نظرا لأهمية الحق وحرمته فقد أحاطه الشرع والفقه الإسلامي بالحماية اللازمة، فكانت الحماية السماوية التي تأمر بالوفاء بحقوق العباد مع ترتيب الجزاء الديني عند عدم الامتثال لأمر الله لقوله تعالى: “ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع“(1). بجانب الحماية الدنيوية القضائية التي تلزم المدين بالوفاء بعدة وسائل من بينها حبس المددين ) الإكراه البدني(2)) ويستند حبس المدين الموسر المماطل الذي يمتنع عن أداء التزامه بغير مبرر، إلى أحاديث الرسول صلي الله عليه،والة وسلم ومنها:

أ. حديث الرسول صلى الله عليه والة وسلم “مطل الغنى ظلم(3) فيعتبر المماطل ظالما ، يجيز للقاضي أن يعزره وهذا التعزيز يصل لحبسه، والحبس عقوبة، فجاز معاقبة المدين به.

ب . “لدي الواجدِ يحل عرضه وعقوبته(4)

وقد أوجدت الشريعة نوعا من المسئولية الجنائية في الامتناع عن التنفيذ مع القدرة عليه واعتبرت المماطلة أساس المسئولية، فالسبب الذي أوجب الحبس هنا ليس واقعة عدم الوفاء بحدد ذاتها، بل واقعة المماطلة، وه واقعة مستقلة تماما بما تشكله من ظلم وتعنت تستوجب التعزيز (5) ، بدليل أنه في المقابل لم يجز جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية حبس المدين الفقير أو المعدم الذي لا مال له(6) لانعدام الهدف الذي أجيز الحبس أصلا من أجله، مما يؤكد أن الحبس ليس هدفا بحد ذاته بل وسيلة للوصول للغاية الحقيقية وهي الوفاء بالدين، ونعرض فيما يلي لبعض أحكام الحبس التي يظهر من خلالها مدى تأثرها بفكرة العقوبة للتدليل على الطبيعة العقابية لحبس المدين لدى الفقه السلامي(7):

1- ذهب المالكية والحنفية إلى إجازة الحبس للمدين المماطل متى امتنع عن أداء الحق، بحيث يستمر حبسه ما دام مستمر في الامتناع عن الوفاء (8) ويرجع الفقه بفكرة التأبيد هذه لوصف جريمة الامتناع عن الوفاء بأنها جريمة مستمرة وبالتالي فالعقوبة التي تقابلها يجب أن تكون مستمرة، وبالتالي يكون الحبس مستمرا ما دام الامتناع مستمرا (9)

2- قال غالبية الفقهاء بحبس المدين بدينه ولم يذكروا مقدار ما يحبس به، فيحبس بينه وان قل، فالمدين الممتنع يعتبر ظالم فيحبس في الدرهم وفي أقل منه لأن سبب وجوب الحبس هو المماطلة في الوفاء والظلم الناتج عنه(10) .

3- منع حبس الوالدين بدين الولد، والعقوبة فدي الفقه الإسلامي لا تنفذ بحق الوالدين إذا كانت المماطل(11) يتبين مما سبق أن حبس المدين في الفقه الإسلامي بمثابة عقوبة وأن التنفيذ بالحبس يكون للمدين المماطل القادر على الوفاء، بشرط أن يُطالب بالوفاء ويرفض بدلا عذر، فيكون عقابه الحبس حتى يؤدي ما عليه مدن التزامات، فالحبس ليس هدفا بحد ذاته بدل وسيلة للوصول للغاية الحقيقية وهي الوفاء.

________________

1- اية غافر اية 18.

2- ياسر تاج السر طه، حبس المدين تنفيذ ا للأحكام، جامعة الخرطوم، 2009 ، ص318.

3- ابو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري ، صحيح الامام البخاري ، الجزء الرابع . ص542 المطل يقصد بة منع اداء ما استق اداؤه ويحصل المطل بأمرين معا هما 1- ان يطالب المستحق المدين بالوفاء 2- ان يتمتع المدين بالوفاء بلا عذر راجع في ذلك منصور بن يونس بن ادريس البهوتي، كشاف القناع على متن الاقناع، الجزء الرابع، عالم الكتاب، بيروت، 242 ه- 2982 م. ص48/الحافظ احمد بن علي بن حجر العسقلاني فتح الباري بشرح صحيح الامام البخاري الجزء الرابع ، ص466.

4- لي يعني المطل والواجد أي الغنى القادر على سداد دينه وعرضه أي شكايته وعقوبته الحبس ،انظر في ذلك محمد فؤاد عبد الباقي وحب الدين الخطيب فتح الباري لابن حجر المطبعة السلفية – الجزء الخامس ص62.

5- محمد خلف بنس سلامة وخلوق ضيف الله اغا حبس المدين في الفقه والقانون الاردني مجلة الشريعة والقانون العدد السابع والاربعون يوليو 2011.ص389.

6- احمد صدقي محمود ، حبس المدين المماطل في الشريعة الاسلامية والقانون ، دار النهضة العربية القاهرة ص15.

7- محمد خلف بني سلامة وخلوق ضيف الله اغا مرجع سابق ص390 .

8- أحمد صدقي محمود، حبس المدين المماطل في الشريعة الإسلامية والقانون، دار النهضة

العربية، القاهرة ص11.

9- محمد خلف بني سلامة وخلوق ضيف الله اغا مرجع سابق ،ص390.

10- منصور بن يونس ادريس مرجع سابق ص419 / علاء الدين ابو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الجزء السابع ، دار الكتاب العربي بيروت لبنان الطبعة الثانية 1701ه- 1982م ص173.

11- شمس الدين السرخسي ، المبسوط الجزء العشرون ، دار المعرفة بيروت لبنان 1406 ه 1986م ص88/وهبة الزحيلي الفقه الاسلامي وادلته الجزء الخامس ص 463-462.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .