دعوى المخاصمة بين النص والتطبيق – ليبيا

مقال حول: دعوى المخاصمة بين النص والتطبيق – ليبيا

دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها” أو “الدفاع عن الدفاع”

22/02/2010

المحامي عبد الباري عبد الله تربل –

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين “من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله وخليفة رسوله” (حديث شريف)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد طِب القلوب ودوائها ونور العيون وشفائها وعلى آل بيته وصحبه أجمعين ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين تحية وبعد

بدءا لابد من تقرير أمرين أولهما رغم أنني تربطني بالزميل الذي رفع دعوى الحسبة ومن ثم دعوى المخاصمة رقم ( 1174 / 54 ق ) المترتبة عليها وهي أساس هذه القراءة وبالزميلتين اللتين معه علاقة الزمالة إلا أننا لا نعرف بعضنا بعضا بل إنني لم ألتقه شخصيا قبل الحادي والعشرين من رمضان 2009 أقول هذا حتى لا تعطى القراءة معنى الدفاع أو الانحياز لصداقة أو علاقة شخصية لكنني أقرأ الحكم لأنه مس بالمهنة التي أتشرف وأعتز بالانتماء إليها من خلال مسه بالزملاء المخاصِمين .

الأمر الآخر هو أن القراءة ستكون في ظل ثلاثة أحكام مهمة ومحددة لمحكمتنا العليا الموقرة : الأول / هو حكمها في دعوى مخاصمة سابقة تحت رقم ( 42 / 54 ق ) * الثاني / حكمها في الطعن الجنائي رقم ( ط / ج رقم 50 / 16 ق ) * الثالث / حكمها في الطعن المدني رقم ( 21 / 25 ق ) .

ليحق لنا في الختام أن نسأل سؤالين مهمين ومشروعين نذكرهما في حينهما .

بداية لو سألنا هل للمشرع من غاية محددة بإيراده دعوى المخاصمة بين نصوصه أم أن ذلك مجرد تزيين للنصوص ورفع ملام ؟ لجاز القول بسذاجة السؤال أو سطحيته لكن إذا ما أعدنا صياغة السؤال إلي هل للمشرع من غاية في بقاء دعوى المخاصمة بين نصوصه بعد حكم المحكمة العليا ( دعوى المخاصمة رقم / 1174 / 54 ق ) بتاريخ 28 / 3 / 2009 .

فلا شك أن الإجابة ستخلف وأن التفسيرات ستتباعد وتتباين لأن النص على وجود الشيء ” شيء ” وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر .

وسوف نكتشف من خلال هذه القراءة أن النص من خلال التطبيق ليس إلا زنة أو تزيينا للنصوص لإفراغه في العمل واقعيا من محتواه .

والقراءة الموضوعية المنتجة المحققة لأهدافها تقتضي أن نتناول هذه الدعوى والحكم الصادر فيها وفقا للفقرات الآتية :

الفقرة الأولى الحديث عن دعوى الحسبة عموما من حيث حكمتها شروطها أدلتها ثم الحديث عن دعوى الزميل بالحسبة أدلته أسانيده* حكم محكمة استئناف بنغازي دائرة القضاء الإداري منطوقه أسبابه ثم طعنه الإداري وقائعه أسانيده* حكم دائرة القضاء الإداري بالمحكمة العليا أسبابه منطوقه* ثم دعوى الزميل بالمخاصمة من خلال وقائعها أدلتها أسانيدها* وأخيرا نأتي إلى حكم المحكمة العليا المنطوق الأسباب على دعوى الزميل بالمخاصمة .

وبعد ذلك نبدأ الحديث عن دعوى المخاصمة بشكل عام من خلال طرح الأسئلة التالية :

1 / تعريف دعوى المخاصمة الحاجة إليها ؟ .

2 / هل المخاصمة غاية أم وسيلة ؟

3 / لماذا يخشى المحامون دعوى المخاصمة ؟ فقراءتنا لدعوى المخاصمة .

(غير أننا حتى لا يتشعب الموضوع سنختصر ذلك في الحديث عن دعويي الحسبة * والمخاصمة فقط).

أولا دعوى المخاصمة في النصوص: أورد المشرع دعوى المخاصمة في الباب الثاني من قانون المرافعات وذلك في المواد ( 720 مرافعات ) وما بعدها محددا شروط وكيفية وإجراءات رفعها والحكم فيها سواء كانت لمخاصمة السادة القضاة أو أعضاء النيابة أو الأساتذة المستشارين بالمحكمة العليا

وحتى لا نطيل في هذه النقطة نقول إن النص في المادة ( 725 ) المتعلق بمخاصمة السادة مستشاري المحكمة العليا هو أمر حان الوقت لتعديله إذ لا يمكن واقعا أن يكون هذا النص ملائما* فنحن بشر وروح الزمالة قد تقتضي أن نجامل بعضنا بعضا والواقع قد يشهد بذلك لذلك نرى أنه قد حان الوقت لإنشاء مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية العليا أو أي جهة ملائمة حتى يتم رفع دعوى المخاصمة تحديدا ضد الأساتذة مستشاري المحكمة العليا أمام هذه الجهة أما أن تنظر دعوى المخاصمة ضد هيئة من المحكمة العليا هيئة أخرى من مستشاري المحكمة العليا فهو إرهاق للنفس ولو كانت تلك بدوائرها المجتمعة ” وما أبريء نفسي “

كن صادقا مع نفسك تكن الدنيا صادقة معك

ثانيا :معني دعوى المخاصمة مجالها لماذا شرعت :

لن نبحث كثيرا في تعريفات الفقهاء واصطلاحاتهم ولكن يمكننا أن نقول بأن دعوى المخاصمة في اعتقادنا ” هي نوع من الرقابة الخاصة على أعمال وتصرفات الهيئة القضائية الكريمة أو هي مكنة منحها المشرع للمتضرر والدفاع ليُتمكن بواسطتها من تصحيح أخطاء الهيئة القضائية “.

إذن يمكن القول أن دعوى المخاصمة هي نوع من الرقابة يهدف المشرع من خلالها إلى الرقابة علي تطبيق القضاء والنيابة لنصوص القانون* ومجالها تحديدا هو رقابة نواياهم في اتخاذ إجراء معين .

