ان حق الزوجة في السكنى باعتباره جزءاً من النفقة يسري عليه ما يسري على النفقة من احكام تتعلق بوقت وكيفية وجوبها وشروط استحقاقها . فالزوج ملزم من حين العقد باعداد مسكن شرعي لزوجته وتمكينها من الانتفاع به ، وهو ما يطلق عليه فقهاً بنفقة التمكين ، فان امتنع عن ذلك ورفعت الزوجة امرها الى القضاء فرض القاضي لها اجرة مسكن فضلاً عن بدل النفقات الاخرى ، وهو ما يطلق عليه بنفقة التمليـك(1). ولاستحقاق الزوجة للسكنى او اجرتها وبقية النفقات الاخرى لا بد من توافر شرطين اساسيين هما :

أولاً – ان يكون عقد الزواج صحيحاً .

ثانياً – ان يتحقق احتباس الزوج لزوجته . بان تكون الزوجة مستعدة للدخول في طاعته ، وغير ممتنعة عن الانتقال اليه في بيته(2)، وان لا تخرج منه بعد دخولها دون عذر شرعي وان تخلي الزوجة بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها او الاستمتاع بها اذا كان المانع من قبلها او من قبل غير الزوج(3). وبناءاً على هذين الشرطين نبين فيما يأتي الزوجات اللواتي ليس لهن الحق في السكنى اضافة لعدم استحقاقهن للنفقة .

أولاً- المعقود عليها بعقدٍ فاسد او باطل الموطوءة بشبهة :

لا تستحق أي منهن السكنى لتخلف شرط وجوبها وهو صحة عقد النكاح وما يقتضيه من وجوب التفريق بينهما ، وهو ما يؤدي بالضرورة الى فوات احتباس الزوج لزوجته ، وهو ما اجمع عليه الفقهاء واجمعت عليه قوانين الاحوال الشخصية العربية المقارنة باستثناء مشروع القانون العربي الموحد . فقد قال الشافعي : ( كل وصفٍ من متعة او نفقة او سكنى فليست الا في نكاح صحيح )(4). وقال ابن قدامة : ( ولا تجب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لانه ليس بينهما نكاح صحيح . فان طلقها او فرق بينهما قبل الوطء فلا عدة عليها ، وإن كان بعد الوطء فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى)(5). وبالنسبة لمواقف القوانين العربية المقارنة من ذلك . فانها لم تنص صراحةً على عدم استحقاق المعقود عليها بعقدٍ فاسد او باطل للسكنى ولكن يمكن ان نستشف ذلك من خلال النصوص المتعلقة بالنفقة باعتبار السكنى جزءاً منه . فقد نصت المادة (23) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ في فقرتها الاولى على انه (1- تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت اهلها الا اذا طالبها الزوج بالانتقال الى بيته فامتنعت بغير حق) ، والواضح من هذا النص ان الزوجة تستحق النفقة (ومنها السكنى) بموجب العقد الصحيح فان كان العقد فاسداً او باطلاً او كانت الزوجة موطوءةً بشبهة ، فانها لا تستحق السكنى وبقية النفقات الاخرى وفقاً لمفهوم المخالفة لهذا النص ، كما نصت على ذلك المادة (72) من قانون الاحوال الشخصية السوري في فقرتها الاولى على انه (1-تجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح …) كما نصت المادة (2) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم (44) لسنة 1979 على انه (تجب النفقة للزوج على الزوجة من حين العقد الصحيح…) . كما نصت المواد (41) و (42) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ صراحةً على عدم استحقاق المعقود عليها بعقدٍ باطل او فاسد للنفقة(6). اما مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية فانه . اعطى في المادة (46/د) منه للمعقود عليها بعقدٍ فاسد حق النفقة (ومنها السكنى) اذا كانت المرأة جاهلةً فساد العقد وتم الدخول بها (7). ونود ان نشير هنا الى انه اذا فرض القاضي للزوجة على زوجها اجرة مسكن وبدل النفقات الاخرى ثم تبين بعد ذلك فساد العقد فرق القاضي بينهما ، وللزوج الرجوع عليها بما دفعه لها(8) . (ومنها السكنى) .

ثانياً – الزوجة الصغيرة :

ميز الفقهاء بين ثلاث حالات في مسألة الزوجة الصغيرة وهي :

1 – الصغيرة التي تصلح للمعاشرة الزوجية ، وقد سلمت نفسها الى الزوج تستحق بقية النفقات الاخرى ، شأنها في ذلك شأن الزوجة الكبيرة(9).

2 – صغيرة تصلح للخدمة والاستئناس دون المعاشرة الزوجية .

قال قسم من الفقهاء انها لا تستحق النفقة ومنها ( السكنى ) لعدم امكان استيفاء ما يمكن استيفاؤه من الزوجة(10). وقال بعضهم ان اراد الزوج امساكها وهيأ لها مسكناً اسكنها فيه وجبت عليه السكنى وبقية النفقات الاخرى ، وان شاء ردها الى بيت اهلها دون إلزامه بشيء من نفقتها(11). والواضح من هذين القولين انهما مختلفان في التفصيل ومتفقان من حيث عدم وجوب السكنى للزوجة ان كانت غير قادرة على المعاشرة الزوجية .

3 – الصغيرة التي لا تصلح للمعاشرة الزوجية ولا للخدمة او الاستئناس .

لا تجب لها السكنى وبقية النفقات الاخرى باتفاق جميع الفقهاء(12) ، ولم يخالف في ذلك الا ابن حزم ، اذ قال بوجوب نفقة الزوجة على زوجها ومنها السكنى بمجرد العقد عليها صغيرة كانت ام كبيرة(13) .

ويقول الاستاذ عبد الكريم زيدان في ترجيحه لرأي ابن حزم ( والراجح وجوب نفقة الصغيرة ( ومنها السكنى ) حتى لو لم تكن صالحة للوطء لان الزوج عندما عقد عليها كان يعلم انها صغيرة لا تطيق الوطء فكان ذلك رضاً منه بالتسليم الناقص )(14) ، وهو ما تنفق معه في ترجيحه ، لان الانثى تسقط نفقتها عن ابيها او من يعيلها بزواجها ، فان تزوجت كانت نفقتها على زوجها(15) ، فان سقطت عن زوجها ايضا لصغرها فألى من تكل نفسها وخاصةً اذا كانت عاجزة عن الكسب لصغر سنها ؟ وعلى الرغم من ان معظم قوانين الاحوال الشخصية المقارنة لم تتضمن نصاً حول مسألة نفقة الصغيرة ومنها السكنى . فان محكمة التمييز العراقية قضت بان (الزوجة الصغيرة تستحق النفقة منذ ان تكون اهلاً للقيام بالواجبات الزوجية كما تستحق النفقة المستمرة حتى اعداد البيت الشرعي لمحل سكنى الزوج ما لم تشترط في العقد السكنى في محل معين)(16). وقضت بان (الزوجة الصغيرة لا تستحق النفقة الا من تاريخ اهليتها للزواج ويعتبر البلوغ الشرعي من دلالات ذلك)(17) ، ونستشف من هذين القرارين ان القضاء العراقي اشترط لاستحقاق الزوجة الصغيرة للنفقة (ومنها السكنى) ان تكون صالحة للمعاشرة الزوجية .

ثالثاً – الزوجة المريضة :

يميز الفقهاء في مسألة الزوجة المريضة ومدى استحقاقها للنفقة ومنها السكنى بين حالتين :

الأولى – اذا سلمت نفسها للزوج في بيته ثم مرضت عنده ، لها النفقة ( ومنها السكنى ) باتفاق جميع الفقهاء(18) ، لانها سلمت نفسها اليه .

الثانية – اذا مرضت قبل انتقالها الى مسكن زوجها ، فهنالك رأيان :

1 – لا نفقة لها ولا سكنى ، لان وجوب السكنى والنفقة هو التسليم الذي يمكن معه الوطء ، وهو غير ممكن في المريضة(19) .

2- اذا امكنها الانتقال الى مسكن زوجها ، فلها السكنى والنفقة لتحقق الاحتباس وان كان ناقصاً(20) . وهنالك رأي عند الفقهاء يقضي بوجوب النفقة للزوجة في أنواعها كافة ، ومنها السكنى وفي كل الاحوال سواء أكانت الزوجة مريضة ام صغيرة تصلح للجماع ام لا(21)، وهو ما نؤيده لما بيناه في سكنى الزوجة الصغيرة . هذا بالنسبة لاراء الفقهاء . اما بالنسبة لمواقف القوانين المقارنة والقضاء فانها لم تتضمن نصاً حول نفقة وسكنى المريضة كما اننا لم نجد في حدود اطلاعنا قراراً قضائياً بهذا الشأن .

رابعاً- الناشـز :

وهي المرأة الخارجة عن طاعة زوجها بأن خرجت من مسكنها بغير إذنه او منعته من الدخول عليها في مسكنها ولم تمكنه من نفسها دون عذر شرعي(22) ، ويعتبر سقوط نفقتها ومنها السكنى احد الآثار التي تترتب على نشوزها . وعلى ذلك نصت المادة (25) من قانون الاحوال الشخصية النافذ في فقرتها الاولى (لا نفقة للزوجة في الاحوال الاتية : 1- اذا تركت بيت زوجها بلا اذن وبغير وجهٍ شرعي) ، كما نصت المادة (74) من قانون الاحوال الشخصية النافذ على انه (اذا نشزت المراة فلا نفقة لها مدة النشوز) ، كما نصت المادة (67) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ على انه (اذا نشزت الزوجة فلا نفقة لها والناشز هي التي تترك بيت الزوجية بلا مسوغ شرعي او تمنع الزوج من الدخول الى بيتها قبل طلبها النقل الى بيت اخر ويعتبر من المسوغات الشرعية لخروجها من المسكن ايذاء الزوج لها بالضرب او سوء المعاشرة)، كما نصت على ذلك المادة (57) من مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية، اما قانون الاحوال الشخصية المصري فلم يتضمن نصاً بهذا الشأن . وهنالك حالات عديدة يسقط بها حق السكنى للزوجة كالمرتدة والامة والمحبوسة والمطاوعة لابن زوجها . ولا مجال لبيانها لذلك نكتفي بهذا القدر ونحيلها الى الاحكام المتعلقة بالنفقة على اعتبار ان السكنى جزء من النفقة ، فكل زوجة لا تستحق النفقة على زوجها لا تستحق السكنى تبعاً لذلك(23) .

