تعريف عقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين
(عقود الفيديك النمطية FIDIC)

تكتسب عقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين(عقود الفيديك النمطية) أهميتها من كونها أنماط من العقود تم اعتمادها من قبل منظمة عالمية، تُعنى بالمشاكل التي تواجه المهندسين في معرض تنفيذ عقود التشييد والبناء نتيجة لتطور هذه الصناعة والحاجة لإيجاد أسس تعاقدية مسبقة تحاول تخطي المشاكل التي تعترض تنفيذ تلك العقود، والتي تؤثر على عمليات التعاقد مع الجهات صاحبة المشاريع الأمر الذي ينعكس سلباً على عمليلت التطوير والبناء، وللتعريف بعقود الفيديك النمطية لابد لنا أن نبحث أولاً في منظمة الفيديك الدولية التي انبثقت عنها تلك العقود ومن ثم في أنماط العقود التي أقرتها لجان الفيديك.

أولاً : الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين FIDIC).

الفيديك هو تجميع للأحرف الأولى للتسمية الفرنسية
(FEDERATION INTERNATIONAL DES INGENIEURS CONSEILS)، أي “الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين” وهو اتحاد يضم جمعيات المهندسين الاستشاريين في الدول المختلفة.
انعقد المؤتمر التأسيسي للفيدك في العام 1913 في مدينة جنت (Ghent) في بلجيكا، بمساهمة ثلاث جمعيات أوروبية للمهندسين الاستشاريين، وهي جمعية المهندسين الاستشاريين البلجيكية (CICB)، والجمعية الفرنسية للمهندسين الاستشاريين (CICF)، والجمعية السويسرية للمهندسين الاستشاريين (ASIC).
قام المؤسسون الأوائل للفيدك في المؤتمر التأسيسي بتبني أهداف ترسم السياسة العامة لتلك المنظمة، وحددوا الأهداف المرجوة من تشكيل الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وقاموا بتشكيل لجان تعمل على تحقيق مستويات متقدمة في تنفيذ عقود الإنشاءات والتشييد.

1- أهداف منظمة الفيديك:
تبنى المؤسسون للفيدك في المؤتمر التأسيسي الأول عدة أهداف توخوا منها غاية هذه المنظمة وكانت تلك الأهداف هي:
أ- دراسة مشاكل المهندسين الأعضاء، والتي تخص حمايتهم وتطورهم، دون أدنى اعتبار للاتجاهات السياسية والدينية والعرقية.
ب- بناء علاقات ودية بين المهندسين الاستشاريين.
ت- إيجاد منظمة تضم المهندسين الاستشاريين من جميع البلدان والثقافات المختلفة، والمساعدة في تأسيس جمعيات لهم في البلدان التي لا يوجد فيها هكذا جمعية.
ث- بناء الأسس والقواعد التي تسمح للمهندسين الاستشاريين بالحفاظ على أفضل أداء لهم في ممارسة مهنتهم والسعي لتطوير إمكاناتهم العلمية والعملية.

2- لجان منظمة الفيديك:
تمثل المستندات التعاقدية في عقود الانشاءات والتشييد الجزء الأهم لدى المهندسين، فمن خلالها تتحدد التزامات كل من رب العمل والمقاول، ومن خلالها يمكن للمهندس المشاور تحديد المسؤوليات التي يتحملها كل من أطراف عقد التشييد، كذلك مجلس فض المنازعات (DAB) كأهم طريق لفض المنازعات التي تتعلق بالعمل الهندسي.
مما حدا بالمؤسسين الأوائل للفيدك بتشكيل خمس لجان تعنى بدراسة عدة موضوعات تشكل أساس تنفيذ المشروع وتلك اللجان هي :

أ‌- اللجنة الأولى: لجنة القواعد العامة.
ب‌- اللجنة الثانية: لجنة العلاقات العامة.
ت‌- اللجنة الثالثة: لجنة معدلات الأجور.
ث‌- اللجنة الرابعة: لجنة مستندات العقود.
ج‌- اللجنة الخامسة: لجنة التحكيم.

وبالرغم من الآمال العريضة والطموحات الكبيرة التي تبناها المؤسسون الأوائل للفيدك، فقد تعرض هذا الاتحاد للكثير من الهزات الناتجة عن الظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك أبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي أدت إلى خلق أجواء من عدم الثقة والشك بين الدول الأعضاء وجعلت التعاون بينها مستحيل، وبعد أن حطت تلك الحروب أوزارها بدء الفيديك بإعادة تنظيم نفسه، وكان الهدف وقتها زيادة عدد جمعيات المهندسين الاستشاريين المنتسبة للفيدك، وفي فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي شهد الفيديك تطوراً كبيراً وذلك مع ازدياد الاهتمام العالمي بالفيديك، يلاحظ ذلك من خلال صلاته القوية مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي، ويلاحظ أن تلك الشروط والأنماط من العقود تغلب عليها أفكار ومفاهيم القانون الانكليزي، من حيث الشكل والمضمون.

3- هيكلية الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين ( منظمة الفيديك):
يتخذ الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين من مدينة لوزان السويسرية، مقراً للأمانة العامة ويتألف الهيكل التنظيمي للفيدك من رئيس الفيديك ونائب الرئيس واللجنة التنفيذية، إضافةً للأمانة العامة والسكرتارية التي تتألف من خمسة أعضاء يقوموا بالإشراف على أعمال الفيديك والقيام بمهام التسجيل والإدارة. انظر الهيكل التنظيمي لمنظمة الفيدك في الملحق رقم(1).(الهيكل موجود في الصفحة 124 الكتاب الأحمر)
تتألف اللجنة التنفيذية للفيدك من الرئيس ونائب الرئيس وأمين صندوق اللجنة وستة أعضاء آخرين وتقوم اللجنة التنفيذية بعدة مهام أهمها:

أ‌– مسؤولية إدارة الاتحاد والإشراف على تسيير أموره.
ب‌- تنفيذ مقررات الجمعية العمومية.
ت‌- إعداد التقرير السنوي والمالي للاتحاد.
ث‌- تعيين لجان العمل والإشراف عليها.

4- نشاطات الفيديك:
تتمثل أهمية الفيديك بالعقود النمطية التي أقرها وحدد من خلالها التزامات أطراف عقد التشييد كما أسلفنا، ويعتبر إعداد الشروط العامة لعقود التشييد من أهم نشاطات الاتحاد، وتشمل هذه الشروط جميع الأطراف المشاركة في المشروع، بحيث تغطي جميع العلاقات التي تنتج عن عقد التشييد. وقد قام الاتحاد بطبع هذه الأنماط من العقود واشتهر كل عقد بلون غلافه، وهذه الأنماط هي أربع عقود سنتحدث عنها بالتفصيل من خلال تعريف عقود الفيديك النمطية.

ثانياً – عقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين النمطية (عقود الفيديك النمطية):

لم يُعنَ الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين بإيجاد تعريف لعقود الفيديك النمطية، كما عُنيَ بإيجاد تعريف للمهندس الاستشاري أو المشاور.
ومن خلال مراجعة الشروط العامة لأنماط العقود العتمدة من قبل الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين نجد أن تلك الشروط ضمت ضمن طياتها تعريفاً شاملاً لعقد التشييد (البند 1-1) محددة العناصر المؤلفة له والتي يمكن أن تندرج ضمنه ككتاب القبول وكتاب عرض المناقصة والمخططات والمواصفات…..الخ، وسنحاول في هذا المقام إيجاد تعريف يمكن أن يشمل جميع مكونات عقود الفيديك النمطية أو أهمها على الأقل.
يمكن القول أن عقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين النمطية(FIDIC) هي:
آليات تعاقدية (mecanisme contractual) تتضمن الشروط العامة لأنماط مختلفة من عقود الانشاءات والتشيد، تحدد المراكز القانونية لأشخاص تلك العقود، وتغطي العلاقات التعاقدية الناشئة عنها، وتحدد الإطار العام لتنفيذ المشروع وفق الآليات ، التي اعتمدها الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين(FIDIC).
__________________
الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية :
أ‌- عقد الإنشاءات (الكتاب الأحمرCONDITIONS OF CONRACT FOR CONSTRUCTION): وهو العقد النمطي بين صاحب العمل والمقاول ويوصي الاتحاد باستخدامه في مشاريع الأبنية ومقاولات أعمال الهندسة المدنية التي يقوم صاحب العمل بتوفير تصاميمها، ويكون دور المهندس فيها هو الإشراف وإعداد التقديرات.
ب‌- عقد التجهيزات الآلية تصميم وتنفيذ (الكتاب الأصفرCONDITIONS OF CONTRCT PLANT AND DESIGN-BUILD): يختص هذا النمط م من عقود الفيديك في مشاريع الأعمال الكهروميكانيكية والمشاريع الصناعية، أو في المشاريع التي يوكل فيها إلى المقاول بإعداد التصاميم إضافة للتنفيذ.
ت‌- عقد المشاريع المتكاملة (هندسة وشراء وانشاء/تسليم مفتاح) ( الكتاب الفضيCONDITIONS OF CONTRACT FOR ESP\TURNKEY PROJECTS): يوصي الاتحاد باستخدامه في المشاريع المتكاملة وهو ملائم لنظام عقود الـ(B.O.T)، وفيه يتولى المقاول إعداد التصاميم، ويتحمل فيه المقاول عدة مسؤوليات ومخاطر، وذلك للحد من إدخال تعديل الأسعار أو مدة التنفيذ، ولم يرد فيه دور واضح للمهندس.
ث‌- العقد الموجز (الكتاب الأخضرSHORT FORM OF CONTRACT FOR CONSTRUCTION): وهو معد للاستخدام في المشاريع الصغيرة نسبياً أو المشاريع ذات الفترة القصيرة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تقصير مدد الإشعارات والدفعات.
2- فرقاء وأشخاص عقود الفيديك النمطية المنصوص عليهم في البند (1-1-2) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية :
وتشمل هذه الشروط الأطراف المشاركة في عقود التشييد وخاصة العقود التشييد الدولية.
أ‌- صاحب العمل(EMPLOYER) ومستخدموه(EMPLOYER’S PERSONNEL) : هو الشخص مالك المشروع وخلفاؤه القانونيون (1-1-2-2)، وأما مستخدموه(1-1-2-6) وهم المهندس ومساعدوه المشار إليهم في المادة (3-2) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية.
ب‌- المقاول(CONTRACTOR) ومستخدموه(CONTRACTOR’S PERSONNEL) والمقاول من الباطن(SUBCONTRACTOR) وممثل المقاول(CONTRACTOR’S REPRESENTATIVE): والمقاول هو المسمى في كتاب عرض المناقصة الذي وافق عليه صاحب العمل، ويشمل أيضاً الخلفاء القانونيين للمقاول(1-1-2-3)، ومستخدمو المقاول هو ممثل المقاول وكل العمال الذين يستخدمهم المقاول أوالمقاول الفرعي(من الباطن) في موقع التنفيذ، والأشخاص الذين يساعدون المقاول في تنفيذ الأشغال(1-1-2-7)، أما ممثل المقاول فهو الشخص الذي يسميه المقاول لتمثيله في العقد أو من يعينه من وقت لآخر وفق المادة (4-3) ليكون نائباً عنه في تنفيذ العقد.
ت‌- المهندس الاستشاري (ENGINEER): هو الشخص الذي يعينه صاحب العمل للقيام بمهام المهندس لأغراض هذا العقد والمسمى في ملحق عرض المناقصة بهذه الصفة، ويمكن تبديل المهندس بمهندس آخر(1-1-2-4)شرط اعلام المقاول بذلك التغيير وفق المادة(3-4).
ث‌- مجلس فض الخلافات(DAB): وهم الشخص أو الأشخاص الثلاثة الذين يسمون بتلك الصفة في العقد، أو أي أشخاص آخرين يتم تعيينهم وفق المادة(20-2) أو المادة(20-3) من الشروط العامة للفيدك.
ج‌- الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين “الفيديك”(FIDIC).
وقد عنيت أنماط عقود الفيديك، بوسائل فض المنازعات، وأفردت له بنداً شهيراً هو البند رقم/67/ معدل في العام 1999 ليصبح البند /20/ وسنعود إليه لدراسته بشيء من التفصيل عند الحديث عن التحكيم، والأمر الثاني الذي عنيت به تلك الأنماط، هو المهندس ودوره في تنفيذ المشروع، فتلك الأنماط من العقود منية على أن المهندس هو المحور الرئيس في تنفيذ العقد، سنبحث ذلك الدور الذي أناطه الفيديك بالمهندس ونحاول البحث في دوره المزدوج نوعاً ما، ونحدد التزاماته ومسؤولياته.