بمعنى أكثر وضوحا هي ” رقابة الخصوم والدفاع علي ضمير القضاء والنيابة “ لأنها تتعلق بإثبات انحراف عمدي عن التطبيق الصحيح للقانون أمرا كان أم حكما* غشا كان أم تدليسا* أم غدرا أم نحو ذلك .

من خلال ذلك يمكن ببساطة القول بأن غاية دعوى المخاصمة هي ” تقويم ما اعوج من عمل القضاء أو النيابة إذا جاء عن خطأ مهني جسيم أو غش أو تدليس أو غدر .

أو بحسب قول المحكمة العليا في ذات دعوى المخاصمة أنها ” شرعت لمواجهة القاضي أو عضو النيابة عن مقتضيات العمل القضائي وآدابه ” .

وهي بهذا المعني تتعلق بحقيقتين مهمتين أساسيتين قانونيتين دستوريتين إنسانيتين أدبيتين أخلاقيتين هما احترام حق الدفاع وحق المحاكمة العادلة .

وأيَّ مساس بهذه الدعوى إنما هو في حقيقته مساس بهذين الحقين ” الدفاع + المحاكمة العادلة ” .

دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها
دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها” أو “الدفاع عن الدفاع”

22/02/2010

المحامي عبد الباري عبد الله تربل –

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين “من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله وخليفة رسوله” (حديث شريف)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد طِب القلوب ودوائها ونور العيون وشفائها وعلى آل بيته وصحبه أجمعين ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين تحية وبعد

بدءا لابد من تقرير أمرين أولهما رغم أنني تربطني بالزميل الذي رفع دعوى الحسبة ومن ثم دعوى المخاصمة رقم ( 1174 / 54 ق ) المترتبة عليها وهي أساس هذه القراءة وبالزميلتين اللتين معه علاقة الزمالة إلا أننا لا نعرف بعضنا بعضا بل إنني لم ألتقه شخصيا قبل الحادي والعشرين من رمضان 2009 أقول هذا حتى لا تعطى القراءة معنى الدفاع أو الانحياز لصداقة أو علاقة شخصية لكنني أقرأ الحكم لأنه مس بالمهنة التي أتشرف وأعتز بالانتماء إليها من خلال مسه بالزملاء المخاصِمين .

الأمر الآخر هو أن القراءة ستكون في ظل ثلاثة أحكام مهمة ومحددة لمحكمتنا العليا الموقرة :

الأول / هو حكمها في دعوى مخاصمة سابقة تحت رقم ( 42 / 54 ق ) * الثاني / حكمها في الطعن الجنائي رقم ( ط / ج رقم 50 / 16 ق ) * الثالث / حكمها في الطعن المدني رقم ( 21 / 25 ق ) .

ليحق لنا في الختام أن نسأل سؤالين مهمين ومشروعين نذكرهما في حينهما .

بداية لو سألنا هل للمشرع من غاية محددة بإيراده دعوى المخاصمة بين نصوصه أم أن ذلك مجرد تزيين للنصوص ورفع ملام ؟ لجاز القول بسذاجة السؤال أو سطحيته لكن إذا ما أعدنا صياغة السؤال إلي هل للمشرع من غاية في بقاء دعوى المخاصمة بين نصوصه بعد حكم المحكمة العليا ( دعوى المخاصمة رقم / 1174 / 54 ق ) بتاريخ 28 / 3 / 2009 .

فلا شك أن الإجابة ستخلف وأن التفسيرات ستتباعد وتتباين لأن النص على وجود الشيء ” شيء ” وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر .

وسوف نكتشف من خلال هذه القراءة أن النص من خلال التطبيق ليس إلا زنة أو تزيينا للنصوص لإفراغه في العمل واقعيا من محتواه .

والقراءة الموضوعية المنتجة المحققة لأهدافها تقتضي أن نتناول هذه الدعوى والحكم الصادر فيها وفقا للفقرات الآتية :

الفقرة الأولى الحديث عن دعوى الحسبة عموما من حيث حكمتها شروطها أدلتها ثم الحديث عن دعوى الزميل بالحسبة أدلته أسانيده* حكم محكمة استئناف بنغازي دائرة القضاء الإداري منطوقه أسبابه ثم طعنه الإداري وقائعه أسانيده* حكم دائرة القضاء الإداري بالمحكمة العليا أسبابه منطوقه* ثم دعوى الزميل بالمخاصمة من خلال وقائعها أدلتها أسانيدها* وأخيرا نأتي إلى حكم المحكمة العليا المنطوق الأسباب على دعوى الزميل بالمخاصمة .

وبعد ذلك نبدأ الحديث عن دعوى المخاصمة بشكل عام من خلال طرح الأسئلة التالية :

1 / تعريف دعوى المخاصمة الحاجة إليها ؟ .

2 / هل المخاصمة غاية أم وسيلة ؟

3 / لماذا يخشى المحامون دعوى المخاصمة ؟ فقراءتنا لدعوى المخاصمة .

(غير أننا حتى لا يتشعب الموضوع سنختصر ذلك في الحديث عن دعويي الحسبة * والمخاصمة فقط).

أولا دعوى المخاصمة في النصوص: أورد المشرع دعوى المخاصمة في الباب الثاني من قانون المرافعات وذلك في المواد ( 720 مرافعات ) وما بعدها محددا شروط وكيفية وإجراءات رفعها والحكم فيها سواء كانت لمخاصمة السادة القضاة أو أعضاء النيابة أو الأساتذة المستشارين بالمحكمة العليا وحتى لا نطيل في هذه النقطة نقول إن النص في المادة ( 725 ) المتعلق بمخاصمة السادة مستشاري المحكمة العليا هو أمر حان الوقت لتعديله إذ لا يمكن واقعا أن يكون هذا النص ملائما*

فنحن بشر وروح الزمالة قد تقتضي أن نجامل بعضنا بعضا والواقع قد يشهد بذلك لذلك نرى أنه قد حان الوقت لإنشاء مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية العليا أو أي جهة ملائمة حتى يتم رفع دعوى المخاصمة تحديدا ضد الأساتذة مستشاري المحكمة العليا أمام هذه الجهة أما أن تنظر دعوى المخاصمة ضد هيئة من المحكمة العليا هيئة أخرى من مستشاري المحكمة العليا فهو إرهاق للنفس ولو كانت تلك بدوائرها المجتمعة ” وما أبريء نفسي “

ثانيا :معني دعوى المخاصمة مجالها لماذا شرعت :

لن نبحث كثيرا في تعريفات الفقهاء واصطلاحاتهم ولكن يمكننا أن نقول بأن دعوى المخاصمة في اعتقادنا ” هي نوع من الرقابة الخاصة على أعمال وتصرفات الهيئة القضائية الكريمة أو هي مكنة منحها المشرع للمتضرر والدفاع ليُتمكن بواسطتها من تصحيح أخطاء الهيئة القضائية “.