_______________________

[1]- الامام محمد ابو زهرة ، الاموال الشخصية ، مصدر سابق ، ص ص280-281 .

2-بدران ابو العنين بدران ، الفقه المقارن للاحوال الشخصية ، الجزء الاول ، الزواج والطلاق ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1967 ، ص ص234-235 .

3- الكاساني ، بدائع الصنائع ، مصدر سابق ، ج4 ، ص18 .

4- الامام محمد ابن إدريس الشافعي ، كتاب الام ، ج8 ، الطبعة الاولى ، مكتبة الكليات الازهرية ، مصر ، 1961م ، ص233 .

5- ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي ، الشرح الكبير ، مصدر سابق ، ج9 ، ص ص293-294 .

6- نصت المادة (41) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ على انه : (الزواج الباطل سواء وقع به دخول ام لم يقع به دخول لا يفيد حكماً اصلاً وبناءً على ذلك لا يثبت بين الزوجين احكام الزواج الصحيح كالنفقة والنسب والعدة وحرمة المصاهرة والارث) كما نصت المادة (42) منه على انه : (الزواج الفاسد الذي لم يقع به دخول لا يفيد حكماً اصلاً اما اذا وقع به دخول فيلزم به المهر والعدة ويثبت النسب وحرمة المصاهرة ولا تلزم بقية الاحكام كالارث والنفقة قبل التفريق او بعده) .

7- نصت المادة (46/د) من مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية على ان : (يترتب على الزواج الفاسد بعد الدخول الاثار التالية : د- النفقة ما دامت المرأة جاهلة فساد العقد).

8- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار ، مصدر سابق ، ج3 ، ص572 .

9- شمس الدين السرخسي ، كتاب المبسوط ، طبع مطبعة السعادة ، مصر ، 1324هـ ، ج5 ، ص186 ؛ ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي ، الشرح الكبير ، مصدر سابق ، ج9 ، ص283 ؛ الشربيني ، مغني المحتاج ، مصدر سابق ، ج3 ، ص438.

0[1]- السرخسي ، المبسوط ، المصدر السابق ، ج5 ، ص186 .

1[1]- الكاساني ، بدائع الصنائع ، مصدر سابق ، ج4 ، ص19 .

2[1]- الكاساني ، المصدر السابق ، ج4 ، ص19. الرملي ، نهاية المحتاج ، مصدر سابق ج 9 ، ص 198. و ابن قدامة ، المغني ، ج 9 ، ص 281

3[1]- ابن حزم ، المحلى ، مصدر سابق ، ج10 ، المجلد السابع ، ص ص88-89 .

4[1]- د. عبد الكريم زيدان ، المفصل في احكام المرأة والبيت المسلم ، مصدر سابق ، ج2 ، ص173 .

5[1]- محمد زيد الابياني ، الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية ، ج2 ، مكتبة النهضة ، بيروت ، بغداد ، ص830 .

6[1]- قرار رقم 532 / شخصية / 78 في 19 /3 / 1978 ، مجلة الاحكام العدلية ، العدد الاول ، السنة التاسعة ، ص73.

7[1]- قرار رقم 2123 / شخصية / 78 في 2/12/1978 ، مجلة الاحكام العدلية ، العدد الرابع ، السنة الثامنة ، ص77.

8[1]- السرخسي ، المبسوط ، مصدر سابق ، ج5 ، ص129 ؛ ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي، الشرح الكبير ، ج9، ص285 . الشيرازي ، المهذب ، ج 2 ، ص 153 ، و ابن حزم ، المحلى ، ج10 ، ص 93 .

9[1]- الكاساني ، بدائع الصنائع ، مصدر سابق ، ج4 ، ص19 .

20-الامام محمد ابو زهرة ، الاحوال الشخصية ، مصدر سابق ، ص ص472-273 .

[1]2- ابن حزم ، المحلى ، ج10 ، ص 91 .

22- الشربيني ، مغني المحتاج ، مصدر سابق ، ج3 ، ص252 .

23- للمزيد من التفصيل ، ينظر : كريمة عبود جبر ، النفقة في الشريعة الاسلامية ، رسالة ماجستير في العلوم الإسلامية ، مقدمة إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية، بغداد ، 1988 ، ص ص38-42 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .