بينما يوجد اجماع على سلطة المحاكم في بحث شرعية اللوائح ، فان حق المحاكم في رقابة صحة التشريع العادي الموضوعية للتأكد من موافقته لأحكام الدستور أمر متنازع فيه في القضاء والفقه ومختلف فيه باختلاف النظم والشرائع ، ويمكن التمييز في هذا المقام بين تيارين رئيسين متعارضين :

_ الاتجاه الأول : 

ويرى منع المحاكم من رقابة دستورية القوانين وذلك استناداً الى مبدأ الفصل بين السلطات ، اذ تستقل السلطة التشريعية بسن التشريع ويتولى رئيس السلطة التنفيذية اصداره وتقتصر وظيفة السلطة القضائية على تطبيق التشريع فقط وليس لها التعرض لدستورية القوانين . ذلك أن قيام المحاكم بمراقبة دستورية القانون والامتناع عن تطبيقه هو من قبيل مراقبة أعمال السلطة التشريعية والتعقيب على تصرفاتها والتوصل الى اهدارها ويعد ذلك خروجاً من السلطة القضائية عن اختصاصها وتعدياً على اختصاص السلطة التشريعية .

_ الاتجاه الثاني : 

ويرى تخويل المحاكم سلطة التحقيق من دستورية القانون لأن ذلك يدخل في صميم اختصاص القضاء . فالقاضي عند قيامه بهذا الدور لا يخرج عن وظيفته الأصلية وهي تطبيق القانون بمعناه العام أي مجموع القواعد القانونية السائدة في الدولة . ذلك أن الأمر يعرض على القاضي في صورة تعارض بين قاعدة تشريعية وأخرى دستورية . ويستحيل عليه تطبيقهما معاً لتعارضهما مما يتعين عليه الخيار بينهما . وبطبيعة الحال يكون من واجب القاضي في هذه الحالة اختيار واعمال القاعدة الدستورية تطبيقاً لمبدأ تدرج التشريع وسمو الدستور .

والواقع أن رقابة المحاكم الدستورية لا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، بل يؤكد هذا المبدأ ويقويه . ذلك أن تخويل المحاكم مثل هذا الحق يمنع السلطة التشريعية من الخروج عن حدود اختصاصها المحدد في الدستور ويمنعها من أن تفرض على السلطة القضائية قانوناً غير دستوري وتلزمها بتطبيقه ، وفي ذلك مساس لاستقلال هذه السلطة واختصاصها بتطبيق القواعد القانونية بكافة أنواعها ودرجاتها .

وقد صادف هذا الرأي رواجاً في كثير من بلاد العالم ، وأخذت به غالبية الدساتير وأهمها دستور الولايات المتحدة الأمريكية . أما الرأي الأول فقد أخذ به القضاء الفرنسي .