من المقرر في الفقه الإسلامي ان نطاق الوكالة بالخصومة يسمح للوكيل بالخصومة رفع الادعاء ومباشرة الخصومة وتقديم ادلة الاثبات والاتيان بالدفوع لدحض حجج الخصم وتفنيدها والسعي للحصول على حكم لمصلحة الموكل(1). لقد تناول الفقهاء المسلمون نطاق الوكالة بالخصومة بالبحث المستفيض بحيث يمكن القول أنهم انقسموا الى فريقين حول نطاق الوكالة بالخصومة فبينما يرى فريق منهم ان الوكالة بالخصومة واسعة النطاق تتضمن العديد من الصلاحيات التي تخول الوكيل بالخصومة القيام بالأعمال والتصرفات دون تفويض خاص، بينما يرى فريق آخر ان الوكالة بالخصومة محدودة النطاق تتضمن صلاحيات محدودة تخول الوكيل بالخصومة القيام بالأعمال والإجراءات القضائية اللازمة لحسم الدعوى ولا يملك الوكيل بالخصومة صلاحية القيام باي تصرف خارج نطاق الوكالة بالخصومة الا بتفويض خاص من الموكل .

ويعد الإقرار من التصرفات التي أثارت الخلاف بين الفقهاء المسلمين حول شموله بنطاق الوكالة بالخصومة من عدمه، ويبدو ان السبب في ذلك يعود الى ان الخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحنة ، اما الاقرار فهو اسم لكلام يجري على سبيل المسالمة والموافقة(2)، ففي الوقت الذي نجد ان هناك قولاً(3) للحنفية والمالكية واحد الوجهين عند الشافعية والحنابلة والامامية يقضي بعدم السماح للوكيل بالخصومة الاقرار عن موكله مطلقا قياسا على الشهادة لان كلاً منهما – الاقرار والشهادة – اخبار عن حق فلا يقبل التوكيل، مما يستدل من هذا القول ان نطاق الوكالة بالخصومة لايشمل الاقرار . ونجد في نفس الوقت ان الراجح عند الامام زفر من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والامامية ان الوكالة بالخصومة لا تتضمن صلاحية الاقرار بصورة تلقائية ، وانما لابد من تفويض بذلك من الموكل ذلك لان اقرار الوكيل بالخصومة عن موكله فيه اضرار على الاخير ، وان الاقرار يعني المسالمة للخصم ومصالحته وقطع الخصومة والوكيل بالخصومة مكلف بالمخاصمة والمنازعة ، فاذا تضمن التوكيل في نطاقه صلاحية الاقرار الى جانب الخصومة دون اذن صريح فيكون قد كلف بامر وبنقيضه وهذا مالايجوز(4).

بينما نجد ان الراجح عند الامام أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ان التوكيل بالخصومة يتضمن في نطاقه صلاحية الاقرار دون حاجة الى اذن خاص بذلك ، واشتراطا للاعتداد باقرار الوكيل بالخصومة ، وقبوله ان يكون في مجلس القضاء ، فاذا كان الاقرار واقعاً خارج مجلس القضاء فانه لايقبل وينعزل الوكيل بالخصومة من الوكيل جزاء على ذلك(5). ان الحجة التي استند اليها الامام ابو حنيفة ومحمد بن الحسن ان التوكيل اما بالخصومة (عن المدعي) واما بالجواب عن الخصومة (عن المدعى عليه) وكل ذلك يختص بمجلس القضاء، وان الموكل عندما وكل الوكيل بالخصومة ، انما اقامه مقام نفسه بمخاصمة وجواب الخصم، وان مجلس القضاء هو المكان المخصص لهذا ، فاذا اقر الوكيل بالخصومة عن موكله خارج مجلس القضاء كان اقراره غير ملزم للموكل لانه تم في مكان ليست له صفة الحكم والفصل في النزاع(6). وكما ان الجواب في غير مجلس القضاء عبارة عن مجادلة ومحادثة وان الوكيل لم يوكل بهذا(7). تجدر الاشارة الى ان مجلة الاحكام العدلية أخذت بهذا الرأي اذ نصت المادة (1517) على ان (اقرار الوكيل بالخصومة على موكله اذا كان في حضور الحاكم يعتبر، وان لم يكن في حضور الحاكم فلا يعتبر وينعزل هو من الوكالة)(8).

وذهب الامام ابو يوسف من الحنفية والزيدية الى القول(9). ان الوكالة بالخصومة تتضمن في نطاقها صلاحية الاقرار لذا يصح اقرار الوكيل بالخصومة عن موكله سواء أتم الاقرار في مجلس القضاء أم خارجه ، لان التوكيل بالخصومة يعني اقامة الوكيل الدليل مقام الوكيل، وان اقراره عن الموكل لايتقيد بمكان دون مكان ، فكما يصح اقراره في مجلس القضاء يصح في غيره(10). ويرى احد الباحثين(11). ان رأي الامام أبي يوسف يستحق التاييد لان حجة جمهور الفقهاء ضعيفة اذ ليس دائما اقرار الوكيل بالخصومة عن موكله فيه ضرر، وإنما قد يكون اقرار الوكيل بالخصومة عن موكله فيه دفعٌ لضرر مؤكد، كما ان الانكار دائما يوقع الضرر بالموكل ، اذ قد يؤدي الى انكار حق ثابت له ويرى ان الحكمة من اشتراط الاقرار في مجلس القضاء كما ذهب اليه الامام ابو حنيفة ومحمد بن الحسن هي لتوثيق الاقرار والاشهاد عليه وان هذه الحكمة تتحقق اذا تم الاشهاد على الاقرار الحاصل خارج مجلس القضاء ، ثم ان الموكل قد رضى باقامة الوكيل بالخصومة مقامه بالجواب وان الجواب لا يتحدد ولا يتعين في مكان دون غيره.

ويرى باحث(12). اخر ان راي الجمهور –ونؤيده في ذلك- ادق الاراء لما استدلوا به على المناقضة بين الوكالة بالخصومة والاقرار، فلا يمكن اجتماعهما، وان القول بلزوم إقرار الوكيل بالخصومة عن موكله ان رآه مجانباً للحق يحتمل معه اقرار الوكيل بالخصومة نكاية بموكله، وان الوكيل بالخصومة غير ملزم بالاستمرار بالوكالة ومن حقه اعتزالها اذا ثبت له ان موكله مجانب للحق ، وان استمراره في خصومة الموكل يجعله شريكاً معه في ايقاع الظلم على الغير. ومن الجدير بالذكر ان هناك رأياً لاحد(13) فقهاء الحنفية يرى ان من حق الموكل الاشتراط على وكيله بالخصومة عدم الاقرار والانكار، بحيث يصبح الوكيل بالخصومة وكيلا بالسكوت يحضر مجلس القضاء حتى يسمع ما يقال في خصومة موكله وحجته ان الغاية من الوكالة بالخصومة الوصول الى حق الموكل عن طريق تقديم البينات، وان هذه الغاية يمكن الوصول اليها على الرغم من منع الوكيل بالخصومة من صلاحية الاقرار والانكار. وهناك قول للمالكية(14). فيه رد على هذا الرأي هو أن الوكالة بالخصومة دون تفويض بالاقرار او الانكار هي وكالة ناقصة، ولخصم الموكل ان يلزم الموكل ان يفوض وكيله بالخصومة صلاحية الاقرار والانكار، فان لم يستجب كان للخصم الحق برد الوكيل بالخصومة ويمتنع عن مخاصمته الا بحضور الموكل معه.

وقد ذهب أحد(15). الباحثين في تأييده قول المالكية بان الوكالة بالخصومة دون صلاحية الإقرار والإنكار عن موكله لا فائدة ترجى منها سوى إطالة أمد الخصومة. ويعد القبض من التصرفات التي دار الخلاف بين الفقهاء المسلمين حول شموله بنطاق الوكالة بالخصومة من عدمه، فبينما رأى الحنفية عدا زفر والزيدية ان(16). الوكالة بالخصومة تتضمن في نطاقها صلاحية قبض المال لان الغاية من المخاصمة هي الحصول على المال فاذا اثبت الوكيل بالخصومة المال كان له قبضه ، ولان قبض المال يعتبر داخلا في عموم الوكالة بالخصومة أي ان من وكل بالخصومة في مال فقد ائتمن على قبضه ، ولان الخصومة لاتنتهي الا بقبض المال فكان التوكيل بالخصومة توكيل بالقبض. بينما ذهب جمهور(17). الفقهاء ومعهم الامام زفر من الحنفية ان الوكالة بالخصومة لاتتضمن في نطاقها صلاحية القبض لان التوكيل بالخصومة لايتناول الاذن بالقبض نطقا ولا عرفا وان الموكل قد رضي بالوكيل بالخصومة ليخاصم عنه لا ليقبض عنه ، كما ان الموكل قد يرضى للخصومة شخصا لايرضاه للقبض لعدم امانته على المال ، تجدر الاشارة الى ان مجلة الاحكام العدلية اخذت بهذا الراي ونصت المادة (1519) على ان (الوكالة بالخصومة لاتستلزم الوكالة بالقبض بناء عليه ليس للوكيل بالدعوى صلاحية قبض المال المحكوم به ما لم يكن وكيلا بالقبض ايضاً). ويرى غالبية الباحثين (18) – ونحن نؤيدهم في ذلك- ان ما ذهب اليه الجمهور هو الراجح لان الوكيل بالخصومة مكلف بالمخاصمة لا القبض وان الخصومة شيء والقبض شيء آخر ، وإذا يراعى في الخصومة الشدة فان في القبض تراعى الأمانة، وان الناس يعمدون في العادة الى توكيل الوكيل شديد الخصام للخصومة وتوكيل الأمين لقبض المال ونضيف ان مقتضيات الحيطة والحذر بعد فساد الذمم وظهور الخيانة لدى بعض وكلاء الخصومة تقتضي الأخذ برأي الجمهور.

والى جانب ذلك فقد اختلف الفقهاء المسلمون في مسالة هل ان الوكالة بالقبض تتضمن في نطاقها صلاحية الوكالة بالخصومة ام لا، فقد ذهب جمهور الفقهاء الى القول ان(19) الوكالة بالقبض لا تتضمن في نطاقها صلاحية الوكالة بالخصومة لان القبض والخصومة معنيان مختلفان، وان التوكيل باحدها لا يعني التوكيل بالاخر مطلقا، اذ القبض يمكن تحقيقه بلا خصومة. بينما ذهب الامام ابو حنيفة والزيدية الى ضرورة التفريق(20) بين الوكالة بقبض العين والوكالة بقبض الدين، فاذا كانت الوكالة بقبض العين فانها لاتتضمن في نطاقها صلاحية التوكيل بالخصومة فلا يجوز للوكيل ان يخاصم لاثباتها الا بتوكيل خاص والسبب في ذلك عندهم ان الوكيل بقبض العين يكون أميناً أشبه بالرسول يتمثل دوره بنقل العين الى الموكل بعد تسلمها. أما اذا كانت الوكالة بقبض الدين فانها تتضمن في نطاقها صلاحية الوكالة بالخصومة فيحق للوكيل بالقبض ان يخاصم في اثبات الدين عند انكاره والسبب في ذلك عندهم ان الموكل وكله بالتملك ، وان الديون تقضى بامثالها لا باعيانها . ويبدو ان راي الجمهور جدير بالتاييد لاختلاف القبض عن الخصومة في المعنى مما يرتب عدم اعتبار التوكيل في احدهما توكيلاً بالاخرى، كما انه لافرق بين الوكالة بقبض العين والوكالة بقبض الدين ذلك لان الوكيل في كليهما يكون أميناً ودوره تسلم المال ونقله إلى الموكل. ولئن كان الخلاف قد دب بين الفقهاء المسلمين بشان الاقرار والقبض فان الامر مختلف تماما بشان الصلح والابراء فقد اجمع الفقهاء على ان نطاق الوكالة بالخصومة لايتضمن صلاحية الصلح والابراء الا اذا نص على ذلك في سند الوكالة ، ذلك ان الوكالة بالخصومة تقتضي منازعة الخصم لامصالحته وان الاذن بالخصومة يتضمن المخاصمة وبما أن الصلح والابراء يتضمنان انهاء المخاصمة فان الامر بالشيء لايتناول ضده(21). ويبدو ان اجماع الفقهاء في هذه المسالة يستحق التاييد لان الصلح والابراء لا يعد من قبيل الخصومة والقول بان نطاق الوكالة يشمل مثل هذه الصلاحيات يعد من قبيل تحميل النص أكثر مما يحتمل.

________________________

– د. ابراهيم محمد الغامدي ، مصدر سابق.

2- علي ابو عجمة ، المصدر السابق ، ص331

3- الكاساني، ج6، مصدر سابق، ص22 ؛ والشربيني، ج2، مصدر سابق، ص221 ؛ وابن قدامة المقدسي، المغني، مصدر سابق، ص218 ؛ والامام محمد بن احمد بن محمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ط1، دار القلم، بيروت، 1988، ص305 ؛ والامام الحلي، مصدر سابق، ص128.

4- ابن عابدين، مصدر سابق، ص260 ؛ والامام محمد بن ادريس الشافعي، مصدر سابق، ص4 ؛ والعلامة عليش، مصدر سابق، ص، 356؛ وابن قدامة المقدسي، المغني، مصدر سابق ، ص 218؛ والامام بن حزم، مصدر سابق ، ص245 ؛ والامام المرتضى، مصدر سابق ، ص62

5- القفال ، مصدر سابق ، ص121 ؛ والشيخ عبد الغني الغنيمي ، مصدر سابق ، ص151

6- عبدالله بن محمد بن مودود الموصلي ، مصدر سابق ، ص440

7- علي حيدر ، مصدر سابق ، ص652

8- لقد جاء في تفسير هذه المادة (ان الوكيل بالخصومة ليس له الاقرار عن موكله الا في حضور القاضي أي يعتبر اقرار الوكيل بالمرافعة والمخاصمة على الاطلاق على موكله استحسانا سواء كان وكيلا للمدعي او وكيلا للمدعى عليه اذا كان في حضور القاضي ووجه الاستحسان هو ان الموكل مقتدر على الاقرار كما ان الوكيل مقتدر عليه ايضا لان الوكالة بالخصومة بمعنى الاجابة على الخصم والاقرار هو جواب ايضا ووجه التخصيص بمجلس القضاء انه انما وكله بالخصومة وحقيقتها لاتكون الا عند القاضي فلم يكن وكيلا في غيره لان غير مجلس القضاء ليس محلا للخصومة التي هو وكيل فيها ) نقلا عن علي حيدر ، مصدر سابق ، ص651.

9- المرغيناني ، مصدر سابق ، ص15 ؛ والامام المرتضى، مصدر سابق ، ص62.

10- لقد ذكر العلامة الزيلعي عن الامام أبي يوسف انه قال (ان الشيء انما يختص بمجلس القضاء اذا لم يكن موجبا الا بانضمام القضاء اليه كالبينة والنكول فاما الاقرار فموجب بنفسه فلا يختص بمجلس القضاء) نقلا عن العلامة الزيلعي، مصدر سابق ، ص281.

11- تيسير محمد عبد المحسن طه ، مصدر سابق ، ص83

12- محمد رضا عبد الجبار العاني ، مصدر سابق ، ص404

13- الراي للقاضي صاعد النيسابوري ، مشار اليه عند د. محمد ابراهيم الغامدي ، مصدر سابق

4- العلامة محمد عليش ، مصدر سابق ، ص356

5- د. محمد ابراهيم الغامدي ، مصدر سابق.

6- الامام كمال الدين بن الهمام ، مصدر سابق ، ص96 ؛ والامام الطحطاوي ، مصدر سابق ، ص281و282 ؛ وابن عابدين ، مصدر سابق ، ص257و258 ؛ والسرخسي، مصدر سابق ، ص12؛ والامام المرتضى، مصدر سابق ، ص62.

7- الكاساني ،ج6 ، مصدر سابق، ص24 و 25 ؛ والشيخ الغنيمي ، مصدر سابق ، ص150 ؛ وابن قدامة المقدسي، المغني، مصدر سابق ، ص243 ؛ والجزيري ، مصدر سابق ، ص20

8- تيسير محمد عبد المحسن طه، مصدر سابق ، ص107 ؛ ومحمد رضا عبد الجبار العاني، مصدر سابق، ص400 ؛ ود. محمد ابراهيم الغامدي ، مصدر سابق.

9- الامام كمال الدين بن الهمام ، مصدر سابق ، ص99 ؛ وابن قدامة المقدسي ، المغني، مصدر سابق ، ص244 ؛ والحلي، مصدر سابق ، ص128

20- المرغيناني ، مصدر سابق ، ص15 ؛ والامام كمال الدين بن الهمام ، مصدر سابق ، ص99 ؛ والامام المرتضى، مصدر سابق، ص62.

21- ابن عابدين، مصدر سابق، ص 260 ؛ والطحطاوي، مصدر سابق، ص282 ؛ والمرغيناني، مصدر سابق، ص151 ؛ والرملي، مصدر سابق، ص25 ؛ والامام محمد بن ادريس الشافعي، مصدر سابق، ص4 ؛ وابن قدامة المقدسي، المغني، مصدر سابق، ص244 ؛ وابن حزم الظاهري، مصدر سابق، ص245 ؛ والامام المرتضى، مصدر سابق، ص62 ؛ وعبد الرحمن الجزيري، مصدر سابق، ص200؛ علي حيدر، مصدر سابق، ص652.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .