سنبين في هذا الموضوع بإيجاز احكام سكنى المعتدة في اربعة نقاط ، الاولى نبين فيها شروط ومواصفات مسكن المعتدة ، والثانية نبين فيها المسكن الذي يجب ان تعتد فيه المطلقة ، وفي الثالثة نبين كيفية استيفاء المعتدة لسكناها ، وفي الرابعة نبين حالات سقوط حق المعتدة في السكنى ، على النحو الاتي :

أولاً- شروط مسكن المعتدة :

ان الشروط والمواصفات التي يجب توافرها في مسكن العدة هي ذاتها الشروط والمواصفات التي يجب تحققها في المسكن المعد في حال قيام الزوجية بل ان المسكن الذي يجب على المعتدة ان تعتد فيه هو المسكن المعد في حال قيام الزوجية . فمن حيث تقدير شرعيته تكون وفقا لما يقدر به مسكن الزوجية (1) وذلك تبعا لحالة الزوج الاقتصادية والاجتماعية ويشترط فيه ان يكون محتويا على المرافق والأثاث واللوازم الضرورية ومكتمل البناء وغير مهدد بالخراب وفي محل امين لا موحش ولا مخيف وبين جيران صالحين ومنفرداً او مشتركاً وذلك تبعاً لحالة الزوج المادية ، وسنبين تفصيل هذه الشروط في الفصل الثاني من هذه الدراسة .

ثانياً- موقع مسكن المعتدة :

اذا وجبت السكنى للمعتدة فان سكناها تكون في البيت الذي كانت تسكنه وقت الفرقة (2)، لقوله تعالى (( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )) (3). فإن شاءت الصدف وُطلقت وهي بعيدة عنه عادت اليه فوراً ولا تخرج منه. إلا اذا كانت المسافة بين مكان طلاقها ومسكن عدتها بعيدة ويتعذر عليها العودة اليه دون مشقة ، وتكمن الحكمة من ضرورة اعتداد المطلقة بمنزل الزوجية الذي كانت تقيم فيه وقت الطلاق حملها على تذكر نعم الزوجية وعدم نسيانها فيجب عليها الاعتداد به وعدم الخروج منه إلا لعذر شرعي ، والاعذار المبيحة للاعتداد في المسكن المذكور لم يذكرها الفقهاء على سبيل الحصر ، ولكن ليتعرف منها مقدار الضرورة المبيحة للاعتداد في غير هذا المنزل (4). ومن هذه الاعذار الخوف من انهدام المسكن او غرقه او خوفها على نفسها ان بقيت معه لكونه في مكان مخيف او لتأذيها بالجيران أذاً شديداً (5). ومن الاعذار التي تبيح لها الخروج من مسكن العدة سكنى الزوج معها ان كانت معتدة من طلاق بائن وكان الزوج فاسقاً(6). او كان المسكن مشتركاً مع الغير وآذوا المطلقة فعلاً او قولاً ، وغير ذلك من الاعذار التي تبيح لها التحول عن مسكنها ، فإن وجد العذر الشرعي لتحولها عن هذا المسكن فان على مطلقها ان ينقلها الى اقرب المواضع لهذا المسكن حسب اختياره(7). وان لم يكن هناك من عذر شرعي لخروجها فعليها العودة الى مسكن العدة فوراً .

ثالثاً – استيفاء المعتدة لحقها في السكنى :

لو غاب من لزمته السكنى لمطلقته او منعها من السكنى الواجبة عليه اكترى القاضي من مال الزوج مسكناً لمعتدته ان كان له مال او اقترض عليه ما تسكن به ان لم يكن له مال او فرض القاضي اجرته لتأخذها منه اذا حضر . واذا اكترت من وجبت لها السكنى مسكناً بإذن زوجها او ورثته او بإذن القاضي او بدون اذنهما لعجزها عن استحصال اذن أحدهما رجعت عليهم بما دفعته من اجرة لمسكنها الذي استأجرته . ولو كان للمعتدة مسكن تملكه وارادت ان تسكنه وتأخذ اجرة ذلك من مطلقها جاز لها ذلك في حالة غيبة الزوج او في حالة امتناعه من تهيئة مسكن لها(8).

رابعاً – مسقطات سكنى المعتدة :

أ)تسقط بما تسقط به سكنى الزوجة :

ان المعتدة اذا وجبت لها النفقة ومنها السكنى كانت بمنزلة الزوجة التي لم تطلق، فما وجب للزوجة من النفقة يجب للمعتدة وما حرمت به من النفقة وهي زوجة تحرم به اذا كانت في العدة (9).

