ان معرفة مدى شرعية مسكن الزوجية من عدمها تعتبر من المسائل الموضوعية التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع . وذلك لصعوبة وضع نصوص قانونية شاملة وجزئية لتتحدد بموجبها شرعية جميع المساكن . وذلك لاختلاف هذه المساكن في حجمها واشكالها ومواصفات بنائها واثاثها ومرافقها وموقعها تبعا لاختلاف احوال الناس من حيث اليسار والاعسار والبيئة الاجتماعية فضلاً عن الاعراف والتقاليد الاجتماعية ، لذا كان لابد من اعطاء هذه السلطة لقاضي الموضوع ليقرر شرعية كل مسكن على حدة تبعاً لاحوال الناس . وما نود ان نشير اليه في هذا الصدد هو ان القاضي وان كانت له مثل هذه السلطة فهي ليست مطلقة دون تحديد أو رقيب بل هي سلطة مقيدة ، في حدود الشروط والضوابط الشرعية والقانونية التي بينها الفقهاء وقررتها القوانين الوضعية ، (1). وهي كون المسكن ملائما لحالة الزوج المادية والاجتماعية ومحتويا على الاثاث والمرافق الضرورية وضرورة وقوعه بين جيران صالحين وقريباً من محل الزوج ، وخاصاً بالزوجة ومحققاً للشروط الواردة في عقد الزواج .

فسلطة المحكمة انما تنحصر في التحقق من مدى توافر مثل هذه الشروط . فبالنسبة الى الشرط المتعلق بضرورة احتواء المسكن على الاثاث واللوازم والمرافق الضرورية كالمطبخ والمرافق والحمام فإن سلطة المحكمة تنحصر في التحقق من صلاحيتها للاستعمال فقط. فان لم يكن في المسكن مثل هذه الاثاث والمرافق فإن القاضي لا يملك صلاحية إضفاء صفة الشرعية عليه وإلا تعرض حكمه للنقض(2) . وكذلك الحال بالنسبة إلى الشرط المتعلق بالجيران فإن اشتراط وجودهم مسألة قانونية بحتة ، ولا سلطة لمحكمة الموضوع في الحكم بشرعية المسكن دون وجودهم. اما التحقق من صلاحهم او فسادهم فهي مسألة موضوعية تخضع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية . كما ان مسألة ملاءمة المسكن لحالة الزوجين الاقتصادية والاجتماعية وان كانت مسألة موضوعية فان القاضي ملزم بالتقدير وفقاً للأسس الشرعية والقانونية . فبعض القوانين تأخذ بمعيار حالة الزوجين الاقتصادية والاجتماعية في حين ان البعض الاخر يأخذ بمعيار حالة الزوج وحده فالقاضي ملزم بالتقدير وفقاً للمعيار الذي ينص عليه القانون ، فعلى القاضي عند تقدير شرعية المسكن ان يتأكد من حالة الزوج اولاً . هل هو من الاغنياء ام الفقراء ام من متوسطي الحال ، ثم التأكد من المسكن المعد هل هو من مسكن الاغنياء ام الفقراء ام متوسطي الحال وتقدير شرعيته دون تحديد حالة الزوج المادية أمرٌ يخل بشرعية تقديره ومن ثم بشرعية المسكن المعد مما يعرض حكمه للنقض (3).

وكذلك الحال بالنسبة الى الشرط المتعلق بوقوع المسكن في محل عمل الزوج او بالقرب منه ، فاشتراط وقوعه في محل عمل الزوج او بالقرب منه مسألة قانونية لا تخضع لسلطة قاضي الموضوع ، وعليه قضت محكمة التمييز العراقية ( بأن على المحكمة تكليف الزوج بتهيئة البيت الشرعي في مقر عمله ولايعد البيت المهيأ في غير هذا المكان شرعيا ..)(4). أما مسألة تحديد قربه او بعده فهي مسألة موضوعية يعود تقديرها لقاضي الموضوع يحددها من خلال المسافة بين المسكن ومحل العمل والتأكد من وجود واسطة نقل ام لا . ومدى تأثير ذلك على وجوده في المنزل . وخلاصة القول ان سلطة المحكمة تنحصر في التحقق من توافر الشروط والضوابط التي قررها الفقهاء والقوانين في المسكن الشرعي وتحديد مدى صلاحيته لإقامة الزوجين فيه دون ان يكون له الحق في اضفاء صفة الشرعية على المسكن الخالي من هذه الشروط والمواصفات .

___________________

1- اديب استانبولي وسعدي ابو حبيب ، المرشد في قانون الاحوال الشخصية السوري ، مصدر سابق ، ص، 206 وينظر ص78 من هذه الرسالة.

2- اديب استانبولي وسعدي ابو حبيب ، المرشد في قانون الاحوال الشخصية السوري ، مصدر سابق ، ص199.

3- اديب استانبولي وسعدي ابو حبيب ، المصدر السابق ، ص210 .

4- قرار رقم 271/ شخصية / 77 في 5/12/1977 . مجموعة الاحكام العدلية ، السنة الثامنة ، ص75 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .