عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 13 مكرراً (أ) من القانون رقم 178 لسنة 1952

المحكمة الدستورية العليا المصرية

الدعوى رقم 2 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم

الحق في التقاضي وحق الدفاع
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام المتعلقة بها.

الدعوى رقم 2 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
نص الحكم

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 أبريل سنة 2002 الموافق 1 صفر سنة 1423هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب
رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه.
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 2 لسنة 22 قضائية “دستورية”.
المقامة من
السيد/…
ضد
1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
2- السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي
الإجراءات
بتاريخ الثاني من يناير سنة 2000 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طلباً للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 13 مكرر (أ) من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي فيما تضمنه من أنه “لا تكون القرارات الصادرة من اللجان المنصوص عليها في المادة 13 والمادة 13 مكرراً نهائية إلا بعد التصديق عليها من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.”
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين انتهت فيهما إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الاعتراض رقم 45 لسنة 1969 أمام اللجنة القضائية بالإصلاح الزراعي بطلب الحكم بإلغاء قرار لجنة التوزيع بحرمانه من تملك الأرض الزراعية المؤجرة له من الإصلاح الزراعي وأحقيته في تملكها طبقاً لقانون الإصلاح الزراعي، وبتاريخ 26/5/1991 قررت اللجنة إجابته إلى طلبه، وبعد أن استصدر الأمر رقم 1 لسنة 1998 من مأمورية طهطا بمحكمة سوهاج الابتدائية بتذييل القرار بالصيغة التنفيذية تظلم المدعي عليه الثاني بصفته من ذلك الأمر بموجب الدعوى رقم 553 لسنة 1998 مدني طهطا على سند من عدم نهائية ذلك القرار لرفض التصديق عليه من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بموجب القرار رقم 209 المؤرخ 11/4/1998، وبتاريخ 31/1/1999 حكمت المحكمة بإلغاء الأمر المُتَظَلّم منه.

استأنف المدعي هذا الحكم بالاستئناف رقم 277 لسنة 74 ق سوهاج، وأثناء نظر الدعوى دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 13 مكرر (أ) من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 13 مكرر (أ) من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي المطعون عليها تنص على أنه “فيما عدا القرارات الصادرة من اللجان القضائية في المنازعات المنصوص عليها في البند (1) من الفقرة الثالثة من المادة السابقة لا تكون القرارات الصادرة من اللجان المنصوص عليها في المادة 13 والمادة 13 مكرراً نهائية إلا بعد التصديق عليها من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.”
وحيث إن المادتين المحال إليهما في النص السالف ينصان على ما يأتي:
أولاً: الفقرة الأولى من المادة 13 “تشكل لجان فرعية تقوم بعملية الاستيلاء وحصر الأراضي المستولى عليها وتجميعها عند الاقتضاء وتوزيعها على صغار الفلاحين “.
ثانياً: المادة 13 مكرر “تشكل لجان خاصة لفحص الحالات المستثناة طبقاً للمادة (2) لتقدير ملحقات الأرض المستولى عليها ولفرز نصيب الحكومة في حالات الشيوع.
وتشكل لجنة قضائية أو أكثر من مستشار من المحاكم يختاره وزير العدل تكون له الرياسة ومن عضو بمجلس الدولة يختاره رئيس المجلس وثلاثة أعضاء يمثلون كلاً من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي ومصلحة الشهر العقاري والتوثيق ومصلحة المساحة.
وتختص هذه اللجنة دون غيرها عند المنازعة بما يأتي:
(1) تحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء طبقاً للإقرارات المقدمة من الملاك وفقاً لأحكام هذا القانون وذلك لتحديد ما يجب الاستيلاء عليه منها.
(2) الفصل في المنازعات الخاصة بتوزيع الأراضي المستولى عليها على المنتفعين.
وتبين اللائحة التنفيذية إجراءات التقاضي أمام اللجان القضائية، ويتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية
واستثناء من أحكام قانون السلطة القضائية يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تختص بها اللجان القضائية المشار إليها
ويجوز لذوي الشأن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في القرارات الصادرة من اللجان القضائية المنصوص عليها في البند (1) من الفقرة الثالثة ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ القرار إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بذلك “.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لنظرها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية،

ولما كان جوهر طلبات المدعي في النزاع الموضوعي يتعلق بمدى أحقيته في تذييل القرار الذي استصدره من اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي بالصيغة التنفيذية كي يصير نهائياً ودون التوقف على اتخاذ إجراء آخر، وإذ كان نص الفقرة الأولى من المادة 13 مكرراً (أ) المطعون عليها قد تضمن أن نهائية القرارات الصادرة في تلك المنازعات تتوقف على تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي فإن حسم المسألة الدستورية المثارة من شأنه أن يؤثر تأثيراً جوهرياً على الفصل في الطلبات الموضوعية مما تتحقق معه مصلحة شخصية للمدعي في إقامة دعواه الدستورية الماثلة وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 13 مكرراً قد قصر الحق في الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على القرارات الصادرة في المنازعات المبينة في البند (1) من الفقرة الثالثة من ذات المادة دون تلك المنصوص عليها في البند (2) المتعلقة بمنازعات توزيع الأراضي على المنتفعين، وهو نص يرتبط بالنص الطعين ارتباط لزوم لا انفصام فيه فإن التحقق من مدى دستورية النص الأخير من شأنه أن يحقق أيضاً مصلحة شخصية مباشرة للمدعي، ومن ثم فإن نطاق المصلحة في الدعوى الماثلة يتسع ليشمل نص الفقرة الثالثة من المادة 13 مكرراً.
وحيث إن مبنى طعن المدعي قام على أن النص الطعين انطوى على الإخلال بالمساواة بين الخصوم في مجال الطعن على القرارات الصادرة في المنازعات التي تختص بها اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي، وأن توقف نهائية القرار الصادر في منازعة توزيع الأراضي المستولى عليها على تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي يحول دون تحقيق الترضية القضائية في وقت ملائم بما ينطوي على مخالفة لنص المادتين 40 و68 من الدستور.
وحيث إن المشرع قد اختص اللجنة القضائية المنصوص عليها في المادة 13 مكرراً من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي بالفصل دون غيرها فيما ينشأ عن تطبيق قانون الإصلاح الزراعي من منازعات تتعلق بتحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها، وكذلك المنازعات الخاصة بتوزيع تلك الأراضي والتي كان الاختصاص بنظرها والفصل فيها معقوداً للمحاكم قبل صدور القرار بقانون رقم 381 لسنة 1956 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، وقد استهدف المشرع من تقرير تلك الاختصاصات للجنة القضائية سرعة البت في هذه المنازعات وهو ما أفصح عنه في المذكرات الإيضاحية للقانون رقم 131 لسنة 1953 والقرار بقانون رقم 381 لسنة 1956،

وقد حرص المشرع في هذين القانونين على تحقيق المساواة بين كافة المنازعات التي تختص بها اللجنة القضائية، مراعياً في ذلك التماثل في طبيعة هذه المنازعات، وباعتبار أن الغاية من الاستيلاء على الأراضي المنطبقة عليها أحكام قانون الإصلاح الزراعي هو توزيعها على المنتفعين الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، وتأسيساً على ذلك، فقد انتهج المشرع منهجاً واحداً في شأن الإجراءات التي تتبع أمام هذه اللجنة القضائية، فأوجب إتباع إجراءات قضائية تكفل ضمانات التقاضي، وجعل قراراتها جميعاً لا تكتسب نهائيتها إلا بعد اعتمادها من اللجنة العليا للإصلاح الزراعي.
إلا أن المشرع خرج عن مقتضيات هذه المساواة عند إصداره القانون رقم 69 لسنة 1971 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، فأقام تفرقة في إجراءات الطعن على القرارات الصادرة من اللجنة القضائية المشار إليها، حيث استحدث حكماً أجاز به الطعن مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا على قراراتها الصادرة في شأن المنازعات الخاصة بتحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها، في حين أنه لم يجز الطعن بهذا الطريق في القرارات الصادرة من ذات اللجنة في المنازعات الخاصة بتوزيع الأراضي على المنتفعين والتي لا تكتسب نهائيتها طبقاً لنص المادة 13 مكرراً (أ) المطعون عليها إلا بعد تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام المتعلقة بها، لما كان ذلك، وكان الأصل أن المتقاضين في المنازعات التي تختص بها اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي في مركز قانوني متماثل،

وكانت تلك المنازعات وعلى ما سلف بيانه تتماثل من حيث طبيعتها تماثلاً قاد المشرع إلى توحيد الإجراءات أمامها وفي الطعن في قراراتها قبل إصداره القانون رقم 69 لسنة 1971 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، وإذ اتجه المشرع في هذا القانون إلى تقرير حق الطعن مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا في القرارات الصادرة من اللجنة القضائية في شأن منازعات فحص ملكية الأراضي المستولى عليها، في حين أنه حظر ذلك في شأن القرارات الصادرة في منازعات توزيع تلك الأراضي واستوجب في نص المادة 13 مكرراً (أ) المطعون عليها لإسباغ النهائية على تلك القرارات تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وبصرف النظر عن أنه حتى لم يحدد أجلاً لإتمام هذا التصديق،

فإنه يكون بهذا التباين قد خلق تمييزاً لفئة من المتقاضين عن فئة أخرى في مجال الطعن على الأحكام بالرغم من تماثل مراكزهما القانونية واتفاق طبيعة المنازعات التي يتقاضون في شأنها، كما انطوى على إخلال بأصول القواعد الإجرائية لحق التقاضي وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي بما يوقع النصين المطعون عليهما في حمأة مخالفة أحكام المادتين 40 و68 من الدستور وذلك في شأن ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة 13 مكرراً (أ) من قانون الإصلاح الزراعي من توقف نهائية القرار الصادر من اللجان القضائية في شأن المنازعات الخاصة بتوزيع الأراضي المستولى عليها على تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وما اشتمل عليه نص الفقرة الأخيرة من المادة 13 مكرراً من القانون السالف من قصر حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على القرارات الصادرة من اللجان القضائية المنصوص عليها في البند (1) دون المنازعات المنصوص عليها في البند (2) من الفقرة الثالثة من ذات المادة والمتعلقة بتوزيع الأراضي على المنتفعين.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 13 مكرراً (أ) على النحو السالف بيانه يؤدي بحكم اللزوم إلى سقوط ما تضمنته الفقرة الثانية من ذات المادة من العبارة التي أحالت على المادة 13 مكرراً وذلك لارتباطها بما لا يقبل التجزئة بالنص الطعين مما لا يتصور معه إعمال حكمها في غيبتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 13 مكرراً (أ) من القانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي وذلك فيما تضمنته من توقف نهائية القرار الصادر في منازعات توزيع الأراضي على المنتفعين على تصديق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وبعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 13 مكرراً فيما تضمنته من قصر الحق في الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على القرارات الصادرة من اللجان القضائية المنصوص عليها في البند (1) دون المنازعات المنصوص عليها في البند (2) من الفقرة الثالثة من ذات المادة، وبسقوط الإشارة إلى المادة 13 الواردة بنص الفقرة الثانية من ذات المادة. وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.