدونة بالجواب على كثير من الإشكالات إلا أنها لم تتمكن من تقديم جواباً لهذا الإشكال وليس المشرع فقط بل حتى فقهاء المذهب الإمام مالك اختلفوا حول هذه المسألة.[13]

ثانيا: أن يكون تاريخ تملكه للجزء المشاع سابقاً على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة

من هذا الشرط يتضح أنه إذا كان تاريخ تملك الشفيع لاحقاً على تصرف شريكه فلا يثبت له حق الشفعة، وهذا ما أكده قرار المجلس الأعلى عدد 139 الصادر بتاريخ 07 فبراير 1979 الذي جاء فيه: “لا حق للشريك في مواصلة الشفعة في شراء سجل في الرسم العقاري قبل شرائه بمقتضى الفصل 66 و867 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن: “كل حق عيني يتكلف بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة إلى الغير إلا ابتداء من تسجيله في الرسم العقاري”.[14]

لهذا يشترط في الشفيع أن تكون ملكيته سابقة على البيع الذي تمارس فيه الشفعة لهذا وفي إطار العقار المحفظ فإن ملكية شفيع غير كافية بل لابد من تسجيلها بالرسم العقاري[15]، وأن يكون هذا التسجيل سابق على البيع الذي تمارس فيه الشفعة.[16]

وهذا الشرط أكدته أيضا مدونة الحقوق العينية 08-39 بحيث أكدت أن يكون تاريخ تملك شفيع للجزء المشاع الذي يشفع به سابقاً لتصرف شريكه العوضي.[17]

ولكن إذا تملكا معا حقوق مشاعة في عقار محفظ دفعة واحدة وبنفس التاريخ فلا شفعة لأحدهما على الآخر، لكون لم يتجدد ملك أي منهما على الآخر، ويجب أن يأخذ شراؤهما رتبة واحدة بالرسم العقاري إذا تقدما إليه بتَاريخ واحد لتقييد شرائهما[18]، وبهذا يجب أن يبقى الشفيع مالكاً لحصته إلى تاريخ الأخذ بالشفعة، فلو انقسم العقار المشفوع به وأصبح عقاراً منفصلاً عن الحصة المبيعة، فإن ملكية الشفيع التي تسمح له بالشفعة قد انفصمت قبل ثبوت حقه في الشفعة فلا يمكن له أن يمضي في إجراءات الأخذ بالشفعة.[19]

ثالثا: أن يكون حائزا لحصته في ملك المشاع حيازة قانونية أو فعلية

ونقصد بهذا الشرط أن تكون ملكية الجزء المشفوع به ثابتة، وليس محل النزاع من أي طرف أما إذا كانت محل النزاع أو المنازعة من الغير كأن يكون الجزء المشفوع به ليس تحت يد الشفيع وإنما بيد الغير وهذا الأخير يدعي ملكيته ففي هذه الحالة لا يمكن للشريك ممارسة الشفعة إلا بعد استحقاقه لنصيب الشائع.[20]

وفي ظل مدونة الحقوق العينية الجديدة 08-39 يمكنه في هذه الحالة: إما أن يطالب بواجبه استحقاقاً والباقي في مقال واحد، وإما أن يتقدم بطلب مستقل يرمي إلى استحقاق وبعد صيرورة الحكم بالاستحقاق نهائياً يتقدم بدعوى الشفعة.

وفي هذه الحالة فإن أجل الشفعة في مواجهته ابتداءً من تاريخ صيرورة الحكم بالاستحقاق نهائياً، عملا بالقاعدة الفقهية التي تقتضي “بأن لمن كَمِل له الاستحقاق الأخذ بالشفعة”[21]، وهذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها الصادرة بجميع الغرف والتي جاء فيها: “إن قاعدة من إكتمل له استحقاق بالنسبة للحظ، يخول له الحق من جديد في سريان أجل ممارسة الشفعة.[22]
ولكن رغم وضوح هذه القاعدة فكان لابد من تمييز بين الحالة التي يكون فيها النزاع منصباً على عقار محفظ وبين الحالة التي يكون غيها النزاع متعلق بعقار محفظ.

بحيث أن الحالة الأولى يكون من خلال التسجيل في الرسم العقاري، وهنا لا يمكن للشفيع أن يمارس حق الشفعة إذا كان حائز على هذا العقار حيازة مادية، أي حيازة غير قانونية، أما الحالة الثانية وهو أنه يكون الشفيع واضعا يده على العقار وحائزا حيازة مادية، وفي هذه الحالة يكون من الأفضل أن يقوم الشفيع إدلاء المحكمة بما يمكن إثبات به تملكه في العقار الغير المحفظ، لأنه من شأن هذا الإثبات إغناء المحكمة عند إصدار قرارها.[23]

رابعا: أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض

ويقصد بعوض أي بمبلغ مالي، وبهذا نفهم أن المشفوع منه هو المشتري الذي يشتري الحصة الشائعة من أحد الشركاء بمبلغ مالي، وقد لاحظ أخذ رجال القانون أن مدونة الحقوق العينية لم تقم بشرط أي شرط على مشفوع منه إلا ما نصت عليه المادة 293 من مدونة الحقوق العينية وهو : “أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض”.[24]

وأول ما يمكن ملاحضته في هذا الشرط أن المشرع المغربي سقط في سهو كون انه يتحدث في المادة 293 عن شروط الشفيع، لكنه في الشرط الرابع نجده يتحدث عن شرط من شروط المشفوع منه، وبالتالي يتعين على المشرع المغربي إعادة النظر في هذه المسألة من خلال تخصيص فصل خاص يدرج فيه الشروط الكاملة التي يتعين على المشفوع منه توفر فيه
وبالرجوع إلى مقتضيات ق ل ع نجد أن المشرع نص صراحة في الفصل 974

على أنه: اشترط أن يكون المشفوع منه أجنبياً عن الشركاء في العقار، وبهذا ففهم أنه إذا كان المشفوع منه من بين أحد الشركاء فإنه لا تقبل دعوى الشفعة هذه.

وبالرجوع كذلك إلى القضاء المغربي وبالخصوص المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) نجد بأنه لم يلزم بمقتضيات هذا الفصل وقد اعتبر أن دعوى شفعة مقبولة سواء كان المشتري مشفوع منه شريكا على العقار أو أجنبياً عنه، وهذا ما جاء في قرار محكمة النقض عدد 1797 بتاريخ 09/05/2001 أن الفقه الإسلامي لا يمنع الأخذ بالشفعة من الشريك ولا يقيم أي تفرقة بين الشفعة من الشريك والشفعة من الأجنبي…[25]

وبالتالي فمن خلال موقف القضاء المغربي نجد أن مدونة الحقوق العينية كرست ما استقر عليه القضاء منذ مدة طويلة وأصلا مصدره هو الفقه المالكي، وبهذا يبدوا من خلال المادة 296 من مدونة الحقوق العينية التي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه: “إذا كان المشتري أحد الشركاء فلكل شريك في الملك أن يأخذ من يده بقدر حصته في الملك ويترك للمشتري نصيبه بقدر حصته، ما لم يعرب عن رغبته في التخلي عنها”.

ولكن كثيراً من الفقهاء والأساتذة يرون بأن موقف مدونة الحقوق العينية بخصوص هذا الصدد يتناقض مع الغرض الذي هو من أجله جاءت الشفعة. فما دام أن الشفعة جاءت لرفع الضرر الأجنبي ويتم إبعاده عن ملكية العقار المشاع فإنه يبدو من خلال موقف مدونة الحقوق العينية في الفصل المذكور أعلاه، أنه يمكن ممارسة الشفعة ضد هذا الأجنبي، والسماح بممارسة الشفعة إذا كان المشتري من المالكين على الشياع أمر لا ينسجم مع الغرض الذي من أجله جاءت الشفعة، وهذا ما يؤدي إلى تقليص مبدأ سلطان الإرادة والحد من حرية التعاقد.

ولكن يطرح إشكال في حالة ما إذا باع الشريك حصته الشائعة وطالب الشريك الواحد بالشفعة في هذه الحالة هل يجب عليه أن يشفع تلك الحصة المبيعة كلها أو يمكن أن يشفع بعض من تلك الحصة ؟

ففي هذه الحالة يؤكد الأستاذ محمد ابن معجوز أنه يجب عليه أن يشفع تلك الحصة المبيعة كلها، ولا يمكن أن يشفع بعض تلك الحصة.

وهذا ما أكده كذلك المجلس الأعلى (محكمة النقض سابقا) بحيث ذهب في أحد قراراته مبدئيا أنه: “ما دام المشفوع منهما ليس ملزمين بقبول التبعيض وأنها رفضت ذلك بتمسكهما بعد التبعيض ففي هذه الحالة من حق المشفوع منه ان يطالب الشفيع بالأخذ بالشفعة كاملة الحصة وإلا سقط حقه في الشفعة.