بحث قانوني و دراسة حول المسؤولية الطبية المدنية

يجدر بي الوقوف على اركان هذه المسؤولية والمتمثلة في الخطأ الطبي (الفعل الضار)، وحصول الضرر، والعلاقة السببية بينهما.
والمسؤولية الطبية كأي مسؤولية اخرى تقوم على ثلاثة اركان سبق بيانها، يترتب على انتفاء احد هذه الاركان انتفاء المسؤولية، فقيام المسؤولية وعدمها يدور وجودا وعدما مع هذه الاركان.
وللبحث في اركان المسؤولية الطبية يستدعي الامر الوقوف على الفعل الضار (الخطأ الطبي) لتبيان ماهية الخطأ الطبي ومعياره وصوره، كما يستدعي الامر ايضا الوقوف على نتيجة الخطأ الطبي والمتمثلة في الضرر الطبي وبحث المبادئ العامة فيه وعناصره كما يستدعي الامر ايضا الوقوف على العلاقة السببية ما بين الفعل الضار (الخطأ الطبي) والنتيجة (الضرر الطبي) للتأكيد على ضرورة وجود العلاقة السببية لقيام المسؤولية الطبية.

1-الفعل الضار، الخطا الطبي:

الفعل الضار (الخطأ الطبي) يخضع الخطأ الطبي للمعيار العام في تحديد الخطأ في المسؤولية المدنية، الا ان الطبيعة الخاصة والفنية للعمل الطبي وما ينطوي عليه من خطورة تثير التسأول حول مفهوم الخطأ الطبي وخصائصة من جهة، وصور تطبيقات هذا الخطأ من جهة اخرى، لذى ساقوم في هذا المبحث بتناول ماهية الخطأ الطبي ومعياره في مطلب اول، وفي مطلب ثاني اتناول صور الخطأ الطبي الاكثر شيوعا.

المطلب الاول ماهية الخطأ الطبي ومعياره

يعرف البعض الخطأ بانه انحراف ايجابي او سلبي في سلوك المدين ويعرفة الفقية بلانيول الخطأ، بانه الاخلال بالتزام سابق، ويحصر الالتزامات التي يعتبر الاخلال بها خطأ في اربعة أنواع، الامتناع عن العنف، الكف عن الغش، الاحجام عن عمل لم تتهيأ له الاسباب من قوة او مهارة، واليقظة في تأديب واجب الرقابة على الاشخاص والاشياء. ويعرفة سافاتيية بانه اخلال بواجب تبين لمن اخل به انه اخل بواجب .
ويمكن القول ان الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو اخلال بالتزام قانوني، اما الخطأ في المسؤولية العقدية هو اخلال بالتزام عقدي، والالتزام العقدي اما ان يكون بتحقيق نتيجة واما ان يكون التزام ببذل عناية، اما الالتزام القانوني فهو دائما التزام ببذل عناية وهو ان يصطنع الشخص في سلوكة اليقظة والتبصر والحذر حتى لا يضر بالغير، فاذا انحرف عن هذا السلوك الواجب، وكان من الممكن التمييز انه يدرك انه انحرف، كان هذا الانحراف خطأ يستوجب المسؤولية التقصيرية. وينطوي ركن الخطأ في المسؤولية التقصيرية على ركنين: الركن الاول مادي والذي يتمثل بالانحراف او التعدي، والركن الاخر معنوي وهو الادراك والتمييز. ويقيم المشرع الاردني المسؤولية على اساس الضرر وليس على اساس الخطأ، فأساس المسؤولية موضوعي قوامه الضرر وبالتالي فان الفعل الذي يؤدي إلى الضرر بذاتة هو وحدة الذي يستوجب الضمان في الفقة الاسلامي والقانون المدني الاردني والقوانين التي استمدت احكامها من احكام الفقة الاسلامي، لذا نجد ان نصوص المواد التي تتعلق بالفعل الضار بالقانون المدني الاردني تقتصر على العنصر المادي فقط وهو التعدي، وبالتالي يسأل كل من احدث الضرر حتى ولو كان غير مدرك او مميز للعمل الذي قام به . يعرف الخطأ الطبي بانه عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصة التي فرضتها عليه مهنة الطب، او هو كل تقصير في مسلك الطبيب، وحيث ان الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب من حيث المبدأ هو التزام ببذل عناية، فان مضمون هذا الالتزام هو بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الاصول العلمية الثابتة، والتي تتفق مع الظروف القائمة بهدف شفاء المريض وتحسين حالتة الصحية، وكل اخلال بهذا الالتزام يشكل خطأ طبيا يثير مسؤولية الطبيب، وكذلك يسأل الطبيب الذي يقوم بالمعالجة عن كل تقصير من جانبة اذا كان ذلك لا يقع من طبيب وسط في نفس مستواه المهني وفي نفس الظروف التي احاطت بالطبيب المسؤول .
وهذا يعني ان المعيار الذي يقاس به خطأ الطبيب هو معيار موضوعي يقيس الفعل على اساس سلوك معين يختلف من حالة إلى اخرى وهو سلوك الشخص المعتاد، اي ان القاضي في سبيل تقدير خطأ الطبيب في علاج مريض معين يقيس سلوكة على سلوك طبيب اخر من نفس المستوى، سواء طبيب عام او مختص.

درجات الخطأ

اولاً: الخطأ العمد، ارادة الفعل وارادة النتيجة ويمكن تعريفة بانه الاخلال بالتزام قانوني بقصد الاضرار بالغير، اي اتجاه الارادة إلى احداث الضرر ولا يكفي اتجاهها إلى ارتكاب الفعل لذاته اذا لم تتجه الارادة لاحداث النتائج الضارة، لذلك فان الخطأ العمدي يتكون من عنصرين الاول مادي وهو الاخلال بالواجب (الالتزام)، والثاني معنوي (نفسي) وهو قصد الاضرار بالغير.

ثانيا: خطأ الاهمال: ارادة الفعل دون النتيجة ويمكن تعريفة بانه الاخلال بالتزام قانوني دون قصد الاضرار بالغير، وتتفاوت درجات الاهمال فقد يكون خطأ الاهمال خطأ جسيما وقد يكون خطأ يسيرا. والخطأ الجسيم هو الخطأ الذي يقع فيه حتى أكثر الناس اهمالا بحيث لا يقع الا من شخص شديد الغباء عديم الاكتراث، وعرفة البعض بانه الاهمال او عدم التبصر الذي بلغ حدا من الجسامة يجعل له اهمية خاصة، واذا كان الخطأ العمدي ينطوي على سوء نية، فان الخطأ الجسيم لا ينطوي عليها، ولكن مع ذلك لا يعتي ازالة وصف الخطأ الجسيم ويسأل مرتكب الفعل عن خطاءه الذي سبب ضررا للغير. وقد يشترك شخصان في الضرر احدهما ارتكب خطأ عمدي والآخر ارتكب خطأ غير عمدي، وفي هذه الحالة فإن الخطأ العمدي يجب الخطأ الغير عمدي، اي ان مرتكب الخطأ العمدي هو المسؤول فقط . ويذهب بعض الفقهاء إلى وجوب التفرقة والتمييز في مزاولة المهنة بين الخطأ العادي والخطأ المهني، فالخطأ العادي هو ما يصدر من الطبيب صاحب المهنة عند مزاولته مهنته دون ان يكون لهذا الخطأ علاقة بالاصول الفنية لهذه المهنة، كاجراء العملية في حالة سكر او الاهمال في تخدير المريض قبل العملية، ومعيار هذا الخطأ هو معيار الخطأ المعروف وهو الانحراف عن السلوك للرجل العادي. اما الخطأ المهني فهو خطأ يتصل بالاصول الفنية للمهنة كما اذا اخطأ الطبيب في تشخيص المرض، ولا يسأل الطبيب في نظر هؤلاء الفقهاء عن الخطأ المهني الا اذا كان خطأ جسيم . واستقر القضاء في بادئ الامر على ان يسأل الطبيب عن خطئه العادي في جميع درجاته وصوره يسيرا كان ام جسيما، اما بالنسبة للخطأ المهني او الفني فان الطبيب لا يسأل الا عن خطأه الجسيم .

وقد تدق التفرقة بين الخطأ الفني والخطأ العادي للطبيب كخطأ الطبيب الذي لا يأمر بنقل المريض إلى المستشفى في الوقت المناسب اذا لا يسهل وصفة خطأ عادي او خطأ فني، وكذلك اذا باشر الطبيب عملية جراحية خطيرة لا لغرض علاجي بل لمجرد ازالة عيوب طبيعية لا اثر لها بالصحة اطلاقا.
ونظرا لدقة التفرقة بين نوعي الخطأ العادي والفني وعدم وجود مبرر قوي يسندها، بالاضافة إلى تطور فكرة المسؤولية والميل إلى توفير حماية أكبر للمضرور فان القضاء في فرنسا ومصر قد عدل عن فكرة التفرقة ، فاذا كان الطبيب او غيره من الرجال الفنيين في حاجة إلى الحماية من الاخطاء الفنية، والواجب اعتبار الرجل الفني مسؤولا عن خطئه المهني مسؤوليته عن خطئة العادي فيسأل في هذا وذاك حتى عن خطئة اليسير، لذا اصبح الطبيب مسؤولا عن خطئة مهما كان نوعة سواء كان فني او غير فني، جسيما او يسيرا.
فابالنسبة للقضاء الفرنسي قضت محكمة النقض في احد احكامها “ان هاتين المادتين (1382، 1383 من القانون المدني الفرنسي) قد قررتا قاعدة عامة إلى قاعدة ضرورة اسناد الخطأ إلى المسؤول لامكان الزامة بتعويض الضرر الذي ينشأ عن فعلة بل حتى عن مجرد اهماله وعدم تبصرة، وان هذه القاعدة تسري على جميع الناس مهما كانت مراكزهم وصناعاتهم دون استثناء، الا في الحالات التي نص عليها القانون بصفة خاصة، وانه لا يوجد اي استثناء من هذا القبيل بالنسبة للاطباء، وانه مما لا شك فيه ان المحكمة تتطلب من القاضي الا يوغل في فحص النظريات والاساليب الطبية، وانه توجد قواعد عامة يمليها حسن التبصر وسلامة الذوق وتجب مراعاتها في كل مهنة، وان الاطباء فيما يتعلق بذلك خاضعون للقانون العام كغيرهم من الناس”.
وبات الاتجاه في القضاء المصري واضحا حيث “قضت محكمة استئناف مصر بان مسؤولية الطبيب تخضع للقواعد العامة متى تحقق وجود خطأ مهما كان نوعة سواء كان خطأ فني او غير فني جسيم اويسير، لهذا فانه يصح الحكم على الطبيب الذي يرتكب الخطأ اليسير ولو ان هذا الخطأ له مسحة طبية ظاهرة ولا يتمتع طبيب باي استثناء، ويجب على القاضي فقط ان يتثبت من وجود هذا الخطأ وان يكون هذا الخطأ ثابتا ثبوتا كافيا لدية”.
وقضت محكمة النقض المصرية “بان الطبيب يسأل عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسؤول، كما يسأل عن خطئة العادي اي كانت جسامتة”.
والمعيار الذي يقاس بة الخطأ المهني هو معيار فني موضوعي معيار شخص من اواسط رجال الفن ومثل هذا الشخص لا يجوز له ان يخطئ فيما استقرت علية اصول مهنتة، والاصول المستقرة للمهنة وهي مالم تعد محلا للمناقشة بين اصحاب هذه المهنة بل ان جمهورهم يسلمون بها ولا يقبلون فيها جدالاً، ومن ثم ان الخروج على هذه الاصول المستقرة خطأ يوجب المسؤولية، وتقضي المحاكم بان يسأل الطبيب عن خطئة في العلاج اذا كان الخطأ ظاهرا لا يحتمل نقاشا فنيا تختلف فية الاراء، فان وجدت مسائل علمية يتجادل فيها الاطباء ويختلفون عليها ورأى الطبيب اتباع نظرية قال بها العلماء ولم يستقر عليها الرأي فلا لوم عليه وعلى القضاء ان يتفادى النظر في المناقشات الفنية عند تقدير مسؤولية الاطباء، اذ ليست مهمة القضاء المفاضلة بين طرق العلاج المختلف عليها، بل ان مهمتة قاصرة على التثبت من خطأ الطبيب المعالج .

المطلب الثاني صور الخطأ الطبي

ان استقصاء صور عملية وتطبيقية للخطأ الطبي تبدو من خلال تتبع العلاقة بين المريض والطبيب منذ بداية العلاقة، فيبدأ الامر اولا بمعرفة توافر الرضا بصدد العمل الطبي سواء اكان من قبل الطبيب او المريض ويأتي بعد ذلك مرحلة فحص المريض وتشخيص المرض ووصف العلاج ومباشرتة، وقد يستدعي الامر تدخل جراحي وما ينطوي عليه ذلك من حساسية خاصة بسبب تداخل عدة عوامل كالفحص الاولى والتشخيص والتخدير والطبيعة الفنية للعمل والاستعانة بالكوادر الطبية الاخرى وما إلى ذلك من الامور التي تعد من الوازم العمل الطبي واساعرض لبعض صور الخطأ الطبي الاكثر شيوعا في الحياة العملية التي يمكن ان تصدر خلال المراحل والفروض السابقة.

أولاً: امتناع الطبيب عن معالجة المريض ان دعوة الطبيب لعلاج المريض هي اولى مراحل العلاقة بين الطبيب والمريض، ويثور في هذا الصدد مجموعة من التساؤلات، فهل الطبيب ملزم بتلبية دعوة المريض؟ وهل له رفض التعاقد مع المريض؟ وهل تترتب عليه اية مسؤولية في حال رفض تلبية الدعوة؟
الاصل ان الطبيب كسائر المواطنين له كامل الحرية في ممارسة مهنته وبالطريقة التي يحبذ، اذ له الحق في قبول او رفض الدعوة للعلاج. فالعلاقة بين الطبيب والمريض علاقة تعاقدية يلزم فيها رضا كل من الطرفين، ولا يوجد ما يلزم الطبيب بتقديم العلاج للمرضى الذين يطلبون المساعدة، ولا يعد الشخص مخطئا الا اذا اخل بواجب يفرضة عليه القانون او الاتفاق، وهذا ما كان مستقر علية في الفقة والقضاء ، حيث ان الطبيب غير ملزم بتلبية دعوة المريض لمعالجتة اذ له الحرية في قبول العلاج او رفضة، ولا يترتب على امتناعة اي مسؤولية وذلك لانعدام الرابطة السببية بين الضرر والخطأ، علاوة على ان هناك مبدأ هام في التشريعات الجنائية مفادة ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، وان مجرد الامتناع لا يرتب مسؤولية مالم يوجد نص او عقد يوجب العمل.
والقول بغير ذلك يتنافى مع مبدأ الحرية التي يتمتع بها الطبيب، فكما ان رضا المريض شرط لازم فان الطبيب كذلك لا يعتبر ملزما بالعلاج الا بعد قبولة، وعليه لا يعد امتناعة سببا لاقامة المسؤولية عن هذا الامتناع، حتى ان القضاء والى عهد قريب كان يقضي بان من حق الطبيب ان يمتنع عن اجابة دعوة المريض دون اي مسؤولية، حتى ولو لم يوجد طبيب اخر يمكن ان يكون بديلا عنه. وكان اجتهاد محكمة شاتورو الفرنسية عام 1908 “ان من حق الطبيب ان يمتنع عن اجابة دعوة المريض دون ان يتعرض إلى اي جزاء جنائي او مدني لان مهنة الطب هي مهنة حرة، وله مطلق الحرية في اختيار عملائه”. وقد كان لهذا الاتجاه اثار سلبية لاسيما في الارياف حيث لا يوجد في كثير من الاحيان الا طبيب واحد فاذا رفض معالجة المريض فانه يحرم هذا المريض من العناية الطبية التي يمكن ان تنقذه من الموت. لذلك تراجع الفقة والقضاء عن المبدأ السابق والمتمثل في حرية الطبيب بالامتناع، وظهرت اتجاهات حديثة تنادي في نسبية الحقوق ووظيفتها الاجتماعية، مما كان له اثر فعال في تقييد الحرية المطلقة للطبيب، حيث ان هناك واجب انساني وادبي على الطبيب اتجاه المرضى والمجتمع الذي يحيا فيه، تفرضة عليه اصول ومقتضيات العمل الطبي.
فرغم التسليم في حرية الطبيب في مزاولة مهنته الا انه يجب الا يستعملها الا في حدود الغرض الاجتماعي الذي اعترف له بها والا يعتبر مستعسفا في استعمال حقة، وعليه فان اقرار مسؤولية الطبيب الممتنع متى كان سبب امتناعة يلحق ضرر بالغير، فان هذا الامر يتطلب وجود نيه الاضرار بالغير وهذه النية يمكن استخلاصها من ظروف الحال كوجود المريض في مكان ناء ولا يوجد سوى طبيب معين لانقاذه وعلاجه، او اذا طلب المريض العلاج في ساعة متأخرة من الليل ولا يوجد في هذه الساعة غيره، كذلك وجود المريض في حالة خطرة تستدعى التدخل السريع والفوري من الطبيب الحاضر.

اعتبر الفقة والقضاء ان مجرد امتناع الطبيب في مثل هذه الحالات يشكل خطأ يستوجب المسؤولية وتطبق بشأن هذا الخطأ قواعد المسؤولية التقصيرية التي من شروطها ثبوت وجود ضرر نشأ من هذا الامتناع واثبات العلاقة السببية بين الامتناع والضرر. ومن الجدير بالذكر ان الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام او مصلحة حكومية ليس له ان يرفض معالجة المرضى الذين ينبغي عليه معالجتهم، ونفس الحكم بالنسبة للطبيب الذي يتعاقد مع مؤسسة او رب عمل على علاج العاملين، فامتناع الطبيب عن العلاج هنا يثير مسؤوليتة التعاقدية التي لا مناص منها بل والتشدد فيها. خلاصة القول ان مسؤولية الطبيب تثور في حالة الامتناع عن العلاج اذا تم حصول ضرر بسبب هذا الامتناع، ويقع على عاتق المريض اثبات قيام العلاقة السببية بين امتناع الطبيب عن العلاج والضرر الذي لحق به.

كما تقوم مسؤولية الطبيب الجنائية اذا كان الترك او الامتناع عن تقديم العلاج يشكل خطئا جنائيا، وقد نصت المادة (474) من قانون العقوبات الاردني “انه يعاقب بالحبس حتى شهر واحد والغرامة خمسة دنانير على كل شخص من اصحاب المهن او اهل الفن اذا امتنع دون عذر عن اغاثة او اجراء عملية” .
كما تنص المادة (343) من نفس القانون على ان “من سبب موت احد عن اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة القوانين والانظمة عوقب بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة سنوات” .

ثانيا: رضاء المريض بالعلاج ان حق المريض في العلاج من الحقوق الانسانية الاساسية كحقة في الحياة، ويعتبر رضاء المريض في العلاج هو الدافع الاساسي لبدء العلاج او المرحلة التنفيذية في مباشرة العلاج.
يلزم لقيام الطبيب بالعلاج والعمليات الجراحية الحصول على رضا المريض بذلك وتخلف هذا الرضا قد يجعل الطبيب مخطئا ويحمله تبعة المخاطر الناشئة عن العلاج، ولا يعني رضاء المريض اعفاء الطبيب من المسؤولية، بل انه يسأل طبقا للقواعد العامة عن الخطأ الصادر منة اثناء العلاج.

اجمع القضاء في فرنسا على ان الانسان هو الوحيد الذي له حق التصرف في جسمة وفي تقدير مالة من مخاطر، فاأقر في هذا النطاق انه يجب على الطبيب ان يطلع المريض بما يترتب على علاجة بنوع معين من الدواء، او ما قد يحدث من جراء عملية جراحية فيها اي قدر من الخطورة، فانه يجب على الطبيب – كقاعدة عامة عدم لالتجاء إلى علاج مريض او المساس بجسمة دون الحصول على رضاه سلفا، فهذا الرضاء يقتضية احترام الشخص لهذا الفرد، اذ لكل انسان حقوق مقدسة على جسمة لا يجوز المساس بها بغير رضائة ولو كان الدافع الية لصالح المريض.

وتزداد اهمية الحصول على رضاء المريض كلما كان العلاج او التدخل الجراحي ينطوي على كثير من المخاطر، والتزام الطبيب بالحصول على موافقة المريض لا يقتصر على العلاج الذي يشير به فقط بل يجب على الطبيب ان يحيط المريض بكافة النتائج والمضاعفات التي قد تحدث بسبب ذلك العلاج.
ولا يقصد برضى المريض الايجاب الصادر عنه بقبول العلاج، لدى طبيب ما او مستشفى، لانعقاد العقد الطبي بينهما بل ان الرضا المقصود هو الرضاء الخاص، بحيث يكون حصول الاذن بالرضاء مقدما من المريض ذاته، او من اهلة وذوية ممن هم اهلا لتنفيذه وخاصة في حالة اجراء عملية او علاج خطير او بتر عضو. ويبرر الفقة ضرورة الحصول على الرضا الخاص، لان المريض انسان حر، له حقوق مقدسة على جسمة وليس لاحد المساس بجسمة دون رضاه، لذا يجب ان يكون هذا الرضا واضحا وصريحا قبل البدء بالعلاج وان يستمر إلى وقت التدخل العلاجي من الطبيب وفي حالة اذا ما عدل المريض عن رضاه، فان الطبيب يسأل في حالة قيامة بالعلاج دون الحصول على رضاء المريض. تنص المادة الثانية من الدستور الطبي الاردني والمتعلقة بواجبات الطبيب تجاه المرضى على ان “كل عمل طبي يجب ان يستهدف مصلحة المريض المطلقة وأن تكون له ضرورة تبرره وان يتم برضائه او رضاء ولي أمره ان كان قاصرا او فاقداً لوعية” .

وقد استقر الفقة على ان الطبيب لا يعفي من الحصول على الرضا مسبقا الا في حالات استثنائية وتتمثل في حالات العلاج العاجل كما في حالة المصاب بحادث سير، فعلى المريض هنا ان يتقبل ويتناول ما يقدمة له الطبيب من علاج وتطبيب، وان يرضخ للاجراءات العلاجية التي تستدعيها حالته، كالتصوير بالاشعة والموجات الكهربائية واخذ العينات المخبرية.
واما عن وقت الرضا فانة يجب ان يكون سابقا للعلاج او اجرائه وهو اما ان يكون صريحا او ضمنيا حيث يمكن في حالة العلاج اعتبار دخول المريض إلى عيادة المريض ودفع مقابل الكشفية ليس الا مظهرا ودليل على القبول والرضى، على الرغم من ان شروط العقد غير مبينة كتابيا لان مواصفات العمل وشروطة واصول المهنة واعرافها هي التي تحدد مثل هذه الشروط.

ويجب ان لا ننسى في هذا المقام ان الرضا يجب ان يصدر من صاحب العلاقة (المريض نفسه) في حالة اذا ما كان كامل الاهلية وبالغ راشد عاقل، وكانت حالتة تسمح له بالتعبير عن رضائه، ويكفي ان يصدر الرضا مما له سلطة قانونية او من ممثلية القانونيين او اهلة القريبين في حالة اذا ما كان المريض غير اهل للتعبير عن رضائه كأن يكون فاقدا للوعي . وقد جاء في حكم صادر عن محكمة بيروت “يجيز القانون العمليات الجراحية، والعلاجات الطبية المنطبقة على اصول الفن، شرط ان تجرى برضى العليل، او رضا ممثليهم الشرعيين او في حالة الضرورة الماسة”. وعلى الرغم من كل ما سبق فاننا نؤكد ان رضا المريض لا يعني اعفاء الطبيب من المسؤولية التي تنشأ عن اخطاءه في العلاج او الجراحة بل يسأل طبقا للقواعد العامة لان الاخلال بالالتزامات المتعلقة بسلامة الجسم البشري هي من النظام العام.

ويقع عبء اثبات الرضا على عاتق الطبيب المباشر للعمل وله ان يستفيد من ظروف الحال وواقع ما جرى معه والقرائن المحيطة ليستطيع استخلاص الرضا وذلك في حالة انتفاء الرضا الصريح، ومن الصور الدالة على الرضا الضمني ان يقوم المريض بدفع اجور العملية او جزء منها مسبقا او لاحقا لانتهاء العمل الجراحي.

ثالثا: الخطأ الطبي في التشخيص ان التشخيص له اهمية خاصة باعتباره مرحلة تسبق مراحل العلاج وهذه المرحلة من اهم وادق هذه المراحل جميعا ففيها يحاول الطبيب معرفة ماهية المرض ودرجة خطورته وتاريخه وتطورة مع جميع ما يؤثر فيه من ظروف المريض من حيث ناحيته الصحية وسوابقة المرضية وأثر الوراثة فية، ثم يقرر بناء على ما يجتمع لدية من كل ذلك، نوع المرض الذي يشكو منه المريض ودرجة تقدمة، ولتحديد الخطأ في التشخيص يستلزم الوقوف على امرين اولهما: الاهمال في التشخيص، وثانيهما: الغلط العلمي الذي يقع فية الطبيب.

أولاً: الاهمال في التشخيص ان تشخيص المرض أول اعمال الطبيب فعلى ضوء ذلك يتحدد تعاملة مع المريض وطريقة علاجة، وان اي خطأ في تلك المرحلة الهامة والرئيسية يستتبع نتائج قد لا تحمد عقباها، وفي هذه المرحلة بالذات ومنها تبدأ المسؤولية الطبية وان اي تسرع في البت وتقرير حالة المريض قد يوقع الطبيب في خطأ التشخيص. فيجب على الطبيب اثناء قيامة في تشخيص المرض اللجوء إلى الفحوصات العلمية والعملية كالفحص الميكروسكوبي والتحاليل بانواعها والتصوير بالاشعة، وله ان يستعين باطباء اخرين من ذوي الاختصاص، فاذا اهمل الطبيب في اتخاذ الاحتياطات الضرورية التي تبعدة عن مواطن الخطأ كان مسؤولا عن الاضرار الناجمة عن اخطائه في التشخيص، وفي هذا الصدد ذهبت محكمة السين الابتدائية في فرنسا “بانه في حالة الشك بالتشخيص يجب الالتجاء إلى الطرق العلمية للتحقق من الحالة المرضية، ويمكن القول ان الطبيب يحاسب عن جميع الاخطاء التي تقع في التشخيص وخاصة اذا كان ذلك الخطأ لا يقع من طبيب معتاد من اواسط رجال الطب وفي الظروف العادية للتشخيص وعلى هذا يلزم الطبيب ببذل اقصى الجهد للتحقق من نوعية المرض والوقوف على حقيقة ما يعانية المريض، وذلك بعنايته بالتشخيص ويكون ذلك باتباع احدث ما توصل الية العلم وفن الطب من وسائل كشف مما هو متاح، والا فانه يسأل عن اي تقصير في مساعية بهذا الخصوص فيما اذا كان تشخيصة مخالفا او بعيدا عن حالة المريض حقيقته. اما الحالات التي لا يمكن ان تساعد فيها الاعراض الظاهرة فيها عن كشف حقيقة المرض، كوجود التهابات يصعب معها تحديد حالة المرض، او ان الحالة لم تكن ذات جدوى للاستعانة بها فان الطبيب لا يسأل من حيث المبدأ.

ثانيا: الغلط العلمي هناك العديد من النظريات العلمية الطبية لا تزال محل خلاف بين العلماء والاطباء، فاذا ما رجح الطبيب رأى على اخر واخطأ في التشخيص نتيجة لتشابة الاعراض المرضية والتي تستعصي على أكثر الاطباء علما ودراية، ففي هذه الحالات يبقى الطبيب في منأى من المسؤولية متى كان الخطأ الذي وقع فيه بسبب تشابة الاعراض، ويمكن ان يقع في ذلك الطبيب الوسط الذي وجد في نفس الظروف، ولكن هذا لا يعني ان الغلط العلمي في التشخيص يغتفر مهما كان الغلط الصادر من الطبيب، لان اعتماد مبدأ كهذا فية مخالفة لما قلناه في معيار الخطأ الطبي، وانما يسأل الطبيب اذا لم يبذل جهودا صادقة يقظة تتفق مع الاصول العلمية الثابتة ماعدا الظروف الاستثنائية وعلى هذا ذهبت احدى المحاكم الفرنسية إلى القول ” بان طبيب الاشعة الذي لا يكشف كسر في رأس عظمة الفخذ الذي اخذ له صورة مع ما اثبته الخبراء من وضوح اثر الكسر في تلك الصورة يدل بذلك على جهل تام بقراءته للصورة العظمية، جهل لا يغتفر علىالاخص من طبيب مختص، وعلى ذلك فان الطبيب يسأل كلما اخطأ في تشخيص المرض خطأ يدل على الجهل الفاضح للفن الطبي، مما يستدعي الفصل بين الجهل والرأي العلمي فنحاسب الطبيب في حالات الجهل دون الاجتهاد العلمي. ويمكن اجمال بعض حالات الخطأ في التشخيص في الامور التالية :

1. اذا كان الخطأ يشكل جهلا واضحا بالمبادئ الاولية للطب المتفق عليها من قبل الجميع والتي تعد الحد الادنى الذي يتفق مع اصول المهنة.

2. ان الغلط في التشخيص لا يشكل بالضرورة خطأ طبيا، فمثل هذا الغلط يمكن ان يثير مسؤولية الطبيب اذا كان عن جهل في الاوليات او عن اهمال في الفحص الطبي كأن يتم في طريقة سطحية وسريعة غير كاملة.

3. اذا كان الخطأ في التشخيص غير مغتفر، كما اذا كان علامات واعراض المرض ظاهرة بحيث لا تفوت على طبيب وسط من نفس مستوى من قام بالتشخيص. اذا كان الخطأ ينطوي على اهمال واضح من قبل الطبيب لا يتفق مع ماجرى علية العمل في مثل هذه الحالات، حيث يسأل الطبيب اذا كان خطئه في التشخيص راجعا الىعدم استعمال الوسائل الطبية الحديثة التي اتفق على استخدامها في مثل هذه الاحوال كالاشعة، والفحوصات المخبرية،

4. ولا يعفي الطبيب من المسؤولية في هذه الحالة الا اذا كانت حالة المريض لا تسمح باستعمال الوسيلة المتبعة او كانت الظروف الموجود بها المريض لا تؤهل لذلك.

5. ويٍسأل الطبيب ايضا اذا كان الخطأ في التشخيص راجعا إلى استخدام الطبيب لوسائل مهجورة وطرق لم يعد يعترف بها علميا في هذا المجال.

6. واخيرا يسأل الطبيب عن الخطأ في التشخيص اذا كان ذلك راجعا إلى عدم استشارته لزملائة الذين هم أكثر منه تخصصا في المسائل الاولية اللازمة، حتى يتبين طبيعة الحالة.

رابعا: الخطأ في وصف العلاج تأتي مرحلة وصف العلاج للمريض بعد تشخيص المرض وتحديد هويته والوقوف على طبيعتة بشكل دقيق، فوصف العلاج للمريض يجب ان يستند على نتائج هذه المرحلة حتى يكون ناجحا وملائما للمريض ومن الطبيعي الا يلتزم الطبيب بنتيجة معينة كشفاء المريض بل يبقى التزامة ببذل عناية، حيث يجب عليه ان يبذل العناية اللازمة لاختيار العلاج والدواء الملائمين لحالة المريض بهدف التوصل إلى شفائة او تخفيف الآمة، ولا يسأل الطبيب عن نتيجة ذلك لان الامر مرجعة إلى مدى فعالية العلاج من جهة ومدى قابلية جسم المريض وحالتة لاستيعاب ذلك من جهة اخرى، ويلزم الطبيب بمراعاة الحيطة بوصف العلاج وعلية ان يأخذ بعين الاعتبار الحالة الصحية للمريض وسنه وقوة مقاومتة ودرجة احتمالية للمواد الكيماوية، وقد قضت احدى المحاكم الفرنسية في احد احكامها “ان الطبيب يعتبر مخطئا، اذا امر بعلاج لم يراعى فيه بنية المريض وسنه وقوة مقاومته، ودرجة احتمالة للمواد السامة التي تقدم اليه”.

ان خطأ الطبيب في مرحلة العلاج يمكن تقسيمة إلى نوعين:

1. خطأ ناتج عن عدم اتباع الاصول العلمية السائدة وقت مباشرة العلاج حيث ان اتباع هذه الاصول هو التزام عام يقع على عاتق الطبيب، اذ يجب عليه ان يبذل للمريض عناية لا من اي نوع كان بل ان يبذل جهودا صادقة يقظة تتفق مع الاصول العلمية الثابتة، وبناء على ذلك فان الطبيب الذي يستخدم فنا قديما في المعالجة مع امكانية استخدام وسائل طبية حديثة بديلة عن الفن القديم والمهجور يعد مسؤولا عن الاضرار التي يمكن ان تنجم عن فعله” .

ومعنى الزام الطبيب باتباع ما وصل اليه العلم والمعرفة وخاصة في مجالات الطب ليس الجمود والتقوقع والانزواء عن الاستنباط والاستحداث وتجديد والتطور، وانما القصد انه اذا ما عرض على الطبيب حالة تحكمها القواعد الثابتة المستقرة التي وضع لها العلم حلا، ودلت الخبرة والتجربة على صلاحيته، فان الطبيب ملزم باتباعة، حتى لا يعرض المريض لاخطار لا مبرر لها. وفي حالة اذا ما عرض على الطبيب حالة لا تدخل في ذاك النطاق وتلك الحدود فلا يوجد ما يمنع من مسايرة الامور وفق ما تقتضية تلك الحالة ومصلحة المريض فيختار ما يراه مناسبا ويفاضل بين النظريات الاكثر ملائمة دون ان يكون له حق في الخروج عن الاصول المستقرة الثابتة وانما له التصرف ضمنها وله ان يحورها بما يناسب مصلحة المريض، فيجري علاج جديد شرط ان لا تكون اخطاره غير متناسبة مع فوائدة .

2. الخطأ الناتج عن قواعد الحيطة والحذر في وصف العلاج. يجب على الطبيب عند كتابته للوصفة الطبية للمريض ان يراعى جانب الحذر والحيطة واليقظة في وصفة العلاج، حيث يجب ان تصدر الوصفة الطبية عنه مذيلة بتوقيعة وظاهر فيها مقادير الدواء وطريقة استخدامة، وقد نصت المادة (8) من الدستور الطبي والمتعلقة بواجبات الطبيب العامة على ان تحوى اوراق الوصفات الطبية المعلومات المسموح بادراجها في اعلان الصحف واللافتات فقط. ويجب أن يذكر على الوصفة الطبية اسم المريض وعمرة والتاريخ وتوقيع الطبيب وان تكون الوصفة واضحة الخط وحاوية على شروط استعمال العلاج”.

فاختيار العلاج بنوعيتة ومقدار جرعتة وكيفية استخدامة يقتضي من الطبيب منتهى اليقظة والانتباه فاذا ما اخطأ في تقدير الجرعة او في نسبة تركيب المادة التي تدخل في الدواء ومات المريض نتيجة لذلك فان الطبيب يعد مسؤولا في هذه الحالة نتيجة لخطئه في وصف الدواء، فالطبيب يعتبر مسؤولا اذا اخطأ وتجاوز في تقدير الجرعة التي يحتاجها المريض لدواء ما، وكان الحد والمقدار معلوما ومستقرا عليه في علم الطب والاصول الفنية، او ان الطبيب قد اعطى المريض دواء غير مناسب لحالتة لاعتقادة العكس، فيكون تقديرة خاطئ وعلى غير مقتضي اصول الفن الطبي.

وعلى الرغم مما تقدم ليس هناك معيار محدد يمكن من خلاله القول ان الطبيب قد اخطأ اثناء العلاج، لذلك ذهبت احكام القضاء إلى ان الطبيب يعتبر مسؤولا اذا اثبت ان في اختياره الدواء جهلا واضحا باصول العلم والفن العلمي او انه يصف دواء للمريض يحتوي على مواد خطرة دون ان يبين كيفية تناوله ولم يقم بفحص المريض للتأكد من مقدرته على تحمل العلاج.
ورغم ذلك فان الطبيب لا تحجب عنه المسؤولية حتى وان نبه المريض او ذوية او المسؤول والقائم على رعايتة والعناية به إلى مخاطر العلاج، وذلك اذا لم تكن حالة المريض تستدعي تعريضة لهذه المخاطر او لم توجد ضرورة لذلك حتى ولو رضي المريض بذلك لان الطبيب يجب ان لا يقبل تعريض مريضة لعلاج لا تكون فوائدة متناسبة مع مخاطرة، فعلى الطبيب عند اختيار العلاج ان يوازن بين اخطار العلاج واخطار المرض، من منطلق انه كلما كان في العلاج المقصود خطر على حياة المريض فيتحتم على الطبيب استبعاده.
وقد تقوم المسؤولية بشكل مشترك بين الطبيب والصيدلي كما في حالة لو وصف الطبيب دواء خطير على الصحة ولم يقم الصيدلي بمراجعتة او اذا اخطأ الطبيب في جرعات الدواء ولم يقم الصيدلي بمراجعة ذلك والتأكد من الجرعات التي تلزم المريض .

خامسا: اجراء العلاج بهدف غير الشفاء نظرا للطبيعة الانسانية لمهنة الطب، يجب ان يكون تدخل الطبيب في جسم الانسان منصرفا إلى علاجة لا إلى تحقيق غاية اخرى يكون الغرض منها قيامة بعمل من اعمال مهنته سواء كان باعطاء دواء معين او بتعريضة للاشعة، او اجراء عملية جراحية، ليس بغية الوصول إلى شفاء المريض من مرضة وتحسين مستواه الصحي وتخليصة من الآمة، فاذا ما قام بهذه الاجراءات بغرض اخر غير الشفاء، فيكون قد خرج على وظائف مهنته وزالت صفته وتوافر في فعلة عناصر المسؤولية، لان الطبيب بخروجة عن الغاية التي اتاحت له مزاولة مهنتة يكون قد خرج عن حدود هذه الاباحة.
وعلية لا يسلم الفقة والقضاء بمشروعية تقصير عمر المريض الميؤس من شفائة حتى ولو كان بهدف انقاذه من الالام المبرحة، كالقتل شفقة، او القتل الرحيم، فيعد هذا جريمة قتل بحسب الكثير من التشريعات العربية والاجنبية. وهناك عدة صور يتحقق اجراء العلاج فيها لهدف غير الشفاء كتحقيق الربح والتجارب الطبية وغيرها.

1- العلاج بقصد تحقيق الربح. قد يسعى الطبيب من خلال تقديمة للعلاج إلى تحقيق الربح المادي، ومما لا شك فيه انه لا يمكن مؤاخذه الطبيب على مجرد قصد تحقيق الربح، لانه انسان، ولكن تثور المسؤولية اذا كان الهدف هو الدافع الوحيد وراء تدخله، مما يترتب عليه من انتقاء وسيلة العلاج الاكثر ربحا دون النظر إلى ملائمة هذه الوسيلة لصحة وحالة المريض ومقتضيات شفاءه، فاذا ما ثبت للمحكمة ان الدافع الوحيد لتدخل الطبيب واجراء العلاج هو تحقيق الربح فان الطبيب يسأل عن ذلك، وقد ذهب القضاء المصري إلى ان قيام الطبيب بخلع ضرس مريض دون ان تستدعي حالته ذلك، وانما لمجرد تحقيق الربح، فان الطبيب يعتبر مسؤولا بناء على نظرية اساءة استعمال الحق، اذ يجب ان يكون هدف الطبيب اجراء ما هو في مصلحة المريض . وقد انتقد بعض الفقة هذا الحكم لاستنادة لنظرية التعسف في استعمال الحق، لان الطبيب لا يمارس حقا له في علاج المريض بل هو التزام يقع على عاتقة سواء كان بمقتضى العقد او الواجب العام، وبالتالي فان الطبيب قد خرج عن طبيعة هذا الالتزام ببذل العناية لشفاء المريض، وهذا كافيا لاثارة مسؤولية الطبيب سواء العقدية او التقصيرية .

2- العلاج بقصد التجارب العلمية (البحث العلمي) والمقصود بالتجارب الطبية تلك التجارب العلمية او الفنية دون ان يكون هناك ضرورة تمليها عليه حالة المريض، انما يقوم بها لاشباع هوايته العلمية او لاجل الاكتشاف والتجربة او لخدمة الانسانية، فمن حيث المبدأ مهما سمت الغاية وعلت قيمة الذريعة، ورغم موافقة من تجري عليه التجربة سليما او عليلا، فلا يجوز في هذه الحالة المغامرة في صحة انسان في سبيل اكتشاف او تجربة قد تفيد غيره، سواء نجحت او فشلت. اما الطبيب الذي يهدف اساسا إلى شفاء المريض، فتعتبر التجارب التي يجريها على المريض بهدف الوقوف على الوسيلة الاكثر تناسبا مع حالتة وصحته في تحقيق الغاية المنشودة، مشروعة ولا تكون محلا لاثارة مسؤوليتة الطبية طالما انه اتبع مسلك الطبيب المماثل له، فالطبيب حر في طريقة اختياره للعلاج التي يراها، فهو لا يتعرض لاية مسؤولية اذا اختار طريقة اخرى شرط ان يبني اختياره على اسس علمية صحيحة، والا يعرض المريض لخطر لا تدعو له حالته، او لا يتناسب مع الفائدة المرجوة من العلاج.

وقد ثار الجدل حول اجراء التجارب العلمية على المحكومين بالاعدام ومدى جواز ذلك، حيث انتهى الامر إلى عدم جواز ذلك لان كرامة الانسان تمنع حتى في مثل هذه الحالة اهدار دم المحكوم علية بالاعدام قبل تنفيذ الحكم به .
كما لا يعتبر رضاء المريض قبول اجراء تجارب علمية علية معفيا الطبيب من المسؤولية، لان الرضا ليس سببا من اسباب الاباحة، وان سلامة جسم المريض تعد ايضا من النظام العام باعتبار ان ذلك امرا تقتضية مصلحة المجتمع، فلا يجوز المساس بها الا لضرورة فائدته وبقدر ما يتناسب مع الفائدة. وقد قضت محكمة ليون الفرنسية “ان الطبيب يعتبر مخطئا اذا باشر غرضا غير شفاء المريض، فالتزامات الطبيب نحو العلم لا تسوغ له المساس بجسم الانسان” .

سادسا: اخطاء التخدير يعتبر التخدير من اهم الانتصارات العلمية في المجال الطبي حيث ان له دور فعال في تسهيل علاج الكسور والعمليات الجراحية والتخفيف من شدة بعض الامراض ومأسيها والآمها واوجاعها، لان هناك بعض امراض وحالات يتمنى المريض معها الموت على استمرار الالام، هذا من ناحية اعتبار تحقيق الالام اسلوبا علاجيا، ومن ناحية اخرى تحقيق السرور والسعادة بتخفيف وطئه الالم وذلك من خلال واثناء وبسبب العلاج وخاصة عندما يكون العلاج جراحيا بشكل خاص، حيث ان العمليات الجراحية ترافقها الالام الشديدة التي لا يستطيع المريض تحملها، لذلك فان الطبيب يلجأ إلى وضع المريض تحت التخدير قبل مباشرة العلاج الجراحي وهذا يحتاج إلى وسائل فائقة في العناية للتأكد مسبقا في ما اذا كانت صحة المريض وحالته تتحمل وضعة تحت التخدير، خاصة بالنسبة لمرضي القلب والتأكد من ان معدة المريض خالية من الطعام، وعلى ابسط الاحوال ان المقادير تختلف بين شخص واخر ، كبير او صغير ، ذكر او انثى ، بدين او نحيف كما وتختلف في ذات الفئة بين معتاد لبعض العادات والمشروبات وليس كذلك، بين حالة مرضية واخرى وما إلى غير ذلك من ظروف واحوال، لذلك فان علم الطب والجراحة والتخدير وضع معايير خاصة ودقيقة لاستخدام التخدير وخاصة في العمليات الجراحية. في الماضي كان الطبيب الجراح هو الذي يقوم بعملية التخدير على اعتبار ان هذه العملية جزء لا يتجزأ من عمل الطبيب اثناء قيامة بمعالجة المرضي واجراء العمليات ونظرا لتشعب التخصصات الطبية اصبح التخدير تخصص هام من تخصصات الطب مما ينبغي معه ان يكون هنالك متخصصا يقوم باعمال هذا التخصص، وكما ان وظيفة الطبيب الجراح ايضا زادت اهميتها في الوقت الحاضر واصبح طبيب التخدير مرافق للطبيب الجراح بحيث اصبح من المبادئ الاساسية المقررة للعمليات الجراحية، انه يجب على الطبيب الجراح الاستعانة بطبيب تخدير متخصص يقوم باعمال التخدير اللازمة للمريض.

يجب على طبيب التخدير اثناء قيامة بتخدير المرضي ان يتبع اصول الفن في هذا التخصص ويتخذ من جانبه جميع الاحتياطات اللازمة، ولا يسأل عن الحوادث التي تقع بسبب التخدير دون ان ترجع إلى خطأ منه، وقد قضت محكمة مونبليية بانه “لا مسؤولية على الطبيب عن وفاة طفل على اثر تخديرة بمادة الكلورفورم طالما انه قد لاحظ جميع الاحتياطات التي يمليها عليه الفن، وبعد الحصول على رضا بالتخدير من والد الطفل، واجراءه بمعرفة زميل له من الاطباء.

سابعا: اخطاء التوليد يعد التوليد فرع من فروع الطب الهامة، وتعتبر عملية التوليد بحد ذاتها من حيث ماهيتها من الممارسات المحفوفة بالكثير من المخاطر والمفاجآت وهذا يعني بدوره ان ما يتصرفه القائم على التوليد، لا يمكن لاي شخص الوقوف على حقيقة الاسباب التي دعت الشخص القائم بالتوليد إلى التصرف على النحو الذي جرى عليه، لذا فان خطأ التوليد هو من بين الاخطاء الطبية الذي تستدعى قيام مسؤولية الطبيب المرتكب له.

وتبدأ مسؤولية الطبيب من ساعة حدوث الحمل، اذ يحظر على الطبيب ان يوصف للمرأة الحامل العلاجات الغير مناسبة والتي من شأنها ان تلحق الاضرار بالجنين او تؤدي إلى سقوطة، كاعطاء ادوية ذات طبيعة سمية او تخديرية، كحبوب الفاليوم وغيرها من الادوية التي يمنع اعطائها للمراة الحامل في المرحلة الاولى من الحمل، وكذلك يسأل طبيب التوليد عن الأخطاء التي يرتكبها اثناء الفحص السريري، سواء كان ذلك بالضغط على جدار الرحم، او عند استخدام الالات كالمجس الرحمي اذا ما ادى ذلك إلى الاجهاض، وعلى المحكمة ان تبحث فيما اذا كان الطبيب قد اعطى العلاج لضرورة علاجية او انه قام باعطائه برعونه وعدم اتخاذ الاحتياطات الازمة في كيفية استخدام الدواء، كما ويسأل الطبيب المشرف الذي يراقب المراة الحامل ويقوم باجراء الفحوصات الدورية لها عن الاضرار الناتجة عن تقصيرة في هذا المجال، لاسيما اذا لم يستخدم الآلآت الحديثة كالاجهزة التلفزيونية او الاجهزة التي تستخدم لقياس ضربات قلب الجنين او انتظام ذلك، وعلى الطبيب المشرف ان يوضح للمرآه الحامل جميع المسائل المتعلقة بحالتها.

ويمكن مسألة الطبيب عن الاصابات التي تنتج عن جهل او تقصير او عدم اتباع اصول علمية ثابتة، كما في حالة تمزق الرحم وخرقة بواسطة مجس الرحم او ثقب الرأس او بتر بعض اعضاء الوليد دون اي ضرورة او كسر جمجمته او فقء عينة وايضا كما في حالة اجراء عملية قيصرية بطريقة مخالفة للاصول العلمية الطبية ودون ان يكون هناك ضرورة لذلك، وقد قضت احدى المحاكم الفرنسية بمسؤولية الطبيب لانه نزع من ام الطفل اثناء الولادة ستة امتار وتسعين سنتمتر من امعائها الدقيقة، وكذلك قضت احدى المحاكم الفرنسية بقيام مسؤولية الطبيب نتيجة عدم قيامة بربط الحبل السري للطفل وتركه دون عناية ليموت . ولاهمية الموضوع فلقد اهتم المشرع العربي بالتوليد، فاضافة لخضوع القائمين بالتوليد (طبيب او قابلة) للقواعد العامة في القوانين المدنية او الجزائية على السواء، انتشرت في كثير من بلدان العالم العربي حملات التوعية والارشاد بخصوص كيفية التعامل مع الام وطفلها.

وفي الأردن بالذات انتشرت الكثير من مراكز الامومة والطفولة والتي تعنى بتوعية وارشاد النساء الحوامل والامهات واعطائهن النصائح اللازمة لاتباع الطرق السليمة في المحافظة على الجنين والقيام بالتوليد الطبيعي.

ثامنا: اخطأ الجراحة تعتبر الجراحة كفرع هام من فروع الطب، المجال الواسع الذي تعتمد فيه الممارسات الطبية باغلب انواعها واقسامها وما يتعلق بها من مهن تلازمها او تتبعها، وعليه فان الخطأ الطبي الجراحي او بالاحرى اخطأ الجراحة هي الاخطاء النموذجية التي يمكن اعتمادها لدراسة المسؤولية الطبية بكافة وجوهها واشكالها. ويسأل الطبيب الجراح وفق القواعد العامة للمسؤولية الطبية اذا لم يؤدي عمله الجراحي بالمهارة التي تقتضيها مهنته وبالمستوى الذي ينتظره منه المريض.
ومما لا شك فيه ان اهمية مسؤولية الطبيب الجراح تنبع من اهمية الجراحة بحد ذاتها، لذا فهي على جانب كبير من الدقة والخطورة ينبغي من القائمين عليها بذل فائق العناية والحذر والاهتمام والحيطة، فهي من ذات طبيعة الالتزامات التي يتحمل مسؤوليتها الطبيب، وينطبق عليها تعريف انها التزام بوسيلة وعناية، واضافة لذلك فهي غير مضمونة النتائج ولا يمكن ان تكون بحال من الاحوال التزام بتحقيق غاية حتى في ابسط الجراحات.

ولاعتبار مسؤولية الطبيب الجراح لا يشترط ان يكون الخطأ التي ارتكبه جسيما بل يكفي ان يكون قد قصر في بذل العناية، ولذلك قضت المحاكم بمسؤولية الجراح الذي لم يتأكد من استقرار المريضة على منضدة الجراحة مما ترتب على ذلك تشوه في ذراعها لاصابته ببداية شلل حيث كان ينبغي عليه التأكد من سلامة المنضدة والات تثبيت المريض ، وكذلك يسأل الطبيب الجراح عن ترك اجسام غريبة في بطن المريض مثل القطن او الشاش او بعض الآلآت التي تستخدم بالجراحة او اذا لم يقم الطبيب بتنظيف الجرح او تطهيره حتى لا يكون بؤرة للعدوى، ولا يقف التزام الطبيب الجراح عند حد العملية الجراحية بل يمتد للعناية بالمريض إلى ما بعد العملية الجراحية لتفادي المضاعفات التي قد تترتب عليها، ولا يعفي الطبيب من المسؤولية الا اذا اثبت توافر شروط القوة القاهرة كوجود ضرورة تقتضي التدخل الجراحي على وجه السرعة فما يفاجئ به الجراح من ظروف شاذه في اجرائها ودقتها وصعوبتها، كل ذلك من شأنة اعفاء الطبيب من المسؤولية عن اهماله في اتخاذ الاحتياطات التي توجهها الاصول المهنية في الاحوال العادية.

ويجب علينا في موضوع اخطاء الجراحة ان نفرق بين مسؤولية الطبيب بالعناية بالمريض دون الشفاء او النجاح، وبينما يقع عليه من التزامات يجب أن يسأل عن تحقيق النتيجة فيها مجازا، كالتزامة باستخدام الآلآت والعلاجات التي لا تنطوي على خطر، فمثلا اذا تبين ان الحادث كان مردة إلى سوء صفات الالة التي استخدمها الجراح، عندها يكون قد أخل بالتزام هو من نوع التزام بتحقيق نتيجة اذ من الواجب عليه ان يقدم الآلآت والعلاجات التي لا يمكن ان تضر بالمريض، اما اذا جاء الحادث وليد استخدامة الالة او المستحضر الذي لا عيب فيه, عندها يكون اخلاله ببذل عناية الحيطة و الحذر .

استعانة الطبيب بالمساعدين و المسؤولية عنهم ادى التطور الطبي إلى الالتجاء المتزايد إلى فريق طبي متخصص كل في ميدان تخصصه ، و يكون الجراح هو المسؤول عن هذا الفريق الذي يعمل تحت امرته, فاذا كان عقد بين المريض و الجراح فان الطبيب يسأل تعاقديا عن جميع الأخطاء التي يرتكبها أعضاء الفريق الطبي من ممرضين واطباء ومساعدين، ومن خلال الرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم المسؤولية عن فعل الغير، نلاحظ انه لا يوجد في القانون الاردني ما يقرر بطريقة مباشرة مسؤولية المتعاقد عن فعل الغير كما هو الحال في بعض القوانين الاخرى، ومع ذلك جاءت هناك بعض النصوص الخاصة فيما يتعلق ببعض العقود حيث تقرر المادة 684/2 من القانون المدني الاردني مسؤولية المؤجر اتجاه المستأجر عن الاعمال التي تصدر عن اتباعة ممن يعهد اليهم في تنفيذ عقد الايجار.

وبالرجوع إلى مسؤولية الطبيب الجراح عن افعال مساعدية تكون المسؤولية تقصيرية عندما لا يكون التدخل الجراحي قد تم باتفاق بين المريض والجراح ونطبق في هذا الشأن تحديدا قواعد مسؤولية المتبوع عن افعال تابعية، ولكنه لا يسأل عن اخطائهم التي تصدر قبل العملية او بعدها لانه لا يملك توجيههم وتبعيتهم له الا اثناء الجراحة .

عاشرا: اخطأ الاطباء اثناء جراحة التجميل لقد كان للتطور العلمي والاجتماعي اثر كبير على مفهوم العمل الطبي فقد اتسع نطاقة ليشمل الفحص والتشخيص والعلاج واصبح الشخص لا يطلب من الطبيب ان يشفية من المرض او يخفف الآمه، بل يطلب منه ان ينظم حياته وحالته الصحية والنفسية، فاصبح من حق الطبيب ان يصف له الهرمونات والفيتامينات اللازمة والغذاء المناسب لحالته الصحية، او استئصال احد اعضاء الجسم الزائدة، او اصلاح عضو غير سليم، او نقل عضو من شخص إلى آخر. اصبحت جراحة التجميل اليوم من الضروريات التي يحتاجها البشر، فبعد ان كان الاتجاه في أول الامر يرمي إلى تحريمها على اعتبار انها تنطوي بالمساس بسلامة الجسم دون ان تستهدف علاج المريض، اخذت جراحة التجميل موقعها من العمل الطبي واصبح لها نظامها واصولها وتعاليمها وارتفعت في الوقت الحاضر وشاعت في جميع البلاد واتسع ميدانها لتشمل جميع انواع التشريعات الخلقية والمكتسبة. وفي الواقع فان فكرة الهدف العلاجي التي تعود على المريض يمكن النظر اليها من عدة وجوه ليست فقط جسمانية ولكن ايضا نفسية ومعنوية، وفي غالب الاحوال ما يكون العلاج بالنسبة لجراحة التجميل علاج نفسي والعلاقة وثيقة بين صحة الانسان ونفسيته.

لذا تعتبر جراحة التجميل تلبية ضرورية لتطور الحياة المعاصرة وما صاحبها من حوادث قد ينتج عنها حروق وتشوهات وكذلك عندما يصاب بعض العمال باصابات بها تشويه اثناء العمل او اثناء الالعاب الرياضية. وقد اتخذ القضاء موقفا متشددا وكان ينظر إلى هذا النوع من العلاج نظرة سخط وكراهية، وكان يعتبر ان مجرد الاقدام على علاج لا يقصد منه الا تجميل من اجرى له خطأ في حد ذاته يتحمل الطبيب بسببة كل الاضرار التي تنشأ عن العلاج وليس مهما ان يكون العلاج قد اجرى طبقا لاصول العلم والفن الطبي الصحيح، وعلتهم في ذلك ان الطبيب قد باشر علاج خطرا من غير ان يكون هناك حاجة لشفاء مرض، انما لمجرد ازاله عيب طبيعي لا خطر منه على صحة من اجريت له العملية، وانه في هذه الحالة لا يوجد ما يبرر تعريض مصلحة المريض للخطر، ان لم يكن لخطر الموت فعلى الاقل لان يصبح لهذا العيب عاهة حقيقية. وهذا ما كان من امر فتاه كانت تشكو من شعرات في ذقنها فعالجها طبيب بالاشعة وازال الشعرات الا انه تخلف من ذلك مرض جلدي قبيح، ولقد قضت المحكمة في الحكم المذكور بمسؤولية الطبيب، رغم ان الخبراء قد قرروا بان الطبيب قد اتبع قواعد واصول فن الطب وتوخى بالغ الحذر والحيطة ولم يمكن ان ينسب اليه خطأ فني او تقصير .

نتيجة لتطور الفكر الانساني ورغبته بالبحث عن الافضل وما اثارته احكام المحاكم من ضجة واحتجاج شديدين لما اصبح للجمال الخلفي من اعتبارات في نفسية الشخص، اخذ القضاء يغير موقفة تدريجيا، وذلك لنفس المبادئ التي تقوم عليها العمليات الجراحية باعتبار ان عملية التجميل هي نوع من الجراحة، الا انه نظرا للطبيعة الخاصة لجراحة التجميل فان القضاء قد تشدد في هذا النوع من الجراحة، واوقع على عاتق جراح التجميل التزاما بتبصير المريض بطبيعة العملية الجراحية التي سيجريها له واعلامة ايضا بالنتائج المحتملة بالتدخل الجراحي واعلام المريض بكل المخاطر التي يمكن ان تنتج عن هذا النوع من العلاج بحيث يكون رضا المريض باجرائها رضاء سليما، عالما بكل هذه المعلومات، واذا كان الطبيب لا يلتزم كقاعدة عامة باعلام المريض بالاخطار التي تعتبر نادرة الحدوث الا انه بصدد جراحة التجميل يجب عليه ان يحيط المريض بكافة المخاطر سواء كانت هامة او نادرة الحدوث.

وقد اصدرت محكمة استئناف دواى الفرنسية 10-7-1946 حكم في قضية تتلخص وقائعها ان احد الاشخاص راجع احد الاطباء لانه كان يشكو من تورم طفيف في ذراعة وبعد الفحص تبين للطبيب بانه تورم عادي، وقام الطبيب بتوجيه النصح والارشاد للمريض لاجراء العملية مؤكدا له نجاحها ووافق المريض على ذلك وعند قيامة باستئصال الورم تبين له ان الورم هو ورم سرطاني خبيث فقام باستئصالة فورا ودون اشعار المريض بذلك او حصول موافقته وبعد ان افاق من المخدر وعلم بان ذراعة اصبحت عاجزة وعاطلة لجأ إلى القضاء مطالبا بتعويضه عن الضرر فقضت محكمة دواى المذكورة بان على الطبيب ان يحصل على رضا المريض قبل اجراء العملية واعلامة بحقيقة ما تنطوي عليه العملية من مخاطر لذا فان الطبيب يعد مخطئا بذلك.
واضافة إلى ما سبق فقد تشدد القضاء بضرورة ان يكون الطبيب مؤهلا من ناحية الاختصاص العلمي والكفاءة العلمية بما يتناسب وحجم العمل الطبي ومخاطره، وان يقوم الطبيب بانجاز جميع الفحوصات الطبية كنوع فصيلة الدم وضغطة ومقدار السكر وعمل القلب وغيرها من الفحوصات.

ذهب القضاء المصري إلى القول بان مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض هي مسؤولية عقدية وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد بنجاح العملية او شفاء المريض لان التزامة ليس التزام بتحقيق نتيجة وانما هو التزام بتحقيق عناية، الا ان العناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل لمريضة جهودا صادقة يقظة تتفق مع الاصول المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الضروف الخارجية التي احاطت بالطبيب، وجراح التجميل وان كان كغيرة من الاطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها الا ان العناية المطلوبة منه أكثر منها في الاحوال الجراحية الاخرى، لان جراحة التجميل لا تستلزمها صحة المريض وانما لاصلاح تشوية يجب الا يعرض حياته للخطر .

نستخلص مما سبق ان القضاء في كل من فرنسا ومصر يتشدد بالنسبة للاخطاء الصادرة من اطباء التجميل، بحيث يجب على الطبيب ان يلتزم تجاه المريض عند قيامة باجراء جراحة تجميلية بما يلي:

1. الحصول على رضا المريض الحر والصريح.

2. ان يلتزم الطبيب بشرح كل ما يترتب على العملية من مخاطر.

3. اجراء العملية التجميلية ضمن الاصول العلمية الحديثة المستقرة في علم الطب.

4. ان يراعي التناسب بين الخطر الذي يتعرض له المريض والفائدة التي يتوخاها من العمل الجراحي التجميلي.

حادي عشر: الخطأ الطبي في المستشفيات العامة والخاصة. – الخطا الطبي في المستشفيات العامة: سبق وان ذكرنا ان علاقة المريض بالمستشفى العام هي علاقة قانونية بحيث تعتبر مسؤولية المستشفى مسؤولية تقصيرية وخاصة ان المريض لا يختار طبيبة وبالتالي تنتفي العلاقة العقدية بينهم، واما بخصوص علاقة الطبيب بادارة المستشفى فهي علاقة تنظيمية بحته تنظمها اللاوائح والانظمة باعتبار ان هذا المستشفى العام هو مرفق عام، وبالتالي فهي ليست علاقة عقدية، بل يمكن ان نطبق بشأنها قواعد مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع حيث يعتبر المستشفى العام متبوع والطبيب تابع له ولا بد من قيام علاقة التبعية والتي تقوم في حالة وجود سلطة فعلية للمتبوع على التابع، حتى ولو كانت قاصرة على الرقابة والادارة، وعليه لا يلزم لقيام علاقة التبعية ان يكون للمتبوع سلطة الاشراف الفني والاداري على التابع، حيث ذهبت محكمة النقض المصرية إلى ان وجود علاقة التبعية بين الطبيب وادارة المستشفى الذي يعالج فيه المريض حتى ولو كانت هذه العلاقة تبعية ادبية، كافي لتحميل المستشفى مسؤولية خطأ الطبيب ، ولا يشترط ان يكون للمتبوع علاقة مباشرة بالتابع ما دام انه يعمل لحسابة، وعليه فان الحكم على ممرضة نتيجة لاهمالها، مما ادى إلى وفاة المريض فان إدارة المستشفى تسأل عن هذا الاهمال ولا يشترط ايضا لقيام علاقة التبعية، ان يكون المتبوع حرا في اختيار تابعية وانما يشترط فقط ان يكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية بالرقابة والتوجيه.

وبناء على ما سبق فان المريض المضرور يستطيع الرجوع على وزارة الصحة والطبيب حيث يلزمان بالتضامن طبقا لقواعد مسؤولية المتبوع عن افعال تابعة والالتزام بدفع كامل التعويض للمريض، ويحق لهذا الاخير الرجوع عليهما مجتمعين او منفردين، وهذا ما اقرتة محكمة التمييز الكويتية عندما الزمت وزارة الصحة بدفع التعويض للمريض مع الطبيب باعتباره الهيئة التي يتبع اليها الطبيب، وباعتبارها مرفق صحي حدث في نطاقة الضرر اثناء قيام الطبيب بعملة والطبيب يعد تابع لوزارة الصحة التي تملك سلطة الاشراف الاداري على الاطباء . ويمكن للمستشفى بعد ذلك الرجوع على الطبيب وعلى كل من تسبب باحداث الضرر، الا انه لا يجوز للمتبوع ان يرجع على تابعة بالتعويض المحكوم به للمضرور الا اذا قام بادائه للمضرور .

– الخطأ الطبي في المستشفيات الخاصة ان التجاء المريض إلى المستشفى الخاص يكون عادة بناء على عقد ما بين المريض والمستشفى, فالعلاقة التي تنشأ بينهم تتم من خلال ما يسمى بعقد العلاج الذي يحكم العلاقة التعاقدية بينهما, و قد يكون هذا العقد صريحا و قد يكون ضمنيا, و أود أن أبين أن هناك فرق ما بين عقد العلاج و العقد الطبي الذي يتم ما بين المريض والطبيب الذي يقوم بعلاجه.

فاذا كان العقد مع إدارة المستشفى موضوعه تقديم الخدمات العادية للمريض أثناء علاجه و اقامته ، الا أن العقد مع الطبيب موضوعه الأعمال الطبية بكل ما تحمله من فن طبي, هذا و قد يتحد العقدين في عقد واحد عندما تندمج شخصية المستشفى الخاص في شخص مالك المستشفى .

يلتزم المستشفى الخاص باجراء العلاج وتقديم الخدمات التي يحتاجها المريض والاشراف على حالة المريض وتقديم العناية له اثناء اقامته، كما تلتزم بتوفير التجهيزات اللازمة لاستقبال المرضى ورعايتهم وعلاجهم وتوفير ادوات الجراحة ومستلزماتها وغيرها، كما تلتزم ايضا بتوفير العدد الكافي من العاملين والممرضات لحسن اداء المستشفى للخدمات الطبية المستلزمة فية، وتلتزم المستشفى كذلك بسلامة المريض وهو التزام بتحقيق نتيجة وذلك نظرا لان المريض اثناء تواجده في المستشفى يعتبر كائن ضعيف بحاجة إلى العناية والحماية من الاخطار التي يمكن تهدده. وحتى تتمكن إدارة المستشفى من تنفيذ التزامها العقدي تستعين بالاطباء العاملين لديها والمساعدين لهم والاطباء الملحقين بالمستشفى، والتي تكون العلاقة بين هؤلاء والمستشفى علاقة تعاقدية ويكون لادارة المستشفى حق التوجيه والاشراف وفقا لانظمته ولوائحة، فاذا ما صدر خطأ من أحد الاطباء كاعطاء طبيب التخدير للمريض كمية من مادة المخدر لا تتناسب معه وتؤدي إلى الحاق الضرر به، حيث يمكن ان يثور في هذا الصدد التساؤل حول مدى امكانية رجوع المريض على المستشفى بدعوى التعويض ام انه يرجع على الطبيب فقط؟

وما دام ان مسؤولية المستشفى هي مسؤولية عقدية عن فعل الغير، فان الدعوى في هذه الحالة ترفع على إدارة المستشفى وهي التي تلزم بالتعويض، اما في مجال مسؤولية المستشفيات الخاصة عن اعمال الاطباء الذين يعملون لديها، يذهب عدد من الشراح إلى التفرقة بين العمل الفني للطبيب والعمل الغير فني ويستندون في هذه التفرقة إلى القول بانه يمكن ان يكون هناك رقابة للمستشفى وقد لا يكون، وعليه فان المحاكم ميزت بين نوعين من الرقابة يختلف كل منها عن الاخر من حيث قيام علاقة التبعية .

بالنسبة للاعمال الفنية الطبية، لا يوجد للمستشفى الخاص رقابة على الاطباء في هذا المجال، بل له فقط رقابة الاعمال الغير فنية بحيث يبقى للاطباء حرية واسعة واستقلال تام اثناء قيامهم بمعالجة المرضى وخاصة عندما لا يكون مدير المستشفى طبيبا مما ينحصر عمل إدارة المستشفى بالرقابة على المسائل الادارية والتنظيمية فقط .

وكما يذهب بعض الفقة إلى القول بانه ليس لادارة المستشفى ان تصدر للطبيب امرا يكون فيه تدخل في العمل الطبي، حتى ولو كان العقد يسمح في ذلك، لان الطبيب في هذه الحالة يفقد حريته المهنية والتي هي من الضروريات لممارسة العمل الطبي، ويذهب هذا الاتجاه من الفقه إلى القول ان العقد يكون باطلا اذا لم يكن الشخص الذي يتبع له الطبيب هو طبيب لدية الكفاءة والمعرفة الطبية. ان التدخل في الاعمال الطبية امر ترفضه المهنة الطبية، وذلك حتى لا تثور هناك صعوبات في العمل الطبي ويبقى الطبيب له مطلق الحرية في اختيار وسيلة العلاج المناسبة لحالة المريض.
ولمعرفة متى يجب اعتبار المستشفى مسؤولا عن اخطأ الاطباء الذين يعملون لدية يجب قياس هذه الاخطاء على سلوك الاطباء من نفس المستوى، فيما اذا كان الطبيب المدعى عليه قد تقيد بقواعد الاصول الطبية ام لا، فاذا قام الطبيب مثلا باعطاء دواء سام للمريض، ولم يحدد الجرعات الواجب اعطائها او لم يقم بالتعقيم اللازم للادوات الطبية وادى ذلك إلى نقل العدوى، ففي هذه الحالة يسأل المستشفى عن مثل هذه الاخطاء حتى ولو كان ذات صبغة فنية.

ويذهب بعض الفقه إلى انتقاد التفرقة بين الاعمال الفنية وغير الفنية للطبيب، ويقرر ان المستشفى يعتبر مسؤولا عن اخطاء الاطباء العاملين لدية، ما لم يثبت ان سبب ذلك يرجع للقوة القاهرة او الحادث الفجائي (السبب الاجنبي)، كما يذهب هذا الرأي إلى انه لا يوجد قضاء مستقر على نفي رابطة التبعية بين المستشفى والطبيب بالنسبة للاعمال الفنية، وبالتالي إقرار مسؤولية المستشفى عن اخطاء الطبيب، وذهب رأي اخر إلى انه يشترط لقيام العلاقة التبعية ان يكون للمتبوع حق الرقابة والتوجية من الناحية الادبية، وبذلك تقوم مسؤولية المستشفى الخاص عن خطأ الطبيب، وان تقدير المسؤولية على إدارة المستشفى لمجرد قيام علاقة التبعية الادبية بين إدارة المستشفى والطبيب، امر لا يتفق والقانون ولا يمكن الاخذ بهذا الرأي لان الفقه والقضاء استقر على مساءلة المستشفى الخاص عن الاضرار التي تلحق بالمريض اثناء العلاج بالمستشفى، دون حاجة للتفرقة بين الاعمال الفنية والغير فنية.

2-الضرر:

تعريف الضرر

وعرف الفقهاء الضرر بانه الاذى الذي يصيب الانسان في جسمة او شرفة او مالة او عواطفة .
هذا وقد عرفة الدكتور عبدالرزاق السنهوري بانه ما يصيب المضرور في جسمة او ماله او عاطفته او كرامته او شرفة او اي معنى آخر من المعاني التي يحرص الناس عليها . ويمكن استخلاص تعريف الضرر بانه ما يؤذي الشخص في نواحي مادية ومعنوية. وبناء على ما سبق فان الضرر هو عبارة عن الاذى الذي يصيب الشخص من جراء المس بحق من حقوقه، ومصلحة مشروعة، ولا يشترط ان يكون الحق الذي يحصل به المساس ماليا مثل حق الملكية، حق الانتفاع، بل يكفي ان يكون هذا الحق يحمية القانون كالحق في الحياة وفي سلامة الجسم وحق الحرية الشخصية ويمكن تقسيم الضرر إلى نوعين مادي وادبي. 1- الضرر المادي (المالي) وهو ما يصيب الشخص في ذمته المالية. 2- الضرر الادبي (المعنوي) وهو ما يصيب الانسان في شعوره نتيجة لمساس بعاطفته او كرامته او سمعته او شرفة، او في غير ذلك من الامور المعنوية، التي يحرص الانسان في حياته عليها، او بعبارة اخرى ما يصيب الانسان بناحية غير مالية .

هذا وقد ورد تعريف الضرر الأدبي في القانون المدني الاردني فنصت المادة (267/1) منه على “يتناول حق الضمان الضرر الادبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته او في عرضة او في شرفة او في سمعتة او في مركزة الاجتماعي او في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسؤولا عن الضمان”.

المبادئ العامة في الضرر

والقاعدة ان المسؤولية الطبية هي كالقاعدة في المسؤولية المدنية، وعلى ذات المبدأ يمكن ان يتبع الضرر في مجال المسؤولية الطبية في تعريفة تعريف الضرر فقهيا وبذلك تجتمع جميع عناصر الضرر التقليدية في تعريف الضرر في مجال المسؤولية الطبية، فنعرف الضرر الطبي بانه حالة ناتجة عن فعل طبي مست بالاذى جسم الشخص وقد يستتبع ذلك نقص في مال الشخص او عواطفة ومعنوياته. ويجدر بنا ان نلاحظ ان الضرر المقصود هنا ليس هو الضرر الناجم عن عدم شفاء المريض او عدم نجاح العملية، او الجراحة في العلاج، لان مجرد عدم شفاء المريض شفاء تاما او جزئيا لا يكون في ذاته ركن الضرر، لان الطبيب في عقد العلاج لا يلتزم بشفاء المريض، انما المطلوب منه بذل قصارى جهدة في سبيل الشفاء، ولا مسؤولية عليه اذا بذلك ما في وسعة ولم يتحقق الشفاء على يديه لان التزامه بالاصل هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، فاذا اخفق الطبيب في الوصول اليها وكان ذلك بخطأ منه لا يسأل الا عن ما سببه للمريض من خسائر مالية كمصاريف العلاج واثمان الادوية واجور المستشفيات، وما فات على المريض من كسب بسبب تعطيلة عن عملة وقد يحاسب على ما سببة له من الآم اثناء العلاج، وبالتالي فلا مسؤولية على الطبيب بسبب عدم نجاح العلاج المترتب على خطئة ما دامت حالة المريض لم تسوء عما كانت عليه قبل العلاج.

ولا يقتصر الضرر الطبي على اضرار الجسد المادية، بل ان هناك اضرار الجسد النفسة وهي ما تتولد عن اخطأ المعالجة او العلاج النفسي والتي قد تستتبع اضرار جسمية في الجسد والاعضاء خاصة في حالة التعدى على الحياة وفوات الكسب والفرص، وكما يعد الضرر المعنوي الذي يحوي بدورة الضرر الادبي الذي يصيب العاطفة او الجسم او الشعور للشخص او لذوية، جزءاً مهما من الضرر. وبناء على ما سبق يمكننا تقسيم الضرر الطبي إلى قسمين: 1. الضرر الطبي المادي وهو الذي يمثل اخلالا بحق المضرور، وهذا الحق هو حق السلامة (سلامة الحياة وسلامة الجسم) ويتسع الضرر الجسماني ليشمل، الاعتداء المتمثل بالاصابة وما يترتب عليها من عجز جسماني دائم او مؤقت والضرر المالي المتمثل بالخسارة التي لحقت المضرور والكسب التي فاته بالخسارة مثل النفقات الطبية والعلاجية ، فخطأ ما قد يكلف الشخص المضرور نتيجة ذلك اضعاف ما تقاضاه الطبيب مرتكب الخطأ. 2. الضرر المعنوي اي الاضرار التي تترتب على الاصابة والتي يصعب تقديرها بالمال مثال الالام البدنية والنفسية التي يقاس منها المصاب والاضرار التمثلة في الحرمان من متع الحياة والنواحي الجمالية في الانسان او ضرر تشوية الجمال

صور الضرر الطبي

للبحث في مفهوم الضرر في العمل الطبي لا بد لنا الوقوف على صور الضرر والتي تتمثل في الضرر المباشر والغير مباشر والمتوقع والغير متوقع،
• أولا: صور الضرر الطبي
• ١ 1- الضرر المباشر والغير مباشر
• ٢ 2- الضرر المتوقع والغير متوقع
• ٣ 3- الضرر المحقق والمستقبل والاحتمالي

– الضرر المباشر والغير مباشر

فالضرر المباشر هو ما كان نتيجة للفعل الخطأ، كعدم الوفاء بالالتزام، كأن يتوفى، المريض اثر علاج الطبيب الذي اهمل او ارتكب خطأ، ويعتبر نتيجة مباشر وضرر مباشر حالة المريض الذي مات بسبب مرض معدى انتقل اليه بسبب اهمال الطبيب في اتخاذ الاحتياطات والعناية المستوجبة وفق اصول الفن الطبي. وعليه فالضرر المباشر هو ما يكون نتيجة طبيعية للفعل الخطأ الذي احدثها وترتب عليه وهذا الضرر هو فقط الذي تكون بينة وبين الخطأ المنشئ له علاقة سببية وفق القانون. والضرر الغير مباشر لا يكون نتيجة طبيعية للخطأ الذي احدث الضرر، فتنقطع العلاقة السببية بينة وبين الخطأ، وهنا لا بد من التمييز بين حالة تعدد الاسباب المحدثة للضرر، وتسلل النتائج او ما يسمى بتعاقب الاضرار، في حالة تعدد الاسباب فان الضرر واحد، وتعددت الاسباب التي ادت اليه، اما في الحالة الثانية (تسلسل النتائج) فان السبب واحد الا ان الاضرار هي التي تعاقبت وتولدت عن هذا السبب فصارت اضرار متعددة، وقد تختلط الحالتان فتتعدد الاسباب وتتعاقب الاضرار، فيعطي لكل حكمة، ويأخذ بالضرر المباشر ويترك الضرر الغير مباشر . ويعتبر الطب وتفرعاتة من تشخيص وعلاج وعمليات جراحية مجالا رحبا لتطبيقات الضرر بكل اشكاله ومجالاته.

2- الضرر المتوقع والغير متوقع

والضرر بنوعية المتوقع وغير متوقع يقعان ضمن ما تسمية الضرر المستقبل اي ما سيقع مستقبلا او ما قد يقع احتمالا، بينما الغير متوقع يدخل في دائرة المستقبل ولكن لم يدخل في الحسبان سببا او مقدارا. وعلى المدين في مجال المسؤولية العقدية ليس توقع الضرر بسببة وانما بمقدارة وعليه فان الوقت الذي ينظر فيه إلى توقع الضرر هو وقت ابرام العقد، وتوقع المدين للضرر يقاس بمعيار موضوعي وهو الضرر الذي يمكن توقعة عادة، اي الضرر الذي يتوقعة الشخص المعتاد في مثل الظروف الخارجية التي وجد فيها المدين، فاذا اهمل الطبيب في تبين الظروف التي كان من شأنها ان تجعلة يتوقع الضرر فان الضرر يعتبر متوقعا لان الشخص المعتاد لا يهمل في تبين هذه الظروف، الا اذا كان عدم توقع الطبيب للضرر يرجع إلى فعل المريض. وفي حالة المسؤولية التقصيرية فأن المدين يسأل عن الضرر المتوقع والغير متوقع لان الخطأ في المسؤولية التقصيرية يعتبر مخالفا للنظام العام، فيتحمل الطبيب مسؤولية كل الضرر الذي يصيب المريض .

3- الضرر المحقق والمستقبل والاحتمالي

فالضرر المحقق هو ما كان اكيدا سواء كان حالا او مستقبلا او حتمي الوقوع، والضرر الحال هو الضرر الذي يصيب المضرور فعلا، اما الضرر المستقبل فيستطيع المضرور الرجوع به على المدين عند تحققة او ان يؤخرة اجمالا إلى حين انتهاء ترتب النتائج بتوقف تفاقم المرض او الضرر عند حد الوفاه او الشفاء او استقرار حال ما .
اما بالنسبة للضرر المستقبل الذي سيقع حتما فان الضرر يتوقف تقديره على امر مستقبل لا يزال غامضا، ومثال ذلك ان يجرى الطبيب جراحة التهاب في صيوان اذن المريض الذي يعاني من تشوش في السمع فيرتكب الطبيب خطأ لم يرقى إلى مستوى الفقد الكامل للسمع الا انه فيما بعد قد يتطور الضرر ويتفاقم إلى الحد الذي يمكن ان يفقد المريض سمعة كاملا. وبخصوص الضرر الاحتمالي الذي لم يقع بعد ويكون عرضة للشك حول ما اذا كان سيقع مستقبلا ام لا وهو الذي يجب التريث إلى حين وقوعة لانه ضرر غير محقق قد يقع او لا يقع ومثال ذلك ان يحدث الطبيب بخطئة في علاج او جراحة نقصانا في وزن المريض فهنا الضرر المحقق هو نقصان الوزن، ويلتزم الطبيب بان يعوض عن ذلك اذا كانت النسبة بالنقص يغير بالشكل العام للمريض.
ويمكن اضافة نوع آخر من انواع الضرر والذي يعرف بالضرر المتغير ، وهو الضرر الذي لا يستقر في اتجاه بذاتة، انما يتحول تبعا لظروف طارئة بين فترة ارتكاب الخطأ ونشوء الضرر، كما في حالة اذا ما قام طبيب باجراء عملية جراحية فاخطأ فيها ونجم عنها للمريض ضرر، الا ان هذا الضرر غير نهائي فيمكن ان تتحسن حالة المريض كما يمكن ان تتردى.

شروط الضرر الطبي:

حتى يمكن التعويض عن الضرر الطبي، يلزم ان تتوافر فيه مجموعة من الشروط ويترتب على تخلفها عدم قيام الضرر بالمعنى المقصود،
• وهذه الشروط هي كالتالي:

1. ان يكون الضرر محققا: == اي ان يكون محقق الوقوع، اي وقع فعلا او انه سيقع في المستقبل، وهنا نفرق بين الضرر المستقبل والضرر المحتمل، فالضرر المستقبل المحقق الوقوع هو ضرر تحقق سببة وتراخت اثارة كلها او بعضها إلى المستقبل، كاصابة شخص بعاهة دائمة تعجزه عن الكسب المادي، فالاصابة مؤكدة ولكن الخسارة المالية بسبب العجز تعتبر ضررمستقبلي، كما يمكن تطبيقها ايضا على مسؤولية المقاول والمهندس عن الضرر الذي يحصل في البناء ويجعل هدمة لا بد منه مستقبلا، واما الضرر المحتمل فهو ضرر لم يقع ولا يوجد ما يؤكد انه سيقع، بل كل ما في الامر انه يحتمل وقوعة او عدم وقوعة وبالتالي لا يتم التعويض عن مثل هذا الضرر.

2. يجب ان يكون الضرر شخصيا:
اي ان يكون الضرر قد اصاب المدعى المضرور والذي يطالب بالتعويض سواء كان الشخص طبيعي او معنوي، ويتحقق ايضا بالنسبة للضرر المرتد عن الضرر الاصلي ومثال ذلك الضرر الذي يصيب العمال بسبب وفاة رب عملهم، لما واجهوه من بطالة عن العمل نتيجة لموت رب العمل. والضرر المرتد ايضا الذي يصيب الورثة والزوجة والاولاد بسبب وفاة المورث الزوج، فمن لهم الحق بالنفقة من المتوفي نتيجة خطأ في العلاج مثلا، ان يطالبوا بالتعويض عن الاضرار المادية التي لحقتهم من جراء فقد عائلهم إلى جانب هؤلاء نعتقد ان كل من يتلقى معونه من المتوفي له ان يطالب الطبيب بالمسؤولية عن الاضرار التي تحملها لان الطبيب قد فوت بفعلة على الطالب فرصة حقيقية في الحصول على مساعدة، كما يمكن ان يكون الطبيب مسؤولا امام من كانت تربطهم بالمتوفي علاقات تقوم على عقود ذات صبغة شخصية، كدائن المتوفي الذي لا يستطيع مطالبة الورثة بتنفيذ عقد ذي طابع شخصي . ومن البديهي ان يكون طالب التعويض مستندا إلى حق مشروع، فالعشيقة لاحق لها في طلب التعويض عن فقد عشيقها الذي كان ينفق عليها، اذ لا يجوز لها ان تطالب بالتعويض لان العلاقة التي كانت بينهم مخالفة للنظام العام والاداب.
==

3. ان يكون الضرر مباشر == اي ان الضرر ناتج مباشرة عن خطأ المدين، اما الاضرار الغير مباشرة فهي غير قابلة للتعويض فمثلا الخطأ الذي يرتكبة الطبيب ويؤدي إلى وفاة شاب في الثانوية العامة، فالضرر هو وفاة الشاب واصابته ويكون التعويض عن حالة الوفاة فقط، اما الاضرار الاخرى التي تتولد عن ذلك مثل نجاحة وحصولة على معدل واحتمالية دخولة كلية الطب وتعيينة وحصولة على راتب .. الخ، فهذه الاضرار لا يمكن التعويض عنها لانها اضرار غير مباشرة. كما ويجوز التعويض عن تفويت الفرصة ، ذلك انه اذا كان موضوع الفرصة امرا احتماليا فان تفويتها امر محقق ويجب التعويض عنها، وتبدو الفرصة للمريض من عدة وجوه، سواء ما كان امامة من فرص الكسب او النجاح في حياته العامة، وقد يبدو الضرر ايضا فيما كان للمريض من فرص الشفاء لو لم يرتكب الخطأ الطبي، وما كان له من فرصة في الحياة.

ومن خلال ما سبق نستخلص ان الاضرار التي تصيب المريض او ذوية يمكن ان تكون مادية او ادبية فالمساس بسلامة الجسم وما ينتج عنة من ضرر يشكل ضررا ماديا يتمثل في نفقات العلاج او اضعاف القدرة على الكسب، وقد يصيب الضرر المادي ذوي المريض، ليس فقط زوجته واولادة، ووالدية فهو يلتزم باعالتهم قانونا، وانما كل من يثبت ان المريض المضرور – خاصة في حالة الوفاة –كان يعولهم فعلا وبشكل مستمر وقت عجزة او وفاتة.

ويتمثل الضرر الادبي في الالام النفسية والجسمانية التي يمكن ان يتعرض لها المريض، وما ينتج عنها من تشوهات وعجز في وظائف الاعضاء، والتقدير في الضرر الادبي يختلف من شخص إلى آخر، فالشاب ليس كالمسن والفتاة تختلف عن الشاب فالتعويض يقدر على ضوء الاثار التي يتركها الضرر وحسب حالة المريض بالنظر إلى عملة او مهنتة وظروفة الاجتماعية، ويدخل في عناصر الضرر تفويت الفرصة مثل تفويت الفرصة على فتاة بالزوج نتيجة لاصابتها بتشوهات، وقد يكون تفويت الفرصة هي فرصة الشفاء للمريض لو لم يرتكب الخطأ الطبي. والقاضي يعتمد في تقدير ذلك على القرائن القوية والمحددة بالنظر إلى طبيعة المرض فيما اذا كان يمكن الشفاء منه ام لا، ويتشدد القضاء في التعويض عن تفويت الفرصة، وفي الحالات التي لا تثبت العلاقة السببية بين الخطأ المنسوب للطبيب والضرر الذي اصاب المريض قد يحكم بتعويض جزئي باعتبار ان الخطأ الطبي قد فوت على المريض فرصة الشفاء .

3-العلاقه السببيه:

يشكل ركن الرابطة السببية اساس في المسؤولية المدنية، لانه لا يمكن نسبة الضرر إلى الخطأ اذا لم تكن هناك علاقة سببية تجعل الخطأ علة الضرر وسبب وقوعة. ان جوهر المسؤولية ومناطها هو تلك الرابطة السببية فالطبيب الذي يقع منه الخطأ ويحدث الضرر للمريض، يجب ان يكون بين الخطأ والضرر علاقة سببية، وهذه العلاقة شرط ضروري وركن مستقل عن ركن الخطأ، فقد يقع خطأ من الطبيب ولا يكون هذا الخطأ هو السبب فيما اصاب المريض من اضرار، كما لو اهمل الطبيب بتعقيم الآته الجراحية فمات المريض بسكتة قلبية لا علاقة لها بالخطأ المرتكب من المريض، اذا لا يكفي اقتران الخطأ بالضرر، ولا ان يلحق الضرر الخطأ لقيام السببية بينهما لان المنطق لا يقر هذا، وقد تتوافر السببية دون وجود خطأ ومثال ذلك ان يتضرر الشخص بفعل الطبيب دون ان يكون الطبيب قد اخطأ، ورغم ذلك تتحقق مسؤولية الطبيب ولكن ليس استنادا للخطأ وانما استنادا لمبدأ نظرية تحمل التبعة .
فيشترط ان تكون السببية بين الخطأ والضرر محققة ومباشرة وتحديد الرابطة السببية في المجال الطبي من الامور الشاقة والعسيرة نظرا لتعقيدات العمل الطبي والجسم الانساني فقد ترجع اسباب الضرر إلى عوامل بعيده، او عوامل خفية تعود إلى طبيعة جسم المريض فجميع هذه الاشياء توضح لنا تماما دقة الموضوع وتشعبة في الرابطة السببية في مسؤولية الاطباء، فاشتراك عوامل عدة في احداث ضرر واحد، يجعل من الصعب تعين ما يعتبر سبب حقيقي لهذا الضرر وما لا يعتبر كذلك، هذا وتنص المادة (266) من القانون المدني الاردني على “يقدر الضمان في جميع الاحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاتة من كسب بشرط ان يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار”.

ويجب على مدعي الضرر اثبات اركان المسؤولية بما فيها العلاقة السببية التي يمكن اثباتها بجميع طرق الاثبات بما فيها القرائن القضائية، وفي الواقع يمكن اثباتها عن طريق واقع الحال، بل كثيرا ما تكون هذه القرائن واضحة، بحيث ان الامر لا يحتاج لدليل لتوافر السببية، ويجوز نفي الرابطة السببية بطريقة غير مباشرة اي ان الضرر الذي لحق بالمريض نتج عن سبب اجنبي آخر سواء كان هذا السبب الاجنبي هو العامل الوحيد في حدوث الضرر، ام كان هو العامل الذي سبب فعل الفاعل الذي احدث الضرر.
هذا وتنص المادة (261) من القانون المدني الاردني على “اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فية كأفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان مالم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك” .
وعلية فان صور انعدام السببية وقطعها بتوافر السبب الاجنبي هي ثلاثة صور، الحادث الفجائي او القوة القاهرة، وخطأ المضرور وخطأ الغير ولاثبات كون السبب الاجنبي هو الذي ادى إلى الضرر يجب التميز بين فرضين، اولهما – ان يكون السبب الاجنبي هو السبب الوحيد في وقوع الضرر والثاني – ان يكون السبب الاجنبي احد اسباب وقوع الضرر، كأن يشترك السبب الاجنبي مع خطأ المدعى عليه او فعل الغير، مع الاشارة انه ليس من الضروري ان يكون فعل الغير خطأ.

المطلب الاول: الحادث الفجائي او القوة القاهرة

ويشترط في الحادث المنتج للضرر لاعتباره قوة قاهرة او حادث فجائي توافر الشروط التالية : 1. عدم امكانية التوقع، فاذا كان الطبيب يتوقع حدوث الضرر ولم يتخذ الاحتياطات الضرورية اللازمة لتلافي وقوع الضرر فانه يكون مقصرا. فمثلا اذا توفي المريض بسبب ازمة قلبية اثناء المعالجة بسبب حدوث رعد مفاجئ، فاذا تمكن الطبيب من اثبات ان هذا غير متوقع فيمكن ان يعفي من المسؤولية. 2. استحالة الدفع، بمعنى انة يستحيل على الطبيب دفع الحادث الذي أدى إلى الضرر بالمريض، والاستحالة هنا هي الاستحالة المطلقة، سواء كانت مادية او معنوية ولكن اذا كانت هذه الاستحالة نسبية قاصرة على الطبيب المعالج فلا يعتبر الحادث قوة قاهرة ولا يعفي الطبيب من المسؤولية.

المطلب الثاني خطأ المدين

فاذا أثبت ان الضرر ناتج عن تقصير واهمال الطبيب فانه يسأل حتى ولو كان هناك سبب اجنبي ساهم في احداث الضرر، واما بالنسبة لخطأ المريض المتضرر، فاذا ما ثبت الخطأ من المريض المتضرر فان ذلك يؤدي إلى نفي المسؤولية عن الطبيب وذلك من خلال نفي الرابطة السببية، شريطة ان يكون خطأ المريض هو السبب الوحيد في احداث الضرر، اما اذا اشترك فعل المريض مع فعل الطبيب في وقوع الضرر، فان ذلك لا يؤدي إلى انتفاء مسؤولية الطبيب وانما يؤدي فقط إلى انتقاص التعويض المحكوم به على الطبيب، بنسبة خطأ المريض، ويأخذ القضاء في هذا الصدد بنظرية السبب المنتج وليس بنظرية تعدد الاسباب التي تقوم بالاعتداد بكافة الاسباب التي احدثت الضرر وذلك بخلاف نظرية السبب المنتج والذي تقوم بالاعتداد بالسبب المألوف الذي احدث الضرر فعلا وليس بالسبب العارض، فاذا ذهب الحكم إلى القول بوجود عدة عوامل ادت إلى حدوث الضرر للمريض، دون ان يتحقق الحكم من ان احد هذه العوامل يشكل السبب المنتج في احداث الضرر، فان هذا الحكم يكون قاصرا فيما اوردة من اسباب، كما في حالة القول بوجود حساسية لدى المريض الذي لم يصدر منة خطأ، وذلك مع عدم التقليل من مسؤولية الجراح عن الضرر الحاصل والتي كان يجب اخذها بعين الاعتبار. ولبيان خطأ المريض على مسؤولية الطبيب يجب ان نفرق بين امرين : الاول: استغرق احد الفعلين للفعل الاخر، في هذه الحالة اذا استغرق احد الفعلين الآخر، كما لو كان خطأ الطبيب في حجمة أكبر بكثير من خطأ المريض، وفي هذه الحالة فلا يعتد بالفعل المستغرق، سواء كان فعل المريض ام فعل الطبيب، ويستغرق احد الفعلين الفعل الآخر في حالتين:

1. اذا كان احد الفعلين يفوق الخطأ الآخر جسامة، ويتحقق ذلك في صورتين:

أ- اذا كان احد الفعلين متعمدا، فانه يستغرق الفعل الآخر وقد يكون الفعل المتعمد هو فعل المريض، وقد يكون هو فعل الطبيب، فاذا كان هو فعل الطبيب كما لو ترك الطبيب المريض المصاب بمرض عقلي يسقط من الطابق العلوي فيموت، هنا تقوم مسؤولية الطبيب. اما اذا كان الفعل المتعمد هو فعل المريض، كما لو قام المريض بتناول ادوية كان الطبيب قد حرمها عليه بصفة صريحة وقاطعة، مبينا له نتائجها وآثارها السلبية، فهنا تنتفي مسؤولية الطبيب من انعدام الرابطة السببية، باعتبار ان الفعل الذي قام بة المريض يفوق فعل الطبيب ان كان مخطئاً.
ب- رضاء المضرور بالضرر، فاذا رضي المريض بالنتائج المترتبة على التدخل الجراحي والتي قام الطبيب بتبيانها له، ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب، شريطة ان يكون العمل الطبي او التدخل الجراحي الذي قام بة الطبيب يحتمل النجاح ويحتمل الفشل. 2. اذا كان احد الفعلين نتيجة للفعل الآخر، فاذا كان احد الفعلين نتيجة للفعل الآخر، فلا يعتد الا بالفعل الواقع اولا، فاذا كان خطأ الطبيب سببة خطأ المريض، انتفت المسؤولية الطبية، كما في حالة كذب المريض على الطبيب بشأن حالتة الصحية وقيام الطبيب باعطائة العلاج على ضوء ذلك.
وقد اشار القانون المدني الاردني في المادة (264) منه لاثر استغراق احد الفعلين للفعل الاجر حيث نصت المادة على انه “يجوز للمحكمة ان تنقص مقدار الضمان أو أن لا تحكم بضمان ما اذا كان المتضرر قد اشترك بفعلة في إحداث الضرر او زاد فيه”.
هذا النص يعالج عدة حالات، منها انه ليس للقاضي انقاص الضمان ويكون ذلك في حالة استغراق فعل الطبيب لفعل المريض، او ان لا يحكم بضمان، وهذا يفترض ان فعل الطبيب قد استغرقة فعل المريض، وللقاضي ايضا انقاص مقدار الضمان في حالة اشتراك خطأ المريض مع خطأ الطبيب في حالة حصول الضرر. ثانيا: استقلال كل من الفعلين عن الفعل الآخر، اذا لم يستغرق احد الفعلين الفعل الاخر، فان الامر يعد مشترك بين الطبيب والمريض، فيعتبر كل خطأ سببا متكافئا او منتجا في احداث الضرر، وعلية لا يتحمل الطبيب كامل المسؤولية عن فعلة الذي قام بة بل توزع المسؤولية بينة وبين المريض.

وهذا ما استقر علية القضاء في مصر، فاذا كان المضرور قد اخطأ وساهم بخطئه في احداث الضرر الذي اصابة فان ذلك يجب ان يراعى في تقدير التعويض المستحق له فلا يحكم له على الغير الا بالقدر المناسب لخطأ هذا الغير ويترتب على ذلك توزيع مبلغ التعوض بينة وبين المريض . هذا وتنص المادة (265) من القانون المدني الاردني على انه “اذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار، كان كل منهم مسئولا بنسبة نصيبة فية وللمحكمة ان تقضي بالتساوي او بالتضامن والتكافل فيما بينهم”.

المطلب الثالث خطأ الغير

فقد تنتفي الرابطة السببية ايضا نتيجة لخطأ الغير اي ان الضرر قد وقع بفعل الغير، وهو السبب الوحيد في احداث الضرر، ويجب ان لا يكون الغير من الاشخاص الذين يسأل عنهم الطبيب، سواء كان مكلف بالرقابة عليهم، او كان الطبيب بالنسبة لهم في مركز المتبوع، فاذا كان كذلك امتنع علية الاحتجاج بفعل من هو تحت رقابتة او بفعل تابعية، وقد استقر القضاء على ان خطأ الغير يقطع الرابطة السببية متى استغرق خطأ الطبيب المدعى علية، اما اذا كان خطأ الطبيب مستغرق لفعل الغير فلا يعتد بفعل الغير، وتقوم مسؤولية الطبيب كاملة، فاذا ثبت ان الخطأ صادر من طبيب آخر او من أحد العاملين بالمستشفى او في عدم تنفيذ تعليمات الطبيب، فلا تقوم مسؤولية هذا الأخير.

منقول