والشكلية المتمثلة في الكتابة العرفية هي ((اشتراط أن يتم إنشاء التصرف بمحرر مكتوب موقع عليه من أطراف التصرف))(1). والتصرفات التي تشترط الكتابة العرفية لإنشائها عديدة، وقد تختلف في العدد من نظام قانوني إلى آخر، وهي من مثل: عقد تقرير المرتب مدى الحياة(2)، وموافقة شخص على قيام شخص آخر بالتأمين على حياته(3)، وعقد إنشاء ملكية الأسرة(4)، والتصرف في حقوق التأليف(5)، والتصرف الذي يكون موضوعه نقل ملكية المحل التجاري أو إنشاء حق عيني آخر عليه أو تأجير استغلاله(6)، وعقد نقل التكنلوجيا(7). أما التصرفات الشكلية التي تتطلب الكتابة العرفية لإنشائها في القانون الفرنسي فقد انتشرت في تشريعات عديدة وهي من مثل العقود التي تنقل الحقوق المرتبطة بطلب براءة اكتشاف، والرهن العقاري البحري والجوي، والعقود المتعلقة باستثمار سفينة مفرنسة وهي ما نصت عليها الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون الصادر في (3) كانون الثاني 1967، وكذلك عقد الإيجار حسب أحكام المادة الثالثة من قانون MEHAIGNERIE الصادر في 23 كانون الأول 1986(8). ويستلزم بحث الكتابة العرفية بوصفها صورة من صور الشكلية أن نسلط الضوء على ما ثار من اختلاف ، وأن نتعرف على شروطها ، وهذان موضوعان سنخصص لمعالجة كل منهما فرعا مستقلا فيما يأتي:

الفرع الأول : الاختلاف في شأن الكتابة العرفية

أن الفقه القانوني قد توزع بين مؤيد ومفند في شأن اعتبار الكتابة العرفية شكلا للتصرف القانوني، فثمة من قال بأن هذه الكتابة صورة من صور الشكلية، وثمة من ذهب إلى نفي ذلك، بل إن الجدل الذي احتدم في شأنها قد امتد ليشمل طبيعتها وما إذا كان من اللازم أن تعد هذه الكتابة مسبقا للتصرف القانوني أم أن أي كتابة تصلح أن تكون شكلا للتصرف وهو ما نتناوله في الفقرتين الآتيتين:

أولاً: الاختلاف في اعتبار الكتابة العرفية من صور الشكلية

ذهب بعض الكتاب إلى أن الكتابة العرفية لا تكون لازمة لانعقاد التصرفات القانونية ومن ثم لا تجعل من التصرف القانوني تصرفا شكليا، وأن الكتابة الرسمية هي الصورة الوحيدة للشكلية التي اشترطها المشرع(9). ويتمخض هذا الرأي، فيما يبدو، عن التضييق من نطاق الشكلية خلافا لموقف غالبية الفقه الذي يتمثل في محاولة توسيع نطاق الشكلية بغية تحصيل المزايا التي تتحقق من وراء ذلك، فوسائل الصياغة الفنية إنما تهدف أساسا إلى تقيد الإرادة بهدف تحقيق المزيد من التوازن بين المذهبين الشخصي والموضوعي في التصرف القانوني(10). كما أن هذا الاتجاه لا يقوم على أساس قانوني صحيح وذلك لأنه ليس هناك مبرر معقول لقصر الشكلية على الكتابة الرسمية دون الكتابة العرفية، ولو بحثنا عن الأسباب التي دعت إلى اعتبار الكتابة الرسمية شكلا للتصرف القانوني لوجدناها بأجمعها متوافرة في حالة الكتابة العرفية، فالكتابة، سواء كانت رسمية أم عرفية، إنما هي صورة من صور التعبير عن الإرادة يفرضها المشرع، وهي لازمة، في أي من وصفيها هذين، لانعقاد التصرف، فإذا تخلفت بطل هذا التصرف. أما القول بأنه ((ليس هناك عقود يشترط القانون لانعقادها تحرير عقد عرفي))(11)، فهو محض مخالفة صريحة للنصوص القانونية ذاتها(12)، بل إن من شأنه أن يجعل العقود التي استلزم المشرع صبها في صورة كتابة عرفية عقودا رضائية، وأن لا تشترط الكتابة إلا لإثبات العقد وهذا شئ لم يقل به أحد غيره. ويبدو لنا أن مبعث مجانبة الصواب في هذه الوجهة هو أن الكتابة العرفية قد اعتبرت لازمة لإثبات العقد دون انعقاده أو بمعنى آخر أنها تشترط لإثبات العقد دون أن تكون ركنا في انعقاده، الأمر الذي جعل من المستبعد أن تكون صورة من صور الشكلية، وهو ما يوضح الأسس غير الصحيحة التي استندت إليها هذه الوجهة، فمثل هذه الأسس أو المقدمات لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحيحة.

ثانياً: الاختلاف في ضرورة إعداد الكتابة مسبقا لإنشاء العقد

فرض المشرع في نطاق هذه الصورة من الشكلية أن يتم العقد كتابة، ويتبادر السؤال هنا: أ يؤخذ مصطلح ((كتابة)) بمعناه المطلق بحيث تصلح أي كتابة لإنشاء العقد أم يلزم أن تكون هذه الكتابة الصالحة لإنشاء العقد قد أعدت مسبقا؟ إن القضاء الفرنسي يرى، كما يبدو، أن الكتابة بصفة عامة يمكن أن تعد شكلا للعقد، ويظهر ذلك من اعتداده بالوصية المحررة بخط كاتبها في صورة رسالة بشرط أن يكون محررها قد قصد إنشاء وصية صحيحة من حيث الشكل(13). ولعل مما يدعم هذا المنحى أن القوانين الحديثة لا تبين ماهية الكتابة المطلوبة صراحة ولا ضمنا وأن الشكل يمكن أن يكون عاديا جدا، وأن أي مستند خطي يمكن أن يكون كافيا(14). إلا أن بعض الكتاب يرى أن مثل التوجه لا يمكن الأخذ به وذلك لأن المشرع إنما استلزم كتابة معينة بالذات وهي الكتابة المعدة لإنشاء التصرف وليس أي كتابة أخرى. كما يصعب التوصل في كثير من الأحيان إلى معرفة مبعث ما صدر من الشخص الذي وقع على الرسالة: أهو إرادة قد اتجهت إلى إنشاء التصرف أم هو مجرد رغبة في إبرام تصرف يعقد فيما بعد(15)، وهناك من ذهب إلى أن المسألة تتحدد بكل نص يتطلب الكتابة على حدة(16). كما أن هناك من يقول(17)، بضرورة التمييز بين أمرين: يتعلق أولهما بالشكل الخارجي الذي يجب أن تفرغ فيه الكتابة العرفية المطلوبة بوصفها شكلا للتصرف، وأما الأمر الثاني فهو تحديد التكيف القانوني لمضمون الكتابة الواردة في خطاب وعما إذا كانت تعد بمثابة تعبير نهائي عن الإرادة، أم مجرد دعوة أو إظهار رغبة في التعاقد، وهذه مسألة موضوعية. وان هاتين المسألتين لا ينبغي الخلط بينهما، ومن هنا يرى هذا الاتجاه ((أن الكتابة العرفية المطلوبة كشكل للتصرف القانوني وان كان المشرع لم يحدد لها إطاراً أو شكلاً محدداً، حيث يكتفي بمجرد استلزام الكتابة فإن هذه الكتابة لا بد أن تكون مقصودة لأن المشرع بإقراره شكلا للتصرف فانه يهدف إلى حماية إرادة المتصرف، وهذا الهدف يقتضي القول بضرورة أن تكون الكتابة العرفية محررة بقصد إبرام التصرف القانوني، بمعنى أن تكون معدة خصيصا لهذا الغرض أي بقصد استيفاء الشكل القانوني اللازم للتعبير عن الإرادة. فإذا توافر في الكتابة وكان المتصرف يقصد بها التعبير عن إرادته تعبيرا قانونيا فإنها تعد شكلا للتصرف، وبصرف النظر عما إذا كانت هذه الكتابة قد جاءت في تصرف مثبت أم جاءت في رسالة، فالمهم أن تكون الكتابة مقصودة من جانب المتصرف ومحررة باعتبارها شكلا للتعبير عن الإرادة))(18).ولكن ثمة استدراكا يرد على هذا الرأي وهو أنه إذا جاءت الكتابة العرفية في صورة رسالة فان توافر ما سبق ذكره يكون محلا للشك، الأمر الذي يجب معه ترك المسألة لسلطة القاضي التقديرية ليحدد ما إذا عدت الكتابة الواردة شكلا أم لم تعد(19). ويبدو أن هذه المسألة قد جاءت على غرار ما هو معروف في نطاق الإثبات بالمحررات العرفية من تفرقة بين المحررات المعدة للإثبات وبين المحررات العرفية غير المعدة للإثبات كالرسائل والبرقيات، وما إذا كانت هذه الأخيرة تصلح أن تكون شكلا للتصرف القانوني. كما ناقش بعض الكتاب مسألة التوقيع على المحررات من النوع السابق، وهل يعد شرطا لاعتبار الكتابة العرفية شكلا للتصرف. ونعتقد من جانبنا أن محاولة القياس على أساس التفرقة بصدد الإثبات بالمحررات إنما هي محاولة غير دقيقة نظرا لاختلاف النظام القانوني للكتابة بوصفها صورة من صور الشكل عن تلك الكتابة المطلوبة لإثبات التصرف(20). إذ أن طبيعة كل منهما تأبى مثل هذا القياس، فالكتابة العرفية هي عنصر في التصرف الشكلي لا بد من توافرها بالصورة التي أرادها المشرع لكي ينشأ هذا التصرف. في حين أن الكتابة في نطاق الإثبات تفترض وجود تصرف قانوني صحيح تعمل الكتابة على إثبات وجوده، لذلك فلا فرق بين أن تكون الكتابة قد أعدت في الأصل لإثباته فعلا وبين أن تكون قد جاءت في صورة أخرى يمكن من خلالها الاستدلال على التصرف القانوني. بيد أن مثل هذا الأمر لا يمكن قبوله في ظل الشكلية، إذ أن الكتابة وهي تعبير عن الإرادة عنصر جوهري في التصرف لا بد من توافره على نحو يحقق الغاية منه: ومنها تنبيه أطراف التصرف على خطورة ما يقدمون عليه مما يلزم معه التأني والتفكير بترو. ونعتقد أن التفصيل ضروري في هذا النطاق، فالتساؤل عما إذا كان من اللازم أو غير اللازم أن تكون الكتابة قد أعدت خصيصا لإنشاء التصرف إنما هو تساؤل لا يمكن أثارته عندما نكون بصدد عقد من العقود ذات الطبيعة الشكلية التي تفرض الكتابة العرفية لإنشائه، وذلك لأن العقد بصورته العملية لا يتم في الغالب دفعة واحدة وإنما يمر بمراحل من المفاوضات إلى أن يصل إلى الاتفاق النهائي على إبرامه، لذلك فان الكتابة هنا تعد خصيصا لإبرام العقد، وتكون موقعة من قبلهم لأن التوقيع يعد دليل على رضا كل منهم. أما بالنسبة إلى التصرف بالإرادة المنفردة فهو النطاق الذي يمكن أن يثار فيه التساؤل السابق. ونعتقد أنه حتى في إطار التصرف بالإرادة المنفردة فان الكتابة يجب أن تعد خصيصا لهذا التصرف، ولا يمكن الاستناد إلى أن المشرع قد استلزم الكتابة بصورة مطلقة دون أن يحدد ماهيتها، وذلك لأن مثل هذا القول ينسف أساسا الغرض من فرض الشكل، كما أن المشرع يسعى في الغالب عند فرضه شكلية الكتابة العرفية إلى تحديد ضوابط لهذه الكتابة، ومثال ذلك الأوراق التجارية، والوصية الخطية في القانون الفرنسي. وعلى ذلك نرى أنه يجب أن تكون الكتابة العرفية معدة خصيصا لإنشاء التصرف الشكلي، سواء كان عقدا أو تصرفا بإرادة منفردة، ولا يعد شكلا ومن ثم لا يكون للتصرف القانوني وجود عندما يكون هذا التصرف قد جاء في صورة رسالة موقعة كانت أو غير موقعة. ولا يمكن ترك تقدير ذلك لقاضي الموضوع، إذ أن من شأن ترك تحديد ماهية الشكل لسلطة القاضي أن يزعزع استقرار المعاملات، إذ قد يؤدي إلى اختلاف الحكم المقرر لحالة واحدة.

الفرع الثاني : شروط الشكلية في الكتابة العرفية

لا تتحقق الشكلية في الكتابة العرفية إلا بتوافر شرطين هما الكتابة، والتوقيع، وسنتناولهما تباعا فيما يأتي:

أولاً: الكتابـــة

تعرف الكتابة بأنها (تصوير مادي ظاهر وثابت للفظ بحروف الهجاء، وذلك في صورة تسطير للحروف وجمعها في الورقة بشكل يمكن التعرف عليه وبالتالي التعرف على إرادة الشخص الذي سلك طريق الكتابة أسلوباً للتعبير عن إرادته)(21). وبقدر تعلق الأمر بالشكلية فإن تحديد ماهية الكتابة اللازمة لتحققها ينبسط على صورتين، وسنعرض بالتبيان لكل منهما:

الصورة الأولى

لا يشترط في الكتابة العرفية، في هذه الصورة، سوى أن تكون ثابتة الأثر(22)، إذ ليس هناك شروط خاصة بها لا من حيث الصيغة ولا من حيث طريقة التدوين ولا من حيث المدون، فكل كتابة تفيد إبرام التصرف القانوني تعد مقبولة بوصفها شكلا لذلك التصرف أيا كانت صيغة التدوين أو لغة التعبير، وبصرف النظر عما إذا كانت قد دونت بالحبر أو الرصاص، وبخط اليد، أو الطبع، وبصرف النظر عما إذا كان الخط خط المدين أو خط غيره ولو كان هذا عديم الأهلية. فالأمر المهم هو التعبير عن إرادة الطرفين والكتابة وسيلة لذلك(23). ولا يشترط أن تكون الكتابة على الورق وإنما يجوز أن تكون على الخشب أو الحجر أو قطعة من المعدن أو من القماش(24). ولا يلزم لصحة الكتابة أن يتلى مضمونها على العاقدين، وتصح الكتابة الموقع عليها بتوقيع الأعمى أو من يجهل القراءة والكتابة(25). كما لا يعد تاريخ المحرر شرطا لصحة الكتابة العرفية(26).

الصورة الثانية

لا يكتفي المشرع في بعض التصرفات الشكلية بالكتابة العرفية على النحو الذي تقدم ذكره، وإنما استلزم لهذه الكتابة استيفاء شروط معينة انصبت في بعض التصرفات على مضمون الكتابة، واتصلت في تصرفات أخرى بمن يتولى تدوينها، ونعرض لكل من هذين الأمرين في فقرة مستقلة:

1. التصرفات الشكلية التي يشترط فيها مضمون بياني معين

لم يكتف المشرع في بعض التصرفات القانونية بمجرد الكتابة العرفية وإنما استلزم إلى جانب ذلك أن تتضمن هذه الكتابة بيانات معينة يترتب على تخلفها بطلان التصرف الشكلي(27). ومن هذه الصورة التصرف في الحق المالي للمؤلف، فهو من التصرفات الشكلية التي لا تنعقد إلا بالكتابة(28). ولكن هذه الكتابة لا يمكن أن تؤدي دورها بوصفها عنصرا في العقد إلا إذا جرى فيها تحديد صريح وتفصيلي للحق محل التصرف، وتم بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه(29). ومن هذه التصرفات أيضاً الأوراق التجارية، فهي تصرفات شكلية استلزم المشرع إلى جانب تحريرها في صورة كتابة عرفية أن تنطوي الكتابة على بيانات معينة تمثل ((المضمون البياني للشكلية الصرفية))(30)، وتتمثل في البيانات الإلزامية التي أوجب المشرع توافرها في الورقة التجارية، إذ أن التصرف لا ينشأ ما لم توجد هذه البيانات مكتوبة بشروطها القانونية على الورقة(31). ومن هذه البيانات على سبيل المثال ما استلزمه المشرع في إنشاء السفتجة من إدراج لفظ حوالة تجارية أو سفتجة مكتوبة في متن الورقة وباللغة التي كتب بها، وبيان أمر غير معلق على شرط بأداء مبلغ معين من النقود، واسم من يؤمر بالأداء، وميعاد الاستحقاق، ومكان الأداء، واسم من يجب الأداء إليه أو لأمره، وتاريخ إنشاء الحوالة ومكان إنشائها، واسم وتوقيع من انشأ الحوالة(32).وبالنسبة إلى تظهير الورقة التجارية فانه يجب أن يكون مكتوبا على الورقة التجارية ذاتها أو على ورقة متصلة بها، ويوقع من قبل المظهر(33)، وإذا كان التظهير للتوكيل فيجب أن يتضمن عبارة (القيمة للتحصيل) أو (القيمة للقبض) أو (للتوكيل) أو أي عبارة تفيد معنى التوكيل(34). أما إذا كان التظهير للضمان فيجب أن يتضمن عبارة (القيمة للضمان) أو (القيمة للرهن) أو ما يفيد هذا المعنى(35).