3- المهندس الاستشاري The engineer :
في كل من النظامين القانونيين اللاتيني والأنجلوسكسون تكون علاقة المهندس العقدية برب العمل وليس بالمقاول، ومن المنظور الأنجلو-أمريكي، فإنه لا يتصور أن يكون هناك عقد إنشاءات بدون مهندس يضطلع في باختصاصات شبه تحكيمية.
يتميز دور المهندس الاستشاري في أنماط عقود الفيديك قبل التعديل الأخير بازدواجية مردها أن المهندس الاستشاري هو ممثل رب العمل في المشروع، ولكن عند إعمال أحكام البند /67/ من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، الخاص بتسوية المنازعات تجعل له وضعاً مستقلاً عن رب العمل، بحيث يصبح شبه محكم تكون مهمته فض المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقد.
أ- واجبات وصلاحيات المهندس(engineer’s duties &authority): تنص المادة (3-1) من الشروط العامة لعقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين على أنه يتوجب على صاحب العمل تعيين مهندس ليقوم بممارسة السلطة المحددة في العقد، أو التي يقتضيها العقد، سواء كانت هذه السلطات صريحة أو يمكن أن تفهم من مقتضيات العقد، وحددت تكييف ممارسة هذه السلطات بأنها بمثابة إنابة من رب العمل للمهندس للقيام بالأعمال اللازمة لتنفيذ العقد وذلك وفق الفقرة(أ) من المادة الثالثة من الشروط العامة، وكذلك فإن المادة الثالثة الفقرة (ب) من الشروط العامة لم تعف المقاول من مسؤوليته عند حدوث الخطأ أو عدم التنفيذ وفق الشروط المتفق عليها ولو كان ذلك وفق تفتيشٍ أو كشفٍ من قبل المهندس أو أحد مساعديه، وقد حجبت الشروط العامة على المهندس الحق في تعديل أحكام العقد.
ب- حالات التفويض من قبل المهندس(delegation by the engineer): وحددت الفقرة الثانية من المادة (3) من الشروط العامة إلى أحد مساعديه للقيام بأحد الواجبات المفروضة عليه وفق بنود العقد، أو أحد السلطات الممنوحة له من قبل رب العمل، وحددت الأشخاص الذين يمكن للمهندس بأن يفوضهم من مساعديه كالمهندس المقيم أو المفتشين المستقلين عن العقد، وحدد واجبات المفَوض وأصول ممارسته لصلاحيات المهندس، بما في ذلك حق المهندس في إلغاء قرارات المفوض والرجوع عنها، وأعطى الحق للمقاول بالاعتراض لدى المهندس على قرارات المفوض.
ت- تعليمات المهندس(instructions of the engineer): يمارس المهندس مهامه بالإشراف على تنفيذ العقد من خلال التعليمات التي يعطيها للمقاول، وتصل تلك التعليمات إلى الحد الذي يخول المهندس، وفي أي وقت، بأن يعدل في مخططات المشروع أو اعتماد مخططات إضافية، ومثل هذا التعديل في المخططات لا يعتبر من قبيل تعديل أحكام العقد المحظور بحسب الأصل على المهندس، ويمكن أن تكون تعليمات المهندس شفويةً تثبت خطياً من المقاول أو من ينوب عنه، وعدم اعتراض المقاول على تلك التعليمات يعتبر إشعاراً منه بقبول تلك التعليمات.
ث- استبدال المهندس (replacement of the engineer): أعطت الفقرة (4) من المادة الثالثة من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية الحق لرب العمل باستبدال المهندس المعين من قبله، إلا أنه أوجب على رب العمل إعلام المقاول بذلك قبل اثنين وأربعين يوماً من تاريخ الاستبدال باسم المهندس البديل وعنوانه وتفاصيل خبرته، وللمقاول الحق في الاعتراض على المهندس البديل، وليس لرب العمل الحق في تعيين المهندس المعترض عليه، إذا كان سبب الاعتراض معقولاً.
ج- التقديرات (determinations): إن إعداد التقديرات، ولأي سبب كان بمناسبة تنفيذ العقد، هي من مهام المهندس التي حددتها الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، وألزمت هذه الفقرة المهندس بالتشاور مع طرفي العقد في أمور التقديرات هذه، وفي حال الخلاف بين فرقاء العقد على تلك التقديرات فإنه يترتب على المهندس في هذه الحالة وضع تقديرات تكون منصفة للجانبين، ومن ثم يبلغ أطراف العقد بالتقديرات التي توصل إليها مع مؤيداته لذلك، وعلى الأطراف القبول بتلك التقديرات.__________________
آليات فض المنازعات في الشروط العامة
لعقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين
( عقود الفيديك النمطية )

يشكل بند فض المنازعات في العقود أهمية كبيرة للمتعاقدين، فلهم حرية اختيار أسلوب فض المنازعات، وهي إما التحكيم، أو القضاء العادي، وعند اختيار الأطراف لطريق التحكيم للنظر بما قد ينشأ من نزاعات ناتجة عن تنفيذ العقد، فإنهم يقومون بذلك بدافع الحل السريع للنزاعات، والتحلل من أصول المحاكمات المعمول بها أمام القضاء.

وتتجلى أهمية التحكيم، كوسيلة بديلة لحل الخلافات، في معرض العقود الدولية بمختلف أنواعها، وبذلك اشتهرت الشروط العامة لعقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين ( عقود الفيديك النمطية ) كونها الشكل النمطي الوحيد من الشروط المعدة للاستخدام الدولي في مشروعات الهندسة المدنية، فقد قدمت أسلوباً متكاملاً لوسائل تسوية المنازعات، ولا يمكننا عند دراسة البند الخاص بتسوية المنازعات، وفق الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، أن نغفل الدور المزدوج الذي كان يضطلع به المهندس الاستشاري –قبل العديل الأخير-، مرةً كممثل عن رب العمل، ومرةً أخرى شبه محكم (quasi arbitrator) في النزاعات الناشئة عن العقد المبرم بين رب العمل والمقاول.

أولاً- دور المهندس في الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في عقود الفيديك النمطية:
عرضنا سابقاً لدور المهندس كاستشاري وممثل عن رب العمل، وسنعرض في هذه العجالة، لدور المهندس في البت بمطالبات المقاول وفق الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، الكتاب الأحمر، وذلك بعد استبدال دور المهندس، كشبه محكم، بمجلس فض المنازعات (DAB).

1- المطالبات:
• إجراءات ومدد المطالبات:
تشكل المطالبات أولى أعمال المهندس الاستشاري الاستنسابية للبت في مطالبات عادة ما يقوم بها المقاول، نتيجة ظروف تطرأ على العقد فتؤدي إلى زيادة تكاليف في الأشغال، وذلك في محاولة منه للتعويض عن تلك الزيادات في التكاليف، وقد نظمت الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية أصول ومواعيد هذه المطالبات، وحددت المادة (20/1) من الكتاب الأحمر، مطالبات المقاول (contractor’s claims)، وحالات تقديمها وتكون مطالبة المقاول إما بتمديد مدة الإنجاز أو بدفعات إضافية، أو بكلاهما.

فيمكن للمقاول، إذا اعتبر أنه يستحق تمديد مدة الإنجاز أو أية دفعة إضافية، بموجب أحكام الكتاب الأحمر، أن يرسل للمهندس إشعاراً يبين فيه الأسباب التي دفعته للمطالبة بتمديد مدة الإنجاز أو أية دفعة إضافية، يشرح فيه الظرف الذي أثر على سير تنفيذ العقد، ويجب أن يكون إشعاره هذا في أقرب فرصة، شرط ألا تتجاوز الثمانية عشر يوماً من تاريخ وقوع الحادث أو الظرف، تحت طائلة رفض مطالبته إذا تأخرت عن هذا الميعاد، فيعتبر تأخره عن المطالبة رضاً ضمنياً بتحمله تلك الأعباء، وعلى المقاول، وفي سبيل دعمه لمطالباته التي قد تنشأ عن تنفيذ العقد، أن يحتفظ بمحاضر تدون فيها التفاصيل المؤيدة للمطالبة.

يقوم المهندس، عند حدوث المطالبة، برصد المحاضر، ويمكنه الطلب من المقاول الاستمرار في العمل، حتى يقوم بالاطلاع على مطالبته من خلال المحاضر، وبعدها فإن على المقاول وخلال اثنان وأربعون يوماً من تاريخ وقوع الظرف المسبب للمطالبة أو من تاريخ علمه أو من التاريخ الذي يفترض أن يكون قد علم به بوقوع الحادث، يجب أن يرسل للمهندس خلال هذه المدة تقريراً مفصلاً وشاملاً عن الوقائع مع مؤيداتها، ويلتزم المهندس خلال اثنان وأربعون يوماً من تاريخ تسلمه للمطالبة، بتقييم المطالبة والرد عليها، سلباً أو إيجاباً، ويبرر قراره هذا ببيان مفصل.

في حال كان للمقاول مطالبات لم يتقدم بها، أو لم يتم البت بها ودفعها، فعليه أن يضمنها في الكشف النهائي الذي يقدمه المقاول خلال أربعة وثمانون يوماً من تاريخ إصدار المهندس لشهادة الاستلام النهائية للأعمال، وأما المطالبات التي تحدث خلال فترة ضمان العيوب، فعلى المقاول أن يضمنها في الكشف الذي يقدمه خلال ست وخمسون يوماً من تاريخ انقضاء فترة الضمان، وتعتبر هذه المطالبة هي الفرصة الأخيرة قبل انقضاء مسؤولية رب العمل.

وسوف نتناول بشيء من التفصيل أهم الحوادث التي تنشأ عنها مطالبات المقاول:
– العوائق المادية أو الظروف الطبيعية غير المتوقعة، والظروف الطارئة: قد تعترض المقاول، أثناء تنفيذ العقد أوضاعاً مادية غير منظورة، سبق وبحثنا فيها في موضع آخر من هذا البحث، هي الأوضاع تحت السطحية والهيدرولوجية، وهي أوضاع غير متوقعة، أو لم يكن بوسع المقاول الخبير توقعها، فعلى المقاول إشعار المهندس بأقرب فرصة ممكنة بتلك الأوضاع التي واجهته، وعلى المهندس قبل القبول بمطالبة المقاول، إعداد دراسة وافية عن تلك الأوضاع، ليصار إلى تحديد المدة المطلوب زيادتها على مدة التنفيذ، وعلى المبالغ الإضافية على قيمة العقد.

ويمكن أن تنتج مطالبات المقاول عن ظروف طارئة قد تعترض تنفيذ العقد، وتؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بالمقاول، وقد حدد الفصل التاسع عشر من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، الكتاب الأحمر، تعريف القوة القاهرة وأصول التعامل معها، فيمكن للمقاول أن يقدم مطالباته نتيجة تلك الظروف الطارئة،مع مراعاة المدد المذكورة سابقاً.

– أوامر التغيير: يطرأ على عقد المقاولة أو الأشغال، خاصة إذا كان عقد تشييد، الكثير من التغييرات، ويمكن رد تلك التغييرات إلى طبيعة صناعة التشييد وأعمال البناء، فقد تكون مخططات التعاقد غير دقيقة، أو تتغير موازنة رب العمل المخصصة للأعمال، أو تطرأ ظروف تستدعي التوسع في الأعمال، ولتجنب الحاجة إلى مفاوضات جديدة مع المقاول في كل مرة يكون فيها التغيير ضرورياً أو مرغوباً فيه، وما قد يتسبب ذلك من تأخير وصعوبات، تنص عقود المقاولة عادة على حق رب العمل في إدخال أية تعديلات أو تغييرات على الأعمال، تلزم المقاول بتنفيذها مع حفظ حقه بالتعويض.

تعطي الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، صلاحيات واسعة للمهندس كممثل رب العمل، بإدخال أي تغييرات أو تعديلات، أو تغيير الجدول الزمني للتنفيذ، أو تسلسل ذلك التنفيذ، إلا أن صلاحيات المهندس ليس مطلقة في هذا المجال، فصلاحياته لا تمتد لإحداث أعمال إضافية على الأشغال، وقد تكون أوامر التغيير من المهندس صريحة بموجب أمر تغيير كتابي، أو ضمنية وذلك من خلال طلب يحتوي ضمناً تغييراً لا يقره المهندس كتابةً، وتعتبر أوامر التغيير الضمنية من قبل المهندس من أكثر أسباب نشوء النزاعات في عقود المقاولات، وقد أعطت الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية الحق في البحث في ماهية التغييرات الضمنية التي لا يقرها المهندس والبحث فيما إذا كانت تعتبر من الأمور الخارجة عن نطاق التزامات الأطراف التعاقدية في عقود الفيديك إشكالية دور المهندس:

كان المهندس في ظل الشروط العامة لعقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وذلك حتى تاريخ التعديل الأخير لتلك الشروط في عام 1999، يقوم بالنظر بالخلافات التي تنشأ بين رب العمل والمقاول، وكان يصدر قراره بالنزاع بصفته تلك، إلى جانب صفته وكيلاً وممثلاً لرب العمل، إضافة إلى كونه مديراً للعقد (administrator of the contract)، ومع أن الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، تستوجب الحياد والاستقلال في المهندس في معرض القيام بمهامه الثلاثية في مسماها المزدوجة في طبيعتها، فهو وفق تلك الشروط، المنوط به إصدار شهادة استلام الأعمال من ناحية، وهو من يقر بحق المقاول بالدفعات الإضافية من ناحية ثانية، وكما ذكرنا فهو من يصدر القرار في الخلافات بين المقاول ورب العمل من ناحية ثالثة.

إلا أنه لدى البحث في تأصيل الطبيعة القانونية لدور المهندس في عقود الإنشاءات بمناسبة قيامه في فض النزاعات بين المقاول ورب العمل فيما إذا كان محكماً أو شبه محكم، يمكن أن يقود إلى نتيجة مفادها؛ أن المهندس ليس بمحكم ولا شبه محكم، وأن دوره لا يعدو عن كونه ممثل لرب العمل في تنفيذ العقد وهو بذلك فقد شرطي الحيدة والاستقلال، ومؤيد ذلك أن المحكم يجب أن يكون شخصاً خارج العلاقة القانونية التي سببت النزاع بين أطراف العقد، أضف إلى ذلك فالمهندس لا يتقيد بأي قواعد إجرائية إبان إصداره لحكمه، وهو بذلك يختلف عن التحكيم الذي يتميز بمثل تلك القواعد أو أصول المحاكمات.

وثالثة الأثافي تلك التي جاءت من الشروط العامة لعقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، ومفادها أن قرار المهندس ولو كان نهائياً وملزماً إلا أنه يمكن لأحد الأطراف أن يطعن فيه باللجوء إلى التحكيم وفق المادة (67/4) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، الكتاب الأحمر، طبعة 1992، حيث تنص على إمكانية اللجوء إلى التحكيم وحتى إلى القضاء الوطني المختص، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في انكلترا في حكمها الصادر عام 1974 والذي رفض صفة المهندس كمحكم أو شبه المحكم حتى لا تحرم تلك الصفة عميل المهندس من الحق في مطالبته في التعويض عن خطئه، وأكد ذلك الحكم صفة المهندس كوكيل لرب العمل ليس إلا.

تمتاز عقود الإنشاءات، وخاصة المشاريع الضخمة، بكثرة بنود العقد، التي تؤدي إلى تعقيد في تنفيذ تلك العقود، الأمر الذي يفرض وجود سلطة يناط بها حل النزاعات التي تنشأ بموجب تنفيذ العقد، خلال وقت سريع نسبياً كي لا يؤدي إلى تعطيل ووقف التنفيذ، وهو ما سار عليه النظام الانكليزي في عقود الإنشاءات، تقوم هذه السلطة بموجب ما لها من صلاحيات، باتخاذ طائفة معينة من القرارات لفض خلافات قد تنشأ أثناء سير العقد، وتقوم بتقريب وجهات النظر بين أطراف العقد.

إن طبيعة الخلافات التي تنشأ في معرض تنفيذ العقد، تحتاج إلى خبير هندسي ملم بكافة جوانب العقد والأعمال المنفذة في المشروع، ليقوم بمهمة الفصل في تلك النزاعات، ومن هنا كان المهندس الاستشاري المعين من قبل رب العمل، والذي يضطلع بحكم عمله ابتداءاً من مرحلة وضع التصاميم والمخططات ومروراً بتنفيذ العقد، الشخص الأكثر أهلية للقيام بمهمة الفصل في تلك الخلافات، وسبق ورأينا التحفظات التي وضعت عليه.
وتأسيساً على ما سبق، قام الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين بتعديل للمادة (67) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، بإيجاد بديل لدور المهندس في فض المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقد، ويتمثل هذا البديل في هيئة لتسوية المنازعات.

ثانياً- طرق تسوية المنازعات:

1- مجلس فض المنازعات (dispute adjudication board) “DAB”:
1ً- اختصاص المجلس: يختص مجلس فض المنازعات بموجب الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية بالبت بالخلافات، التي تنشأ بخصوص العقد أو تنفيذ الأشغال، والتي تقع بين المقاول ورب العمل، ويمكن أن يناط أعضاء المجلس مهمة إبداء المشورة بأي أمر يحال إليه من قبل أطراف العقد شرط اتفاقهم على مشاورة المجلس بذلك الأمر م(20/2) من الكتاب الأحمر.

ووفقاً للمادة (20/4) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، الكتاب الأحمر، التي جاءت في مقدمتها مطلقةً فيما يخص أنواع النزاعات، إلا أنها عادت وأكدت على تلك الخلافات التي تنشأ عن تصرفات وتعليمات المهندس، وكأننا بها تؤكد على إلغاء دور المهندس في حل الخلافات التي تقع بين المقاول ورب العمل والتي كانت منوطة به قبل تعديل هذه المادة من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، وإلا لماذا هذا التأكيد على ذلك النوع من الخلافات تحديداً؟

وحددت تلك المادة أطراف الخلاف بأنهم (الفريقين) أي يمكن فهم ذلك بأنهم المقاول الرئيس ورب العمل، ولعل القصد من ذلك كان إخراج الخلافات التي تنشأ بين المقاول الرئيس والمقاول من الباطن، من اختصاص مجلس فض المنازعات، ونتساءل لماذا أخرجت الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية النزاعات الناشئة بين المقاول الرئيس والمقاول من الباطن، ومناط تساؤلنا هذا هو مبرر وجود المجلس بحد ذاته، فالمجلس أنشأ للقيام بالبت في الخلافات بصفة سريعة كيلا يؤدي الخلاف إلى تعطيل وتأخير تنفيذ الأعمال، إلا أن خلافاً بين المقاول الرئيس والمقاول من الباطن قد يؤدي إلى هذا التأخير، ووقف أعمال مهمة من المشروع، فكان من الأفضل عقد الاختصاص لمجلس فض المنازعات بين المقاول الرئيس والمقاول من الباطن، حتى لو كان عقد المقاول من الباطن قد أبرم وفق آليات الفيديك النمطية،

أي يمكنهم إتباع نفس الأسلوب المعتمد لحل الخلافات بين المقاول الرئيس ورب العمل، إلا أنه من الأفضل عقد الاختصاص لمجلس واحد بفض جميع النزاعات الناشئة عن التنفيذ، بما فيها خلافات المقاول الرئيس والمقاول من الباطن، وذلك لسببين الأول معرفة المجلس بكافة جوانب العقد وإحاطتهم بظروف التنفيذ، وبالتالي يكونون أقدر على صنع قرار مناسب وملائم، السبب الثاني مفاده أن عقود المقاولات عقود متشابكة ومعقدة في بنيتها القانونية، فمن الممكن أن يتصل نزاع المقاول الرئيس والمقاول من الباطن بنزاع بين المقاول ورب العمل، ومن الصعب تصور فصل في العلاقة بين نزاعات ناشئة عن عقد واحد._________________

والتساؤل الآخر هو الحالة التي يكون فيها المقاول من الباطن من المقاولين الذين سماهم رب العمل في العقد، فهل ينعقد الاختصاص لمجلس فض المنازعات بالنظر في الخلافات الناشئة بين المقاول الرئيس والمقاول الفرعي المسمى بالعقد وهل يعتبروا هؤلاء المقاولون المسمون في العقد تابعين لرب العمل؟

وللإجابة على هذا السؤال ينبغي مراجعة المادة (5/1) من الكتاب الأحمر، فنجد أن الفقرة (ب) من المادة تنص على إمكانية فرض مقاول فرعي من قبل المهندس، وبالمقابل فإن المادة (5/2) تقول أن المقاول غير ملزم باستخدام المقاول المسمى من قبل رب العمل، وذلك بوجود ما يبرر رفضهم، ولعل أهم مبرر هو عدم نص اتفاقية المقاولة من الباطن على التزام المقاول من الباطن قِبل المقاول الرئيس، وهذا ما يدعونا للقول أن المقاول الفرعي ليس من عمال رب العمل وبالتالي يخضع لأحكام المقاول من الباطن الذي يختاره المقاول الرئيس.

2ً- تعيين المجلس (appointment of the dispute adjucation board): عادة ما يتضمن عرض المناقصة تاريخاً يتعين على أطراف العقد الاتفاق على تعيين مجلس فض الخلافات، ويتكون هذا المجلس من عضو واحد أو ثلاثة أعضاء، احتذاءاً بطريقتي التحكيم التي تكون إما محكماً منفرداً أو تأخذ شكل التحكيم الثلاثي، وعدم تحديد عدد أعضاء المجلس يعتبر عددهم ثلاثة دون الرجوع إلى إرادة الطرفين، ويشترط بأعضاء المجلس تأهيل تقني وفني خاص يسمح لهم تحقيق غاية المجلس، ويمكن اختيار الأعضاء من قائمة معتمدة في العقد.

ونلاحظ أن تعيين أعضاء المجلس الثلاثي يكون بنفس طريقة تعيين المحكمين في التحكيم الثلاثي، أي يقوم كل فريق بتعيين عضو وثم يتفق العضويين على تسمية العضو الثالث الذي يكون رئيساً للمجلس، ويمكن للأطراف الاتفاق على تغيير عضو من أعضاء المجلس، ولم تشر الشروط العامة للحالة التي يرغب أطراف العقد من خلالها تغيير رئيس المجلس، فالرئيس يتم تعيينه من قبل العضويين المعينين من قبل الفرقاء، وبرأينا أن تعيين الأعضاء هو محض اتفاق بين أطراف العقد، فيمكنهم نتيجة الطبيعة الاتفاقية لتعيين أعضاء مجلس فض الخلافات تغيير أي عضو شرط اتفاقهم على ذلك، ويدفع الطرفان تعويضات أعضاء المجلس مناصفةً.

3ً- قرارات مجلس فض الخلافات: بناءاً على اختصاص المجلس بالنظر في أي نزاع قد ينشأ عن العقد، فعند حدوث نزاع بين المقاول ورب العمل، يقوم أحد الفريقين بإحالة النزاع خطياً، ويبين الفريق المحيل أن إحالة النزاع إنما تتم وفقاً لأحكام المادة (20/4) من الكتاب الأحمر، وقبل النظر بالنزاع يتوجب على الفريقين أن يزودا المجلس بكل المعلومات عن النزاع والوثائق المنتجة فيه، ويقوم المجلس بالنظر بالنزاع على أن يصدره قراره خلال أربعة وثمانون يوماً من تاريخ إحالة النزاع إليه، ويمكن تمديد هذه المدة شرط موافقة طرفي العقد على التمديد.

عند صدور قرار المجلس، يتعين على الفرقاء تنفيذه، ما لم يتم الطعن بهذا القرار، ويتم الطعن بهذا القرار بأن يرسل الفريق المعترض إلى الفريق الآخر إشعاراً بعدم رضاه عن القرار، يبين فيه أسباب عدم رضاه (أو طعنه)، وأن هذا القرار قد تم إصداره وفق أحكام المادة (20/4) من الكتاب الأحمر، ويكون الطعن بطريق اللجوء إلى التحكيم وفق أحكام المادة (20/6)، مع ملاحظة أن للأطراف الاتفاق على قواعد للتحكيم غير تلك المعينة بموجب المادة (20/6)، ومهلة الطعن هي ثمانية وعشرون يوماً من تاريخ تسلمه للقرار، أما في حال عدم اعتراض أحد الفريقين على قرار المجلس خلال المدة المنصوص عليها، يصبح القرار مبرماً ولازماً للتنفيذ.

إذا أخفق المجلس في نهاية الأربعة والثمانين يوماً من تاريخ تسلمه لإحالة النزاع، أو أي مهلة يتفق عليه الفريقان للبت في النزاع، فيمكن لأي فريق أن يبلغ الفريق الآخر بعدم رضاه، وذلك خلال ثمانية وعشرين يوماً من انقضاء مدة الأربعة والثمانون يوماً وتتم إحالة الخلاف للتحكيم.
وفي حال لم ينفذ، أو يستطيع التنفيذ، أحد الفريقين لقرار المجلس، فيحال أمر النكول عن التنفيذ للتحكيم، وفي هذه الحالة لا تطبق أحكام المادتين (20/4) و(20/5).

2- الطرق الودية (amicable settlement):
تقوم العلاقات التعاقدية، بحسب الأصل، على حسن النية، فيمكن اعتبار أن مبدأ حسن النية، هو مبدأ مفترض في كل الشرائع، بحيث يقوم الأطراف المتعاقدين بتأسيس علاقاتهم التعاقدية متوسمين بحسن نواياهم والتزامهم بروح العدالة، وينتج عن إعمال هذا المبدأ، الالتزام المفترض بالمتعاقدين بحل الخلافات التي قد تنشأ عن تعاقداتهم بما يفرضه الضمير الاجتماعي بعدم التعدي على حقوق الغير، وتأدية ما عليهم من التزامات إلى جانب حقهم في الحفاظ على حقوقهم.

انطلاقاً من هذه المبادئ العامة، الأخلاقية بالدرجة الأولى، والقانونية بالدرجة الثانية، أخذ القانون على عاتقه حض الأطراف المتعاقدة على محاولة حل خلافاتهم بالطرق الودية، قبل اللجوء إلى الطرق القضائية، ونلاحظ عن طرح النزاع أمام القضاء محاولة من القاضي بتذكير الأطراف بأن الصلح خير، واللجوء إلى الطرق الودية لحل النزاع ليس بالأمر الملزم، فيمكن للأطراف تخطيه واللجوء إلى الطرق القضائية مباشرةً.

ولم تشذ الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية عن هذه المبادئ، إذ أفردت مادة (20/5) من كتابها الأحمر، لإعطاء فرصة للمتعاقدين وفق آلياتها، بمحاولة حل نزاعاتهم بالطرق الودية، قبل البدء بإجراءات التحكيم، ونستعرض، وبشكل سريع، أهم الطرق الودية لحل النزاع، من باب العلم بالشيء:

1ً- المفاوضة: وهي وسيلة أساسية ومهمة لعمليات فض المنازعات ، ويعتبر هذا الأسلوب أبسط وأسرع الطرق لإنهاء النزاع
2ً- الوساطة: وهي اللجوء إلى طرف ثالث محايد، غير أطراف النزاع، ليساعد في حل الخلاف عن طريق إزالة سوء التفاهم بين أطراف النزاع، للوصول إلى اتفاق يوفر عليهم الكثير من الوقت والجهد والنفقات.
__________________- التحكيم (arbitration):
يعيش التحكيم الآن، لاسيَّما التحكيم التجاري الدولي، أزهى عصور ازدهاره، فهو لم يعد مجرد نظام استثنائي لمنافسته للعدالة التي تؤديها الدولة، أو حتى نظام مصاحب وقرين له، بل أصبح في الآونة الأخيرة نظام بديل عن قضاء الدولة، ومرد هذا الازدهار إلى المزايا التي يقدمها التحكيم في حل النزاعات الناشئة عن العلاقات الاقتصادية الدولية المعتادة، أو تلك التي تنشأ عن العقود التي تبرمها الدولة مع الشركات الأجنبية.

