أهم أثار التحفيظ العقاري من خلال النص القانوني والعمل القضائي

يعتبر التحفيظ العقاري الحصانة والضمانة التي لا غنى للعقار عليها، والذي من خلاله يمكن حماية الملكية العقارية من الإعتداء عليها بأي شكل من أشكال الإعتداء سواء القانوني أو المادي (الواقعي)، وإذا كان ظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913 وما لحقه من تعديلات وتغييرات يشكل الإطار القانوني لنظام التحفيظ العقاري[1]، فإن هذا القانون ليس لوحده يحمل هذه القيمة،

صحيح أنه هو الأساس لكن هناك عدة قوانين ومراسيم تعمل على حماية وتنظيم الملكية العقارية، إن لم نقل بأن معظم القوانين الوضعية لها صلة بالملكية العقارية[2]، بل إن الدستور نفسه قدس الملكية عموما ومنها الملكية العقارية وجعلها من أهم الحقوق المحمية دستوريا[3]

ولا يخفى على عاقل الأهمية والمكانة التي تحتلها الملكية العقارية في الوجود، سواء من الناحية الإجتماعية أوالإقتصادية أو السياسية، فجل صراعات الأمم السابقة والحالية كان لها إرتباط جدري بالملكية العقارية، كما أنه من الناحية التنموية يبرز العقار من أهم الأولويات في كل مشروع إقتصادي أو إجتماعي، وهذا ما يفسر الترسانة التشريعية التي أحاط بها المشرع الملكية العقارية، وأمام هذا الزخم الهائل من النصوص القانونية المنظمة للملكية العقارية يمكن التساؤل عن ماهي أهم أثار التحفيظ العقاري ليس في كل تلك النصوص القانونية،

بل فقط في قانون التحفيظ العقاري؟ وماهي مكانة القضاء ودوره في هذا المجال بإعتباره المعني الأول بتطبيق تلك النصوص القانونية، بل إن دوره يبدو حاسما نظرا لما يقوم به من إخراج القاعدة القانونية من سكونها وجمودها إلى الحركة وإلى التكيف مع الواقع ومع الحياة المصاحبة للملكية العقارية؟ أو بشكل أدق كيف يساهم القضاء في رسم معالم التحفيظ العقاري؟

قصد الإجابة على هذا الإشكال، لابد من تحديد عناصر الموضوع والتي هي عموما أهم أثار التحفيظ والتي تتجلى في قاعدتي: مبدأ التطهير من جميع الحقوق التي لم تظهر أثناء جريان مسطرة التحفيظ، و حجية الرسم العقاي والتقييدات المضمنة به، ثم كيف ساهم القضاء في حماية هذه الآثار؟ لهذا ارتأيت تقسيم محاور هذه المقالة على الشكل التالي:

أولا: مبدأ التطهير في التحفيظ العقاري والعمل القضائي.
ثانيا: دفاع القضاء على حجية الرسم العقاري والتقييدات المضمنة به.

أولا: مبدأ التطهير في التحفيظ العقاري والعمل القضائي
من المعلوم أن سرية المعاملات العقارية هي منبع الخصومات وعدم الثقة والإستقرار، وهي تشكل بذلك سبيلا للإغتصاب والسطو على حقوق الغير، بل إنها تلف حق الملكية بزخم من الغموض إن على مستوى حدوده الجغرافية أو على مستوى أساسه القانوني، وهو ما يؤدي إلى نتائج جد وخيمة على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي، وخاصة في مجال الفلاحة والمعمار والتنمية الإقتصادية والاجتماعية والتخطيط[4]…

والتحفيظ العقاري المغربي الذي يستند على نظام الشهر العيني[5]، على العكس من ذلك يسعى جاهدا في سبيل توفير أرضية قانونية صلبة للملكية العقارية، وذلك عن طريق مسطرة طويلة أو قصيرة -بحسب الأحوال- سمتها إشهار الحقوق المتعلق بالعقار، بل إن التحفيظ عموما لايعدو أن يكون سوى عملية إشهارية للعقار في مختلف جوانبه القانونية والواقعية (أ)، هذه المسطرة الإشهارية هدفها الأسمى هو تطهير العقار من جميع الحقوق التي لم تظهر أثناء مسطرة التحفيظ العقاري وهو ما أكده القضاء بعد ظهير التحفيظ العقاري (ب).

أ: مسطرة التحفيظ العقاري وإشهار الحقوق المتعلقة بالملكية العقارية.

لا يسع المقام لسرد مختلف النصوص القانونية ومختلف فصول قانون التحفيظ العقاري المتعلقة بمسطرة التحفيظ، فقد سالت أودية أقلام أغلب فقهاء التحفيظ العقاري وجل الباحثين في المجال[6] لتتفق كلها على أن التحفيظ العقاري ما هو إلا عملية إشهارية للحقوق المتعلقة بالعقار الذي تجري مسطرة تحفيظه، حيث انه منذ إيداع مطلب التحفيظ العقاري بالمحافظة العقارية وإلى حين تأسيس رسم عقاري للملك موضوع مطلب التحفيظ العقاري، أو إلى حين إلغاء مطلب التحفيظ[7] أو إحالته على المحكمة بسبب وجود تعرضات عليه كلية أو جزئية أو تعرضات متبادلة..

مرورا بعملية التحديد من قبل المهندس الطبوغرافي ونشر خلاصة مطلب التحفيظ وإعلان إنتهاء التحديد، وقد يستدعي الأمر نشر خلاصة إصلاحية (الفصل83 من ظ.ت.ع) وإعلان جديد عن إنتهاء التحديد، ووضع الأنصاب في عملية التحديد وإستدعاء المجاورين للعقار عند عملية التحديد…، كل ذلك هي مراحل لشهر العقار بأنه يتم تحفيظه، وهو إعذار لكل ذي حق متعلق بهذا العقار ليتقدم للمحافظة العقارية الموجود في دائرتها العقار المراد تحفيظه، مصحوبا بالوثائق المؤيدة للحق المراد التعرض من أجله، قصد التعرض على عملية التحفيظ تلك، أو التقدم للمهندس عند القيام بالتحديد لتسجيل التعرض في محضر على أن يتم لاحقا استقدام الوثائق التي تأيد ذلك التعرض للمحافظة العقارية المعنية.

إن عملية الإشهار في التحفيظ العقاري في مفهومها الضيق يقصد بها عملية نشر خلاصة مطلب التحفيظ أو الخلاصة الإصلاحية والإعلان عن إنتهاء التحديد والإعلان الجديد عن إنتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، والتي يتم إستخلاص الرسوم عنها وفق التعريفة المحددة في مرسوم 1997، والمشار إليها من خلاله برسم الإشهار[8]، وأيضا عملية الشهر في لائحة المحافظة العقارية، وكذا في مقر القائد المتواجد العقار بدائرته، وأيضا بالمحكمة الإبتدائية المتواجد العقار بدائرة نفوذها الترابي، وفي الجماعة الحضرية أو القروية المتواجد العقار المراد تحفيظه في دائرتها.

غير أن نظام التحفيظ العقاري يقوم برمته على العمليات الإشهارية في كل مراحله كما سبق الحديث، وهو ما يمكن أن نسميه بعملية الإشهار العقاري في مفهومه الواسع، أوبشكل أكثر دقة كما يرى البعض: حيث يمكن تسميته بنظام الشهر العقاري كمرادف لنظام التحفيظ العقاري، أو مرادف لنظام الشهر العيني[9].

وهو ما جعل البعض يعتبر أن مسطرة التحفيظ العقاري ماهي إلا مرادف لعملية التطهير في التحفيظ العقاري[10]، وهذا ما سأتحدث عنه فيما يلي:
ب: مسطرة تحفيظ العقار ومبدأ التطهير

تعتبر مسطرة التحفيظ العقاري في معناها الإصطلاحي مرادفة لمسطرة التطهير، وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل الأول من قانون التحفيظ العقاري في فقرته الثانية بقوله: “يرمي التحفيظ إلى…

– تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ماعداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛…”

فسواء كانت مسطرة التحفيظ مسطرة عادية أو مسطرة إستثنائية أو مسطرة خاصة، وسواء كانت مسطرة تحفيظ إدارية أو قضائية، وسواء كانت مسطرة التحفيظ إختيارية أوإجبارية، فالهدف منها هو تنقية العقار وتطهيره من جميع الحقوق التي لم تظهر أثناء جريان مسطرة تحفيظ العقار، والتي لم يتقدم أصحابها للحفاظ عليها بواسطة التعرض على مسطرة التحفيظ، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المغربية (المجلس الأعلى سابقا) في العديد من القرارات، حيث جاء في بعضها[11]: “التحفيظ يطهر العقار من كافة الحقوق التي قد يدعى بها قبل التحفيظ ولا تكون مسجلة بالرسم العقاري.

لايمكن أن تقام دعوى عينية عقارية بالمخارجة التي كانت قائمة وقت عملية التحفيظ لم يقع بها التعرض وإنما يمكن أن تقام بها دعوى تعويض إذا ثبت تدليس في عملية التحفيظ.”، فبعدما يتم تحفيظ العقار وتأسيس رسم عقاري نهائي له بناء على قرار أحد أطر المحافظة العقارية الذين لهم إحدى الصفات التالية: إما أن يكون محافظ على الأملاك العقارية رئيس مصلحة خارجية، أو محافظ مساعد، أو محافظ مكلف بالتحفيظ[12].

حيث تصبح جميع الحقوق كأن لم تكن، ويبقى الرسم العقاري الجديد هو نقطة البداية لحياة العقار الجديدة، وهو مانص عليه المشرع المغربي في الفصل 2 من ق.ت.ع، حيث جاء فيه: “إن الرسم العقاري نهائي ولايقبل الطعن، ويعتبر نقطة الإنطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة”، وهو توجه مجموعة من التشريعات[13] التي إعتمدت نظام الشهر العيني كالمشرع الجزائري واللبناني…

وإستنادا لقاعدة التطهير فإنه لا يحق للأطراف التي تضررت من جراء مسطرة التحفيظ أن ترفع أي دعوى قضائية في العقار الذي أصبح محفظا وله رسم عقاري نهائي، ماعدا في حالة إثبات التدليس فقط هنا أيضا لايملك المتضرر سوى المطالبة بالتعويض من المدلس ولا يمكنه إسترجاع العقار المحفظ، وهو ما يستفاد من الفصل 64 من ظ.ت.ع.

بقي أن نشير على أن قاعدة التطهير في مسطرة التحفيظ العقاري تصطدم مع مبدأ عدم كسب أي حق عيني وعدم سريان التقادم على أملاك الدولة التي تدخل في إطار ما يسمى بالملك العمومي، حيث لا يمكن الإحتجاج بنهائية الرسم العقاري للأستيلاء على أملاك الدولة العامة كالطرقات والبحار…، كما لايمكن للتحفيظ أن يمس أملاك التحبيس (أملاك الوقف) كما ذهبت إلى ذلك إستئنافية طنجة، حيث جاء عنها[14]: “-لايمكن الإحتجاج بالتطهير الناتج عن تحفيظ العقار تجاه حقوق محبسة، لأن العقارات الحبسية المعقبة، مثلها في ذلك مثل العقارات الحبسية العامة، لايمكن التصرف فيها إلا بإذن جلالة الملك عملا بمقتضيات الفصل الثامن من ظهير 13 يناير1918 حول مراقبة الأحباس المعقبة، وبالتالي فإن تحفيظ العقار موضوع النزاع، وهو عقار حبسي معقب، باطل”

كما جاء عنها في قرار آخر[15]: “التطهير الناتج التحفيظ العقاري لايشمل الحبس”

ثانيا: دفاع القضاء على حجية الرسم العقاري والتقييدات المضمنة به.
إذا كان الرسم العقاري يشكل بدية الحياة للعقار المحفظ حسب الفصلين 1 و62 من ظ.ت.ع، فإن هذا الرسم العقاري نفسه يشكل الضمانة القانونية لتواجد واستمرار الحقوق والتحملات على العقار، غير أن حجية الرسم العقاري (أ) ليس هي حجية التقييدات المضمنة بالرسم العقاري(ب)،

فكيف تعامل القضاء مع كليهما؟
أ: دفاع القضاء على مبدأ حجية الرسم العقاري.
إن جوهر النظام العقاري هو الحجية والقوة القانونية التي أضفاها المشرع على الرسم العقاري (الفصل 1 والفصل62 من ظ.ت.ع)، ذلك أن الرسم العقاري يعتبر الضمانة الفعلية لإستقرار العقار من الناحية القانونية، كما يشكل ضمانة حقيقية لأصحاب الحقوق المتعلقة به سواء كانت حقوق أصلية كحق الملكية وحق الإنتفاع والكراء الطويل الأمد…، أو كانت حقوق تبعية كالرهن الرسمي والرهن الحيازي و الإمتيازات[16]

وهكذا فالتقادم لا ينشئ أي حق عيني على العقار المحفظ، في مواجهة المالك المقيد، ولا يسقط أي حق عيني مقيد بالرسم العقاري (الفصل 63 من ظ.ت.ع)، وتجدر الإشارة إلى أن الحجة المطلقة للرسم العقاري لا تكون في مواجهة أطراف النزاع فحسب أو المحكمة التي تبث في النزاع، بل في مواجهة المحافظ نفسه الذي اتخذ قرار التحفيظ حيث لا يحق له التراجع عن هذا القرار فيما بعد، وهو ما يفرض على المحافظين التريث والتثبت قبل الإقدام على اتخاذ هذا القرار لما يحمله من خطورة، كما أنه من المهم جدا التذكير على أن قرار تأسيس رسم عقاري بالمكتب عن طريق تجزئة رسم عقاري أم ليس هو تحفيظ العقار بعد مسطرة التحفيظ، حيث يحق للمحافظ في قرار التجزئة وبعدما تم تأسيس رسم عقاري خطأ أن يقوم بإلغائه بإعتباره مجرد تقييد وذلك استنادا للخطأ المادي بناء على الفصل29 من المرسوم الوزاري المؤرخ ب20 رجب 1333 (03يونيو1915) المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري 

في حين لايمكنه التشطيب على قرار التحفيظ في العقار بعدما تمت مسطرة التحفيظ[17] وبعدما تم إتخاذ هذا القرار، وإن كان القضاء المغربي يزعزع هذه الحصانة من حين لآخر، صحيح أن تأسيس رسم عقاري بناء على خلل في مسطرة التحفيظ قد يضر بطالب التحفيظ نفسه[18] أو بالغير خصوصا المجاورين للعقار المحفظ[19]

لكن محكمة النقض المغربية (المجلس الأعلى سابقا) ومعها بعض المحاكم الإدارية، وإن كانت مقتنعة بحصانة الرسم العقاري، فإنها تصدر بعض القرارات تنص من خلالها على بطلان مسطرة التحفيظ كليا أو جزئيا، لكن دون أن تقدم جوابا حول ماإذا كان البطلان سيمس بالرسم العقاري المؤسس على مسطرة خاطئة بناء على قاعدة مابني على باطل فهو باطل؟ أم أن تقريرها ببطلان المسطرة لا يمس حصانة الرسم العقاري، بل يهم الأمر إمكانية الحصول على التعويض نتيجة تقصير المحافظ كما ذهبت إلى ذلك إستئنافية الرباط في إحدى قراراتها[20]، وهل هذا التقصير يعادل التدليس المنصوص عليه في قانون التحفيظ العقاري، أو بمعنى أخر على أي أساس يمكن المطالبة بالتعويض؟ هل على أساس الخطأ الشخصي للمحافظ إستنادا للفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري؟ أم على أساس التدليس والفصل 64 من ظ.ت.ع؟ لهذا في اعتقادي يبقى على عاتق محكمة النقض توضيح الأمر بإعتبارها محكمة قانون، كما أن الفصل 97 من ظ.ت.ع يتعلق بالتقيدات وليس بتأسيس الرسم العقاري، فهل هذا الإشكال يمس التقييدات أيضا؟ هذا ما يجرنا إلى الحديث عن حجية التقييدات.
ب: حجية التقييدات والعمل القضائي.

لقد نص المشرع المغربي في المادة 2 من مدونة الحقوق العينية على مايلي: “إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لايمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه”.

والواضح أن هذه المادة تتحدث عن التقييدات بشكل عام سواء تلك المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري، أي تلك التقيدات التي تم إيداعها إما طبقا للفصل 83 من ظ.ت.ع، أو بناء على الفصل84 من ظ.ت.ع، وذلك خلال جريان مسطرة التحفيظ العقاري، أو تلك التي تم إيداعها بعد التحفيظ إستنادا لفصل65 من ظ.ت.ع وما بعده.

فكل ما ضمن بالرسم العقاري يعتبر حجة في مواجهة الغير، وفي المقابل كل حق لم يقيد في الرسم العقاري لايمكن الإحتجاج به على الغير، فيعتبر هذا الحق والعدم سواء(الفصل66من ظ.ت.ع)، مع حفظ الحق في إقامة الدعوى بين أطراف النزاع بسب عدم تنفيذ اتفاقاتهم(المادة67 من ظ.ت.ع).

وقد جاء عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)[21]: “-كل حق عيني يتعلق بعقار محفظ يجب إشهاره بواسطة التسجيل في السجل العقاري.
يعفى من الإشهار الإرتفاق الناشئ عن الوضعية الطبيعية للعقارات المتجاورة.

…تكون المحكمة على صواب لما لم تعتد بإدعاء وجود سقاية للماء كمرفق يثقل ملك الغير لعدم إشهاره بالرسم العقاري للملك”
ولايمكن التمسك بإبطال التقيدات مالم يشطب عليها، كما أنه لايمكن التمسك بإبطال تلك التقيدات في مواجهة الغير حسن النية.

ولاتقبل الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أومغير لحق عيني في مواجهة الغير إلا من تاريخ تقييد تلك الدعاوى بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا (المادة13 من مدونة الحقوق العينية).

إذا كانت هذه هي أهم آثار التحفيظ العقاري في نظر كل من المشرع وبعض القضاء والفقه، فإن الموضوع يطرح عدة إشكالات تحتاج إلى دراسة جد معمقة قصد الوقوف على بعضها، كما أن التحفيظ عموما لازال بالرغم مما تزخر به المكتبات الوطنية والخزانات الجامعية من بحوث ومراجع، يحتاج إلى تضافر الجهود بين مختلف الفئات المهتمة من أساتذة جامعيين وباحثين وقضاة ومحامين ومحافظين وموثقين وعدول…، قصد تكوين توجهات فقهية كبرى، هدفها توضيح بعض مقتضيات التحفيظ العقاري،

وإغناء النقاش ليس فقط على مستوى أكاديمي صرف، ولكن وبالضرورة بشكل جد بسيط وسهل لفائدة عموم المواطنين، نظرا لما تتمتع به الملكية العقارية من أولوية في حياة المواطن العادي، ولما يترتب على التحفيظ من نتائج تمس بحقوق وإلتزامات شريحة عريضة من السكان، وقد تنتقل من جيل إلى آخر.