إذن يمكن القول أن دعوى المخاصمة هي نوع من الرقابة يهدف المشرع من خلالها إلى الرقابة علي تطبيق القضاء والنيابة لنصوص القانون* ومجالها تحديدا هو رقابة نواياهم في اتخاذ إجراء معين .

بمعنى أكثر وضوحا هي ” رقابة الخصوم والدفاع علي ضمير القضاء والنيابة ” لأنها تتعلق بإثبات انحراف عمدي عن التطبيق الصحيح للقانون أمرا كان أم حكما* غشا كان أم تدليسا* أم غدرا أم نحو ذلك .

من خلال ذلك يمكن ببساطة القول بأن غاية دعوى المخاصمة هي ” تقويم ما اعوج من عمل القضاء أو النيابة إذا جاء عن خطأ مهني جسيم أو غش أو تدليس أو غدر .

أو بحسب قول المحكمة العليا في ذات دعوى المخاصمة أنها ” شرعت لمواجهة القاضي أو عضو النيابة عن مقتضيات العمل القضائي وآدابه ” .

وهي بهذا المعني تتعلق بحقيقتين مهمتين أساسيتين قانونيتين دستوريتين إنسانيتين أدبيتين أخلاقيتين هما احترام حق الدفاع وحق المحاكمة العادلة .

وأيَّ مساس بهذه الدعوى إنما هو في حقيقته مساس بهذين الحقين ” الدفاع + المحاكمة العادلة ” .

بحيث إذا ما صادرنا بأي شكل من الأشكال الحق في المخاصمة فإنما بذلك نصادر بالضرورة وحكم اللزوم العقلي حق الدفاع والحق في محاكمة عادلة .

إذ لا يمكن أن يقوم هذا الحق أو ذاك بدون الآخر .

فعدم إعطاء الاعتبار لهذه الدعوى* معناه مباشرة المساس بحق الدفاع وذلك يعني بالضرورة انتفاء المحاكمة العادلة فهي وهما إذن يشكلون مثلثا أضلاعه متساوية إن مُس بأحدها تأثر الآخران .

باختصار شديد دعوى المخاصمة هي وسيلة مراقبة وإصلاح لهذا الجهاز المحترم الرفيع الموقر من كل إنسان على وجه الأرض للحفاظ على مكانته الرفيعة والعالية في النفوس والعقول حيث القضاء بحسب تعبير محكمتنا العليا ” هو الركن الركين والحصن الحصين الذي يحمي كل مواطن حاكما كان أو محكوما من كل حيف في يومه وغده وفي مستقبله ” وحيث القضاة بحسب ذات المحكمة ” ([1] ) ” هم بعد الرسل ظل الله في أرضه وحكامه بين خلقه وبالعدل قامت السماوات والأرض ورفعة القاضي هي رفعة للأمة التي هي مصدر السلطات والمُلك ” ([2]) .

إذن هناك حاجة فعلا لهذه الدعوى وإلا كان وجودها في نصوص قانون المرافعات عبثا تنزه المشرع عنه .

وإذا كانت دعوى المخاصمة بهذه المكانة ولهذه الغاية فلماذا إذن يخشاها المحامون ويبتعدون عنها ؟.

قبل أن أجيب أقول بأن الحكم في هذه القضية محل القراءة ذكرني بواقعة أليمة قاسية على نفسي لا أحب ذكرها ولا حتى تذكّرها إلا للاتعاظ وربما التندر أيضا .

عندما تقدمت بشكوى ضد رئيس محكمة الزاوية الابتدائية في التسعينات وتم القبض علي بتهمة إهانة هيئة قضائية وكان ذنبي أنني شكوته للتفتيش القضائي لجأت عندها للنائب العام وكان وقتها الأستاذ ” عبدالرزاق الصوصاع ” فلما شك من يحقق معي بأنني قد أكون التقيت الأستاذ المذكور فعلا وخشي بالطبع من العاقبة وأنا هنا أشهد للأستاذ الصوصاع بالنزاهة والجراءة والحزم والإنصاف .

وضع الكرة في مرماي كما يقولون وذلك بأن أفرج عني بضمان مالي قدره ” 5000 د . ل ” خمسة آلاف دينار وهو مبلغ لم يُفرَج به على حد علمنا حتى علي تاجر مخدرات لكن بما أني محام فلا مانع من أن تكون الكفالة كذلك إذ يبدوا لدى البعض أن مهنة المحاماة أكثر خطرا علي البلاد والعباد من تجارة المخدرات وإن كان بالطبع قد خفّض المبلغ بسبب تدخل الأستاذ نقيب الفرع وثمانية عشر زميلا حضروا للدفاع عني لدي سيادته فتعطف وتلطف وأكرمهم بتخفيض المبلغ إلي ألف دينار ” 1000 د .

ل فقط حيث دفعته تحديدا الساعة 20 * 3 فتم الإفراج عني .

هذه الواقعة أوردتها كمدخل للحديث للتأكيد علي وجود موجة مقيتة من ثقافة العداء للمحاماة الخاصة ولأقول لا أريد أن تشبه الليلة البارحة ففي شكواي تلك أهمل التفتيش القضائي كل الوقائع قطعية الثبوت والدلالة أيضا* والتي أكدتها لهم الأيام لاحقا وتمسك فقط بعنوان الشكوى أي لفظها وافتعل منه قضية لأن الشكوى من محام ضد رئيس محكمة فصرت بذلك متهما بعد أن كنت المجني عليه بصحيح القانون وما يؤكد قولي هو أنهم أصدروا أمرا بألا وجه بحقي لا حقا وهذا ما سنرى جزءا منه اليوم حيث تم التمسك فقط بما قيل أن الزميل كان قصده التعدي على الهيئة الموقرة بقصد الإساءة لها .

والحق أقول أنا على ثقة من أن الزميل لم يرد شيئا من ذلك ولم يقصده* و قد تكون بعض عباراته جنحت عن المتعارف عليه قليلا وهذا أمر نتفهمه لكن الأمر عندنا لا يعدو أن يكون نتاجا لاجتماع عينين مهمتين عنده هما ” العين في العدالة والعين في العاطفة ” إذ من تجتمع عليه هاتان العينان ليس له إلا أن يسأل الله العون والرحمة ولكن ذلك بفرض حصوله لا يعطينا الحق في أن نُغفل ما أَثبت من وقائع ونتجه فقط حيث نريد لا حيث يُرِد القانون .

إذن أقول وأنا على ثقة بأن الرجل لم يقل ما قال إلا جراء كَلفه بالعدالة وحرصه على تطبيقها ورغبته الجامحة في الحفاظ على نصاعة ولمعان التاج الذي يزين جبينها الوضاء بمعنى أوضح حبه للعدالة وللصورة الناصعة البياض التي رسمها لها في عقله فكان أن جرحه الحكم بعدم قبول دعواه في هذا الكلف وذلك الوله فلم يستطع أن يتحمل هذا الحكم .

إذ يرى ونحن معه أن من أبجديات القضاء قبولها والحكم فيها لصالحه فدفعه ذلك الجرح لكتابة ما كتب وكما قال الشاعر ” على قدر المحبة العتب كبير ” ومع ذلك أقول رغم هذه الصورة المؤلمة ورغم ما يتعرض له المحامون اليوم من معاملات لا تليق بهم وبمهنتهم الراقية والحضارية ورغم ما سيتضح في هذه القراءة من مرارة الألم وألم المرارة من هذه الموجة المقيتة والغريبة على بلادنا وعلى مجتمعنا وعلى ثقافتنا إلا أنني أتمنى أن لا توضع هذه القراءة من قبل الأساتذة الزملاء في القضاء والنيابة تحديدا ولا حكم المخاصمة هذا من الأساتذة المحامين على وجه الخصوص في إطار هذه الموجة السيئة التي نأمل وندعو أن تزول .

إذن يمكننا القول ببساطة تامة أن المحامين يخشون دعوى المخاصمة لأن معظمهم ” يثق ” وليس يظن أنه سوف يؤاخذ بصفته كمحام إذا ما طرق هذه العقبة ولذلك يحجم الكثير منهم على ولوج هذا *****ل الذي يرونه منزلقا خطرا يُلجمون أقلامهم عن الخوض فيه وأنا بالطبع واحد من هؤلاء فرغم أنه قد توفرت لي عدة فرص مخاصمة لهيئات بالمحكمة العليا .

أحدها لدائرة مدنية قضت بعدم قبول طعني شكلا بحجة أن الصورة التي أودعتها عن الحكم الابتدائي غير مهمش عليها بختم المحكمة مصدرة الحكم طبق الأصل ولا ممهورة بتوقيع واسم الكاتب والحال أنها مستوفية كافة الشروط دون أن تنتبه إليها هيئة الحكم الموقرة وذلك بعد سنين من انتظار الفصل في موضوع الطعن .

الثانية الدائرة الشرعية التي قالت ردا عن منعاي على الحكم بعدم احترام الحكم لقاعدة – حجية الأحكام – بالقول ” بأن حجية الأحكام ليست من النظام العام وحتى لو لم تكن كذلك فإن الدفاع لم ينع بهذا الجانب من الطعن ” ([3])

في حين أن هذا المنعى كان هو السبب الثالث من أسباب طعني عموما والأول من حيث الموضوع وحجية الأحكام كما تعلمون ليست من النظام العام فقط بل بحسب تعبير المحكمة العليا في أكثر من مبدأ ” إن حجية الحكم تعلو علي النظام العام ” ([4]) .

أما الثالثة فأحجم عن ذكرها ومع ذلك لم أقم برفع دعوى * وما سوف أورده خير دليل على ما نقول .

فإذا كانت المحكمة العليا لا تعترف بحصانة أعضاء المحاماة الشعبية رغم أنهم بحكم القانون من الهيئة القضائية من أول وحتى آخر تشريعاتها المعمول بها بل والمقترحة أيضا وبالتالي يفترض أن لهم الحصانة القضائية كاملة ومع ذلك رأت المحكمة العليا عدم تمتعهم بهذه الحصانة ([5]) فكيف بنا نحن المحامين الخواص – وتشريعاتنا لا تعترف لنا بشيء – أن نجازف برفع دعاوى مخاصمة وعلى مستشارين بالمحكمة العليا تحديدا .

إذن ليس من حقنا تجنب دعوى المخاصمة فقط بل من واجبنا الابتعاد عنها والإلتفات حتى عن مجرد التفكير في رفعها و ” اعصبوها برأسي وقولوا جبن المحامي ” لذلك يخشى المحامون دعوى المخاصمة .

دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها
دعوى المخاصمة بين النصوص والتطبيق وتداعياتها” أو “الدفاع عن الدفاع”

22/02/2010

المحامي عبد الباري عبد الله تربل –

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين “من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله وخليفة رسوله” (حديث شريف)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد طِب القلوب ودوائها ونور العيون وشفائها وعلى آل بيته وصحبه أجمعين ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين تحية وبعد

بدءا لابد من تقرير أمرين أولهما رغم أنني تربطني بالزميل الذي رفع دعوى الحسبة ومن ثم دعوى المخاصمة رقم ( 1174 / 54 ق ) المترتبة عليها وهي أساس هذه القراءة وبالزميلتين اللتين معه علاقة الزمالة إلا أننا لا نعرف بعضنا بعضا بل إنني لم ألتقه شخصيا قبل الحادي والعشرين من رمضان 2009 أقول هذا حتى لا تعطى القراءة معنى الدفاع أو الانحياز لصداقة أو علاقة شخصية لكنني أقرأ الحكم لأنه مس بالمهنة التي أتشرف وأعتز بالانتماء إليها من خلال مسه بالزملاء المخاصِمين .

الأمر الآخر هو أن القراءة ستكون في ظل ثلاثة أحكام مهمة ومحددة لمحكمتنا العليا الموقرة : الأول / هو حكمها في دعوى مخاصمة سابقة تحت رقم ( 42 / 54 ق ) * الثاني / حكمها في الطعن الجنائي رقم ( ط / ج رقم 50 / 16 ق ) * الثالث / حكمها في الطعن المدني رقم ( 21 / 25 ق ) .

ليحق لنا في الختام أن نسأل سؤالين مهمين ومشروعين نذكرهما في حينهما .

بداية لو سألنا هل للمشرع من غاية محددة بإيراده دعوى المخاصمة بين نصوصه أم أن ذلك مجرد تزيين للنصوص ورفع ملام ؟ لجاز القول بسذاجة السؤال أو سطحيته لكن إذا ما أعدنا صياغة السؤال إلي هل للمشرع من غاية في بقاء دعوى المخاصمة بين نصوصه بعد حكم المحكمة العليا ( دعوى المخاصمة رقم / 1174 / 54 ق ) بتاريخ 28 / 3 / 2009 .

فلا شك أن الإجابة ستخلف وأن التفسيرات ستتباعد وتتباين لأن النص على وجود الشيء ” شيء ” وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر .

وسوف نكتشف من خلال هذه القراءة أن النص من خلال التطبيق ليس إلا زنة أو تزيينا للنصوص لإفراغه في العمل واقعيا من محتواه .

والقراءة الموضوعية المنتجة المحققة لأهدافها تقتضي أن نتناول هذه الدعوى والحكم الصادر فيها وفقا للفقرات الآتية :

الفقرة الأولى الحديث عن دعوى الحسبة عموما من حيث حكمتها شروطها أدلتها ثم الحديث عن دعوى الزميل بالحسبة أدلته أسانيده* حكم محكمة استئناف بنغازي دائرة القضاء الإداري منطوقه أسبابه ثم طعنه الإداري وقائعه أسانيده* حكم دائرة القضاء الإداري بالمحكمة العليا أسبابه منطوقه* ثم دعوى الزميل بالمخاصمة من خلال وقائعها أدلتها أسانيدها* وأخيرا نأتي إلى حكم المحكمة العليا المنطوق الأسباب على دعوى الزميل بالمخاصمة .

وبعد ذلك نبدأ الحديث عن دعوى المخاصمة بشكل عام من خلال طرح الأسئلة التالية :

1 / تعريف دعوى المخاصمة الحاجة إليها ؟ .

2 / هل المخاصمة غاية أم وسيلة ؟

3 / لماذا يخشى المحامون دعوى المخاصمة ؟ فقراءتنا لدعوى المخاصمة .

(غير أننا حتى لا يتشعب الموضوع سنختصر ذلك في الحديث عن دعويي الحسبة * والمخاصمة فقط).

أولا دعوى المخاصمة في النصوص: أورد المشرع دعوى المخاصمة في الباب الثاني من قانون المرافعات وذلك في المواد ( 720 مرافعات ) وما بعدها محددا شروط وكيفية وإجراءات رفعها والحكم فيها سواء كانت لمخاصمة السادة القضاة أو أعضاء النيابة أو الأساتذة المستشارين بالمحكمة العليا

وحتى لا نطيل في هذه النقطة نقول إن النص في المادة ( 725 ) المتعلق بمخاصمة السادة مستشاري المحكمة العليا هو أمر حان الوقت لتعديله إذ لا يمكن واقعا أن يكون هذا النص ملائما* فنحن بشر وروح الزمالة قد تقتضي أن نجامل بعضنا بعضا والواقع قد يشهد بذلك لذلك نرى أنه قد حان الوقت لإنشاء مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية العليا أو أي جهة ملائمة حتى يتم رفع دعوى المخاصمة تحديدا ضد الأساتذة مستشاري المحكمة العليا أمام هذه الجهة أما أن تنظر دعوى المخاصمة ضد هيئة من المحكمة العليا هيئة أخرى من مستشاري المحكمة العليا فهو إرهاق للنفس ولو كانت تلك بدوائرها المجتمعة ” وما أبريء نفسي “

ثانيا :معني دعوى المخاصمة مجالها لماذا شرعت :

لن نبحث كثيرا في تعريفات الفقهاء واصطلاحاتهم ولكن يمكننا أن نقول بأن دعوى المخاصمة في اعتقادنا ” هي نوع من الرقابة الخاصة على أعمال وتصرفات الهيئة القضائية الكريمة أو هي مكنة منحها المشرع للمتضرر والدفاع ليُتمكن بواسطتها من تصحيح أخطاء الهيئة القضائية “.

إذن يمكن القول أن دعوى المخاصمة هي نوع من الرقابة يهدف المشرع من خلالها إلى الرقابة علي تطبيق القضاء والنيابة لنصوص القانون* ومجالها تحديدا هو رقابة نواياهم في اتخاذ إجراء معين . بمعنى أكثر وضوحا هي ” رقابة الخصوم والدفاع علي ضمير القضاء والنيابة ” لأنها تتعلق بإثبات انحراف عمدي عن التطبيق الصحيح للقانون أمرا كان أم حكما* غشا كان أم تدليسا* أم غدرا أم نحو ذلك .

من خلال ذلك يمكن ببساطة القول بأن غاية دعوى المخاصمة هي ” تقويم ما اعوج من عمل القضاء أو النيابة إذا جاء عن خطأ مهني جسيم أو غش أو تدليس أو غدر . أو بحسب قول المحكمة العليا في ذات دعوى المخاصمة أنها ” شرعت لمواجهة القاضي أو عضو النيابة عن مقتضيات العمل القضائي وآدابه ” .

وهي بهذا المعني تتعلق بحقيقتين مهمتين أساسيتين قانونيتين دستوريتين إنسانيتين أدبيتين أخلاقيتين هما احترام حق الدفاع وحق المحاكمة العادلة .

وأيَّ مساس بهذه الدعوى إنما هو في حقيقته مساس بهذين الحقين ” الدفاع + المحاكمة العادلة ” .

بحيث إذا ما صادرنا بأي شكل من الأشكال الحق في المخاصمة فإنما بذلك نصادر بالضرورة وحكم اللزوم العقلي حق الدفاع والحق في محاكمة عادلة .

إذ لا يمكن أن يقوم هذا الحق أو ذاك بدون الآخر .

فعدم إعطاء الاعتبار لهذه الدعوى* معناه مباشرة المساس بحق الدفاع وذلك يعني بالضرورة انتفاء المحاكمة العادلة فهي وهما إذن يشكلون مثلثا أضلاعه متساوية إن مُس بأحدها تأثر الآخران .

باختصار شديد دعوى المخاصمة هي وسيلة مراقبة وإصلاح لهذا الجهاز المحترم الرفيع الموقر من كل إنسان على وجه الأرض للحفاظ على مكانته الرفيعة والعالية في النفوس والعقول حيث القضاء بحسب تعبير محكمتنا العليا ” هو الركن الركين والحصن الحصين الذي يحمي كل مواطن حاكما كان أو محكوما من كل حيف في يومه وغده وفي مستقبله ” وحيث القضاة بحسب ذات المحكمة ” ([1] ) ”

هم بعد الرسل ظل الله في أرضه وحكامه بين خلقه وبالعدل قامت السماوات والأرض ورفعة القاضي هي رفعة للأمة التي هي مصدر السلطات والمُلك ” ([2]) .

إذن هناك حاجة فعلا لهذه الدعوى وإلا كان وجودها في نصوص قانون المرافعات عبثا تنزه المشرع عنه .

وإذا كانت دعوى المخاصمة بهذه المكانة ولهذه الغاية فلماذا إذن يخشاها المحامون ويبتعدون عنها ؟.

قبل أن أجيب أقول بأن الحكم في هذه القضية محل القراءة ذكرني بواقعة أليمة قاسية على نفسي لا أحب ذكرها ولا حتى تذكّرها إلا للاتعاظ وربما التندر أيضا .

عندما تقدمت بشكوى ضد رئيس محكمة الزاوية الابتدائية في التسعينات وتم القبض علي بتهمة إهانة هيئة قضائية وكان ذنبي أنني شكوته للتفتيش القضائي لجأت عندها للنائب العام وكان وقتها الأستاذ ” عبدالرزاق الصوصاع ” فلما شك من يحقق معي بأنني قد أكون التقيت الأستاذ المذكور فعلا وخشي بالطبع من العاقبة وأنا هنا أشهد للأستاذ الصوصاع بالنزاهة والجراءة والحزم والإنصاف .

وضع الكرة في مرماي كما يقولون وذلك بأن أفرج عني بضمان مالي قدره ” 5000 د . ل ” خمسة آلاف دينار وهو مبلغ لم يُفرَج به على حد علمنا حتى علي تاجر مخدرات لكن بما أني محام فلا مانع من أن تكون الكفالة كذلك إذ يبدوا لدى البعض أن مهنة المحاماة أكثر خطرا علي البلاد والعباد من تجارة المخدرات وإن كان بالطبع قد خفّض المبلغ بسبب تدخل الأستاذ نقيب الفرع وثمانية عشر زميلا حضروا للدفاع عني لدي سيادته فتعطف وتلطف وأكرمهم بتخفيض المبلغ إلي ألف دينار ” 1000 د . ل فقط حيث دفعته تحديدا الساعة 20 * 3 فتم الإفراج عني .

هذه الواقعة أوردتها كمدخل للحديث للتأكيد علي وجود موجة مقيتة من ثقافة العداء للمحاماة الخاصة ولأقول لا أريد أن تشبه الليلة البارحة ففي شكواي تلك أهمل التفتيش القضائي كل الوقائع قطعية الثبوت والدلالة أيضا* والتي أكدتها لهم الأيام لاحقا وتمسك فقط بعنوان الشكوى أي لفظها وافتعل منه قضية لأن الشكوى من محام ضد رئيس محكمة فصرت بذلك متهما بعد أن كنت المجني عليه بصحيح القانون وما يؤكد قولي هو أنهم أصدروا أمرا بألا وجه بحقي لا حقا وهذا ما سنرى جزءا منه اليوم حيث تم التمسك فقط بما قيل أن الزميل كان قصده التعدي على الهيئة الموقرة بقصد الإساءة لها .

والحق أقول أنا على ثقة من أن الزميل لم يرد شيئا من ذلك ولم يقصده* و قد تكون بعض عباراته جنحت عن المتعارف عليه قليلا وهذا أمر نتفهمه لكن الأمر عندنا لا يعدو أن يكون نتاجا لاجتماع عينين مهمتين عنده هما ” العين في العدالة والعين في العاطفة ” إذ من تجتمع عليه هاتان العينان ليس له إلا أن يسأل الله العون والرحمة ولكن ذلك بفرض حصوله لا يعطينا الحق في أن نُغفل ما أَثبت من وقائع ونتجه فقط حيث نريد لا حيث يُرِد القانون .

إذن أقول وأنا على ثقة بأن الرجل لم يقل ما قال إلا جراء كَلفه بالعدالة وحرصه على تطبيقها ورغبته الجامحة في الحفاظ على نصاعة ولمعان التاج الذي يزين جبينها الوضاء بمعنى أوضح حبه للعدالة وللصورة الناصعة البياض التي رسمها لها في عقله فكان أن جرحه الحكم بعدم قبول دعواه في هذا الكلف وذلك الوله فلم يستطع أن يتحمل هذا الحكم .

إذ يرى ونحن معه أن من أبجديات القضاء قبولها والحكم فيها لصالحه فدفعه ذلك الجرح لكتابة ما كتب وكما قال الشاعر ” على قدر المحبة العتب كبير ” ومع ذلك أقول رغم هذه الصورة المؤلمة ورغم ما يتعرض له المحامون اليوم من معاملات لا تليق بهم وبمهنتهم الراقية والحضارية ورغم ما سيتضح في هذه القراءة من مرارة الألم وألم المرارة من هذه الموجة المقيتة والغريبة على بلادنا وعلى مجتمعنا وعلى ثقافتنا إلا أنني أتمنى أن لا توضع هذه القراءة من قبل الأساتذة الزملاء في القضاء والنيابة تحديدا ولا حكم المخاصمة هذا من الأساتذة المحامين على وجه الخصوص في إطار هذه الموجة السيئة التي نأمل وندعو أن تزول .

إذن يمكننا القول ببساطة تامة أن المحامين يخشون دعوى المخاصمة لأن معظمهم ” يثق ” وليس يظن أنه سوف يؤاخذ بصفته كمحام إذا ما طرق هذه العقبة ولذلك يحجم الكثير منهم على ولوج هذا *****ل الذي يرونه منزلقا خطرا يُلجمون أقلامهم عن الخوض فيه وأنا بالطبع واحد من هؤلاء فرغم أنه قد توفرت لي عدة فرص مخاصمة لهيئات بالمحكمة العليا .

أحدها لدائرة مدنية قضت بعدم قبول طعني شكلا بحجة أن الصورة التي أودعتها عن الحكم الابتدائي غير مهمش عليها بختم المحكمة مصدرة الحكم طبق الأصل ولا ممهورة بتوقيع واسم الكاتب والحال أنها مستوفية كافة الشروط دون أن تنتبه إليها هيئة الحكم الموقرة وذلك بعد سنين من انتظار الفصل في موضوع الطعن .

الثانية الدائرة الشرعية التي قالت ردا عن منعاي على الحكم بعدم احترام الحكم لقاعدة – حجية الأحكام – بالقول ” بأن حجية الأحكام ليست من النظام العام وحتى لو لم تكن كذلك فإن الدفاع لم ينع بهذا الجانب من الطعن ” ([3]) في حين أن هذا المنعى كان هو السبب الثالث من أسباب طعني عموما والأول من حيث الموضوع وحجية الأحكام كما تعلمون ليست من النظام العام فقط بل بحسب تعبير المحكمة العليا في أكثر من مبدأ ” إن حجية الحكم تعلو علي النظام العام ” ([4]) .

أما الثالثة فأحجم عن ذكرها ومع ذلك لم أقم برفع دعوى * وما سوف أورده خير دليل على ما نقول . فإذا كانت المحكمة العليا لا تعترف بحصانة أعضاء المحاماة الشعبية رغم أنهم بحكم القانون من الهيئة القضائية من أول وحتى آخر تشريعاتها المعمول بها بل والمقترحة أيضا وبالتالي يفترض أن لهم الحصانة القضائية كاملة ومع ذلك رأت المحكمة العليا عدم تمتعهم بهذه الحصانة ([5]) فكيف بنا نحن المحامين الخواص – وتشريعاتنا لا تعترف لنا بشيء – أن نجازف برفع دعاوى مخاصمة وعلى مستشارين بالمحكمة العليا تحديدا .

إذن ليس من حقنا تجنب دعوى المخاصمة فقط بل من واجبنا الابتعاد عنها والإلتفات حتى عن مجرد التفكير في رفعها و ” اعصبوها برأسي وقولوا جبن المحامي ” لذلك يخشى المحامون دعوى المخاصمة .

ثالثا :

بما أن الحكم الذي ستناوله صدر في دعوى أساسها دعوى بالحسبة فلا بد إذن من التعرض ولو بإيجاز شديد لدعوى الحسبة الفقرة الثانية .

الحسبة لغة :

من الاحتساب * والأجر والثواب وقد عرفتها المحكمة العليا بأنها ” الدعوى التي يجوز لكل مسلم عدل أن يرفعها دفاعا عن حقوق الله الخالصة له تعالى * أو ما كان حق الله فيها غالبا * وذلك من باب إزالة المنكر ” ([6])

مشروعيتها :

هي طريق للإرشاد والهداية والتّوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضّرر وتركها سببا للّعنة قال تعالى { لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } * والقيام بها سببا للنّجاة قال تعالى : { فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا .

حكمــــها:

فرض كفاية عند جمهور الفقهاء * وقد تكون فرض * عين في حالات معينة .

حكمة مشروعيّتها :

النّاس – في مختلف العصور – في حاجة إلى من يعلّمهم إذا جهلوا * ويذكّرهم إذا نسوا * ويجادلهم إذا ضلّوا * ويكفّ بأسهم إذا أضلّوا * وإذا سهل تعليم الجاهل * وتذكير النّاسي * فإنّ جدال الضّالّ وكفّ بأس المضلّ لا يستطيعهما إلاّ ذو بصيرة وحكمة وبيان .

بهذه المعاني تكون الفضالة وهي ” تولي شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما بذلك ” المواد من 190 – 200 من القانون المدني نوعا من الحسبة ولم يقل أحد باشتراط المصلحة الشخصية فيها .

بل نذهب إلى أبعد من ذلك حيث نرى أن المادة ( 388 ) ع التي تعاقب على التقصير في تقديم النجدة لمن يحتاجها يمكن قراءته في ذات السياق أيضا مع أنه لا مصلحة شخصية هنا على الإطلاق إلا إذا كان ورود هذه النصوص في التشريع عبثا من المشرع .

رابعا

الطعن الإداري أو أساس المشكلة :

المشكلة حقيقة بدأت هنا* حين اصدرت دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي الحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى. فلجأ الزميل إلى الطريق السليم والصحيح وهو الطعن أمام دائرة القضاء الإداري بالمحكمة العليا محددا أسباب طعنه فيما ذكره بدعواه حيث حكمت المحكمة ” بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا “. هنا ليس أمام الزميل إلا طريقتين يبدو أن أحلاهما مُرٌٌّ.

إما أن يَجبن على إتباع الحق وطلب العدالة وهو ما يبدوا واضحا أنه قد جبل على نقيضه .

وإما أن يقتحم ” العقبة ” وما أدراك ما العقبة ” دعوى المخاصمة ” وأيّ مخاصمة لهيئة بالمحكمة العليا* وكان أن اختار الثانية فوضع دون أن يقصد مصداقية النصوص وتطبيقها على أرض الواقع على المحك .

بل لا نبالغ إن قلنا أنه وضع تاريخا من القضاء الليبي بأكمله على محك العدالة دون الاعتبار لصفة الزمالة وليضع تحديدا أحكاما للمحكمة العليا ذاتها في دعاوى مخاصمة سابقة الدعوى رقم ( 42 / 54 ق ) * الدعوى رقم ( 203 / 53 ق ) * مع دعوى الحال في موقع المواجهة والمقابلة .

فاختار طريق العدالة الطريق الذي يمثل الانحرافُ عن سلوكه انحرافا عما أمر الله عباده من الدفاع عن الحق وطلب العدالة فتوكل علي الله ورفع دعواه ولم يدر بخلده ما هو بانتظاره :

نظرت المحكمة العليا الدعوى وبتاريخ / 28 / 3 / 2009 أصدرت حكمها الذي قضي منطوقه ” حكمت

المحكمة :

أولا بعدم جواز دعوى المخاصمة وتغريم رافعها خمسين دينارا .

ثانيا بإلزام المذكورين متضامنين أن يدفعوا للمدعى عليهم في دعوى المخاصمة مبلغ ثلاثين ألف دينار تضمينا عما لحق بهم من ضرر أدبي .

ثالثا إلزامهم بالمصاريف ” .

بصرف النظر عن الأسباب وما جاء فيها وبصرف النظر أيضا عما ارتُئي من عدم قبول الدعوى لهذا السبب أو ذاك نقول :
لنفترض جدلا وجدلا فقط أن ما استعمله الزميل من ألفاظ يشكل مساسا بالهيئة المخاصمة أو حتى جرما قضائيا ـ وإن كنا لا نعتقده كذلك تأسيسا على حكم المحكمة العليا في الطعن الجنائي رقم (50 / 16 ق ) الذي سيرد لا حقا فهل يكون حكم المحكمة العليا صحيحا عدالة ؟ .

الأوراق تقول بأنه أورد تهما للهيئة المخاصمة ودلّل عليها بأدلة سليمة وصحيحة وفقا لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا ذاتها والسؤال هو ما موقف المحكمة العليا من تلكم التهم والوقائع ؟ هل هي صحيحة فتقبل الدعوى أم غير ذلك ويكون ما كان ؟ .

لنسلم جدلا بأن الزميل يستحق العقاب لكن ألا يستحق قبل ذلك أو علي الأقل معه أن يُنظر إلي الوقائع الصحيحة التي أوردها نظرة القانون وأن تُقبل مخاصمة من ارتكبها ؟ هل يجوز عدالة أن نغمض العين علي وقائع هامة خطيرة ومفصلية لمجرد أن من قام بها هم زملاء لنا وأن نأخذ بكل الجد والحزم كلمات ظَن من كتبها أنه كتبها حرصا على العدالة شغفا وتيمنا بها لأن كاتبها ينتمي إلي فئة المحامين الخواص ؟ .

هل يصح تحت أي تبرير أن يُقبل حكم يُنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ؟ إذا كنا نقبل بذلك فلا شك أننا كمن يعالج الخطأ بالخطيئة .

ثم هل أمكننا أن نتصور تداعيات هذا الحكم لدى فقهاء القانون المسلمين عامة – وخاصة أولئك الذين يتابعون محكمتنا العليا وسبق أن أشادوا بأحكامها في كتاباتهم – وهم يقرءون أسباب حكم يخالف كل المذاهب الإسلامية ويرى على خلاف الفقه الإسلامي أن دعوى الحسبة ” التي استبقاها الصليبيون بعد احتلالهم للأراضي المقدسة لأنهم رأوا فيها النظام السليم لبناء الأمة ” ([7]) من الدعاوى التي يشترط لرفعها المصلحة الشخصية الخاصة ؟ .

وكأن أساتذتنا الأفاضل لم يلحظوا في قوله تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون على المنكر ” ربطه سبحانه وتعالى لتحقق هذه الأفضلية للأمة على سائر الأمم بطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أسُّ نظام الحسبة .

هل هذا يُقبل أو يجوز أن يعرف عن صرح بحجم وشموخ ومكانة وتاريخ محكمتنا العليا ؟ أم أننا على ثقة من عدم نشره بمجلة المحكمة العليا يوما ؟ .

الواقع يقول غير ذلك حيث تم تصوير الحكم ونشره على هيئة كتيب صغير ووزع أيضا عُنون بخط واضح ب ” المخاصمة أحوال وتضمينات وأدب يحدو الغايات ” .

وبخط لا فت للنظر جملة تقول ” الحكم …. لإحدى دوائر المحكمة العليا الليبية حريٌّ بالعاملين في ساحة القضاء أن يطالعوه ” .وستكون لنا وقفة مع هذا العنوان في ختام القراءة .

ثم أين نذهب بكل ذلك الآي الكريم والأحاديث الشريفة التي تحض على القيام بالحسبة وتدعوا إليها بصرف النظر عن أي اختصاص تتبع .

لقد كان أولي بالمحكمة العليا في اعتقادنا المتواضع أن يكون حكمها أحد ثلاثة أحكام :

1 / قبول دعوى المخاصمة دون اتخاذ أي إجراء أو تصرف وهذا كان سيزيد من مكانتها ويعلي من موقعها لدي كافة المخاصمين والمتخاصمين وخاصة لدى رجال القانون ويرسخ قولتها ” أن القضاة بعد الأنبياء هم ورثة الله في أرضه ” .

2 / أن تقبلَ دعوى المخاصمة وتبين في أسبابها أن هناك بعض العبارات قد وردت في وقائع دعوى المخاصمة تشكل سابقة غير مقبولة وغير لائقة في التعامل مع محكمة عليا من الزميل الدفاع وأنها وإن كانت تشكل خطأ يستحق أن يؤاخذ عليه إلا أنها ترتفع وتَتَرفّع عن ذلك تعزيزا وتدعيما لروح الزمالة لذلك لا تري لزوما لمؤاخذته وتأمر بشطب العبارات .

شارك المقالة

1 تعليق

  1. خالد العرفي

    6 أغسطس، 2019 at 10:28 ص

    دعوي المخاصمة ذات طابع رادع _ ردع خاص_ خصوصا لاعضاء النيابة المبتدئين لاسيما من يبحثون عن الغناء وامثالهم كثر (( م. ض)) و (( ك ش ل و ط )) وغيرهم في بنغازي الكثير حيث يقررون حفظ الاوراق في الوقت الذي يتعين عليهم توجيه الاتهام . ويوجهون اتهام في غيىر موضع قيام الجرم وغيرها من سبل الغش والغدر والاخطاء الجسيمة .
    فلا بد من التصدى لهم فقد كفاهم ما اغتناموه من مال حرام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.