1ً- ماهية التحكيم: يتميز التحكيم بخاصتين منفردتين الأولى أن له صفة قضائية والثانية أن أساسه اتفاقي، فأهم واجبات المحكم أو الهيئة التحكيمية هو الفصل في النزاع، وإعطاء قرار نهائي يتناول جميع الدفوع المقدمة من طرفي النزاع، وهو بذلك يشبه القضاء، ويختلف عن الطرق البديلة لحل المنازعات كالوساطة والخبرة.

وأما أساسه فهو اتفاقي، “فهو الاتفاق على طرح النزاع على شخصٍ معين أو عدة أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، فهو وسيلة لحل النزاعات بدل القضاء وعلى سبيل الاستثناء” فهو بذلك قضاء خاص يتولاه أفراد مزودون بولاية الفصل في النزاعات خروجاً عن الأصل العام
وعرف الأستاذ Jarrosson التحكيم بأنه ” النظام الذي بموجبه يسوي طرف من الغير خلافاً قائماً بين طرفين أو عدة أطراف ممارساً لمهنة قضائية عهدت إليه عن طريق هؤلاء الأطراف “.

ونظراً لظروف التعاقد الدولية، والتي تطغى على الحالات التي خلالها التعاقد بآليات عقود الفيديك، فقد تبنت الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية التحكيم كطريق لفض الخلافات التي تنشأ بمناسبة قرارات مجلس فض المنازعات (DAB).

رأينا سابقاً، كيف يقوم مجلس فض المنازعات (DAB) بالنظر في الخلافات التي تثور بمناسبة تنفيذ عقود المقاولة التي تتبنى الآليات التعاقدية التي تبناها الاتحاد الدولي للمهندسين، فالمجلس مختصٌ بأي نزاع قد يحصل بين رب العمل والمقاول، وهو يقوم بمهامه كهيئة قضائية انعقد لها الاختصاص باتفاق الطرفين ورضاهما، إلا أن هذا المجلس وتعيينه ووجوده مرهون باتفاق الطرفين، ويجب أن تتبلور رغبة الطرفين في وجود للمجلس خلال محددة في ملحق عرض المناقصة.

قد يبدي أحد أطراف العقد عدم رضاها عن القرار الصادر عن مجلس فض المنازعات (DAB)، فأعطته الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، حق الاعتراض(ويمكن أن نسميه الطعن) على هذا القرار وذلك باللجوء إلى التحكيم، بحيث يُنظر مرة أخرى في النزاع أمام هيئة التحكيم، فالمادة (20/6) أعطت هيئة التحكيم الحق في مراجعة كافة المستندات والوثائق المنتجة في النزاع والشهادات الصادرة عن المهندس، ويمكن أن يكون المجلس، بما له من سلطة في صنع القرار وفق آليات الفيديك، قد أصدر قرارات تتصل بالنزاع المطروح أمام هيئة التحكيم،

ولطرفي النزاع الحق في إبداء أية بيانات يرونها منتجة في النزاع، أي من الممكن القول أن النزاع ينشر أمام هيئة التحكيم، هذا ما يقودنا للتساؤل عن الطبيعة القانونية لهيئة التحكيم، فهي تداني في اختصاصها وحالات اللجوء إليها، محكمة استئناف تنظر في حكمٍ صادرٍ عن محكمة البداية مثلاً ويجوز استئنافه، فالمادة السابقة تنص على أن موضوع التحكيم هو القرار الصادر عن مجلس فض المنازعات، واشترطت ألا يكون القرار قد حاز حجية الأمر المقضي، فلا هو نهائي ولا هو ملزم، وبالتالي يمكن المراجعة فيه أمام التحكيم، وهذا الشرط هو الشرط ذاته المطلوب توافره في حكم يجوز مراجعته استئنافاً.

وبهذا يمكن إصباغ صفة قضاء الدرجة الثانية على طبيعة التحكيم في الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، إلا أن عدم تعيين مجلسٍ لفض المنازعات، ولأي سببٍ كان، هل يبقي صفة قضاء الدرجة الثانية على هيئة التحكيم تلك؟ فالمادة (20/8) من الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية تحيل الخلاف مباشرة إلى التحكيم في حال لم يتم الاتفاق على مجلس فض المنازعات، والمعلوم أن قضاء الدرجة الثانية هو قضاءٌ يستلزم بالضرورة قضاءاً ابتدائياً يحيل إليه، فالتحكيم وفق آليات الفيديك التي مرة تعطيه صفة قضاء يراجع أحكام المجلس ومرة قضاء ينظر بالنزاع للمرة الأولى، لا يستوي معه القول بأن للتحكيم صفة قضاء الدرجة الثانية.

2ً- القانون الواجب التطبيق: اعتبرت الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية أن التحكيم وفق آلياتها هو دائماً دولي ما لم يتفق الأطراف خلاف ذلك، فهي، ونظراً لظروف تطبيقها في العقود الدولية، تفترض دائماً دولية التحكيم، إلا أنها أعطت للأطراف حرية إضفاء صفة الدولية من عدمه.

وانطلاقاً من الصفة القضائية الخاصة للتحكيم، وتأسيساً على مبدأ سلطان الإرادة وحرية الأطراف باختيار التحكيم طريقاً لفض المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقد، يمكن الاتفاق أصول المحاكمات واجبة التطبيق على النزاع وبالتالي الاتفاق على القانون الواجب التطبيق، أو تحديد قواعد للتحكيم، فإن الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية، أحالت في معرض أحكام المادة (20/6)، إلى قواعد التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية، فالمحكمون ملزمون بتطبيق تلك القواعد عند النظر في النزاع، صحيح أن الفقرة (أ) من المادة السابقة حددت قواعد التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية ليكون التحكيم وفقها، وبرأينا، فإن طبيعة عقود الفيديك الاتفاقية، وطبيعة التحكيم ذاتها لا تمنع من الاتفاق على غير تلك القواعد أو حتى الاتفاق على تطبيق قانون إحدى الدول