دراسة وبحث قانوني قيم عن الزواج العرفي

تعتبر عملية بناء المجتمع الإنساني الفاضل اللُّبْنةَ الأساسية والمهمة في تحديد وتطور المفاهيم الإنسانية ومبادئها… المجتمع الذي هو ليس مجرد عملية يُدار بها الحفاظ على النوع البشري فحسب، إنما هو الأساس الأمثل للبناء المجتمعي الذي تنظم فيه العلاقات الإنسانية، والغريزة الجنسية، وضوابطها وحدود لا يجوز تجاوزها حفاظاً على الكرامة الإنسانية والقيم المثلى، وابتعاداً عن الشذوذ والانحراف المرفوض عقلانياً… مجتمع تملأ أرجاءه بين الزوجين، وتقسيم أعباء الحياة بينهما ليقوم كل واحد منهما بوظيفته، وليؤدي دوره المطلوب في هذه الحياة.
ويتفق المصلحون على أن الأسرة هي الوحدة التكوينية الأولى والأساسية في أيّ مجتمع إنساني يرتبط بها وجوده وصلاحه ونهضته..

ولذا عُنِيَتْ كافة العقائد والمذاهب الإلهية والبشرية بوضع القواعد التأسيسية والمبادئ التشريعية والأخلاقية التي تنشأ في ظلها، وتنمو في رحابها وتحقق أهدافها وغاياتها عبر أطرها المختلفة. وكان التشريع الإسلامي من أوفى التشريعات التي عالجت هذا الموضوع من كافة جوانبه، وأفْرَدَ علماؤه لساسة المؤلفات العميقة الوافية التي أسهمت في تعميق الوعي بأهمية الأسرة في بناء المجتمع وضرورة تأسيسها على التقوى والدين، وإحاطتها من البداية بما يجعلها لبنة صالحة في مجتمع قوي ناهض، فتكلمت هذه المؤلفات عن الزواج: ماهيته، شروط الانعقاد، والصحة… غايته، أهدافه، شروط الزوج والزوجة.
وأن من أخطر أنواع التهديد، وأخبث صورة هذا الذي يستهدف الأسس والدعائم التي يقوم عليها أي مجتمع –وليس هناك أخطر في فكر الناضجين من مؤسسة الأسرة- وتزداد الخطورة إذا وجه التهديد إلى نقطة البداية ولحظة التأسيس والانتشار والتكوين- التي نعني بها الزواج.

فإذا استقامت البداية والْتَزَمَتْ الشرع القويم والخلق الرفيع يمكن أن يستقيم الأمر كله بعد ذلك.
ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع الذي يتناوله هذا البحث بالدراسة –الزواج العرفي إذ يعالج قضية من أخطر قضايا واقعنا الإسلامي الذي اختلت في الفترة الأخيرة بشدة منظومته القِيَمِيّة، وعُكس سُلَّم أولوياته.
إن هذه الصورة والأفعال المسماه بالزواج العرفي وما هو زواج، إنما هي فروع لشجرة خبيثة نبتت ونمت في أصل الجحيم، في مجتمع غابت عنه الحريات وقمع في باطنه العمل التطوعي، وفَسُدَ جَوُّهُ العملي والعلمي، وماذا ينتظر الذي يزرع الشوك غير أن يجني الجراح والآلام، إن الزواج العرفي لا يمثل ظاهرة في المجتمع الأردني كما يدعي دُعاة الهررية الذين نشروا هذه الفكرة خاصة في محيط المؤسسات التعليمية الأردنية واعتبروها واقع ملموس قد يعتاد عليه ضعاف النفوس ولكن القول بذلك لا يعني أن هذا الزواج لا وجود له أو إن هناك حالات نادرة مُسماة بالزواج السري.

وقد سبق للباحث أن إحدى تحقيقات صحيفة تبين إن هناك القليل القليل من الحالات السرية الشاذة منها ما هو منظور ومنها ما أقفل عليه لأسباب أمنية اجتماعية؟ حالات غير مستندة إلى أية قاعدة شرعية ما هي إلا فلسفة مُبالغ فيها تهدد المجتمع الأردني المسلم الآمن تلك المنظمة الهررية التي تحاول أن تجعل منه ظاهرة وواقع.
وسيُحاول الباحث في السطور التالية استعراض أهم ملامح هذا الخطر والمسمى بالزواج غير العرفي من خلال بابين يستعرض في أولهما صوره والآثار المترتبة عليه والحكم الشرعي لكل صور هذا الزواج وفي ثانيهما بنظرة سريعة على العوامل التي أدت إلى انتشار هذا الزواج وما هو حكم الدين والقانون فيه، وما هو موقف الرأي العام حياله.

تمهيـد:-

تعريف الزواج: وأركانه وشروط صحته:-

يُعد الزواج من أهم العقود التي يعقدها الإنسان في حياته إذ هو عِقد وميثاق بسببه تسير دفة الحياة بين الزوجين اللذين قد جمعتهما كلمة الله سبحانه وتعالى.
كما أقيمت القرائن والأدلة على مشروعية هذا الزواج من عدة نواحي، ولعل من أقوى الدلائل على ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايت لقوم يتفكرون) (1) أي خلق من جنسكم إناثاً يكُنّ لكم أزواجاً.

كما قال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)، يعني بذلك حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر، ولو أنهُ تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفره لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون له منه ولد، أو للألفة بينهما وغير ذلك(2) ومن المؤكد أن الشارع لا يأمر بشيء إلا إذا كان مشروعاً –لقول رسوله الكريم(ص): “النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسُنتي فليس مِني”.

لقد فطر الله الناس على حب اجتماع الذكور بالإناث من أجل بقاء الإنسان كي يعمر الأرض ويسخر ما فيها، ولما كان الله عز وجل قد كرم الإنسان فإنه تعالى لم يترك الناس إلى طبائعهم الحيوانية بل نظم وسيلة اجتماع الذكر بالأنثى بأن جعل ذلك في إطار محاط بكل وسائله العفاف والشرف، فشرع الزواج بعقد وجهر.

ولو تمعنا في حقيقة الزواج لا نكون مُغالين إذا قلنا أن النهج الذي ارتضاه الإسلام هو وحده الذي يلائم طبيعة الوجود بل أنه صورة من صور الكمال في دين الناس.
وقبل أن نتحدث عن هذه الظاهرة، ما هو الزواج العرفي في الأصل؟ وهل هذه الظاهرة استحدثت بعد الزواج العرفي وانتشرت… هي الزواج العرفي حقيقة أم أنها شيء آخر، ومن أين جاء هذا الشيء؟ وسنبين في السطور التالية أهم جوانب ما يطلق عليه زواج عرفي، وذلك من خلال مباحث نتكلم فيها عن تعريفه وشروط انعقاده وآثاره وكيفية إثباته وحكمه وذلك على الوجه الآتي:-

المبحـث الأول

تعريف الزواج العرفي:-
يُعرِف رجال القانون الزواج العرفي، الزواج غير الموثق الذي يتم بإيجاب وقبول بين الطرفين –الزوج والزوجة- من خلال ورقة عرفية ولكن يعاب عليه عدم توثيقه وتسجيله سواء على يد مأذون شرعي في محكمة الأحوال الشخصية.

صور من الزواج العرفي:-
الصورة الأولى: وهي الغالبة في معظم المجتمعات العربية وفيها أن يتم عقد الزواج العرفي بإيجاب وقبول من الطرفين –الزوج والزوجة- من خلال ورقة عرفية يوقعان عليها باسميهما مع حضور شاهدين مستأجرين أو أصدقاء الزوجين يوقعان على العقد العرفي مع عدم إعلان وإشهار، هذا الزواج، أو علم الأهل والأصدقاء به إذ غالباً ما يتم في سرية تامة، وغالباً ما يؤمر الشاهدين بكتمانه.
الصورة الثانية: أن يتم عقد الزواج العرفي بإيجاب وقبول من الطرفين من خلال ورقة عرفية فقط، دون حضور شهود للتوقيع عليه ودون إعلانه وإشهاره بين الناس ويتم هذا الزواج في سرية تامة جداً لا يعلم به أحد إلاّ الزوجين فقط.
الصورة الثالثة: الزواج العرفي الشرعي: علم ولي الأمر، الإيجاب والقبول، الأشهاد، الإشهار.

الزواج العرفي في الاصطلاح الشرعي (3):-
هو اصطلاح يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية سواء أكان مكتوب أو غير مكتوب، وأنه عقد مستكمل لشروطه الشرعية، إلاّ أنه لم يوثق، إنما هو زواج يتم بين رجل وامرأة قد يكون قولياً مشتملاً على إظهار الإيجاب والقبول بينهما في مجلس واحد وبشهادة الشهود ولكن في الغالب يتم بدون إعلان وإجراء العقد بهذه الطريقة صحيح، وأنه لا ينافي الشريعة الإسلامية لأنه في الأصل عبارة عن إيجاب وقبول بين عاقدين ولا تتوقف صحته شرعاً على حضور طرف ديني مسؤول أو على توثيق العقد وتسجيله ولا تتوقف صحته على إشهاره.

الزواج العرفي في المعنى اللغوي:-
معنى الزواج في اللغة: اقتران أحد الشيئين بالآخر وارتباطهما بعد أن كان كل منهما منفصلاً عن الآخر(4) ينما يحمل الزواج صفة عامة، كما يطلق لفظ النكاح، وتطلق كلمة النكاح في اللغة على الوطئ –(الاتصال)- وكذلك على العقد أو معنوياً كضم الجسم الجسم، والقول إلى القول، وقد ذهب الشافعية إلى العكس، وإذا ورد لفظ النكاح في الكتاب والسنة محدداً عن القرينة يراد به الوطئ عند الحنفية، ويراد به الزواج عند الشافعية(5).

وقد عرفته بعض الدراسات الحديثة على أنه اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، وأنه عقد مستكمل لشروطه الشرعية، إلاّ إنه لم يوثق، وأن تسمية الزواج العرفي بهذا الاسم هو أن العقد اكتسب مسماه من كونه عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ بدايات الإسلام وما بعد ذاك من مراحل متعاقبة في العصر الذي لم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني إليهم حرج ذلك في ظل غياب الحكومات، بل اطمأنت قلوبهم إليه فصار عرفاً عُرِّفَ بالشَرْعِ وأقَرَّهُم عليه ولم يَرُدَّهُ في أي وقت من الأوقات مع الاختلاف في عهدنا هذا عن السابق، فالزواج العرفي هو شرعي بالأصل، إنما في هذا العصر يكمن الخطأ في حكومات الدول الإسلامية التي كان لها أن تستحدث دوائر خاصة بالزواج العرفي أو تعديل بعض من قوانين الأحوال الشخصية التي تنص على جواز الزواج العرفي بعد أن تُقِرَّ من ترغب بذلك بأن ليس لها ولي أمر، عندئذٍ يخول القاضي الشرعي بتزويجها.

شروط صحة الزواج العرفي:-
تفرّق الرأي بين رجال الدين حول هذه الشروط ولكن الراجح أن هذه الشروط تنحصر في ثلاثة هي:-

1- أن تكون المرأة محلاً للزواج:-
فيشترط ألاّ تكون المرأة التي يُعقد عليها الزواج محرمة على الرجل بل تكون من غير المحرمات عليه سواء كان التحريم على سبيل التأبيد أو على سبيل التأقيت.

2- الشهادة على الزواج:-
لا يُعتد، بالزواج إلاّ إذا كان مشهوداً عليه ولا تكون الشهادة إلاّ برجلين أو برجل وامرأتين. ولكنها لا تصح شهادة رجل واحد وامرأة واحدة ولا شهادة النساء مهما بلغ عددهن.

3- الإشهار والإعلان:-
ندبه الشارع إلى إعلان عقد الزواج بما يحقق له الذيوع والشهرة حتى يعلم عامة الناس أن المرأة المعقود عليها صارت زوجة لمن عَقَدَ عليها، فلا تلوكهما ألسنة الناس بالسوء، وهذا الإعلان لدى مجتمع إسلامي قائم بذاته، ونوّه إلى أهمية هذا الإجراء الرسول الكريم (ص)، لا نكاح إلاّ بشهود، والفصل بين الحلال والحرام الدف والصوت. حيث اختلف الفقهاء حول صحة عقد الزواج، فقد ذهب أبو حنيفة إلى أن الشهادة وحدها تكفي للإعلام وذلك استناداً لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “فإن تشاجرا فإن السلطان ولي من لا ولي له”(6).
ولكن الزواج العرفي بصورته الشرعية التي ذكرها علماء الشرع نادر الحدوث؟ في المجتمعات العربية، لأن الشائع أن يتم الزواج العرفي في السر بعيداً عن أعيُن الأسرة والمجتمع دون إعلانه وإشهاره وعدم حضور الولي للزوجة لمباشرة العقد لها، ما يحدث بالسر، فهو زواج سري بعيداً عنه الزواج العرفي؟.

آثار الزواج العرفي:-
يترتب(7) على قيام الزواج بصفة عامة آثار بين الزوجين على الوجه التالي:-
أولاً: لا يترتب على الزواج اختلاط الحقوق المالية، بل تظل منفصلة، ولكل منهما أمواله وممتلكاته الخاصة به، أما بالنسبة للمهر فهو ليس ركناً من أركان عقد الزواج ولكن المهر حق للزوجة طبقاً لما يقضي به الاتفاق.
ثانياً: حُسن المعاشرة، فقد عُنِيَتْ الشريعة الإسلامية على أن يكون الزوج أميناً على زوجته وأن يحافظ على شرفه وماله، وأن الغرض من الزواج هو الحفاظ على الجنس البشري من خلال الممارسة الجنسية لكونها حق متبادل للاثنين لا غنى عنها لأحد، ولا يجوز لأحد منهما أن يمتنع عن ذلك.

وبالعودة للميراث طالما أن عقد الزواج تم صحيحاً قائماً حتى وفاة أحد الزوجين فإن الزوج يرث الآخر متى توافرت الشروط. كما تجب نفقة الزوجة على الزوج حيث تشمل الغذاء والمسكن والكسوة والعلاج وغير ذلك.
إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة وأجاز لها أن تحكم وأن تعمل، أليس ذلك مناقضاً للمبدأ الحالي من الناحية القانونية والذي يمنحها أيضاً من أن تستخرج جواز السفر أو من أن تذهب لأداء فريضة الحج.

أركانه:-
لقد وضعت الشريعة الإسلامية لعقد الزواج أركاناً وشروطاً لابد من تحقيقها ومن أهم هذه الأركان ما يلي:-
1- أن يتولى عقد الزواج ولي المرأة التي يراد الزواج بها أو نائبها. قال عليه الصلاة والسلام: “لا نكاح إلا بِوَلِيّ”.
2- أن يشهد على العقد شاهدان.
3- أن يعلن الزواج بأية وسيلة كانت(8).

شروط انعقاد الزواج العرفي:-
مما سبق يمكننا القول بأن للزواج العرفي صورتين كبيرتين:-
الصورة الأولى: الزواج العرفي الذي كان معروفاً لدى المسلمين إلى عهد قريب وهذا زواج شرعي تام بالشروط والأركان المطلوبة شرعاً إذ ليس ثمة شك في أن توثيق عقد الزواج ليس ركناً من أركانه وشرطاً من شروطه(9).
الصورة الثانية: هي الزواج العرفي المعروف في الأيام الحالية، وهذه إلى جانب افتقادها للتوثيق(10)، حيث يذكر رجال الشرع أن الزواج العرفي بصورته الشائعة في المجتمع العربي والذي يتم في سرية تامة بعيداً عن الأهل والأقارب يفتقد لأركان وشروط عقد الزواج الشرعي الصحيح وأن من أهم ما يفتقده هذا الزواج من أركان وشروط الزواج الشرعي ما يلي:-

أولاً: الولي:-
يتفق جمهور الفقهاء على أن الولي للزوجة ركن من أركان عقد الزواج– ويقصد بالولي هنا والد الزوجة أو أحد عصبتها كأخوها أو عمها أو خالها، ولا يصُح عندهم أن تُزَوَّجْ المرأة نفسها بدون ولي لم يصُح عقد الزواج بحسب رأي الصحابة والتابعين(11) وقد استدل جمهور الفقهاء على مذهبهم هذا بأدلة وأسانيد من الكتاب والسنة النبوية.
قال تعالى: “وانكحوا الأيامى منكم والصالحينَ من عبادكم وإمائِكُم أن يكونوا فقراء يُغْنِهِمْ اللهُ مِن فضلِهِ واللهُ واسعٌ عليم. وليستعفِفِ الذين لا يجدون نكاحاً حَتَى يُغْنِهُمُ اللهُ من فضلِهِ والذين يبتغون الكتابَ مما ملكت أيمانَكُم فكاتِبُوهُم إن علمتم فيهمْ خَيْراً وآتُوهُم من مال اللهِ الذي آتاكم ولا تُنْكِحُوا فَتَياتِكمْ على البغاء إن أرَدْنَ اللهَ مَنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُوْرٌ رحيم”(12).
كما قال تعالى: “فانكحوهن باذن أهلهن”(13)، أي تزويجهن باذن أوليائهن.
وقوله تعالى: “فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف”(14). فهذه الآية الكريمة تدل على أن الزواج لا يصُح بعبارة المرأة، وسبب نزول هذه الآية أن “معقل بن يسار” كان قد زوج أخته من رجل من الصحابة فطلقها، ثم بعد انقضاء مدتها منه جاء يخطبها من أخيها معقل، فقال له معقل زوجتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان الرجل لا بأس به وكانت أخت معقل تحب الرجوع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال معقل لرسول الله (ص): الآن افعل يا رسول الله، فزوجها إليه. فهذه الآية الكريمة تدل على أن الزواج لا يصح بعبارة المرأة، وذلك لأن أخت معقل كانت ثَيِّباً، فلو كان الأمر بيدها لزوجت نفسها، ولم تكن في حاجة إلى أخيها معقل ليزوجها، ولَما كان هناك داع إلى نهي رب العزة للأولياء عن الْعَضْلْ، أي مُنِعَتْ من الزواج، وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي، وكذلك قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها(15)، وسبب نزول هذه الآية، زواج الرسول عليه الصلاة والسلام من أم المؤمنين زينب، حيث تولى الله سبحانه وتعالى أمر زواج الرسول من زينب، مما جعلها تتباهى وتقول لأمهات المؤمنين: ما من واحدة منكن إلا زوجها أبوها أو أخوها أما أنا فقد زوجني ربي من فوق سبع سموات(16).
ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام “لا نكاح إلا بولي”(17)، وهذا الحديث صحيح في أن الزواج لا يصح إلا بولي. وأيضاً ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله قوله: “أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما أستحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له”(18). ويرى الباحث أن من مكارم الأخلاق لعباد الله أن يحفظوا على المرأة حياءها من ذكر النكاح في مواطن الرجال إذ من شأن هذا أن تجعل المرأة تتسرع في قبول أي راغب فيها دون أن تراعي في ذلك كفاءة أو شرفاً أو نسباً لها ولأسرتها، وفي هذا ضرر لها ولأسرتها ولذا كان مانعاً لها من مباشرة عقد الزواج بنفسها(19).

شروط الزواج الشرعية:-
مما لا شك فيه أن أهم ما يفقده الزواج العرفي –بصورته الشائعة في المجتمع العربي- من شروط الزواج الشرعية منها:-

أ-الشهود العدول:-
لا يكاد الزواج العرفي يقوم على شهادة مستوفية لشروطها الشرعية وفقاً لحديث الرسول (ص) “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل” فمن شروط صحة عقد الزواج أن يكون الشهود عدولاً يشهدون عليه، وهم على بينة بحال المتعاقدين “الزوج وولي الزوجة” وأنهما يبغيان زواجاً تتحدد فيه الحقوق والواجبات ويرجى من وراءه تكوين أسرة وإنجاب أولاد.
والشاهد العدل هو من لا يرتكب الكبائر ولا يُصر على ارتكاب الصغائر(20). وكذلك هو من يقوم بالفرائض والسنن ويجتنب المحرمات من كبائر وصغائر(21). هنا يثور التساؤل لدى الباحث: أين الزواج العرفي من الشهود العدول؟ وهل شهادة اثنين مستأجرين شهادة على العقد العرفي مقابل مبلغ من المال، وشهادة اثنين من طلبة الجامعة ممن لا يعرفون أمور دينهم ويقعون في الحرام ويفرطون في الواجبات –كالصلاة- تعتبر شهادة صحيحة؟. وتأتي الإجابة بالنفي فالشهود العدول مفقودون في الزواج العرفي ومن ثم فإن الشهادة على العقد العرفي تكون غير صحيحة وغير مستوفية لشروطها الشرعية، بل إنه في بعض الأحيان ينتفي تماماً شرط الشهادة في عقد الزواج العرفي حيث يتوقع الأخير في صورة إيجاب وقبول يتبادلانهما رجل وامرأة أو شاب وفتاة أو طالب وزميله لا سمح الله.

ب-الإعلان:-
نَدَبَ الشارع إلى إعلان عقد الزواج بما يحقق الذيوع والشهرة حتى يعلم عامة الناس أن المرأة المعقود عليها صارت زوجة فلان، وذلك خشية ألسنة الناس وبخاصة مجتمعاتنا العربية المتخلفة(21)، وعلى حين اعتبر الإمام مالك الإعلان والإشهار ركناً من أركان عقد الزواج. فقد اعتبره بقية الأئمة شرطاً من شروط صحته. ومن أهم ما ورد عن رجال الشرع في الاستدلال على أهمية الإعلان والإشهار لعقد الزواج ما جاء عن رسول الله (ص) من أن “الفصل بين الحلال والحرام الدف والصوت”(23).
وما أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله (ص) قال: “أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف”.
فكل ما سبق يؤكد أهمية الإعلان والإشهار على عقد الزواج وأن تخلفهما يجعلهما أقرب للزنا والسفاح منه لعقد الزواج.
ولا ريب في أن هناك فارقاً بين الإعلان والإشهار، لأنه إذا كان الإشهار يقتضي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على الزوج فقط، فإن لفظ الإعلان يمتد ليشمل أكثر من ذلك.. إعلان كل من لا يعلم ويريد لهذا الإخفاء بحيث لا يخفى على الغير. ونتساءل أين الزواج العرفي من هذا؟. يتبين بأنه لا يوجد إعلان ولا إشهار في الزواج العرفي مثلما هو شائعٌ في عادات المجتمعات الإسلامية من إقامة حفلة زفاف للعروسين يُدعى إليها الأهل والأصدقاء، وهو أمرٌ يُنتفى في الزواج العرفي حيث يجري في سرية تامة بعيداً عن العيون وغالباً ما يؤمر شهود العقد العرفي –إن وجدوا- بكتمانه وعدم إذاعته على الناس.

قيمة التوثيق، والقانون الجزائي:-
قد لا يختلف اثنان على أن هناك قيمة كبيرة في توثيق عقد الزواج وتسجيله رسمياً لما يحمله ذلك من حماية وحفاظ لحقوق الزوجة الشرعية.
فقضي في المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية الأردني(24) بأنه يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد، وكذلك إذا جرى الزواج بدون وثيقة رسمية فيعاقب كلّ من العاقد والزوجين والشهود بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني وبغرامة على كل منهم لا تزيد على مائة دينار وهو عين ما قررته المادة 279 من قانون العقوبات الأردني، وتظهر أهمية وثيقة الزواج الرسمي ويصبح وجودها في حوزة الزوجة أمراً ضرورياً وبالغ الأهمية حينها تضطر الزوجة للجوء إلى القضاء للمطالبة بأي حق من حقوقها الناشئة من العلاقة الزوجية، وذلك لأنه إما أن يعترف الزوج بقيام هذه العلاقة ولا يجحدها وحينئذٍ تمضي المحكمة في نظر الدعوى فيها بما تراه لصالح أحد المتخاصمين. وإما أن ينكر الزوج رابطة الزواج ولا يعترف بها، ففي هذه الحالة تمتنع المحكمة عن سماع الدعوى إعمالاً لنص المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية حيث نصت المادة على ما يلي:-
يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل من أجرى مراسيم زواج أو كان طرفاً في إجراء تلك المراسيم بصورة لا تتفق مع قانون حقوق العائلة أو أي قانون آخر أو شريعة أرض أخرى يتطبق أو تنطبق على الزوج والزوجة، مع علمهم بذلك.

وفي إطار الاستفسار عن قيمة التوثيق يتساءل البعض عن الحكم الشرعي في الزواج العرفي إذا كان مستكملاً أركان وشروط عقد الزواج الشرعي ولكنه مفتقد لعنصر التوثيق فلم يتم توثيقه وتسجيله رسمياً في محكمة الأحوال الشخصية.
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: أن الأمر قد تغير الآن بعد أن ضعفت النفوس وقل الوازع الديني لدى غالبية الناس وظهرت كثير من المفاسد فيما يتعلق بإنكار هذا الزواج وإنكاره ليس منه وضياع حقوق الزوجة بسبب عدم توثيق عقد الزواج كما يترتب عليه من ضياع حقوق الزوجة والأولاد.

وتمشياً مع هذا النهج ولكي يكون عقد الزواج العرفي صحيحاً وسليماً من الناحية الشرعية، لابد من أن يتوافر أركان وشروط الزواج الشرعي في الزواج العرفي، مع أهمية توثيق عقد الزواج حماية وحفاظاً لحقوق الزوجة والأولاد.
فالتوثيق غير لازم لشرعية الزواج، والقانون لم يشترط لصحة الزواج سوى الإشهار وبينما التوثيق مهماً جداً في هذه الأيام لضمان الحقوق ولما شاع بين الناس من فساد وغدر وخيانة(25).

أسباب انتشار الزواج العرفي:-
الاختلاط وهو اجتماع الرجل والمرأة في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر أو بالإشارة.
وأن من أسباب وجود هذه الظاهرة نجد أن هناك أسباب أسرية واقتصادية وأنانية في الكسب وأسباب اجتماعية وسياسية أيضاً وراء انتشار مثل هذا الزواج وما يترتب عليه من تبعات غالباً ما تتحمله المرأة وفي أغلب الأحيان يكون مصيرها القتل.
أحياناً يتم الزواج العرفي في السر جراء ظروف معينة خاصة بأن الطرفين أو بكلاهما أو خطأ في القانون يدفعهما إلى ذلك.
فلماذا نحجر عليهما. نريده أن يكون معلناً عن طريق إقامة الأفراح مثلاً لنأكل اللحم ونرقص.

إن البعض يفعل ذلك ونيته سيئة، ويفضل بعض الشباب الزواج العرفي لأنه أفضل حالاً أحياناً من الزواج الرسمي الذي يشترط ختم الحكومة الذي يكون عن طريق المأذون الشرعي الذي ليس له مهمة سوى الحصول على حاجته التي بدورها تشعر المرأة بأنها عبدة تباع وتشرى وليس لها أي دور فعال من البيت إلى المجتمع، بعكس الزواج السري الذي يؤدي إلى خديعة القاصرات اللواتي يزوجوهن ذويهن بطريقة موثوقة بالقانون أو بالاحتيال على القانون الذي يسمح بذلك، بخاصة قانون الدول الإسلامية.
فأين يكمن الخطأ؟ فإذا كان الخطأ في نصوص عقد الزواج العرفي… أهذا ما يتمسك به البعض.
وبالعودة للحقوق فإن حق المرأة والبنون، حق إنساني متفق عليه على نطاق بشري واسع فلا يصح انتهاكه تحت اسم الهوية الدينية أو العادات لكل مجتمع كان.
ومن أهم أسباب انتشار الزواج العرفي غلاء المهور وقلة الموارد المادية خاصة للشباب.
فالشباب لا يستطيع أن يتكلف مصاريف الزواج في هذا الوقت بسبب غلاء المعيشة، فكانت الطريقة الأسهل للحصول على الزوجة هو الزواج العرفي.
فبهذه الطريقة يحصل لكل من الشاب والفتاة على المتعة دون تكلف نفقات زائدة (26).

الآثار المترتبة على الزواج العرفي:-
سواء جاء الزواج العرفي محرراً في ورقة أم تم شفاهة فإنه لا يرتب حقاً لأي من الزوجين قبل الآخر، إذ لا تجب به نفقة للزوجة على زوجها ولا حق له في طاعتها ولا يرث أحدهما الآخر.
ويلاحظ أنه لا تثبت به تلك الحقوق طالما أنه ظل زواجاً عرفياً، أما في حالة الاعتراف به أمام القضاء والحصول على حكم بإثبات العلاقة الزوجية فإنه ينتج كل الآثار التي يرتبها الزواج الموثق والسابق ذكرها غير أنه ينبغي التأكيد على أن للزواج العرفي آثار وسلبيات خطيرة(27) على الأنثى في رابطة الزواج العرفي سواء كانت امرأة أو فتاه، حيث تعتبر هي الضحية الأولى لهذا الزواج بالإضافة إلى آثاره على المجتمع، وبالتالي تتنوع آثار الزواج العرفي إلى آثار خاصة وعامة على المجتمع.
ويرى الباحث أن هناك عُرضة لإنكار حقوق الزوجة الشرعية والقانونية عند زواجها عُرفِيَّاً حيث يمكنها إثبات الزوجية أمام المحكمة ليكون زواجاً رسمياً وغاب عنها أنها مهما حازت على بينات مثل الشهادة أو نسخة العقد وما شابه ذلك وخطابات وعلم الناس بأمر هذا الزواج كل ذلك تنثر قيمته أمام حضور الزوج أمام المحكمة وإنكاره لهذا الزواج العرفي إلاّ أن المحكمة سترفض النظر في دعوى الزوجية شكلاً وموضوعاً لأن المحاكم لا تعترف بورقة الزواج العرفي هذا فيما إذا أنكرها أحد الطرفين ويمضي الباحث ويقول أن التوثيق لا يضيع بينما نسخة ورقة عقد الزواج العرفي عُرضة للضياع ويترتب على إنكار الزوج لزواجه العرفي ضياع كافة حقوق الزوجة الشرعية والقانونية فلا حق لها بالمهر ولا النفقة ولا الإرث من زوجها إذ لا توارث بين الزوجين من الزواج العرفي غير الموثق(28).
إنَّ ما يترتب على ذلك إزعاج وإشاعات وسوء ظن مما يفتح منافذ أخرى كما سبق وذكرنا بحق المرأة.

الزواج العرفي وسيلة لابتزاز الزوجة:-
إن من الآثار السخيفة للزواج العرفي أن الزوجة لم تكن تستطيع الطلاق شخصياً، فعندما تذهب المرأة أو الفتاه إلى المحكمة لطلب الطلاق –وفي حالة إنكار الزوج زواجه منها عرفياً- فإن المحكمة كانت تمتنع عن النظر في دعوى الطلاق، لأن المحكمة لا تعترف بالورقة إذا أنكرها حد الطرفين.
وكثير ما كانت تتعرض الزوجة بسبب ذلك للمساومة والتهديد حتى تطلق عرفياً، وإلاّ، تركها الزوج معلقة فلا هي زوجة، ولا هي مطلقة يحق لها الزواج من رجل آخر، فضلاً عن إمكانية مسائلتها قانونياً بتهمة الجمع بين زوجين عند زواجها من آخر.

النسب في الزواج العرفي(29):-
أولاً: قد تنشأ أخبث الآثار التي تنجم عن الزواج العرفي، ذلك من أجل إثبات النسب وأخرى لنفيه، والتي قد تؤدي إلى ضياع الأنساب، لأن الرجل بعد استمتاعه بمن تزوجها عُرفياً يتركها في أي لحظة حيث تلجأ الزوجة إلى القضاء لرفع دعوى إثبات النسب حال الولادة.
ثانياً: النسب يثبت بالزواج سواء كان رسمياً أم عرفياً فهذا لا خلاف عليه، لأن الزواج العرفي سيخضع بالتالي لنفس قواعد الزواج الرسمي عند إثبات النسب أي أن النسب يثبت بثلاث طرق هي: الفراش، البينة، الإقرار، وهي على النحو التالي:-
أ- المراد شرعاً بالفراش –الزوجية القائمة أو حين ابتداء الحمل.
ب- مدة الحمل وفيها اختلفت المذاهب الإسلامية اختلافاً واسع المدى في تقدير مدة الحمل(30).
جـ- البينة في إثبات النسب، تقوم بشهادة رجلان أو رجل وامرأتان، فإذا ادعى شخص ببنوة آخر أو أبوته أو غير ذلك، وأنكر المدعى عليه، فللمدعي أن يثبت دعواه بالبينة، وحينئذٍ يثبت النسب مُلزماً لكل من الطرفين فلا يمكن نفيه بعد ذلك.

الإثبات:-

تعتبر البينة(31) أقوى الحجج لأنها حجة متعدية وليس على المدعى عليه وحده –بل يثبت عليه وعلى من يتعدى الحكم إليه، وذلك على خلاف الإقرار الذي هو بمثابة حجة قاصرة على المُقر وحده لا تتعداه إلى الغير.
أما النكول على اليمين فهي توجه في الزواج عند الصاحبين، أما أبي حنيفة فلا توجه عنده في الزواج حيث أنه إذا تداعى شخصان، رجل وامرأة بشأن وجود الزواج، فادعى الرجل وجوده، نسأل المرأة فإن أقرّت قضى بالزواج وثبت عليه، وإن أنكرت كان على الزوج البينة لأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
إلاّ أنه في ظل القانون لم يكن هناك من سبيل لإثبات العلاقة الزوجية –في حالة الزواج العرفي- غير الإقرار، فإذا أنكر أحد الطرفين هذه العلاقة لم يكن في الإمكان النظر في أحدهما أمام القانون.
إن من بين الآثار الجانبية أيضاً للزواج العرفي تزوير وثائق، وذلك للهروب من المسائلة والعقوبة.
وهكذا فإن الزواج العرفي مصيره دائماً الانهيار، والفشل حليفه، وأيضاً يعم المجتمع بالغش.

من شروط الزواج الشرعي في العرفي:-
يرى جمهور الفقهاء أن أركان وشروط عقد الزواج الشرعي هي: العاقدان، وهما الزوجة والولي، وصيغة عقد الزواج التي تتحقق بالإيجاب والقبول بين الطرفين، فتلك هي أركان عقد الزواج.
أما شروط صحته فهي: الشهود، الإعلان، والإشهار.
حيث أن الزواج العرفي بصورته الشائعة والتي يتم في سرية تامة بعيداً عن أعين الأهالي يفتقد لأركان وشروط عقد الزواج الشرعي. وأن من أهم من يفتقد الزواج العرفي من أركان وشروط الزواج العرفي الصحيح: الولي والشهود العدول والإشهار (32).
هذا ومن خلال سردنا في هذا البحث يتبين أن رجال الفقه متفقون على أن الولي من أركان عقد الزواج، والولي هو أحد المحرمين على الزوجة.

شروط صحة الزواج العرفي:-
قال (ص): “لا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل”.
نرى أن من صحة عقد الزواج هنا أن يكون الشهود عُدولاً يشهدون عليه وهم على بينة بحال المتعاقدين من تحديد الحقوق والواجبات وتكوين أسرة، وهذا ما يفتقده عقد الزواج فيقع باطلاً وغير صحيح والنتيجة تعكس بذلك وتكون به المعاشرة زنا.
وواضح أنه إذا كان الزواج العرفي يقوم على السرية والكتمان، فإن ذلك يمثل أقوى أسباب تحريمه وبطلانه وعدم صحته من الناحية الشرعية.

الخاتـمـة

ويتضح لنا مما تقدم أن الزواج العرفي باطل لمنافاته كلام الله وسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأن الزواج شُرِّعَ لتحقيق أهداف اجتماعية ومقاصد مثلى منها إقامة الحياة الآمنة المُطمئنة بين الزوجين القائمة على السكينة والمودة والرحمة، إقامة أسس مترابطة متحابة يأنس فيها الزوج إلى زوجته ليجد عندها راحته، وتجد هي عنده الحماية وصون الكرامة، ومن مقاصده أيضاً الذرية الصالحة مما يُساعد على استمرار الحياة وإعمار الأرض، وكذلك المحافظة على الأنساب.
وليس في الزواج العرفي أياً من هذه المقاصد سوى إشباع الغريزة بطريقة حيوانية أشبه بالاغتصاب. فمن الظاهر أن الزواج العرفي لا يودي إلى المحافظة على الأنساب، بل على العكس إنه يضيعها، لأن الرجل عندما يعلم أن من تزوجها عُرفياً سراً حامل يتركها هارباً بعد تمزيقه للعقد العرفي. ويرفض الاعتراف بوليده، وإذا أقامت الزوجة دعوى لإثبات نسب المولود لأبيه أقام هو الآخر دعوى لنفيه رغم علمه التام بحقيقة نسب المولود وأنه ابنه فما أبعد الزواج هذا عن اطمئنان النفوس ومقاصد الزواج الشرعي، وما أقرب من حيث مقاصده إلى نكاح المتعة وإن كان يحمل اسماً جديداً “الزواج العرفي”، ولكن الهدف فيهما واحد وهو التمتع بالمرأة فترة من الوقت، ونكاح المتعة من الأنكحة الباطلة التي حرمها الإسلام إلى الأبد.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “إن الله حرم المتعة فلا تقربوها ومن كان على شيء منها فليدعها”.
وقال تعالى: “فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة”(33).

الهوامـش

1- سورة الروم، الآية 21.
2- ابن كثير، ت القرآن العظيم، ج3، ص: 682.
3- بدران بدران. الزواج والطلاق في الإسلام. مؤسسة شباب الجامعة الإسكندرية 1983، ص: 9.
4- خليل، أحمد: عقد الزواج العرفي، منشأة المعارف –الإسكدنرية، 2002، ص: 9.
5- المرجع نفسه + أنظر: شرح القدير ج3، ص: 184.
6- خليل، ص: 9.
7- الأردن صفحة 37. أنظر هلال إبراهيم صفحة 32 من أحكام الزواج.
8- أنظر الشريف وهلال يوسف 19-20.
9- الطحلاوي، بديعة، بعض الأنكحة المنهي عنها في الشريعة الإسلامية 1998، ص: 139-142.
10- حمودة، أيمن، الزواج العرفي، 1998، ص: 48.
11- عثمان، محمد: فقه النساء في الخطبة والزواج، دار الفضيلة، القاهرة، 1984، ص: 65.
12- سورة النور، الآية: 32: -وانكحوا الأيامى منكم إلى آخر الآية- هذا أمر بالتزويج وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من اقتدر، واحتج العلماء بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: “يا معشر الشباب من استطاع منكم البائة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. أنظر البخاري 4677. كما جاء في السنن من غير وجه أنّ رسول الله (ص) قال: “تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة. أنظر صحيح أبي داوود 1805، أو الألباني 1782.
13- سورة النساء، الآية 125.
14- سورة البقرة، الآية 232.
15- سورة الأحزاب، الآية 37. أنظر مختصر تفسير ابن كثير الجزء الثاني ص: 329.
16- ابن كثير، ج3، ص
17- رواه البيهقي، ج7، ص: 126.
18- السنن الكبرى للبيهقي. ج7، ص: 105.
19- االباحث بتصرف -انظر-لنجار، عبد الله، الزواج، مجلة منبر الإسلام. ديسمبر 1994.
20- اللواء الإسلامي، 6، 6، 1997.
21- نبيل، محمد. مجلة منبر الإسلام، عدد 1418، ص: 97.
22- الباحث، بتصرف.
23- رواه النسائي.
24- الصادر عام 1976.
25- عزت، شريف، الخلع والزواج العرفي بين الشريعة والقانون، دار التقوى، القاهرة 2000، ص: 31.
26- انظر عزت شريف، وفارس عمران.
27- الشريف، ص: 2.
28- اعمران، فارس. الزواج العرفي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية/200. ص: 32-34.
29- إبراهيم، هلال، أحكان الزواج العرفي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية. 1999. ص: 83.
30- للفهم والتوسع أنظر نفس المرجع السابق 84. وأنظر الشريف 30.
31- أبو زهرة، محمد، الأحوال الشخصية. ط2 لسنة 1980، ص: 271.
32- حمودة، مرجع سابق، 47.
33- سورة النساء الآية 24. ولا شك أنه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثم نُسخ بعد ذلك، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أن أُبيح ثم نُسخ، ثم أُبيح ثم نُسخ مرتين.
وقال آخرون: أكثر من ذلك. وقال آخرون: إنما أُبيح مرة ثم نُسخ مرة ثم نُسخ ولم يُبح بعد ذلك.
وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها الضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وكان ابن عباس وأُبي ابن كعب وسعيد بن جُبير يقرؤون: “فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة). وقال مجاهد نزلت في نكاح المتعة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك. والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة. أنظر صحيح مسلم 2511. ولهذا الحديث ألفاظ مقررة وهي في كتاب الاحكام. وفي غزوة يوم فتح مكة قال عليه الصلاة والسلام: “يأيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخل سبيله، ولا تأخذوا ما آتيتموهن شيئاً”. أنظر 229 لمختصر ابن كثير، الجزء الأول. وأنظر محمد أبو زهرة،