2. تحرير الكتابة بخط اليد

أوجب المشرع الفرنسي لصحة بعض التصرفات القانونية الشكلية أن تكون محررة بخط اليد، فالمادة 97 من القانون المدني الفرنسي قد اشترطت لصحة الوصية الخطية أن تكون محررة بالكامل بخط يد الموصي، والمادة (3) من المرسوم الصادر في 24/3/1978 بشأن القرض للاستهلاك قد اشترطت على المشتري الذي يطلب تسليم المال فوراً أن يضع في عقد البيع طلبا محرراً بخط يده يحدد فيه محتواه(36).

ثانياً: التوقيــــع

يعد التوقيع عنصرا أساسيا في إنشاء الكتابة العرفية(37)، وذلك لأن وجود التوقيع يفيد موافقة صاحب التوقيع على ما جاء في المحرر الذي قام بتوقيعه، فالتوقيع يشير إلى توافق الإرادة الداخلية للموقع مع الالتزامات الظاهرية الواردة في المحرر(38). ويكون التوقيع في القانون العراقي بطريقتين: هما الإمضاء، وبصمة الإبهام، فقد نصت المادة (25/أولا) من قانون الإثبات العراقي على أنه ((يعتبر السند العادي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو بصمة إبهام))(39).وفيما يلي نبحث هاتين الطريقتين على التتالي:-

1. الإمضــــاء

يعرف الإمضاء بأنه ((إشارة أو أي اصطلاح خطي يختاره الشخص بمحض أرادته للتعبير عن صدور المحرر منه وموافقته على ما يقوم به من التزامات أو تصرفات قانونية))(40). ويشترط في الإمضاء أن يكون بخط الموقع، والإمضاء عمل شخصي لا تصح فيه النيابة، ولا يمكن أن يصدر إلا من صاحبه ولذلك فلا يعتد في هذا الشأن بتوقيع الوكيل نيابة عن الأصيل(41). كما يجب أن يكشف التوقيع بصورة واضحة عن شخصية موقعه، ومن هنا فقد اشترط أن يتضمن الإمضاء اسم الموقع ولقبه بكامل حروفهما(42)، ولكن يكفي أن يكون الإمضاء بالاسم الذي اشتهر به الشخص، أي الاسم الذي اعتاد التوقيع به إذ لا يشترط أن يشتمل الإمضاء على الاسم المثبت في السجلات الرسمية(43). وحيث أن التوقيع يدل على اعتراف الموقع بالموافقة على مندرجات السند الذي وقع عليه فان التوقيع يرد في الغالب أسفل السند للدلالة على القبول بجميع البيانات الواردة فيه. إلا أن ذلك لا يعد مانعا من أن يرد التوقيع في أي موضع آخر(44). وإذا كان السند مؤلفا من عدة أوراق فانه يلزم في هذه الحالة التوقيع في آخر كل ورقة من الأوراق(45).

2. بصمة الإبهام

أجاز المشرع العراقي التوقيع بطريقة بصمة الإبهام، إلا أنه اشترط لذلك أن يتم بحضور موظف عام مختص أو بحضور شاهدين يوقعان على السند(46). والحقيقة أن حضور الموظف العام أو الشاهدين إنما هو شرط لوجود التوقيع ذاته وليس لإثبات التوقيع(47)، وفي هذا الاتجاه قررت محكمة التمييز ((… أن سند الكمبيالة المؤرخ في 13/7/1984 الموقع ببصمة إبهام المميز عليها والذي استندت إليه المميزة بإثبات الدعوى لا يعتد به قانونا بموجب المادة 42/أولا من قانون الإثبات لكونه لم يتم بحضور موظف عام مختص أو بحضور شاهدين وقعا عليه وما دام السند المذكور هو الدليل التحريري الوحيد الذي تتمسك به المميزة لإثبات الدعوى والمبلغ المدعى به لا يجوز إثبات إشغال ذمة المميز عليها به بالبينة الشخصية لكونه يزيد على خمسين دينارا كما لا يجوز قانونا سماع البينة الشخصية لإثبات توقيع المميز عليها ببصمة إبهامها على السند الكمبيال المبرز لأن المادة 42/أولا قيدت ذلك بقيد احترازي إذ جاء فيها (أو بحضور شاهدين وقعا على السند) فهذا القيد الاحترازي يستلزم توقيع الشاهدين على السند لا مكان الاعتداد به والتعويل عليه قانونا…))(49). والسبب في قبول مثل هذا الأسلوب في التوقيع أنه يدل بصورة جازمة على شخصية من صدر منه وذلك لأن العلم قد أثبت أن بصمات الأصابع لا يمكن أن تتشابه لدى شخصين في هذا العالم(50). وإذا اشترط المشرع وقوع البصمة بحضور الموظف أو الشاهدين فإن الغاية هي ضمان إدراك الشخص ومعرفته بمحتويات السند الذي وضع بصمته عليه ومن ثم سد ذريعة عدم العلم بمضمون السند(51). وفي هذا الاتجاه جاءت قرارات محكمة التمييز، فقد قضت ((… وحيث تبين لهذه المحكمة أن سندي الكمبيال اللذين اعتمدهما المدعي في دعواه قد بصما ببصمة إبهام وكيلة المدعى عليها المسماة ز. ش. ووقع على السندين المذكورين كل من الشاهدين س. س. زوجة المدعي، و خ. ع. ح. المصري الجنسية وأن محكمة الاستئناف قد استمعت إلى شهادة الشاهدة س. س. التي أفادت أنها وقعت على السند كشاهدة على توقيع الوكيلة ز. ش. وإنها لم تشاهد قبض المبلغ ولم تشاهد الشاهد الثاني يوقع على السند المذكور وتعذر سماع الشاهد خ. ع .ح. المصري الجنسية لمغادرته العراق وحيث أن الغرض الذي قصده المشرع بحضور شاهدين عند توقيع السند ببصمة الإبهام المنصوص عليه في المادة 42/أولا من قانون الإثبات هو أن يكون الموقع على السند عالما بما يتضمنه السند المذكور وأنه يرتب التزاما بذمته لجهل الموقع القراءة والكتابة ولذلك يكون السندان المذكوران قد فقدا الشكل القانوني الذي أوجبه المشرع لاعتبارهما دليلا كافيا لإثبات الادعاء…))(52). ولعل مما يجدر بالذكر هنا أن المشرع لم يحدد ما إذا كانت البصمة هي بصمة الإبهام في اليد اليمنى أم اليد اليسرى، وهذا يعني جواز استخدام بصمة إبهام اليد اليسرى أو اليد اليمنى، ولكن الغالب استعمال إبهام اليد اليسرى وذلك لوضوح الخطوط المرسومة عليها، فهذه اليد لا تتعرض لاحتكاك كبير نتيجة للاستعمال اليومي وذلك على خلاف اليد اليمنى.

_________________________

– د. عبد الرشيد عبد الحافظ : المرجع السابق ، ص 51 .

2- انظر المادة ( 979) مدني عراقي ، والمادة ( 743 ) مدني مصري .

3- انظر المادة ( 992 ) مدني عراقي ، والمادة ( 755 ) مدني مصري .

4- انظر المادة ( 851 ) مدني مصري .

5- انظر المادة (38) من قانون حماية حق المؤلف العراقي رقم3 لسنة 1973، والمادة (37) من قانون حماية حق المؤلف المصري رقم 354 لسنة 1954 .

6- فقد نصت المادة (38) من قانون التجارة المصري رقم17 لسنة 1999 على أنه ((كل تصرف يكون موضوعه نقل ملكية المتجر أو إنشاء حق عيني عليه أو تأجير استغلاله يجب أن يكون مكتوبا وإلا كان باطلا)).

7- فقد نصت المادة (74/1) من قانون التجارة المصري على أنه ((يجب أن يكون عقد نقل التكنلوجيا مكتوبا وإلا كان باطلا)).

8- انظر غستان: المرجع السابق، فقرة (439)، ص449–450 .

9- د.محمد علي عرفة: مبادئ العلوم القانونية، ط2، القاهرة، 1951، ص355، وانظر كذلك ص356
حيث يقول: ((ليس هناك عقود يشترط القانون لانعقادها تحرير عقد عرفي)).

0- hauser (jean) : objectivsme et subjectivisme dans le acte juridique

these paris 196 9– no 95 – p 153

1- وهو قول الكاتب الذي أشرنا إليه قبل قليل .

2- فالكاتب مصري، والقانون المدني المصري يضم العديد من النصوص في هذا الشأن ومن ذلك نص المادة 743 في شأن المرتب مدى الحياة إذ جاء فيها: ((العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحا إلا إذا كان مكتوبا، وهذا دون إخلال بما يتطلبه القانون من شكل خاص لعقود التبرع)).

3- انظر غستان: المرجع السابق، فقرة (448)، ص461 .

4- المرجع نفسه ، فقرة ( 448 ) ، ص 462 .

5- Guerriero : Op . Cit.، pp 323 – 324 .

6- غستان : المرجع السابق ، ص 462 – 463، حيث يقول ((فإذا اتخذنا البيانات الإعلامية التي فرضتها المادة (47) من قانون (18) كانون الأول 1966 على سند الرحلة. فليس من الأكيد أن تطلب التوقيع من شأنه أن يعزز وبشكل محسوس فعالية هذه الأحكام، فالمسافر عموما الذي يدفع بدل النقل هو واع تماما أنه يتعهد مع أنه لا يضع توقيعه على السند المسلم إليه في هذه الآونة. وتطرح المسألة على وجه الخصوص في قانون (10) كانون الثاني1978 ومرسوم (24) آذار1978 اللذين ينظمان الائتمان للاستهلاك. فهذان النصان لا يستهدفان بالفعل إلا الإيجاب المسبق أي المطبوعة التي يستلمها المقترض. غير أن هذا الإيجاب الذي لا يمكن أن يعد له فاعل الإيجاب في مهلة خمسة عشر يوما (المادة5)، يكون العقد بتوقيع المقترض. والعقود النماذج التي يفرضها مرسوم1978 تحوي جميعا مكانا لتاريخ تسليم الإيجاب وتوقيع المقرض وكذلك قبول المقترض وتوقيعه، فالمقصود بالتالي عقود ذا توقيع خاص)).

7- د . ياسر الصيرفي : المرجع السابق ، ص 344 – 345 .

8- ياسر الصيرفي : المرجع السابق ، ص 344 .

9- المرجع نفسه ، ص 345 .

20- انظر ما سبق ص74 وما بعدها.

2- أستاذنا د. فائق محمود الشماع: الشكلية في الأوراق التجارية، مجلة القانون المقارن، العدد (20)، السنة (22)، 1987، ص137.

22- ويقصد بالثبات هنا:الثبات النسبي بحيث يمكن التعرف عليها.انظر أستاذنا د.فائق الشماع: المرجع السابق،ص137.

23- انظر د. السنهوري: المرجع السابق، فقرة (106)، ص178. د. أحمد نشأت: المرجع السابق، فقرة (176)، ص165. الأستاذ حسين المؤمن: المرجع السابق، ص293.

24- أ. حسين المؤمن: المرجع السابق، ص293 د. عباس العبودي: أهمية السندات العادية في الإثبات القضائي، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة بغداد، 1984، ص19.

25- انظر د. أحمد نشأت، ج1، المرجع السابق، فقرة (182) ص184 حسين المؤمن: المرجع السابق، ص294.

26- على الرغم من أهمية تاريخ المحرر من الناحية العملية ، ويندر، في الحقيقة، أن يغفل المتعاقدان هذا التاريخ. انظر د. السنهوري: المرجع السابق، فقرة (104)، ص179. حسين المؤمن: المرجع السابق، ص295.

27-ومن هذه التصرفات في القانون الفرنسي عقد إيجار السكن، فالمادة (3) من قانون MEHAIGNERIE
بتاريخ 28/كانون الأول 1986، تفرض إدخال بعض البيانات الإعلامية في عقد الإيجار الذي يجب
أن يحرر في مستند خطي. انظر في تفصيل هذه التصرفات في القانون الفرنسي: غستان: المرجع السابق، ص456–457.

28- انظر زهير البشير: الملكية الأدبية والفنية، حق المؤلف، طبع وزارة التعليم العالي، الموصل، 1989، ص78.

29- انظر المادة (38) من قانون حماية حق المؤلف العراقي، والمادة (37) من قانون حماية حق المؤلف المصري.

30- أستاذنا د. فائق الشماع: المرجع السابق، ص143.

31- انظر د. فائق الشماع: المرجع السابق، ص148.

32- انظر المادة (40) من قانون التجارة العراقي، وانظر منه كذلك المادتين (133–14) فيما يتعلق بإنشاء السند لأمر، والمادتين (137–138) فيما يتعلق بالصك.

33- انظر المادة (53/ أ) من قانون التجارة العراقي .

34- المادة (58) من قانون التجارة العراقي .

35- المادة (59) تجارة–عراقي، وهو ما عليه الحال فيما يتعلق بالتصرفات الأخرى التي ترد على الورقة التجارية، فبالنسبة إلى القبول في الورقة انظر المواد (75، 199)، وبالنسبة إلى الضمان انظر المادة (81)، وبالنسبة إلى الوفاء انظر المواد (89، 90، 124).

36- انظر غستان: المرجع السابق، ص458 .

37- انظر الأستاذ حسين المؤمن، المرجع السابق،ص298. د. آدم وهيب النداوي: المرجع السابق، ص(107–108).

38- انظر د.السنهوري: المرجع السابق، فقرة(106)ص176. د. أحمد نشأت: المرجع السابق، فقرة 174)ص164.

39- في حين أضاف المشرع المصري الختم باعتباره طريقة من طرق التوقيع، فقد نصت المادة (14/1) من قانون الإثبات المصري على أنه ((يعتبر المحرر العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة إبهام)). وقد ألغى المشرع العراقي التوقيع عن طريق الختم فقد نصت المادة (42/ثانيا) على أنه ((لا يعتد بالسندات التي تذيل بالأختام الشخصية)).

40- حسين المؤمن، المرجع السابق، ص303.

41- انظر د.السنهوري المرجع السابق، فقرة (106)، ص178. حسين المؤمن: المرجع السابق، ص301. د. آدم وهيب النداوي: المرجع السابق، ص108. د. عصمت عبد المجيد بكر: المرجع السابق، ص105.

42- انظر د. السنهوري: المرجع السابق، فقرة (106)، ص178 حاشية رقم (2). د. توفيق حسن فرج: المرجع السابق، فقرة (37)، ص68.

43- انظر المراجع ذاتها .

44- انظر حسين المؤمن: المرجع السابق، ص301 . د. سعدون العامري: المرجع السابق، ص52.

(45- د . آدم وهيب النداوي : المرجع السابق، ص 108 .

46- انظر المادة (42/أولا ) إثبات – عراقي .

47- انظر د . فوزي محمد سامي، د . فائق الشماع: الأوراق التجارية، جامعة بغداد، 1989، ص84.

48- قرار رقم 263/استئنافية/85084 في 28/4/1986، أورده المشاهدي: المختار، قسم الإثبات المرجع السابق ص149–150.

49- انظر د. آدم وهيب النداوي: المرجع السابق، ص93.

50- انظر د. آدم وهيب النداوي: المرجع السابق، ص93.

51- قرار رقم308/موسعة أولى/92 في15/11/1992 أورده المشاهدي: المختار، قسم الاثبات، المرجع السابق،ص37.

52- انظر د. فوزي محمد سامي، د. فائق الشماع : المرجع السابق، ص 84 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .