نتناول شرح هذه القاعدة في كلا الفقهين الاسلامي والقانوني.

اولاً- يضاف الحادث الى اقرب اوقاته في الفقه الاسلامي:

الحادث: هو الشيء الذي كان غير موجود ثم وجد فاذا حصل اختلاف في وقت وقوعه وسببه فما لم تثبت نسبته الى الزمان القديم ينسب الى الزمن الاقرب منه(1). اذ كثيرا ما تختلف احكام الحوادث ونتائجها باختلاف تاريخ حدوثها، فعند التنازع في تاريخ الحادث يحمل على الوقت الاقرب الى الحال حتى يثبت الابعد؛ والسبب في ذلك ان الاتفاق حصل بين الطرفين على الوقت الاقرب لحصول الحادث فيه، وانفرد احدهما زاعماً حدوثه قبل ذلك، مما يعكس تصوراً بان حصول الحادث في الوقت الاقرب متيقن، وفي الابعد مشكوك(2).

من الامثلة التطبيقية لهذه القاعدة: اذا ادعى المدعي الملك في الحال وشهد الشهود في الماضي فشهادتهم تقبل لان الشهود لا يعرفون بقاء الملك الا استصحابا فأسنادهم الملك الى الماضي لا يمنع من قبول شهادتهم في مجلس القضاء(3) وكذا لو قال شخص لأخر بعت منك في صغري وقال المشتري بعته مني في بلوغك فالقول للبائع لان البلوغ اقرب الى الوقت الحاضر(4). وكذا لو اشترى شخص مالا على انه بالخيار مدة زمنية متفق عليها، ثم جاء بعد ذلك يرد المال بعد انقضاء مدة الخيار داعيا انه قد فسخ البيع قبل انقضائها، ورد البائع ان المدة قد انقضت وهو ساكت فلزم البيع وانه قد فسخ بعد انقضائها، فالقول المعتبر هنا قول البائع، ولا يحق للمشتري الرد حتى يثبت انه قد فسخ العقد في مدة الخيار(5)

وكذا لو اقر شخص لاحد ورثته بدين معين ثم توفي، فادعى باقي ورثة المتوفي ان الاقرار حصل من قبل المقر في مرض الموت، وادعى المقر له انه كان في حال الصحة، فان الاقرار ينسب الى اقرب اوقاته وهو حال المرض ما لم يتمكن المقر له من اثبات العكس، ولهذا كان القول قول الورثة مع اليمين، والبينة على المقر له؛ وذلك لان مرض الموت اقرب للموت من حال الصحة، فكان مدعيه متمسكاً بالأصل فيصدق بيمينه، اما مدعي الصحة لانه يدعي خلاف الاصل فان قوله لا يصدق الا بالبينة(6)، وكذلك ينطبق الحال لو ادعت الزوجة بان زوجها طلقها طلاق الفار أثناء مرضه مرض الموت، وطلبت امام الجهات القضائية المختصة حقها من ميراث زوجها، وادعى ورثة الزوج انه طلقها في حال الصحة ولا حق لها من الميراث فالقول هنا قول الزوجة مع يمينها ما لم يقم الورثة البينة الواضحة الراجحة(7).

لكن يخرج عن هذه القاعدة استثناء ما لو ادعت زوجة ذمي ان اسلامها وقع بعد وفاة زوجها، وطالبت بحقها من الميراث لكونها كانت على ملته وقت وفاته، لكن ورثة المتوفى ادعوا انها اسلمت قبل وفاته فلا حق لها في الميراث وأن أدعت، فالقول للورثة خروجا على هذه القاعدة والسبب في ذلك هو العمل بقاعدة الاستصحاب المقلوب؛ لان سبب الحرمان من الميراث ثابت وصريح في الحال فيثبت ما مضى(8).

ثانياً- قاعدة الاصل اضافة الحادث الى اقرب اوقاته في الفقه القانوني:

يتجه الفقه القانوني الى تقرير حاله لو حصل نزاع قانوني في زمن حدوث تصرف من التصرفات، او امر من الامور، فان هذا التصرف ينسب الى اقرب اوقاته(9). من هذا التصور الفقهي يتضح اتفاق الفقه القانوني مع الفقه الاسلامي في معالجة هذا الاصل. ومن الامثلة التطبيقية على ذلك في حالة حصول تصرف قانوني من شخص قبل وفاته لصالح شخص اخر ثم ادعى الورثة بعد ذلك، صدور التصرف من مورثهم في مرض الموت، وادعى المتصرف اليه حدوث او حصول التصرف في زمن الصحة، فتنطبق عليه احكام الوصية، مع اضافة التصرف الى اقرب اوقاته وهو مرض الموت، ويكون القول للورثة الا اذا استطاع المتصرف اليه اثبات صدوره في زمن الصحة. وكذلك ما لو تنازع المحجور عليه والمتصرف اليه منه في زمن التصرف، فالأصل اضافة التصرف الى اقرب اوقاته وهو وقت الحجر، ويكون القول للمحجور عليه ويقع عبء الاثبات على المتصرف اليه(10).

يتضح من دراسة هذه القاعدة الفقهية في كل من الفقهين الاسلامي والقانوني ان الاتفاق قائم بينهما على العمل بها، ومن ثم فانه يمكن القول بان هذه القاعدة او الاصل من القواعد المهمة في التطبيق العملي القضائي التي ترجح جانب احد المتداعيين، وتحمل عبء الاثبات على من يدعي خلافه.

________________

1- درر الحكام، شرح مجلة الاحكام العدلية، علي حيدر، مطبعة غزه، 1352هـ/1033م ، ص25.

2- شرح مجلة الاقسام العدلية- سليم رستم باز، ط3، المطبعة الادبية، بيروت 1923، ص24؛ د. مصطفى احمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، ط1، مطبعة الجامعة السورية، 1952م ، ص649.

3- شرح مجلة الاحكام العدلية، محمد سعيد المحاسني، كتاب القواعد والبيوع، مطبعة الالترقي، دمشق، 1927، ص40.

4- سليم رستم باز، شرح المجلة، ص24.

5- علي حيدر، شرح المجلة (درر الحكام)، ص25؛ د. احمد مصطفى الزرقا، المصدر السابق، ص649.

6- الاشباه و النظائر: زين الدين بن ابراهيم بن نجيم (970هـ) مط الجمالية بالقاهرة 1328هـ/ 1910م ، ص65؛ سليم رستم باز، شرح المجلة، ج1، ص24؛ م(1766) من مجلة الاحكام العدلية.

7-ابن نجيم، الاشباه النظائر، ص64؛ علي حيدر شرح المجلة، درر الحكام، ج1، ص28.

8- ابن نجيم، الاشباه والنظائر، ص65؛ علي حيدر، شرح المجلة، درر الحكام، ج1، ص29.

9- رمضان ابو السعود، اصول الاثبات، ص347.

10- (اذا وقع الاختلاف في زمن حدوث امر فالاصل اضافة الحادث الى اقرب الاوقات الى الحال والبينة على من يدعي خلاف هذا الاصل)، 1955 عدد3 ص50 مجلة القضاء؛ عبد الرحمن العلام، المبادئ القضائية، ص24.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .