بحث قانوني و دراسة حول قواعد عامة للمسؤولية المدنية

ان المشرع المدني الاردني كغيره من التشريعات العربية لم يضع قواعد خاصة لكل مهنة من المهن، وانما وضع قواعد عامة للمسؤولية المدنية تحكم الفعل الضار والخطأ والعلاقة السببية ولذلك لا توجد قواعد محددة تحكم مسؤولية الطبيب المدنية، فلا بد اذن من الرجوع للقواعد العامة لتحديد مسؤولية الطبيب والتزامة بالتعويض وهذا ما أكدت علية محكمة التمييز الاردنية والقضاء المقارن، حيث وضعت قواعد عامة يستنبط منها مدى امكانية مسألة الطبيب واركان هذه المسائلة.
مهنة الطبيب على جانب كبير من الاهمية، وتختلف عن اي مهنة اخرى لان علاقة الطبيب بالمريض هي علاقة انسانية واخلاقية، وهذا ما اكد عليه الدستور الطبي لنقابة الاطباء الاردنيين حيث الزم الطبيب ان يهتم بالمريض اهتمام خاص وخاصة ان المريض يسلم نفسه للطبيب المعالج، مما يجب ان تقدم له العناية الصادقة والدقيقة.
ولبحث طبيعة المسؤولية الطبية لا بد من بيان العناصر التالية: – المبحث الاول: التعريف بالعمل الطبي – المبحث الثاني: تكيف المسؤولية الطبية – المبحث الثالث: صفة التزام الطبيب مع المريض.

1-التعريف بالعمل الطبي

المطلب الأول: ماهية العمل الطبي في اراء الفقهاء

تعددت الاراء حول تعريف العمل الطبي، فيعرفة الاستاذ سافتية في شرحة للقانون الطبي بأنه (ذلك العمل الذي يقوم به شخص متخصص من اجل شفاء الغير، طالما كان هذا العمل يستند إلى الاصول والقواعد الطبية المقررة في عالم الطب) . كما ويعرفه الاستاذ الدكتور محمد نجيب حسني (بأنه ذلك النشاط الذي يتفق بكيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب، ويتجة في ذاتة، اي وفق المجرى العادي للامور إلى شفاء المريض، والاصل في العمل الطبي ان يكون علاجياً اي يستهدف التخلص المرض او تخفيف حدته او مجرد تخفيف آلامة، يعد كذلك من قبيل الاعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن اسباب سوء الصحة او مجرد الوقاية من المرض) .
وبتدقيق النظر في التعريفين السابقين، يلاحظ انهما قصرتا نطاق العمل الطبي على العلاج فقط دون ذكر الاعمال التي تكون غايتها المحافظة على صحة الانسان او تنظيم حياته، وأرى ان مفهوم العمل الطبي اوسع من ذلك بكثير ذلك ان دور الطبيب لم يعد مقصورا على شفاء المريض فقط او وقايته من الامراض، وانما اصبح يقوم بتوجية وتنظيم الحياة العضوية للانسان بالنظر إلى ظروف حياته المهنية والعملية. ويمكنني القول ان العمل الطبي هو (ذلك الجانب من المعرفة الذي يتعلق بموضوع الشفاء وتخفيف المرض ووقاية الناس من الامراض الجسمانية والنفسية، ومحاولة تخليص الانسان من كل ما يلم بة من آلام جسمانية ومعنوية ونفسية).

المطلب الثاني: ماهية العمل الطبي في القضاء

تطور مفهوم العمل الطبي في القضاء تطورا ملحوظا فقد كان مقصورا على التشخيص، والعلاج ثم تغير مفهوم القضاء للعمل الطبي فشمل إلى جانب العلاج التشخيص فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بانه يعد مزاولا لمهنة الطبيب دون ترخيص كل من يقوم بتشخيص الامراض . واتسعت ايضا نظرة القضاء للعمل الطبي فاصبحت تشمل الفحوص المخبرية والتحاليل الطبية، وعمليات نقل الدم ووصف الادوية، وإعطاء الاستشارات الطبية والعقاقير. لقد كان للتطور العلمي والاجتماعي تركيز على مفهوم العمل الطبي فقد اتسع نطاقة ليشمل الفحص والتشخيص والعلاج، كما ظهر إلى جانب ذلك عنصر جديد هو الوقاية وهي مرحلة سابقة تماماً على وقوع المرض، ذلك ان العلم الحديث قد كشف عن وسائل علمية وطبية يمكن عن طريقها تفادي الامراض مثل التطعيم ضد بعض الامراض.

2-تكييف المسؤولية الطبية

انعقد الاجماع الفقهي والقضائي على قيام المسؤولية المدنية للطبيب عن الخطأ والتقصير الصادر من قبلة اثناء معالجته للمرضى، ولم يكن هذا الامر مثاراً للجدل والنقاش، الا ان الجدل ثار حول تكيف هذه المسؤولية فيما اذا كانت مسؤولية عقدية، أم مسئوولية تقصيرية.
ولتكيف مسؤولية الطبيب المدنية، لابد من وضع هذه المسؤولية في مكانها بالنسبة إلى غيرها من انواع المسؤولية، وتحديد نطاق دائرتها في وسط نطاق دوائر اوسع منها، كالمسؤولية الادبية والجنائية، والمدنية. وساعرض في هذا المبحث لانواع المسؤولية في مطلب أول وفي المطلب الثاني ساعرض بالتحديد لنوع المسؤولية الطبية.

المطلب الاول: انواع المسؤولية

تعرف المسؤولية بانها حالة الشخص الذي ارتكب امر يستوجب المؤاخذة وتنقسم المسؤولية بشكل عام إلى قسمين رئيسيين هما المسؤولية الادبية والمسؤولية القانونية.

1. المسؤولية الادبية: وهي المسؤولية التي لا تدخل في دائرة القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني، بل ان امرها موكول إلى الضمير والوجدان والوازع الداخلي، وبالتالي هي حالة الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد الاخلاق، والمتعارف عليها بانها مكملة للقواعد القانونية. يتضح ان المسؤولية الادبية تقوم على اساس ذاتي محض فهي مسؤولية امام الله وامام الضمير وكما ان هذه المسؤولية تتحقق حتى لو لم يوجد ضرر.

2. المسؤولية القانونية: وهي المسؤولية التي تدخل في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني، وبالتالي هي حالة الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد القانون، ولا تتحقق هذه المسؤولية الا اذا وجد ضرر ولحق هذا الضرر شخص اخر غير المسؤول.
ونستخلص مما سبق ان المسؤولية الادبية اوسع نطاق من المسؤولية القانونية، لانها تتصل بعلاقة الانسان بربة وبعلاقته بنفسة وبعلاقتة مع الناس، بخلاف المسؤولة القانونية التي لا تتصل الا بعلاقة الانسان بغيرة من الناس. وتنقسم المسؤولية القانونية بدورها إلى قسمين جنائية ومدنية:

1. المسؤولية الجنائية: وهي التي تتحقق عندما يرتكب الشخص فعلا يشكل جرما يعاقب عليه القانون، فتقوم هذه المسؤولية على اعتبار ان هناك ضرر اصاب المجتمع من جراء ارتكاب هذا الشخص فعلا يخالف القواعد القانونية العامة التي تنظم شؤون الحياة في المجتمع وتترتب على مخالفته لهذه القواعد جزاء جنائي محدد بنصوص القانون.

2. المسؤولية المدنية: وهي التي تتحقق عند اخلال المدين بالتزام يجب عليه، وترتب على هذا الاخلال ضررا اصاب الغير، ويعرفها البعض بانها التزام شخص بتعويض الضرر الذي اصاب شخص اخر، وبالتالي يلزم بتعويض الضرر الذي لحق الغير.

يتبين لنا مما سبق ان قيام احدى المسؤوليتين لا يتعارض مع قيام المسؤولية الاخرى، فقد يترتب على العمل الواحد مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية في آن واحد، كالقتل، والسرقة، والقذف، فكل عمل من هذه الاعمال يحدث ضرر في المجتمع والفرد في وقت واحد، فيكون من ارتكب هذا الفعل مسؤولا مسؤولية جنائية جزاءها العقوبة، ومسؤولا مسؤولية مدنية جزاءها التعويض.

وقد تتحقق المسؤولية الجنائية دون المدنية اذا لم يلحق الفعل ضررا بالغير، كما في بعض جرائم الشروع وحمل السلاح ومخالفات المرور، وقد تتحقق المسؤولية المدنية دون المسؤولية الجنائية اذا الحق الفعل ضررا بالغير دون أن يدخل ضمن الاعمال المعاقب عليها في القوانين الجنائية، كالاضرار بمال الغير عن غير عمد وسوء العلاج الطبي. وهذا وتنقسم المسؤولية المدنية بدورها إلى قسمين المسؤولية العقدية، والمسؤولية التقصيرية (الفعل الضار).

أولاً: المسؤولية العقدية.

تقوم هذه المسؤولية على الاخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من التزامات، فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية يرتبطان بعقد، وفي حالة اخلال احدهما بشروط العقد تتحقق المسؤولية، ومثال ذلك العقد المبرم ما بين البائع والمشتري ثم يتعرض البائع للمشتري بالعين المبيعة فيخل البائع بالتزامه العقدي من عدم التعرض، نستطيع القول ان المسؤولية العقدية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام عقدي ويخل بشروط العقد المتفق عليها.

ثانياً: المسؤولية التقصيرية

تقوم هذه المسؤولية عند الاخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير وهو الالتزام بعدم الاضرار بالغير، فالدائن والمدين لا يرتبطان بعقد قبل ان تتحقق المسؤولية بل ان المدين اجنبيا عن الدائن، ومثال ذلك ان تكون العين في يدي مالكها ويتعرض له فيها اجنبي ويكون المدين بالتالي قد اخل بالتزام قانوني عام يفرض عليه عدم الاضرار بالغير ويدخل في الغير مالك العين. ونستطيع القول ان المسؤولية التقصيرية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام فرضة علية القانون.

ومن خلال ما سبق يتبين لنا ان هناك اهمية للتفرقة ما بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية ترجع هذه التفرقة إلى طبيعة كل من المسؤوليتين وتكمن اهمية هذه التفرقة فيما يلي :

1. من حيث الاهلية: يشترط لقيام المسؤولية العقدية كمال الاهلية لشخص المتعاقد بينما لا يشترط ذلك في المسؤولية التقصيرية.

2. من حيث الاعذار: ان المطالبة بالتعويض وفق المسؤولية العقدية يتطلب توجية اعذار للمدين يبين فية ضرورة قيام المدين بتعويض الضرر الناجم عن اخلالة بشروط تنفيذ العقد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في القانون والاتفاق، اما المسؤولية التقصيرية فلا يشترط فيها مثل هذا الاعذار.

3. من حيث مدى التعويض عن الضرر (الضمان): ففي المسؤولية العقدية لا يسأل المدين الا عن الضرر المباشر والمتوقع وقت ابرام العقد، باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم، اما في المسؤولية التقصيرية فيسأل المدين عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع.

4. من حيث الاختصاص: ينعقد الاختصاص في المسؤولية العقدية للمحكمة التي في دائرتها موطن المدعى عليه او المدعى واحيانا للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان انعقاد العقد، هذا كله اذا لم يتم الاتفاق على غير ذلك، اما في المسؤولية التقصيرية فينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان وقوع الفعل الضار.

5. من حيث التضامن: ان التضامن في المسؤولية العقدية لا يكون الا بنص القانون او الاتفاق عليه، بخلاف الامر في المسؤولية التقصيرية الذي يفترض فيها التضامن.

6. من حيث نطاق المسؤولية عن فعل الغير: يسأل المدين وفقاً للاحكام المسؤولية العقدية عن فعل كل شخص استعان به في تنفيذ الالتزام، اما في المسؤولية التقصيرية فلا يسأل الشخص الا عن افعالة الشخصية باستثناء ما نص عليه القانون، اي ان الاصل في المسؤولية التقصيرية انها شخصية الا اذا نص القانون على غير ذلك.

7. من حيث الاعفاء من المسؤولية: يجوز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية العقدية وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (210) من القانون المدني المصري، في حين ان الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية التقصيرية يكون باطلاً وقد نصت عليه المادة (270) من القانون المدني الاردني على ذلك صراحة. وفي حالة اذا توافر في الفعل مسؤولية عقدية وتقصيرية فان المسؤولية العقدية تجب المسؤولية التقصيرية.

8. من حيث الاثبات: يقع على الدائن في المسؤولية العقدية اثبات العقد، وعلى المدين اثبات انه قام بتنفيذ التزامه او اثبات السبب الاجنبي الذي حال بينه وبين تنفيذه للإلتزام المترتب عليه، أما في المسؤولية التقصيرية فيقع عبء الاثبات على الدائن (المضرور) فهو الذي يلزم باثبات خطأ المدين والضرر والعلاقة السببية.

9. من حيث رقابة محكمة التمييز: يذهب جانب من الفقة إلى انه ليس لمحكمة التمييز بسط رقابتها على المسؤولية العقدية، الناجمة عن إخلال بالتزام عقدي وحجتهم بذلك ان الامر يتعلق بتفسير العقد الذي هو من مسائل الموضوع والتي يختص بها قاضي الموضوع، ولا رقابة لمحكمة التمييز على ذلك، بينما في المسؤولية التقصيرية والتي هي اخلال بالتزام قانوني مفروض على الكافة.

فإن محكمة التمييز تراقب القاضي عندما يحكم وذلك وفقا لاحكام هذه المسؤولية لانها مسؤولية قانونية. 10. من حيث مرور الزمان المسقط للدعوى: تنقضي دعوى الضمان في المسؤولية العقدية بالتقادم الطويل، في حين ان دعوى الضمان في المسؤولية التقصيرية ينقضي بمرور 3 سنوات من تاريخ العلم بحدوث الضرر او المسؤولية عنه، وفي جميع الاحوال بمرور (15) خمسة عشرة سنة من يوم وقوع الفعل الضار.

المطلب الرابع: تحديد نوع المسؤولية الطبية

تثور المسؤولية الطبية عندما يتخلف أبناء المهنة عن بذل العناية التي تتطلبها مهنتهم والتي ينتظرها منهم المرضى، وقد كانت تلك المسؤولية محلاً للعديد من الاراء الفقهية والتطبيقات القضائية وبالتالي للكثير من التساؤلات حول تحديد طبيعتها هل هي مسؤولية عقدية ام مسؤولية تقصيرية.
الطبيعة التقصيرية للمسؤولية الطبية من المعلوم ان المسؤولية لا تكون عقدية الا اذا وجد عقد صحيح بين المضرور والمسؤول عن الضرر، وكان هذا الضرر نتيجة اخلال احد طرفي العقد باللتزام العقدي. ويترتب على هذا القول ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية كلما انعدمت الرابطة التعاقدية. وقد ذهب القضاء الفرنسي مدة من الزمن إلى اعتبار ان المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية، فقد صدر حكم في عام 1838م من احدى المحاكم الفرنسية وعرض على محكمة النقض الفرنسية موضوع مسؤولية الطبيب، فقررت انها تقصيرية استنادا للمادتين (1382، 1383) من القانون المدني الفرنسي، باعتبار ان هاتين المادتين واجبتي التطبيق عندما يصدر خطأ من شخص معين يسبب ضرر للغير دون تمييز بين طبيب او غيره. واستمر الاخذ بهذا الحكم حتى بداية هذا القرن. وقد ساير الفقة الفرنسي المحاكم الفرنسية واعتبر ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية، تقوم على الاخلال بواجب عام وهو عدم الاضرار بالغير، وقد استند انصار المسؤولية التقصيرية في مجال المسؤولية الطبية إلى عدة حجج لتأييد رأيهم ويمكن اجمال هذه الحجج بما يلي :

1. ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية لها طبيعة فنية بحتة، فالطبيب ملزم بمراعاة واجب الضمير والاصول العلمية الطبية الثابتة بعلم الطب، سواء ارتبط بعقد ام لم يرتبط، فكل ما يتعلق بالضمير والاصول العلمية الثابتة بعلم الطب مناطة قواعد المهنة وهذا يخرج عن دائرة العقد.

2. كل فعل يقوم به الانسان وينشأ عنه ضرر للغير، فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وقد ذهب انصار هذه الحجة (النظرية) بان كل فعل حتى ولو شكل جريمة جنائية فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وعمل الطبيب الذي يقوم به لا يخرج عن هذا النطاق ويلتزم بتعويض الضرر الذي نشأ عن فعله الطبي ولا يسأل عن اي جرم جنائي على حد قولهم لانه يتمتع بحصانة جنائية اذا ما التزم باصول المهنة.

3. الاستناد إلى فكرة النظام العام، ان العلاج الطبي يتعلق بحياة الانسان وسلامة جسمة وبدنة وسلامة الانسان من سلامة المجتمع، وبالتالي فان المساس بهذه المسائل هو مساس بالنظام العام الذي هو مجموعة من الركائز والقواعد الاساسية التي تهم المصلحة العليا للدولة، والتي على الجميع احترامها، وبناء عليه يجب ان يخضع المسؤول في حالة مخالفتة لهذة القواعد والركائز لقواعد المسؤولية التقصيرية.

الا ان الاخذ بالمسؤولية التقصيرية يجعل عبء الاثبات يقع على عاتق المريض المضرور، على اعتبار ان الدائن هو الملزم باثبات الضرر، ومن اجل التخفيف عنه في عبء الاثبات وتوفير الحد الادنى لحمايته فقد لجأ الفقة إلى المادة (1384) من القانون المدني الفرنسي والتي تحكم المسؤولية عن حراسة الاشياء، وتطبيقا لذلك فقد قررت محكمة النقض الفرنسية ان قرينة المسؤولية التي تفرضها الفقرة الاولى من هذه المادة تجاة من الحق ضررا من الاشياء او لحق به ضررا من الاشياء التي تكون تحت الحراسة، لا يمكن نفيها الا باثبات السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه .
وعلية لا يكتفي من الطبيب المدعى علية ان يثبت انه لم يرتكب خطأ، وانما يجب ان يثبت ان هناك سبب اجنبي لا يد له فية حتى يتمكن من نفي المسؤولية عنه.
وبقي الفقة والقضاء في فرنسا يعتبران المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية إلى ان صدر حكم محكمة النقض الفرنسية في حكم شهير لها في يوم 20 ايار من عام 1936م، حيث عرض امر تكيف طبيعة المسؤولية الطبية من جديد على محكمة النقض وقررت (انه من المقرر نشوء عقد ما بين الطبيب والمريض يلتزم بمقتضاه الطبيب لا بشفاء المريض بل بتقديم العناية اليقظة التي تقتضيها الظروف الخاصة للمريض والتي تتفق مع اصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي، ويترتب على الاخلال بهذا الالتزام التعاقدي ميلاد مسؤولية من نفس النوع اي مسؤولية عقدية).

يتضح من خلال الحكم السابق لمحكمة النقض الفرنسية ان عقد العلاج بين الطبيب والمريض وان لم يتضمن شفاء المريض، فانه لا يكتفي من الطبيب بذل جهود عادية، بل المطلوب منه بذل قصارى جهدة في سبيل الشفاء والتي يجب ان تكون متفقة مع الاصول العلمية الثابتة مالم يكن هناك ظرف استثنائي، وبدأ القضاء الفرنسي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية.
وفي مصر كان القضاء المصري يعتبر ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية إلى ان اصدرت محكمة النقض المصرية حكما شهيرا لها في 22 حزيران عام 1962 ذكرت ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية ، والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي بينه وبين مريضة بشفائة او بنجاح العملية التي يجريها له، الا ان العناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل منه جهود صادقة يقظة تتفق مع الاصول العلمية المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يمكن ان يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي احاطة بالطبيب المسؤول. ومع ذلك هناك حالات استقر الفقة والقضاء على أن تكون فيها مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية وهي الحالات التالية :

أولاً: اذا كان تدخل الطبيب لا يستند إلى عقد صحيح ويقع ذلك في الحالات التي تؤكد الدلائل على انعدام الرابطة التعاقدية ما بين الطبيب والمريض، فاذا ما انعدم وجود مثل هذه الرابطة، فان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، ومثال ذلك ان يقوم الطبيب بانقاذ جريح على الطريق العام او انقاذ غريق، فيعتبر تدخل الطبيب هنا هو اقرب إلى قواعد الفضالة حتى ولو دعي من قبل الجمهور للقيام بحالات الانقاذ المذكورة.

ثانياً: في الحالة التي يسبب المريض ضرراً يلحق بالغير، مثال ذلك اهمال الطبيب في مراقبة مريضة المختل عقليا والذي يسبب ضررا للغير او قيام المريض بمرض معدي -مع علم الطبيب بذلك- بنقل العدوى إلى شخص آخر، دون ان يقوم الطبيب بعمل الاجراءات اللازمة للحيلولة دون منع او انتشار المرض المعدي، او اذا منح الطبيب شهادة طبية لشخص معين وكانت هذه الشهادة مخالفة للوقائع وقام هذا الشخص بتقديمها لرب العمل. في الحالات السابقة تكون مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية.

ثالثاً: حالة امتناع الطبيب عن علاج المريض او عن التدخل في معالجتة في ظروف كان يجب علية وفقا للقانون ان يتدخل في العلاج، ومثال ذلك عدم قيام الطبيب في قسم الطوارئ بتقديم الاسعافات الاولية للمريض فتعتبر مسؤولية الطبيب في هذه الحالة مسؤولية تقصيرية.

رابعاً: الحالة التي تأخذ مخالفة الطبيب لالتزامه الطابع الجنائي ومن ثم يكون القضاء الجزائي هو المختص بالدعوى المدنية، وقد طبق القضاء الفرنسي هذا المبدأ بشأن الممرضة التي ادى اهمالها الجسيم لموت الطفل الصغير.

خامساً: الحالة التي يطالب فيها بالتعويض شخص آخر غير المريض، اي غير المتعاقد مع الطبيب، كما هو الحال بالنسبة لورثة المتوفي المتضرر، اذا قاموا برفع دعوى باسمهم الشخصي للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي اصابهم شخصيا نتيجة لموت قريبهم او مورثهم. هذه الحالات استقرا القضاء عليها بانها مسؤولية تقصيرية لا مسؤولية عقدية .

الطبيعة العقدية للمسؤولية الطبية يمكننا القول بأن الطبيب اذا قام بمعالجة المريض في ظروف عادية فغالبا ما يكون ذلك بناءً على اتفاق مسبق بينهما، وغالباً ما يرتبط المريض مع الطبيب بموجب عقد، حتى وان كانت صيغة هذا العقد في غالب الاحيان غير مكتوبة او غير موثقة، فمجرد فتح المريض لعيادتة وتعليقة للافتة التي تدل على ذلك، فانة يضع نفسة في موقع من يعرض الايجاب، فعندما يتوجة المريض لهذا الطبيب من اجل العلاج فهذا يدل على قبول المريض للايجاب، وبالتالي انعقاد العقد الطبي بينهما، وبموجب هذا العقد يطلب المريض من طبيبة ان يقدم له العناية التي تؤدي إلى شفائة مقابل بدل معين يتم الاتفاق علية وفي العادة وكما هو معمول بة في الأردن يتم تحديد اجور الكشفيات والعلاج مسبقا بموجب انظمة داخلية .
وقد تحول القضاء الفرنسي كما سبق وان اشرنا عن اعتبار ان المسؤولية هي مسؤولية تقصيرية واستقر على ان المسؤولية الطبية هي في الاصل مسؤولية عقدية والاستثناء ان تكون مسؤولية تقصيرية.

وبدأ تحول القضاء الفرنسي عن اعتبار ان المسؤولية طبية هي مسؤولية عقدية وذلك منذ أن عرضت على محكمة النقض الفرنسية قضية تتلخص وقائعها، بأنه طلب منها تعيين المدة التي تتقادم بها دعوى الطبيب الناشئة عن الاهمال في العلاج اهمالاً يقع تحت طائلة قانون العقوبات، حيث يترتب على ذلك نشوء دعويين، دعوى مدنية ودعوى جزائية، وبالتالي يثور التساؤل حول المدة التي تتقادم بها دعوى مسؤولية الطبيب في هذه الحالة، هل هي مدة التقادم الجنائي، وهي ثلاث سنوات، فاذا ما اعتبرنا ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية فانها تتقادم بثلاث سنوات اما اذا كانت عقدية بانها تتقادم بثلاثين سنة.
لقد أضطرت محكمة النقض الفرنسية إلى تكييف مسؤولية الطبيب لاهمية النتيجة التي تترتب على التكييف وهي اما قبول دعوى المسؤولية بعد انقضاء ثلاث سنوات او عدم قبولها، وأخيرا قضت في 20-5 – 1936 اعتبار ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية وعلية فان الدعوى المدنية لا تسقط بسقوط الدعوى الجزائية بل تبقي قائمة ولا تسقط الا بانقضاء مدة التقادم الطويل.

وقد خرج الفقة على اثر هذا الحكم الشهيرة باقرار نتيجة هامة الا وهي عدم جواز الجمع او الخيرة بين المسؤوليتين، وبناء على ذلك يقع على عاتق المريض الذي يدعي بان التزام الطبيب لم يتم تنفيذه – اذا اعتبرنا هذا الالتزام هو التزام عقدي اثبات ذلك وفقا للقواعد العامة بالاثبات وتعتبر مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية حتى ولو تدخل الطبيب من تلقاء نفسة وفق اصول المجاملات الطبية، كما لو قام الطبيب بمعالجة احد اصدقائة او كما لو قام الطبيب بالمعالجة او بالتدخل بناء على اشتراط لمصلحة الغير، كما لو تعاقد رب العمل مع طبيب معين لمعالجة عمالة، فالعامل المضرور يرجع على الطبيب في حالة اهمال الطبيب في معالجتة وفقا لقواعد المسؤولية العقدية . بعد أن تعرضنا للاتجاهات الفقهية والقضائية والتي عملت علىتكييف طبيعة المسؤولية الطبية نعرض الان الرأي السائد في التكييف القانوني للمسؤولية الطبية.

الرأي السائد في تكييف المسؤولية الطبية كانت الاتجاهات الفقهية والقضائية السابقة تعتبران مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية ثم تحولت واصبحت تعتبرها مسؤولية عقدية، والرأي السائد في تكييف المسؤولية الطبية والمجمع عليه فقهيا وقضائيا، ان مسؤولية الطبيب عن اخطاءه المهنية، انما هي مسؤولية عقدية واخذ بذلك القضاء الفرنسي وتبعه القضاء المصري. ولكي تكون مسؤولية الطبيب عقدية فانة لابد من توافر الشروط التالية : الشرط الاول: ان يكون هناك عقد صحيح بين الطبيب والمريض فيجب ان تتوافر في العقد حتى يكون صحيحا ومشروعا جميع اركانه وشروطة والمتمثلة بالرضى الخالي من العيوب، فإذا لم يحصل الطبيب على رضى المريض بالعلاج فانه يكون قد ارتكب خطأ ويسأل عن الاضرار الناجمة عن تدخلة، كما يشترط ايضا ان يكون محل العقد مشروعا، فاذا اتجهة إلى انشاء التزام على عاتق الطبيب فهذا يعني ان العقد يكون صحيحا، وبالتالي وجود رابطة تعاقدية بين الطبيب والمريض وتكون المسؤولية بالتالي مسؤولية عقدية. وهذا الامر يثير ضرورة بحث العديد من الحالات لتحديد ما اذا كان تدخل الطبيب بموجب عقد ام لا: – الحالة الاولى : اختيار الطبيب من قبل المريض.

في هذه الحالة يتم اختيار الطبيب من قبل المريض ويوجد عقد ما بين المريض والطبيب بهدف علاج المريض وهذه الحالة لا تثير ادنى شك في كون أن المسؤلية هي مسؤلية عقدية . – الحالة الثانية : تدخل الطبيب دون دعوى من قبل المريض . وفي هذه الحالة فإن الطبيب يتدخل ليس بناء على دعوى من المريض ، وبالتالي لا يكون وجود العقد واضحا كما هو الوضع في الحالة الاولى ، بل أن هذا الوضع يتطلب أن نميز بين عدة فروض للتأكد من وجود العقد من عدمه:

o الفرض الأول : تدخل الطبيب من تلقاء نفسه أو بدعوى من غير ذي صفة ، ومثال ذلك كما لو شاهد الطبيب حادث على الطريق العام وتدخل من تلقاء نفسه لإسعاف المريض أو بناء على دعوى من الجمهور ، هنا لا يوجد عقد بين الطبيب والمريض ويعتبر العمل الذي قام به الطبيب من أجل إسعاف المريض ، من قبيل الفضالة .

o الفرض الثاني : حالة اختيار الطبيب المعين من قبل مستشفى خاص او مشروع خاص
ويتحقق هذا الأمر عندما يبرم الطبيب عقد مع مستشفى أو مع إدارة شركة أو مصنع يلتزم بمقتضى هذا العقد أن يقوم بمعالجة مرضى المستشفى الخاص أو عمال الشركة أو المصنع أثناء قيامهم بالعمل ، أن العقد المبرم ما بين الطبيب والمستشفى أو المشروع الخاص ينظم علاقاتهم التبادلية ، وبموجب هذا العقد يلزم الطبيب بتقديم العلاج اللازم للعمال أو مرضى المستشفى على الرغم من أنه لم يلتزم معهم بإي اتفاق سابق ، فيكون التكيف القانوني لهذه العلاقة وفقا لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير ، حيث يعتبر الطبيب متعهدا بتقديم خدمة العلاج والمداواة وتعتبر إدارة المستشفى او المصنع، المشترط، ويعتبر العمال او المرضى هم المستفيدون من هذا الاشتراط، ومن المعلوم انه لا يشترط في الاشتراط لمصلحة الغير تعيين الاشخاص الذين لهم مصلحة ما دام انهم قابلين للتعييين عند التنفيذ.

وبناءً على ذلك يكون للمستفيد دعوى مباشرة يستمدها من العقد ويستطيع استعمالها في مواجهة المتعهد (الطبيب) لمطالبتة بتنفيذ التزامة، وبالتالي يمكننا القول ان مسؤولية الطبيب في هذا الفرض هي مسؤولية عقدية.

o الفرض الثالث: حالة الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام كانت النظرية السائدة في فرنسا حتى اواخر القرن الماضي، وفي مصر حتى اوائل هذا القرن تذهب إلى ان العلاقة بين الموظف والادارة هي علاقة تعاقدية، واعتبر قبول الموظف للوظيفة وقبول الادارة للموظف عبارة عن عقد من عقود القانون المدني، ووصف ذلك بانة عقد اجار اشخاص، الا انه وجهت انتقادات عديدة إلى هذا التكييف القانوني اي لعلاقة للموظف بالادارة، خاصة وان القانون المدني تحكمة قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يجوز تعديل العقد الا باتفاق الطرفين، ونجد على العكس من ذلك ان الادارة تقوم بتعديل شروط التوظيف، بمحظ ارادتها، دون ان يكون الموظف حق الاحتجاج لانه حق مكتسب، لذلك عدل مجلس الدولة الفرنسي عن هذا التكييف واستقرت احكامة على اساس فكرة المركز اللائحي والتنظيمي للموظفين، اي ان العلاقة بين الموظف والادارة هي علاقة تنظيمية لائحية .

ووفقا لهذا الرأي فإن الوظائف تنشأ بقانون يحدد بموجبها الحقوق والواجبات وقبول الموظف ليس الا خضوع للاحكام الوظيفية، وهذا ما استقر عليه المشرع الفرنسي في قانون التوظيف سنة 1946م وهو ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية سنة 1969م حيث ذهبت في احد اقضيتها إلى ان علاقة الطبيب بالجهة الادارية هي علاقة تنظيمية للائحية وليست علاقة تعاقدية، وان مسؤولية الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض هي مسؤولية تقصيرية ، كما ان محكمة العدل العليا الاردنية ذهبت في احد احكامها إلى ان علاقة الموظف بالادارة هي علاقة تنظيمية وليست تعاقدية. ولقد تطورت مسؤولية الادارة عن الأضرار التي يسببها المستخدمين، مما أدى إلى استبعاد قواعد القانون الخاص بالمسؤولية لتخضع كليا لقواعد المسؤولية الادارية . ونستخلص مما سبق ان علاقة الطبيب بالادارة هي علاقة تنظيمية لائحية تحكمها القوانين والانظمة ولا يمكن القول بوجود الاشتراط لمصلحة المريض بين الطبيب الذي يعمل في المستشفى وادارة المستشفى حيث لا يوجد عقد بينهما، لذلك فإن المساءلة الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض يكون وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.

الشرط الثاني: اخلال الطبيب المعالج بالعقد الطبي (ارتكاب الطبيب خطأ طبي) يسأل الطبيب في حالة عدم قيامة بالالتزامات التي يفرضها عليه العقد الطبي المبرم مع المريض عن كل تقصير او اهمال يصدر عن الطبيب اثناء قيامة بمعالجة المريض. وبالرجوع إلى قواعد المسؤولية العقدية نجد ان الخطأ العقدي هو عبارة عن انحراف ايجابي او سلبي في سلوك المدين يؤدي إلى مسألتة، ومعيار هذا الانحراف هو معيار الرجل العادي، وهذا ما نصت علية المادة (358/1) من القانون المدني الاردني بقولها “اذا كان المطلوب من المدين هو المحافظة على الشيء او القيام بادارتة او توخي الحيطة في تنفيذ التزامة فانة يكون قد وفى بالالتزام اذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذلة الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود. هذا ما لم ينص القانون او الاتفاق على غير ذلك. وعلية فإن المعيار الذي يطبق على الطبيب المدعى علية هو معيار موضوعي وهو معيار الطبيب الوسط. والأصل في المسؤولية العقدية هو افتراض وقوع الخطأ من جانب المدين إذا لم يقم بتنفيذ التزامة كلية أو في جزء منه او تأخر في تنفيذة، ولا يستطيع الطبيب نفي الخطأ عن نفسة الا اذا اثبت ان عدم التنفيذ يرجع إلى سبب اجنبي كما اشارت إلى ذلك المادة (448) من القانون المدني الاردني والتي تنص “ينقضي الالتزام اذا اثبت المدين ان الوفاء بة اصبح مستحيلا علية لسبب اجنبي لا يد له فية”.

ان مضمون التزام الطبيب هو بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الظروف القائمة والاصول العلمية الثابتة بعلم الطبيب، بهدف شفاء المريض، والاخلال بمثل هذا الالتزام بشكل خطأ طبي يثير مسؤولية الطبيب، والفعل الخاطئ قد يكون مقصودا أو متعمدا وقد يكون غير ذلك كأن ينتج عن اهمال او عدم احتراز. الخطأ العمدي: هو قيام المدين بفعل بقصد الحاق الضرر بالدائن، مما يعني انه ارتكب غشاً ولذا تشغل مسؤوليتة في جميع الحالات، ولا يستطيع التأمين عليها، او الاتفاق على الاعفاء منها وهذا ما نصت عليه المادة (358/1) من القانون المدني الاردني بقولها “وفي كل حال يبقى المدين مسؤولاً عما يأيتة من غش او خطأ جسيم” وواضح من هذه المادة ان الخطأ الجسيم يعامل معاملة الغش .

ولكن هل يجب على الدائن ان يثبت عدم تنفيذ المدين للالتزام، اي يثبت خطأ المدين وهو امر صعب في كثير من الاحيان، ام يكفي ان ثبت عدم تنفيذ المدين للالتزام، اي لمجرد عدم الوفاء بالالتزام وبالتالي افتراض الخطأ في جانب المدين، وعليه اذا اراد نفي المسؤولية عنه ان يقيم الدليل على وجود السبب الاجنبي. ومن خلال الرجوع إلى نصوص القانون المدني الاردني لمعالجة التساؤل السابق يجب علينا ان نفرق بين الالتزام بتحقيق نتيجة وللالتزام ببذل عناية.
ففي الالتزام بتحقيق نتيجة يكفي ان يثبت الدائن (المريض) عدم قيام المدين بتنفيذ التزامة، اي ان يثبت عدم تحقق النتيجة، فمثلا في عقد النقل يكفي ان يثبت العميل عدم وصول البضاعة في الموعد المتفق علية مع الناقل، فاذا اثبت الدائن ذلك فيفترض وقوع الخطأ من جانب المدين، ويتعين في هذه الحالة على المدين اذا اراد ان يتخلص من المسؤولية ان يقيم الدليل على وجود السبب الاجنبي الذي ادى لعدم قيامة بالتزامة. وفي الالتزام ببذل عناية، فانة لا يكفي من الدائن اثبات عدم الالتزام لكي يفترض الخطأ في جانب المدين، بل يجب عليه ان يثبت ان المدين لم يقم ولم يبذل في تنفيذ التزامة العناية المطلوبة، فإن اثبت ذلك فإن عبء الاثبات ينتقل للمدين الذي يستطيع نفي المسؤولية عنه اذا اثبت وجود السبب الاجنبي وهذا واضح من نص المادة (358/1) من القانون المدني الاردني السابق ذكرها.

الشرط الثالث: حصول ضرر للمريض يشترط لقيام المسؤولية العقدية بالاضافة إلى الشرطين السابقين حصول ضرر للدائن، وهذا مستفاد من نص المادتين (360، 363) من القانون المدني الاردني ، فاذا لم يسبب فعل الطبيب الخاطئ ضررا للمريض فلا مجال حينئذ للتعويض، والضرر نوعان، مادي وادبي كالضرر الذي يصيب الشخص في سمعتة. ويقع عبء اثبات الضرر على المتضرر (الدائن)، حيث انه مكلف باثبات وقوع الضرر – وهو امر سهل في كثير من الاحيان – حتى ولو كان التزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، لانة قد لا ينفذ المدين التزامة ومع ذلك لا يصاب الدائن باي ضرر، كما لو تأخر الناقل في ايصال احد الجياد عن الموعد المتفق علية ليشترك في سباق ما، ثم يتبين بعد ذك ان السباق قد الغي او تأجل، فهنا لم يحدث لصاحب الجواد اي ضرر من جراء عدم تنفيذ الناقل للالتزامة، ولا تقوم بالتالي المسؤولية غير انه يستثنى من قاعدة وجوب اثبات الدائن لما لحقة من ضرر من جراء عدم تنفيذ المدين للالتزامة أمران : • الاول: خاص بفوائد النقود حيث لا يشترط لاستحقاق هذه الفوائد ان يثبت الدائن ان ضررا قد اصابة، •بل واكثر من ذلك لا يجوز للمدين اثبات انقضاء الضرر للتخلص من وقع فوائد التأخير. الثاني: خاص بالشرط الجزائي او التعويض الاتفاقي، حيث ان القانون المدني الاردني في المادة (364/2) تجيز لمن يدعي ان التعويض المتفق علية اقل من الضرر الحاصل، أو أن المدين الذي يدعى ان التعويض المشروط يتجاوز الضرر الواقع، ان يثبت ما يدعية.

الشرط الرابع: اثبات العلاقة السببية بين عدم تنفيذ المدين لالتزامة والضرر الحاصل. ان المسؤولية العقدية لا تقوم لمجرد عدم تنفيذ المدين لالتزام، بل يجب ان يكون عدم التنفيذ راجعا إلى خطأ المدين او بمعنى ادق ان تكون هناك علاقة سببية بين عدم التنفيذ والضرر الحاصل، وان علاقة السببية هذه يفترض وجودها اذا كان التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة، بمعنى انه اذا اثبت الدائن عدم تحقيق نتيجة فيفترض ذلك ان الخطأ في جانب المدين، ولا تنتفي العلاقة السببية الا اذا اثبت المدين ان الضرر قد نشاء عن سبب اجنبي لا يد له فيه كأفة سماوية، او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر، كان غير ملزم بالضمان ما لم يقضي القانون او الاتفاق بغير ذلك.

الخيرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية من المعلوم انه قد يجتمع في الفعل الواحد شرط المسؤولية العقدية والتقصيرية، وهنا تثور مسألة الجمع بين المسؤوليتين، وهناك جانب من الفقهاء يرى جواز الخيرة بين المسؤوليتين، على اساس ان الدعوى يجوز دفعها متى توافر شروطها، فاذا توافرت شروط المسؤولية العقدية وشروط المسؤولية التقصيرية كان الدائن بالخيار بينها، ان شاء على اساس المسؤولية التقصيرية،او العقدية ولكن في حالة اذا اختار احد الدعويين فخسرها، فلا يجوز له بعد ذلك الالتجاء إلى الدعوى الاخرى. وذهب جانب اخر من الفقه إلى ان دعوى المسؤولية العقدية تجب دعوي المسؤولية التقصيرية لان العلاقة بين الدائن والمدين مرجعها العقد وحدة، فالدائن لا يعرف المدين الا عن طريق العقد فكل علاقة بينهما تخضع الميرم دون غيره.

المسؤولية الطبية في القضاء العربي أولاً: في مصر ذهب القضاء المصري في بداية الامر إلى اعتبار ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية لا عقدية، ويجب على المريض اثبات اركان المسؤولية الطبية، وهي الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بانة لا يمكن مسأءلة طبيب في المستشفى العام الا على اساس المسؤولية التقصيرية، لانة لا يمكن القول في هذه الحالة بإن المريض قد اختار الطبيب لعلاجة حتى ينعقد العقد بينهما، كما لا يمكن القول بوجود عقد اشتراط لمصلحة المريض بين إدارة المستشفى العام وبين اطبائها لان علاقة الطبيب الموظف بالجهة الادارية التي يتبعها هي علاقة تنظيمية وليست تعاقدية، وبذلك لا يكون هناك محل لبحث مسؤولية طبيب المستشفى العام في دائرة المسؤولية التعاقدية . ومسلك القضاء المصري في هذا الشأن ينطلق من اعتبارات عملية وانسانية، اذ انه من الثابت ان احكام المسؤولية التقصيرية هي لصالح المريض المضرور من عدة وجوة .

ففي المسؤولية التقصيرية يكون التعويض عن الضرر المباشر الذي ينتج عن الفعل الضار سواء كان متوقع وغير متوقع، اما في المسؤولية العقدية فان التعويض لا يكون الا على الضرر المتوقع وقت ابرام العقد. وبخصوص التضامن في المسؤولية العقدية فإنه لا يفترض بين المدينين، بل لا بد من الاتفاق علية صراحة، بخلاف الحال في المسؤولية التقصيرية فالتضامن مفترض بين المدينين. ومن ناحية الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية، ففي المسؤولية التقصيرية لا يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية، لان قواعد المسؤولية التقصيرية متعلقة بالنظام العام، اما في المسؤولية العقدية فيجوز الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية من الخطأ اليسير او حصرها في حدود مبلغ معين. هذا وقد عدل القضاء المصري عن الحكم السابق والذي اعتبر فيه ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، وجاء بحكم حديث له اعتبر فيه ان مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض او نائبة هي مسؤولية عقدية.

فقضت محكمة النقض المصرية في 26- تموز – 1969، بان مسؤولية الطبيب الذي يختاره المريض او نائبة لعلاجة هي مسؤولية عقدية، والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي ينعقد بينة وبين مريضة بشفائة او بنجاح العملية التي يجرها له، لان التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة وانما هو التزم ببذل عناية، والعناية المطلوبة من الطبيب تقتضي ان يبذل لمريضة جهودا صادقة يقظة تتفق مع الاصول الطبية المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي احاطت بالطبيب المسؤول .

نجد من خلال هذا الحكم ان محكمة النقض المصرية قد عدلت عن موقفها السابق واعتبرت ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية لا تقصيرية وذلك على غرار محكمة النقض الفرنسية، وعلية فان ما هو مستقر علية الوضع في الفقة والقضاء المصري ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية كلما كان الطبيب قد تولى علاج المريض بناء على اختياره له وطلبة بنفسة او عن طريق نائبة وتكون مسؤولية الطبيب تقصيرية في الحالات التي يتطوع فيها الطبيب من تلقاء نفسه، او امتناعة عن العلاج، اولا يكون المريض حرا في اختياره، ولا يثبت وجود عقد بينة وبين الطبيب ويتضح هذا القول من خلال عبارات الحكمين السابقين.
“لا يمكن مساءلة طبيب المستشفى العام الا على اساس المسؤولية التقصيرية، لانه لا يمكن القول في هذه الحالة بأن المريض قد أختار الطبيب لعلاجة ..” . وأويد الاتجاه الذي ذهب اليه القضاء المصري والذي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية. في حالة اختيار الطبيب من قبل المريض او نائبة، لانه يتفق مع المنطق القانوني السليم، ولا أرى وجاهة لما جاء في القرار الاول والذي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية في حالة اذا ما كان يعمل كطبيب في المستشفى العام والسبب في ذلك انه يمكن ان يكييف هذا الامر على اساس الاشتراط لمصلحة الغير.

ثانيا: سوريا يعتبر القضاء السوري ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية على الرغم من عدول القضاء الفرنسي عن هذا الاتجاة، وقد طبقت المحاكم السورية احكام المسؤولية التقصيرية بالنسبة لتقادم ومرور الزمان على دعوى الطبيب، وقررت انها تتقادم بثلاث سنوات طبقا لنص المادة (173/1) من القانون المدني السوري والتي تنص “تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن الضرر غير مشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه، وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع”. ورفضت ان تطبق تقادم الدعوى الناشئة عن العقد .

ثالثاً: لبنان لم تضع محكمة التمييز اللبنانية مبدأً واضح لطبيعة المسئولية الطبية، كما ان سائر المحاكم اللبنانية لم تتعرض في احكامها للتفرقة بين المسئوولية التقصيرية والمسئوولية العقدية، الا ان محكمة بيروت ذهبت في احد اقضيتها الصادرة عن الغرفة المدنية بأن مسئوولية الطبيب هي مسئوولية عقدية. ويرى الفقه اللبناني ان الطبيب يرتبط بعقد يقتضي منه ان يعالج المريض الذي تعاقد مه وان يبذل في معالجته العناية الصادقة في حدود الاصول الطبية المستقرة في علم الطب.

رابعا: الأردن ان الاحكام القضائية بشأن مسؤولية الطبيب المدنية قليلة ولم تتناول هذه المسؤولية بشكل مباشر، فقد قضت محكمة التمييز في احد احكامها بالزام المستشفى وصاحبة بدفع اربع الاف دينار كتعويض عن الضرر الذي لحق بالطفلة والمتمثل بالعاهة الدائمة التي اصيبت بها نتيجة الخطأ اثناء معالجتها وكان ذلك راجعا للخطأ بالتشخيص، وفي الوقت ذاته، اقرت محكمة التمييز مسؤولية صاحب المستشفى عن اخطاء العاملين لدية، واشارت انه تطبيقا لنص المادة (288/ب) من القانون المدني الاردني فان مالك المستشفى مسؤول عن اخطاء العاملين لدية لانهم يعملون تحت رقابتهم وتوجيههم، والملاحظ ان هذا الحكم لم يتناول التكييف القانوني لمسؤولية فيما اذا كانت مسؤولية تقصيرية ام عقدية. اما بالنسبة لمسؤولية الاطباء المهنية ضمن نقابة الاطباء الاردنيون رقم 13 لعام 1972 فقد نص في الفصل السادس منه على السلطة التأديبية، حيث تنص المادة (45) على ما يلي : “كل طبيب يخل بواجباته المهنية خلافا لاحكام هذا القانون وأي نظام صادر بمقتضاه او يرتكب خطا مهنيا او يتجاوز حقوقه او يقصر بالتزاماته وفق الدستور الطبي او يرفض التقيد بقرارات المجلس او يقدم على عمل يمس شرف المهنة او يتصرف في حياته الخاصة تصرفا يحط من قدرها يعرض نفسه لاجراءات تاديبية امام مجلس التأديب”. وقد حددت المواد من (46-54) من نقابة الاطباء كيفية تشكيل السلطة التأديبية والاجراءات المتبعة امامها وتحدد هذه النصوص ايضا العقوبات التي يحكم بها مجلس التأديب وهي واحدة واكثر والواردة في المادة (55) وهي ما يلي :

العقوبات التي يحكم بها مجلس التأديب هي واحدة او أكثر مما يلي: أ- التنبية. ب- التوبيخ. ج- الغرامة النقدية من (10) إلى (250) دينار تدفع لصندوق النقابة. د- الحرمان من عضوية المجلس والهيئات المختلفة للنقابة للمدة التي يقررها. هـ- المنع من الممارسة مؤقتا لمدة لا تزيد عن سنة. ز- المنع النهائي من ممارسة المهنة وشطب اسم الطبيب من السجل بعد ادانته من المحاكم المختصة.

هذا وقد تضمن الدستور الطبي واجبات الطبيب واداب المهنة، ووفقا لنصوص الدستور الطبي تقوم المسؤولية الطبية بين المريض والطبيب على بذل العناية وعدم الاهمال وليس الشفاء حيث تنص المادة (12) من الدستور الطبي “على الطبيب عند قبولة رعاية اي شخص سواء في عيادته الخاصة او في اي منشأة صحية ان يبذل كل جهدة وطاقته لتقديم العناية والعطف والاخلاص لكل المرضى على حد سواء”. ويشير الدستور الطبي ايضا إلى الاساليب التي يجب على الطبيب مراعاتها في مجال الرعاية الطبية حيث تنص المادة (13) منه على الطبيب في مجال الرعاية الطبية الخاصة مراعاة التقاليد التالية:

أ- حرية المريض في اختيار الطبيب.

ب- حرية الطبيب فيما يصفة مع مراعاة ظروف المريض المادية.

ج- فيما عدا حالات الطوارئ والاسعاف، للطبيب الحق في رفض المعالجة لاسباب مهنية او شخصية.

د- يمكن للطبيب ان يمتنع عن معالجة مريضة بشروط:

1. ان لا يضر ذلك بمصلحة المريض.

2. ان يقدم المعلومات اللازمة لمواصلة العلاج. والقضاء الاردني لغاية الان لم يتعرض لتكييف مسؤولية الطبيب وفيما اذا كانت مسؤولية تعاقدية او تقصرية، والاحكام الموجودة بهذا الصدد قليلة ولم تبحث هذا الامر بشكل مباشر ومفصل.

خامسا: السودان لا توجد سوابق قضائية تتناول مسؤولية الطبيب بشكل مباشر في السودان، بحيث يمكن ان تشكل في مجموعها مبادئ تصلح للنقد والتحليل واستخلاص طبيعة هذه المسؤولية، فتحريك دعوى المسؤولية تجاه الاطباء في السودان بسبب الأخطاء التي يرتكبونها اثناء تدخلهم الطبي والجراحي، لم تكن تطرح أمام القضاء إلى الدرجة التي تدفع القضاء السوداني لوضع المبادئ التي تضبط احكامها من خلال الواقع . هذا وقد قررت المحكمة العليا السودانية عند استئنافها أحد الاحكام المبادئ التالية:

1. الالتزام الذي ينشأ من إهمال الصيدلي في واجبه ليس التزاما تعاقديا بل هو التزام ينبع من المسؤولية التقصيرية الناتجة عن خرق الصيدلي لواجبه العام نحو الجمهور اذا كان الضرر الناتج عن ذلك جسيما.

2. إذا كان الضرر النأشئ عن خرق ذلك الالتزام طفيفا، يمكن ان يدرج الالتزام تحت المسؤولية التعاقدية.

3. يلزم تقدير التعويض على وجود الوقائع المثبته او المنفية التي يبنى عليها حساب مقدار التعويض.

وقد اورد قانون المعاملات السودانية النافذ بعض الحالات كنماذج وأمثلة للاخلال بواجب الطبيب والصيدلي، الذي يستوجب مسؤولية التقصيرية والتي منها: 1. إعطاء أدوية غير صحيحة تضر بصحة الشخص المعالج دون اتخاذ الحيطه والحذر اللازمين. 2. التفريط في الواجبات الوظيفية او المهنية دون اعتبار خطورة ذلك على صحة المريض. 3. اجراء عملية إجهاض غير قانونية او طهارة غير قانونية يتضح لنا من خلال ما قد سبق ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية ناتجه عن أهماله وعدم اتباعه لقواعد الحيطة والحذر ولا تكون هذه المسؤولية عقديه الا في الحالات التي يكون فيها عقد واضح وصريح بين الطبيب والمريض وكان لا ينطوي على الحالات التي اعتبرها قانون المعاملات السودانية من الامور التي تدخل في نطاق مسؤولية الطبيب التقصرية.

3- صفة التزام الطبيب مع المريض

طبيعة الالتزام الطبي لتحديد مسؤولية الطبيب المعالج، لا بد من معرفة طبيعة الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب، فيما اذا كان التزام ببذل عناية ام التزام بتحقيق نتيجة، وساعرض اولا لبيان اهمية التفرقة بين الالتزام ببذل عناية والالتزام لتحقيق نتيجة ومن ثم اقوم بتحديد طبيعة التزام الطبيب، واخيرا أبين الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة.

المطلب الاول اهمية التفرقة بين الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة

يكون التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة اذا كان المطلوب منه القيام بعمل معين بذاتة، كما هو الحال بالنسبة للمحامي الذي يطلب منه القيام بتقديم احد الطعون خلال المدة القانونية التي يمكن ان يقدم فيها الطعن، فاذا لم يقدم الطعن خلال المدة المحدده، يكون مسؤول عن هذا التقصير على اعتبار ان التزامة هو التزام بتحقيق نتيجة، اما اذا كان المطلوب من المدين بذل العناية فانه في هذه الحالة يلزم يبذل العناية التي تؤدي الىالنتيجة ولا يضمن تحقيق النتيجة.
تعددت المعايير بشأن التفرقة بين الالتزام يبذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة، ومن هذه المعايير معيار الارادة والذي جاء به الفقية الفرنسي (ديموج)، ومعيار الاحتمال، ومعيار مساهمة الدائن، وساعرض لهذه المعايير بشكل مقتضب.

أولاً: معيار الإدارة يكون التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة اذا انصرفت ارادة المدين لتحقيق نتيجة معينة، والا فإن التزام المدين يقتصر على بذل العناية المطلوبة منة، فوفقا لهذا المعيار فان الارادة هي الفيصل في تحديد طبيعة الالتزام.

ثانياً: معيار الاحتمال يكون التزام المدين وفقا لهذا المعيار التزاما ببذل عناية اذا كانت الغاية المرجوة من التعاقد، قد ظهرت غير محققة الوقوع، او بمعنى ادق احتمالية الوقوع، فاذا كانت احتمالية فان التزام المدين ببذل عناية، اما اذا كانت الغاية من التعاقد مؤكدة الوقوع (محققة) فان التزام المدين بهذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة.

ثالثا: معيار مساهمة الدائن من خلال هذا المعيار نستطيع معرفة طبيعة التزام المدين عن طريق معرفة موقف الدائن في تحقيق النتيجة. فاذا كان موقف الدائن سلبي بتحقيق النتيجة المرجوة فان التزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، كما في حالة التزام الناقل الذي يلتزم بنقل المسافر، حيث يكون موقف المسافر موقف سلبي، ويقوم الناقل بنقلة من مكان إلى آخر. ويكون التزام المدين ببذل عناية اذا كان موقف الدائن وسلوكه ايجابيا في تحقيق النتيجة، كما في حالة المدرس الذي يقوم بتعليم الطلاب ويتوقف نجاح الطلاب على بذل العناية اللازمة لتحقيق النتيجة المرجوة، وهنا يساهم الدائن بالاضافة إلى المدين ببذل العناية لتحقيق النتيجة ويكون موقفة ايجابيا. وتكمن اهمية التفرقة بين التزام ببذل عناية والتزام بتحقيق نتيجة في عبء الاثبات، فاذا كان الالتزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، يكفي ان يثبت الدائن عدم تحقيق النتيجة وبالتالي يفترض خطأ المدين الذي لا يستطيع نفي المسؤولية عنه الا اذا اقام الدليل على وجود السبب الاجنبي الذي منعة من تحقيق النتيجة، في حين انه في التزام ببذل عناية يقع على عاتق الدائن اثبات تقصير المدين وعدم تنفيذه للالتزام حتى تتحقق مسؤوليتة ، ويمكن تطبيق ذلك على علاقة المريض بالطبيب حيث يتوجب على المريض اثبات خطأ الطبيب المتمثل بالانحراف عن الاصول الطبية المستقرة في علم الطب، والضرر والعلاقة السببية.

المطلب الثاني تحديد طبيعة التزام الطبيب

يجمع الفقة والقضاء على ان التزام الطبيب تجاه المريض ينحصر في التزام يبذل عناية، فهو كقاعدة عامة التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وعلى هذا قررت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الشهير الصادر 20/5/1936 والمشار اليه سابقا (ان العقد الذي يتم بين الطبيب والمريض يوجب على الاول ان لم يكن بطبيعة الحال الالتزام بشفاء المريض فعلى الاقل ان يبذل عناية لامن اي نوع، بل جهودا صادقة يقضة متفقة مع الظروف التي يوجد بها المريض ومع الاصول العلمية الثابتة). وقضت محكمة النقض المصرية بان التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة شفاء المريض، بل هو التزام ببذل عناية، والعناية المطلوبة منة تقتضي ان يبذل لمريضة جهودا صادقة يقضة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الاصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسؤول كما يسأل عن خطئه العادي ايا كان جسامته .

والعقد الطبي او ما يسمى بعقد العلاج الذي يبرم بين الطبيب والمريض يوجب على الطبيب اثناء قيامة بعملة بذل عناية صادقة لتخفيف الآلام عن المريض للوصول لشفاء وفقا للقواعد المستقرة في مهنة الطب، وهذا يعني انه لا يلتزم بضمان شفاء المريض او عدم وفاته، فالشفاء هو بيد الله سبحانه وتعالى، ويتوقف على عدة اعتبارات وعوامل لا يستطيع الطبيب دائما السيطرة عليها، كمناعة الجسم والعوامل الوراثية، وبالتالي فان الطبيب لا يلتزم بتحقيق نتيجة معينة وانما ببذل العناية الصادقة من اجل شفاء المريض.

وكل ما على الطبيب هو ان يعتني بالمريض العناية الكافية وان يصف له من وسائل العلاج ما يرجي به شفائه من مرضة، ولا يكفي لكي يعد الطبيب مخلاً بالتزامة تسوء حالة المريض، بل يجب ان يقوم الدليل على تقصير الطبيب على حالتة ولا يكون ذلك الا اذا وقع خطأ يمكن ان تترتب علية المسؤولية. وهناك عدة عوامل يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لتحديد مدى التزام الطبيب والعناية المطلوبة منه .

أولاً: القواعد المهنية وهي تلك القواعد التي تفرضها علية مهنة الطب والمستقاه من الاصول العلمية المستقرة وما جرت علية عادة الاطباء في نفس الظروف، فلا يفرض على الطبيب التزام بضمان شفاء المريض، لان ذلك كما سبق وان اشرت يتوقف على عوامل واعتبارات قد تخرج عن ارادة الطبيب كمناعة الجسم والعوامل الوراثية وحالتة الصحية وحدود التقدم الطبي.

ثانياً: المستوى المهني للطبيب ويدخل ايضا في تحديد التزام الطبيب مستواه المهني، فالطبيب العام لا يتحمل نفس الالتزامات التي يتحملها الطبيب الاخصائي اذ يطلب من الاخير قدرا من العناية يتفق مع مستواه العلمي والمهني، هذا وقد قضت محكمة استئناف مصر انه بالنسبة للاطباء الاخصائيين يجب استعمال منتهى الشدة في تقدير اخطائهم لان واجبهم الدقة في التشخيص والاعتناء وعدم الاهمال في المعالجة . هذا وقد قضت محكمة مصر الابتدائية في 2/5/1927 بان الطبيب المولد يكون مسؤولا عن استعمالة العنف في جذب الجنين رغم كبر حجم رأسة وضيق الحوض استنادا إلى انه يستبعد على الطبيب متمرن مختص بالولادة جذب الرأس حتى يفصل عن العنق رغم انه جائز ان يحصل ذلك من طبيب غير اخصائي يعالج كل الامراض .
ويقاس مسلك الطبيب العام عادة بمسلك طبيب عام من اواسط زملائة، والطبيب الإخصائي يقاس بمسلك طبيب اخصائي ينظر في تقدير خطأ الطبيب في التشخيص إلى مستواه من جهة، وتخصصة من جهة اخرى، فخطأ الطبيب المختص يعتبر ادق في التقدير من الطبيب العام.

ثالثاً: الظروف الخارجية ويأخذ في الحسبان ايضا عند تحديد مدى التزام الطبيب الظروف الخارجية التي يوجد فيها الطبيب ويعالج فيها المريض، كمكان العلاج والامكانيات المتاحة وفيما اذا كان هناك الآلات حديثة ام لا وامكانية نقل المريض للمستشفى وغير ذلك.

رابعاً: الاصول العلمية الثابتة واخيرا يدخل في مدى التزام الطبيب الجهود المبذولة المتفقة مع الاصول العلمية الثابتة حيث لا يقبل ولا يتصور من الطبيب استعمال وسائل طبية بدائية تخالف التطور العلمي الحديث، وهو وان كان لا يلتزم باتباع تلك الوسائل الا انه يجب عليه اللجوء إلى استعمال الوسائل التي استقر عليها الطب الحديث وان يختار انسبها إلى حالة المريض ضمن الامكانات المتاحة.
وقد ادان القضاء الفرنسي الاطباء الذين يلجأون لطرق طبية مهجورة في المعالجة والتوليد واعتبروا ذلك خطأ من الطبيب ويشكل خطورة على الجنين، ونفس الشيء بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الاولية في التشخيص.
ولتقدير مسلك الطبيب فيما اذا كان الفعل الذي قام بة يشكل خطأ ام لا فإن قاضي الموضوع يستعين باهل الخبرة من الاطباء الذين يتعين عليهم تجريد انفسهم من الاراء الشخصية لهم، وان يكون التقدير وفقا لاصول المهنة وقواعدها دون التقيد بتلك القواعد اذا ماثبت مخالفتها لتبصر والحيطة ودون الخوض في النظريات العلمية والاساليب الطبية المختلف عليها، وذلك على اساس ان العناية المطلوبة من الطبيب تتطلب منه بذل الجهود اليقظة والصادقة التي تتفق مع الاصول العلمية الثابتة فيما عدا الظروف الاستثنائية.

وبناء على ما تقدم فان كل خروج على المسلمات المستقرة في اصول الفن الطبي وقواعده الاساسية والتي لا يفتقر الجهل بها لطبيب من اواسط زملائة علما وفنا، ما يمثل خطأ مهنيا يستوجب مسألة الطبيب وذلك على اعتبار ان كل من يتخذ من الطب مهنة له لا بد ان يكون مؤهل لها، ولهذا تؤكد المادة الاولى من الدستور الطبي الاردني “ان مهنة الطب هي مهنة انسانية واخلاقية وتقوم المسؤولية الطبية بين الطبيب والمريض على بذل العناية وعدم الاهمال وليس الشفاء”.
نستخلص مما سبق بأن التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة معينة وهي شفاء المريض انما هو التزام ببذل عناية، والعناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل لمريضة الجهود الصادقة المتفقة مع اصول مهنة الطب، وملزم ايضا بمراعاة الحيطة والحذر، ولكي ينفذ الطبيب التزامة بالعناية المطلوبة منه فيجب عليه القيام بما يلي: اولاً: تشخيص المرض التشخيص في حقيقته ما هو الا البحث والتحقق عن المرض الذي يعاني منه المريض، ويكون ذلك عن طريق معرفة الظروف المحيطة بالمريض كالاسرة، وطبيعة العمل والظروف النفسية والاجتماعية والعوامل الوراثية، للتمكن من الوصول إلى حقيقة المرض، فالتشخيص عبارة عن عمل يراد منه التعرف على طبيعة المرض وتحديدة بشكل دقيق بعد معرفة اعراضة .

فالطبيب يقوم عادة عند الكشف عن المرض بإجراء الكثير من التحريات حول الاعراض التي يشكو منها المريض والحالة العامة له والتاريخ المرضي والتأثيرات المرضية وشكوى المريض، وهو في سبيل الوصول إلى معرفة طبيعة المرض يستعمل جميع الؤسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه كما يجب علية ان يستعمل الوسائل المتاحة والتي تساعدة على الكشف عن حالة المريض مثل السماعة الطبية، والصور الاشعاعية، والتحاليل المخبرية، والفحوصات الميكروسكوبية وغيرها من الاجهزة والالات الحديثة، ولا يعفى الطبيب من المسؤولية في حالة عدم اسعماله لمثل هذه الوسائل الا اذا كانت حالة المريض لا تسمح لاستعمال هذه الوسائل او كانت الظروف االموجود بها المريض لا تؤهل لذلك كوجودة في مكان مهجور او منعزل.
ثانيا: اختيار طريقة العلاج وتأتي هذه المرحلة بعد قيام الطبيب بتشخيص المرض، وهي وصف العلاج وتحديد الطريقة الملائمة له، ويجب ان ان يكون هذا الوصف للعلاج ضمن الاصول العلمية الثابتة وعلى الطبيب ان يبذل الجهود الصادقة اليقظة في طريقة اختيار العلاج، فالطبيب حين يصف العلاج ويحدد طريقة تناوله للمريض فانه لا يلتزم بنتيجة شفاء المريض وانما يلتزم ببذل العناية اللازمة في اختيار الدواء والعلاج الملائمين لحالة المريض بهدف التوصل إلى شفاءه وتخفيف الآمة.

ثالثا: التدخل الجراحي يلتزم الطبيب قبل القيام بإجراء العملية الجراحية القيام بالفحص الشامل الذي تستدعية حالة المريض وتقتضية طبيعة الجراحة، فالطبيب ملزم قبل ان يقوم باي تدخل علاجي ان يشرح ويبين للمريض باسلوب سهل ومفهوم طبيعة المرض وطرق المعالجة ونسبة النجاح والمضاعفات المحتملة والمخاطر التي يمكن ان تنتج في حالة عدم المعالجة وباسلوب يتناسب مع قدراته الجسمية والعقلية والنفسية.
ويلتزم الطبيب اثناء القيام بإجراء العملية الجراحية ببذل اقصى الجهود الطبية المتفقة مع الاصول العلمية المستقرة كما يلزم الطبيب ايضا عند انتهائه من اجراء العملية بمتابعة حالة المريض متابعة حثيثة ودقيقة.
رابعا: تحرير الوصفة الطبية تعد الوصفة الطبية الوثيقة التي تثبت وجود العلاقة بين المريض والطبيب والتي يدون فيها الطبيب نوع العلاج المقرر وطريقة استعمالة ويجب ان يحررها الطبيب على نحو دقيق ومقروء وكامل ويجب عليه ان يراعي الاحتياطات اللازمة لذلك .

المطلب الثالث الحالات التي يلتزم بها الطبيب بتحقيق نتيجة

اذا كانت القاعدة العامة هي التزام الطبيب ببذل العناية، الا انه في حالات استثنائية يقع على عاتق الطبيب التزاما محددا هو التزم بتحقيق نتيجة تتمثل في سلامة المريض، وهذا لا يعني ان يلتزم الطبيب بشفاء المريض بل يلتزم بان لا يعرضة للاذى من جراء ما يستعملة من ادوات او اجهزة او ما يعطية من ادوية، وبان لا ينقل اليه مرض اخر نتيجة العدوى من جراء المكان او ما ينقلة اليه من دم او غير ذلك وساقوم في هذا المطلب بتبيان الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة والمتمثلة فيما يلي:
أولاً: نقل الدم قد تقتضي حالة المريض الصحية نقل الدم اليه، وفي هذه الحالة يقع على الطبيب وبالتحديد طبيب التحليل وبنك الدم التزاما محددا بتحقيق نتيجة، تتمثل في سلامة المريض عن طريق نقل الدم النقي للمريض والذي يتوافق مع فصيلة دمه، فيجب ان يكون سليما خاليا من المرض، وبعبارة أخرى فإن الطبيب في هذه الحالة يلتزم بالتزام محدد، هو اعطاء وتقديم دم مناسب وسليم. ولا يستطيع الطبيب التخلص من المسؤولية، اذا ما قام باعطاء المريض دم فاسد او ملوث، الا اذا اثبت قيام السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه، ولا يكفي منه ان يثبت انه قام ببذل العناية الواجبة . وما يطلبة المريض من الطبيب في هذا النطاق، ليس مجرد بذل جهود لتعيين فصيلة دمه او حصوله على دم سليم، بل يتطلب منه تحديد فصيله دمه على نحو دقيق، وان يقدم له دما خاليا من الميكروبات والجراثيم.

ويرجع الضرر الذي يصيب المريض، إلى تقصير بنك الدم في فحص الدم الذي قدمة، الإ أن المريض لا يستطيع الرجوع مباشرة على مدير بنك الدم، وذلك لانتقاء العلاقة التعاقدية بينهما، الا وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، ويستطيع المريض ان يرجع على طبيبه، الذي اتفق معه بموجب العقد على ان يقدم له دما سليما يتفق مع فصيلة دمه، والتزامه في هذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة .
وقد قضت محكمة إستئناف تولوز الفرنسية في حكم صادر لها، “بان الطبيب الذي يحلل دم المريض لتحديد فصيلته ملزم بتحقيق نتيجة، وتقوم مسؤولية اذا أخطأ في تحديده دون الحاجة إلى اثبات الخطأ في تحليله، اذ أن مثل هذا التحديد يجرى فنياً وفقا لقواعد دقيقة وثابتة، يجب أن تؤدي حتما إلى نتيجة سليمة”.
وما ينطبق على نقل الدم ينطبق ايضا على السوائل الاخرى التي تعطى للمريض، مثل الامصال والجلوكوز وغيرها، حيث يقع على عاتق الطبيب التزام بتحقيق نتيجة، وهي عدم الحاق الضرر بالمريض نتيجة تقديمة لهذه السوائل.

ثانيا: التحاليل الطبية تعتبر هذه التحاليل من العمليات التي تقع على محل محدد تحديدا دقيقا، لذا فإن التزام الطبيب بالنسبة للتحاليل العادية التزاما بتحقيق نتيجة وهي سلامة التحليل ودقته، وتقوم مسؤولية الطبيب بمجرد حصول ضرر للمريض، ولا يستطيع الطبيب دفع المسؤولية عنه الإ باثبات السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه.

ويستثنى من ذلك التحاليل الدقيقة، كالتحاليل الخاصة بمرض السرطان، حيث يعتبر التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، والسبب في ذلك ان النتيجة احتمالية، ولا توجد فيها اصول علمية مستقرة ثابتة، كون هذه التحاليل دقيقة ولا يمكن الكشف عنها بسهولة. أما بخصوص التحصين ، فيقع على عاتق الطبيب الذي يقوم بعملية التحصين، التزام محدد وهو سلامة المادة التي تقدم، بحيث يجب ان لا تؤدي إلى الحاق الضرر بالشخص الذي تقدم له وهذا يعني انه يجب ان يتأكد الطبيب من سلامة المصل وخلوه من الجراثيم وان يعطى بصورة صحيحة، اما عن مدى فاعلية هذا المصل، فهو التزام ببذل عناية، ويبقى على الطبيب ان يبذل الجهود الصادقة واليقظة في اختياره للمطعوم بما يتفق مع الاصول العلمية الثابتة. وبالنسبة للتحصين الاجباري الذي تقوم به الدولة، فهي مكلفة بضمان سلامة المواطنين وتسأل الدولة عن ذلك باعتبارها متبوع.

ثالثا: الادوات والاجهزة الطبية إن التقدم العلمي واستخدام الآلات والاجهزة الحديثة تنطوي على مخاطر للانسان، فقد يصاب المريض باضرار نتيجة أستخدام الطبيب المعالج للاجهزة والآلآت والادوات الطبية.
إن الطبيب أثناء قيامة بمعالجة المريض قد يستخدم الاجهزة والادوات الطبية، فعليه ان يستخدم الآلآت والاجهزة السليمة التي لا تحدث ضررا للمريض، وهو ملزم بسلامة المريض عن الاضرار التي تلحق به، من جراء استخدام الآلآت والادوات الطبية اثناء عمليات العلاج او الجراحة، ومن الاضرار المقصودة التي تنشأ نتيجة وجود عيب او عطل بالاجهزة والادوات المذكورة، وبالتالي يقع على عاتق الطبيب التزام بضرورة استخدام الآلآت السليمة التي لا تحدث ضررا للمريض، وهذا الالتزام لا يعفي الطبيب من المسؤولية حتى ولو كان السبب في هذه الآلآت يرجع إلى صنعها، ولا يستطيع الطبيب التخلص من المسؤولية إلا أذا اثبت السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه . وقد حكم القضاء الفرنسي بمسؤولية الطبيب عن وفاة المريض اثناء الجراحة، نتيجة انفجار حدث لتسرب الغاز من جهاز التخدير واشتعاله بشرارة خرجت منه . وكما حكم ايضا بمسؤولية الطبيب عن الاضرار التي اصابت المريض نتيجة سقوطه من فوق منضدة الفحص بسبب هبوطها المفاجئ او عند صعوده او نزوله عنها .

رابعا: تركيبات الاعضاء الصناعية نتيجة للتقدم العلمي بدأ الانسان باستخدام الاعضاء الصناعية كوسيلة لتعويضه عما يفقده من اعضاءه الطبيعية وما يصاب منها بعجز او ضعف. وتشير عملية تركيب الاعضاء الصناعية المسؤولية الطبية من جانبين، جانب طبي يتمثل في مدى فاعلية العضو الصناعي وتناسبة مع حالة المريض وتعويضه عن النقص الموجود لديه وهنا يلتزم الطبيب ببذل عناية ولا تقوم مسؤوليته الا اذا ثبت تقصير من جانبه، والجانب الآخر هو مدى سلامة العضو الصناعي وجودته وهذه مسألة تقنية يكون التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة وهي ضمان سلامة الجهاز او العضو الصناعي ودقته ومناسبته لجسم المريض، وعليه تقوم مسؤولية الطبيب إذا كان العضو ردئ الصنع او لا يتفق مع مقياس الجسم او سبب اضرار للمريض. وقد عرض أمر التركيبات الصناعية على القضاء وخاصة أمر اطباء الاسنان الذين يقومون بتركيب الاسنان الصناعية، وقد ذهب القضاء في هذا الصدد، إلى القول ان التزام طبيب الاسنان هو في حكم البائع للاسنان الصناعية وبالتالي يلزم بضمان العيوب الخفية، وان البيع هو بيع تحت شرط التجربة اي انه معلق على شرط واقف، يتمثل في قبول الاسنان بعد تجربتها، ويؤدي تخلف هذا الشرط إلى اعتبار العقد كأنه لم يكن . ولقد أنتقد الفقه تحليل القضاء، لانه يتنافى مع طبيعة عمل طبيب الاسنان، وذهب إلى ان الطبيب في الجانب التقني من عمله يلتزم بتحقيق نتيجة، الا وهي سلامة الاسنان الصناعية وملائمتها لفم المريض، ويسأل الطبيب في حالة اذا ما اصاب الاسنان اي خلل، وهناك حكم حديث قضت به محكمة ديجون الفرنسية في حكم صادر لها عام 1952 “يقوم بين الطبيب والعميل لتقديم جهاز الاسنان، عقد ليس فقط ببذل عناية ولكن تحقيق نتيجة يفرض على الاول من ناحية المداواه الامينه واليقظة والمطابقة للأصول العلمية الحاضرة، لوضع وحفظ (الطاقم) ومن ناحية اخرى، تقديم الاسنان في شكل وفي حالة وباوصاف يمكن ان تحل محل الاسنان الطبيعية والاخلال بهذا الالتزام الاخير، ولو عن غير قصد يقيم المسئوولية العقدية على الطبيب فيجب عليه، على الخصوص بتعويض العميل اذا كان له فم طبيعي، ونبة الطبيب بملاحظات متكررة في حالة الاسنان الصناعية”.

خامسا: الادوية والعلاجات الطبية بعد قيام الطبيب بفحص المريض وتشخيص المرض، فانه يقوم بوصف العلاج المناسب له، ويجب على الطبيب ان يبذل العناية اللازمة في وصف العلاج المناسب، ومع ذلك فقد يحصل للمريض بعض الاضرار بسبب الادوية التي يتعاطاها، مما قد يثير مسؤولية الطبيب او الصيدلي او حتى الشركة الصانعة لها، او مسؤوليتهم مجتمعين.
فالطبيب عند كتابته العلاج، فانه يلتزم ببذل العناية اليقظة الصادقة في ان يكون الدواء مناسبا لعلاج المريض، ولا يلتزم بشفاء المريض، ولا تقوم مسؤولية في هذه الحالة إلا إذا ثبت التقصير من جانبة وذلك اما بالاهمال في اختيار العلاج او خطئه في وصفه، او طريقة تناوله، كالطبيب الذي يصف مادة ذات خصائص سامة دون أن يبين كمية العلاج الواجب تعاطيها وشروط تعاطيها، ومثال ذلك كالطبيب الذي يكتب وصفة العلاج بصيغة غير مقروءه وتثير اللبس لدى الصيدلي فيصرف دواءا مختلفا يترتب عليه وفاة المريض. كما وقد يقوم الطبيب بتقديم الدواء للمريض في عيادته او مستشفاه الخاص، وهنا يقع على الطبيب بالاضافة إلى التزامه السابق ببذل العناية، التزاما آخر بالسلامة، وهو التزم بتحقيق نتيجة، الا وهي عدم اعطاء المريض ادوية فاسدة او ضارة، ولا يستطيع الطبيب دفع المسؤولية الا اذا اثبت السبب الاجنبي . وقد أقام القضاء مسؤولية الطبيب الذي قام بإعطاء المريض حقنه لمعالجته من مرض جلدي، ترتب عليها صعوبة في حركة عضلاته” .

أما بالنسبة إلى الصيدلي، فان التزامه هو التزام بتحقيق نتيجة إذ انه مدين بالتزام محدد، يتجلى بتقديم او بيع ادوية صالحة وسليمة، ولا تشكل بطبيعتها خطرا على حياة المرضى الذين يتعاطونها.
ويبرز هذا الالتزام جليا في حالة قيام الصيدلي بتركيب الدواء بنسب معينة، اذ يسأل الصيدلي عن اي خلل في التركيب او فساد عناصره وما يترتب على ذلك من اضرار وتسممات من اي نوع للمريض .
وقد قضت محكمة النقض المصرية، بأنه لا باحة عمل الطبيب أو الصيدلي يشترط

ان يكون العمل الذي يقوم به مطابقا للاصول العملية الثابتة والمقررة في علم الطب، فاذا فرط احدهما في اتباع هذه الاصول وجبت عليه المسؤولية.
وقد يقتصر دور الصيدلي على بيع الادوية التي تورد اليه من الصانع، وهو قادر من الناحية العملية وبحكم مؤهلاته العلمية التحقق من صحة وسلامة الادوية التي تورد اليه، وهذا كله لا يمنع من اقامة مسؤولية الصيدلي الذي يقوم ببيع الادوية دون التأكد من سلامتها، وكما انه يستطيع الرجوع بدعوى المسؤولية على الصانع اذا كان العيب القائم بالادوية يرجع لصناعتها وانتاجها، وكما يشترك ايضا الصيدلي مع الصانع اذا كان على علم بفساد الادوية او عدم صلاحيتها واستمر مع ذلك في بيعها. واذا كان الاصل ان يضمن الصيدلي سلامة الادوية التي يبيعها او يركبها ونفس الشي بالنسبة للصانع، الا انهما لا يضمنان فعالية تلك الادوية ومدى نجاحها في العلاج، اذ ان الالتزام الذي يقع على عاتقها في هذه الحالة هو التزام ببذل عناية وهو تقديم الدواء والعلاج المتفق مع الاصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض، وهو يشترك في هذا المجال مع الطبيب في التزامة ببذل العناية اللازمة.
وقد تثور مسألة اخرى حول قيام الصيدلي ببيع الدواء مباشرة للمريض وعلى عاتقة الشخصي دون ان يكون هناك امر من الطبيب، بغض النظر عن قيام الصيدلي باختيار الدواء، او كون المريض طلب هذا الدواء بالذات، وفي هذه الحالة يمكن قيام مسؤولية الصيدلي عما قام به من فعل الحق ضرر بالمريض .

سادسا: عمليات التجميل نظرا للتطورات العلمية والتقدم التكنولوجي في علم الطب اصبح الطب الجراحي لا يقتصر على الجراحة العلاجية لعلاج الامراض فحسب، بل يوجد إلى جانبها جراحة اخرى وهي جراحة التجميل او الجراحة لتحسين صورة الجسم وهي التي، لا يكون الغرض منها علاج المريض بل ازالة تشوهات في الجسم، وجاءت جراحة التجميل تلبية ضرورية وعملية لتطور الحياة وما صاحبها من حوادث كالحروق واصابات العمل والاصابات الناتجة عن استخدام وسائل المواصلات من طائرات، وسيارات، وكذلك الاصابات الناتجة عن مختلف الالعاب الرياضية.

اتجة القضاء في البداية إلى اعتبار ان مجرد الاقدام على العلاج بقصد التجميل يعتبر خطأ في حد ذاته ويتحمل الطبيب كافة الاضرار الناشئة عن العلاج حتى وان تم اجراءه بطريقة وفقا لقواعد الفن الطبي، وسلك القضاء هذا المسلك وذلك لعدم وجود ما يبين جراحة التجميل التي تنطوي على المخاطر لمجرد اصلاح شكل الانسان ودون وجود ضرورة تستدعي شفاءه من مرض او فائدة تعود عليه . وقد قضت محكمة استئناف باريس بان “مجرد الاقدام على علاج لا يقصد به الا تجميل من اجري له، خطأ في ذاته يتحمل الطبيب بسببة كل الاضرار التي تنشئ عن العلاج، وليس بذى شأن ان يكون العلاج قد اجري طبقا لقواعد العلم والفن الصحيحين”.

وقد عدل القضاء عن هذا الموقف بحيث تم اخضاع جراحة التجميل لنفس المبادئ العامة في المسؤولية التي تخضع لها العمليات الجراحية بوجه عام. وثار خلاف حول طبيعة التزام طبيب التجميل، حيث ذهب فريق من الفقهاء إلى وجوب اعتبار هذا النوع من الجراحة التزاما بتحقيق نتيجة، بحيث تقوم مسؤوليتة عند فشل العملية، مالم يقم الدليل على انتفاء العلاقة السببية بين فعله وبين الضرر الناشئ . وذهب فريق اخر من الفقهاء إلى اعتبار ان التزام جراح التجميل هو التزام ببذل عناية وليس التزام بتحقيق نتيجة، وهذا ما اجمع عليه القضاء المصري والفرنسي ، اذ يتكون عقد بين الطبيب والشخص، يلتزم الاول بمقتضاة ببذل العناية والاهتمام الذين تقتتضيها الظروف القائمة ويتفقان مع الاصول العلمية الثابتة. وأرى في هذا المقام ان التزام الطبيب في هذا النوع من العمليات هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، لان هذا النوع لا يختلف عن الاعمال الطبية التي يقصد منها شفاء المريض والطبيب غير ملزم بشفاء المريض وانما ملزم ببذل العناية الازمة لشفائة.

منقول