[1] – يتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بشأن التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 07-14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22 نونبر 2011، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص 5575.
سأشير إلى الظهير الشريف بمثابة قانون التحفيظ العقاري إختصارا ب: ظ.ت.ع فيما سيأتي.

[2] – لاحظ أن مختلف القوانين لها إرتباط من قريب أو بعيد بالملكية العقارية: فعلى سبيل المثال لا الحصر :
– قانون الإلتزامات والعقود الصادر في 12 غشت 1913- قانون المسطرة المدنية، الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) منشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر13 بتاريخ 30 شتنبر 1974، ص2741.- قانون أراضي الجموع الصادر في 27 أبريل 1919، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 28 أبريل 1919 ص375، والمعدل بظهير 06فبراير 1963، المنشور بالجريدة الرسمية عدد2626 الصادرة بتاريخ 22 فبراير 1963، ص522.- قانون ضم الأراضي الفلاحية الصادر في 30 يونيو 1962.

– قانون الإجار المفضي إلى تملك العقار رقم : 00-51- قانون بيع العقار في طور الإنجاز- قانون نزع الملكية- قانون التحفيظ الجماعي للأراضي القروية – مدونة الأسرة – مدونة الحقوق العينية – قانون التعمير رقم 90-12- قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقار رقم 90-25- قانون نظام الملكية المشتركة رقم 00-18

[3] – ينص دستور المملكة المغربية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 شعبان 1432 (29 يوليو2011)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600 في الفصل 35 على أنه: “يضمن القانون حق الملكية.
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

ولايمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون…”
كما نص الفصل 31 من الدستور على أنه: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: …-السكن اللائق،…”

[4] – أبو بكر الفاسي الفهري، المنتصر الداودي، محمد بلحاج السلمي، محمد حمام “تطور التحفيظ العقاري بالمغرب” الأيام الوطنية حول التحفيظ العقاري بالمغرب 24-25 ماي 1983، مديرية المحافظة العقارية والأشغال الطبوغرافية، ص1.

[5] – على عكس بعض الدول التي اعتمدت نظام الشهر الشخصي كفرنسا مثلا فإن المغرب اعتمد نظام الشهر العيني.
لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع راجع: محمد خيري “مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي” مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2013، ص 52 وما بعدها.

[6] – إدريس الفاخوري ، دنيا مباركة ” نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 07-14″ مطبعة الجسور، الطبعة الثانية 2013، ص37 وما بعدها.
– أبو بكر الفاسي الفهري، المنتصر الداودي، محمد بلحاج السلمي، محمد حمام، مرجع سابق، ص3 وما بعدها.
– البكاي المعزوز ” المختصر في نظام التحفيظ العقاري” مطبعة سجلماسة، طبعة 2005/2006، ص31 وما بعدها.
– إدريس الفاخوري “نظام التحفيظ العقاري بالمغرب” مطبعة طه حسين، طبعة 2006، ص 21 وما بعدها.

[7] – لقد جاء في قرار لمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) : “-بموجب الفصل 13 من المرسوم الملكي بشأن التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12/08/1913 المعدل بظهير 5/4/1938 فإن مطلب التحفيظ لايعتبر سندا صحيحا يثبت ملكية طالب التحفيظ للملك موضوع المطلب وإنما هو مجرد تصريح يقدمه طالب التحفيظ للمحافظ الذي يعطيه وصلا به ويتضمن التصريح المذكور البيانات المشار إليها في الفصل السابق الذكر.

ويمكن للمحافظ حسب الأحوال المنصوص عليها في القانون التشطيب عليه، وبالتالي فالمحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه عندما اعتبرت مطلب التحفيظ حجة في إثبات حيازة المطلوبة في النقض مع أن المطلب المعتمد قد تم إلغاؤه من طرف المحافظ ولايشكل وسيلة إثبات قانونية للحيازة حتى على فرض وجوده تكون قد جعلت قرارها غير مرتكز على أساس ومشوبا بفساد.

جواد كموني – باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة – تخصص قانون العقود والعقار