ب)يسقط حق السكنى بالنشوز :

ان من واجبات المعتدة بقاءها في مسكن العدة الى حين انقضاء عدتها . فإن خرجت منه من غير عذر شرعي عدت ناشزاً ويسقط حقها في السكنى وبقية النفقات الاخرى ، إذ جاء في مغني المحتاج ( تجب سكنى لمعتدة الطلاق ولو بائن الا ناشزة سواء أكان ذلك – أي نشوزها – قبل طلاقها ام في اثناء العدة . فأنها لا سكنى لها في العدة فان عادت الى الطاعة عاد حق السكنى لها ). وقد قضت بذلك محكمة النقض السورية بان ( نفقة العدة تسقط بالنشوز )(10). اما قانون الاحوال الشخصية العراقي فلم يجعل النشوز من مسقطات نفقة العدة ومنها السكنى إذ نصت المادة (50) منه على ( تجب نفقة العدة للمطلقة على زوجها الحي ولو كانت ناشزا ..) وحسناً فعل المشرع العراقي ، لان العرف لدينا جرى على ان تنتقل الزوجة المطلقة الى بيت اهلها في حال طلاقها. فلا تستطيع مخالفة هذا العرف والبقاء ساكنةً في مسكن مطلقها ، مما يقتضي فرض النفقة والسكنى لها حتى وان خرجت من مسكن العدة .

ج) سقوط حق السكنى بالخلع :

من الفقهاء من قال لا يصح الخلع على السكنى والابراء منه ، لان السكنى توجب حقً لله تعالى لقوله (( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة))(11). فلا يملك العبد اسقاطه(12). ومنهم من قال : انها لو اختلعت على ان لا سكنى لها ، فإن مؤنة السكنى تسقط عن الزوج ويلزمها ان تكتري بيت الزوج ولا يحل لها ان تخرج منه (13)، وهو الرأي الذي نميل اليه ، لان المخالعة على السكنى ما هي إلا اتفاق على نقل الالتزام بإسكان المعتدة على عاتقها بدلاً من الزوج ، وليس فيه اسقاط للسكنى او العدة ذاتها.

د) سقوط حق السكنى بانقضاء العدة :

ان العدة هي سبب وجوب السكنى وبقية النفقات الاخرى للمعتدة . وهي محددة بأجل معين . فإن انقضى اجلها انقضت العدة وتقطع نفقة المعتدة وسكناها تبعاً لذلك(14). هذا اذا هيأ الزوج المسكن واعتدت فيه المطلقة . اما اذا امتنع المطلق عن تهيئة المسكن وقضى به القاضي ، فأن أجرة المسكن تبقى ديناً في ذمة الزوج الى حين آداءها.

_____________________

[1]- قضت محكمة التمييز العراقية بأن ( نفقة العدة للزوجة المطلقة تقدر وفقاً لما تقدر به النفقة الشرعية حال قيام الزوجية ) قرار رقم 348 / شرعية /69/1969 . ابراهيم المشاهدي ، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز العراقية، مصدر سابق، ص 277 .

2- د. عبدالكريم زيدان ، المفصل في احكام الاسرة والبيت المسلم ، مصدر سابق ، ج9 ، ص 249 .

3- سورة الطلاق ، الآية (6) .

4- احمد نصر الجندي ، مبادى القضاء الشرعي في خمسين عام ، المجلد الاولى ، الطبعة الثانية ، ص ص 781 – 784

5- عبدالكريم زيدان ، المفصل في احكام الاسرة والبيت المسلم ، مصدر سابق ، ج9، ص 249 .

6- احمد نصر الجندي ، المصدر السابق ، ص 782 .

7- عبدالكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص 249 .

8- عبدالكريم زيدان ، المفصل في احكام الاسرة والبيت المسلم ، مصدر سابق ، ج9، ص 252 .

9- طه عبدالرزاق العاني ، كتاب النفقة من المحيط البرهاني في الفقه النعماني ، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية العلوم الاسلامية ، جامعة بغداد ، 1998 ، ص 162 .

0[1]- شمس الدين محمد ابن ابي عباس شهاب الدين الرملي ، نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ، ج7 ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، 1357هـ / 1938 ، ص 144.

1[1]- سورة الطلاق ، اية ( 1 )

2[1]- الكاساني ، بدائع الصنائع ، مصدر سابق ، ج3 ، ص 152 .

3[1]- ابن نجيم ، البحر الرائق ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 97 .

-4[1]- اديب استانبولي وسعدي ابو حبيب ، المصدر السابق ، ج1، ص 30 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .