القيود على الحقوق المدنية والسياسية في الظروف الاعتيادية

المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

للادارة بما لها من سلطات في كفالة النظام العام ان تقيد ممارسة الحقوق المدنية والسياسية ، الا ان مدى سلطتها تختلف تبعا لوجود نصوص قانونية تنظم ممارستها او عدم وجود مثل تلك النصوص .

اولا / وجود نص قانوني :-

يحد من مدى سلطة الادارة في تقييد الحقوق المدنية والسياسية وجود نصوص قانونية تنظم ممارستها ، بغية توفير الضمانات القانونية بعدم تقييد هذه الحقوق الا اذا كانت تلك القيود قررتها قواعد عامة ، ذلك ان عمومية اية قاعدة قانونية تقلل من خطورتها او عدم عدالتها ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر هناك عدة معايير تمثل الحد الادنى من الشروط الواجب توافرها في النصوص القانونية المقيدة للحقوق وهي :

1- الا تكون النصوص القانونية التي تفرض القيود على ممارسة الحقوق تعسفية .

2- ان تكون القواعد القانونية المقيدة لممارسة الحقوق واضحة ، بحيث لا تثير أية اشكالات قانونية عند تطبيقها فضلا عن امكانية الاطلاع عليها ومعرفتها من قبل أي فرد وليس فقط ذوي الاختصاص اوبناء على طلب الشخص المتضرر ، ومن دون ذلك لا يمكن للادارة تقييد ممارسة الحقوق استنادا الى قواعد قانونية لم يتيسر للافراد الاطلاع عليها.

3- توفير الضمانات والتعويضات المناسبة والفعالة في القانون نفسه المقيد للحقوق لمنع الاستخدام غير المشروع للقواعد القانونية او اساءة تطبيقها . فضلا عما تقدم فأن تلك القيود ينبغي ان تفسر تفسيرا ضيقا ، وتعد في الوقت نفسه حدا اقصى يجب ان لا تتعداه السلطات الادنى(1). ويلاحظ ان القانون اذا جاء صريحا في بيان الغرض المستهدف منه التزمت الادارة في تطبيقها للقانون بذلك الغرض ، وكل تجاوز او انحراف يعرض قرارها للأبطال الذي هو الجزاء القانوني المقرر قضاء فضلا عن التعويض عن الاضرار المترتبة عليه ، وهذا بدوره يشكل ضمانة لحقوق الافراد وحرياتهم ، الا انه في اغلب الاحيان لا ينص القانون على الغرض الذي يستهدفه المشرع ، غير ان ذلك لا يعني ان سلطة الادارة في هذا المجال سلطة مطلقة ، اذ تبقى فكرة تحقيق المصلحة العامة الهدف من كل الاعمال الصادرة عن الادارة وليس تحقيق اغراض شخصية(2).

ثانيا / عدم وجود نص قانوني :-

تختلف سلطات الادارة باختلاف الزمان والمكان، كما تختلف باختلاف جسامة الخطر الذي يهدد النظام العام ، ويمكننا في صدد المبادئ التي تحكم سلطة الادارة في حالة عدم وجود نصوص قانونية تنظم ممارسة الحقوق ، ان نميز بين القيود التي مصدرها النظام العام وتلك القيود التي مصدرها الحقوق .

1. القيود التي مصدرها النظام العام : بما ان الهدف من الاجراءات التي تتخذها الادارة الحفاظ على النظام العام فأن أي اجراء لا يسعى الى تحقيق الامن العام او الصحة العامة او السكينة العامة يعد اجراء غير مشروع، وعليه يشترط في هذا الاجراء ان يكون ضروريا ، بمعنى ان تكون غايته تفادي تهديد النظام تهديدا حقيقيا، وكذلك فعالا ، فأن لم يكن من شأنه ابعاد الخطر او الاضطراب يعد اجراء غير لازم وغير مشروع، واخيرا ان تكون القيود على الحقوق متناسبة مع طبيعة الخطر الذي يهدد النظام العام ، ويعد هذا التناسب عنصرا مهما في تحديد مدى سلطة الادارة(3).

جدير بالاشارة ان فكرة النظام العام تختلف من دولة الى اخرى وفي الدولة ذاتها من وقت الى اخر ، مما يستلزم تفسيره وفقا لمقتضيات المصلحة العامة ، وعدم الاسراف في استخدامه من قبل السلطات المختصة في الدولة بشكل يؤدي الى اهدار الحقوق والحريات الاساسية تحت مظلة المحافظة على النظام العام . ولضمان عدم اساءة استخدام اعتبارات النظام العام للحد او لتقييد الحقوق المدنية والسياسية ، ينبغي ان يمنح القاضي صلاحية تحديد وبيان ما يعد من النظام العام في اطار الافكار والمبادئ السائدة في المجتمع ، وبما يحقق التوازن بين المصلحة العامة من ناحية ، وحقوق وحريات الافراد من ناحية اخرى ، فضلا عن اخضاع الصلاحيات المقررة للجهات المختصة في الدولة في الحفاظ على النظام العام لرقابة لاحقة من البرلمان او المحاكم او غيرها من الهيئات المستقلة ذات الاختصاص في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية(4).

2.قيود مصدرها الحقوق : تمثل الحقوق مصدرا ثانيا للقيود على سلطة الادارة في حالة عدم وجود نص قانوني ، فلا يمكن لسلطات الادارة ان تذهب الى المدى الذي يؤدي الى اهدار الحقوق والحريات ، والمبادئ السائدة هنا هي :

أ-مبدأ عدم مشروعية المنع المطلق للحقوق .

المبدأ العام ان السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في الغاء ممارسة حق ما وان الادارة لا تستطيع الغاء ممارسة الحقوق الا في حالة عدم وجود وسيلة اخرى لضمان النظام العام او اعادته وبصفة مؤقته ، فالذي يجب على الادارة ان تاخذه بنظر الاعتبار كيف تسمح بممارسة الحقوق من دون الاخلال بالنظام وليس كيف تحفظ النظام . وعليه يتضح ان سلطة الادارة تجاه الحقوق سلطة تنظيمية اصلا لا سلطة تحريمية .

ب-مبدأ حرية الافراد في اختيار وسيلة احترام النظام العام .

للافراد حرية اختيار الوسيلة المناسبة لتفادي الاخلال بالنظام العام، الا ان حرية الاختيار اذا كانت قاعدة مقررة ، الا انها ليست في كل الاحوال مطلقة ، اذ يقتضي المنطق عدم تطبيقها في الاحوال التي يجب ان يكون سلوك الافراد موحدا او لا توجد الا وسيلة واحدة لتفادي الاخلال بالنظام ، فالواقع اذا كان من الممكن اعطاء الافراد حرية اختيار وسيلة احترام النظام العام ، الا ان ذلك يجب ان لا يؤدي الى الاخلال بالنظام العام إخلالا جسيما ، وعليه استقر الرأي على عدم تطبيق هذا المبدأ في حالة الاستعجال او الضرورة .

جـ مبدا التناسب بين الاجراء المتخذ ومدى تمتع الفرد بحقوقه .

ينبغي ان يراعى في تقدير الاجراء الذي تتخذه الادارة التناسب بين الاضطراب الذي تريد تفاديه وبين الحقوق التي يمسها ذلك الاجراء ، فاذا كان الاضطراب ضئيل الاهمية فلا يجوز التضحية بالحقوق من اجل تفاديه وبخلافه اذا كان خطر الاضطراب جسيما فأن المساس بالحقوق يكون مبررا ، علما ان الاضطراب في الظروف العادية يضحى اكثر خطورة في ظروف اخرى(5). ومن الجدير بالذكر ان المواثيق الدولية اقرت صراحة جواز فرض القيود على حقوق وحريات الانسان ، فقد نصت الفقرة ( 2 ) من المادة ( 29 ) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ( يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط ، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والاخلاق في مجتمع ديمقراطي ) . كذلك نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على جواز فرض القيود على الحقوق المدنية والسياسية شرط ان تكون القيود محددة بنص القانون(6). وان تهدف الى صيانة الامن القومي(7). او النظام العام او الصحة العامة او السلامة العامة او الاداب العامة او حقوق وحريات الاخرين(8).

________________________

1- بدرية عبد الله العوضي – النصوص المقيدة لحقوق الانسان الاساسية في العهد الدولي وفي دساتير دول مجلس التعاون الخليجي – الكويت – 1985 – ص17

2- نعيم عطية – في النظرية العامة للحريات الفردية – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 1965 – ص193

3- سعاد الشرقاوي – مصدر سابق – ص156

4- بدرية عبد الله العوضي – مصدر سابق – ص29

5- يلاحظ ان مدى الاجراء المتخذ من قبل الادارة يتوقف على اهمية الحقوق، وفي هذا المجال يمكن التفرقة بين الحق ومجرد السماح ، فهناك من الاعمال الانسانية ما هو محرم قانونا و معاقب عليه جنائيا وهي الجرائم ومن ثم لا يحق للفرد ارتكابها ثم نجد اعمالا وتصرفات اخرى وان لم تعتبر جرائم معاقب عليها الا ان ممارستها تؤدي الى تعرض النظام للخطر ومثل هذه الاعمال يمكن للادارة ان تعمل الى منعها . اضافة الى ذلك فهناك من الاعمال ما هو مسموح بها بصفة عامة ولكن من دون ان ينص الدستور على انها حقوق للافراد ، وفي هذه الحالة يمكن للادارة ان تتخذ اجراءات بالغة الشدة وليست ثمة ما يمنع قانونا من ان تصل الى درجة التحريم على عكس الاعمال التي خصها المشرع بالكفالة والتنظيم ، فيجب ان تلقى الاحترام من قبل الادارة نعيم عطية – مصدر سابق – ص198 .

6- يقصد بالقانون ليس فقط القانون المكتوب الذي يضعه المشرع ، وانما يشمل كذلك المبادئ القانونية او القانون الذي تضعه المحاكم كما هو الحال في الفقه الانكلوسكسوني الى جانب الاعتراف المعمول بها في كل دولة . بدرية عبدالله العوضي – مصدر سابق – ص12

7- خذت اغلب الدول بالمفهوم الواسع الاصطلاح الامن القومي لتقييد الحقوق والحريات وهذا يظهر بوضوح في الولايات المتحدة الامريكية، فحسب المفهوم الامريكي للامن القومي، ان اية تطورات في العالم تشكل خطرا على الامن القومي في الولايات المتحدة، وعليه فان مفهوم الامن القومي اصبح ذا ابعاد شاسعة تجاوز حدودها الاقليمية ، مما يترتب عليه ان تكون الدولة في استنفار دائم واتخاذ الاجراءات كافة بما فيها الاجراءات العسكرية لحماية الامن القومي حتى وان تجاوز ذلك حدودها وبذلك يتعارض هذا المفهوم الواسع للامن القومي مع مفهوم الامن القومي الذي نص عليه العهد الدولي ، بدرية عبد الله العوضي – مصدر سابق – ص23

8- نصت الفقرة الثانية من المادة (12) من العهد الدولي قي تناولها لحق الفرد في حرية التنقل واختيار مكان اقامته بانه لايجوز تقييد تلك الحقوق باية قيود غير تلك التي نص عليها القانون وتكون ضرورية لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة اوالحقوق وحريات الاخرين ، وتكون متماشية مع الحقوق الاخرى المعترف بها في هذا العهد ، واقرت الفقرة الثالثة من المادة (18) اخضاع حرية الانسان في اظهار دينه او معتقده للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة اوالنظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة او حقوق الاخرين وحرياتهم الاساسية . وكذلك اجازت الفقرة الثالثة من المادة (19) فرض قيود على الحق في حرية التعبير والحق في اعتناق الاراء شرط ان تكون القيود محددة بنص القانون وان تكون ضرورية لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة او حقوق الاخرين او سمعتهم .

واخيرا نصت المادة (21) والفقرة الثانية من المادة (22) على جواز فرض قيود على الحق في التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات محددة بنص القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الامن القومي او النظام العام او السلامة العامة او الصحة العامة او الاداب العامة او حقوق الاخرين وحرياتهم اضافة الى ذلك ، اشارت الفقرة الثانية من المادة (5) ، والفقرة الاولى من المادة (9) ، والفقرة الاولى من المادة ( 14 ) من العهد الدولي الى ضرورة التزام المشرع باحكام القانون عند تقييده لبعض الحقوق او الاستناد الى القانون في حالة توقيف او اعتقال أي فرد تعسفا والعمل عند مقاضاة احد الافراد على توفير محاكمة عادلة ومنشاة بحكم القانون .