لكي يعد الإقرار حجة قاصرة وقاطعة، ودليلا من أدلة الأثبات لابد من توفر شروط معينة في المقر والمقر له والمقر به، وهذه الشروط ندرسها تباعاً.

المطلب الأول : شروط المقر :

تترتب على الإقرار الآثار ذاتها التي تترتب على التصرف في الحق، لذلك ينبغي ان تتوفر في من يقر على نفسه، الاهلية الكاملة للتصرف في الحق المقر به، وعلى هذا نصت المادة (60 / أولاً) من قانون الاثبات (يشترط في المقر ان يتمتع بالأهلية الكاملة، فلا يصح اقرار الصغير والمجنون والمعتوه، ولا يصح على هؤلاء اقرار أوليائهم أو أوصيائهم او القوام عليهم)(1). فاقرار الصغير بالقرض مضر بحقوقه فلا يصح، وكذلك يعتبر الإقرار باطلاً، اذا كان المقر بتاريخ الإقرار بحكم الصغير المميز وكان الإقرار مضراً به ضررا محضاً (2). اما اقرار الصغير المميز المأذون له فيكون صحيحاً في حدود الأمور المأذون له فيها، لانه يعتبر بمنزلة البالغ سن الرشد، فقد نصت المادة (61) من قانون الاثبات (يكون الإقرار الصغير المميز المأذون حمك اقرار كامل الأهلية في الأمور المأذون فيها)(3). وان اقرار السفيه المحجوز عليه يعتبر صحيحا في كل ما لا يعتبر محجورا عليه شرعاً كالزواج والطلاق ونحوهما (4). وحكم اقرار ذوي الغفلة حكم اقرار السفيه نفسه وذلك قياسا على تصرفه استنادا الى المادة 110 من القانون المدني العراقي. ولا يصح اقرار الولي والوصي والقيم عمن يكون تحت ولا يتهم او وصايتهم او قيمومتهم، لعدم امتلاكهم هذا الحق، فاذا صدر اقرار من اي من هؤلاء، فان هذا الإقرار لا يسري في حق الاشخاص الموجودين تحت ولايتهم او وصايتهم او قيمومتهم، لان الإقرار حجة قاصرة على المقر، فاذا اقر الولي عن الصغير بأنه مدين لأحد الاشخاص بمبلغ معين لا يصح اقراره وعلى هذا نصت المادة (60 / أولاً) المذكورة آنفا. وقضت محكمة التمييز بعدم سريان اقرار القيم او تطالب بالتفريق عملا بأحكام المادة (43 / ثانياً) من قانون الأحوال الشخصية المعدل (5). والأصل في قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 ان الولي او الوصي او القيم لا يملك مباشرة اي تصرف من التصرفات في مال القاصرين (6). الا بموافقة مديرية رعاية القاصرين المختصة بعد التحقق من مصلحة القاصر في ذلك، لذلك نرى ان الإقرار الذي يصدر من الولي او الوصي او القيم بسبب ان تصرف من التصرفات التي تخضع لموافقة مديرية رعاية القاصرين، لا يجوز الا بموافقة هذه المديرية التي أجازت التصرف الذي يتعلق الإقرار به (7).

ويصح اقرار الوكيل فيما يملك من التصرفات الداخلية ضمن حدود وكالته، وبعد ملاحظة نص المادة (52) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 التي قيدت اطلاق نص المادة (931) من القانون المدني العراقي، فيشترط ان يدرج في سند الوكالة العامة، صراحة تفويض الوكيل، الإقرار بالحقوق او التنازل عنها او ان يصدر به الموكل توكيلا خاصاً، في هذه الحالة يكون الإقرار الصادر من الوكيل ملزما للموكل (الاصيل)، فقول محامي اي من الخصوم في مجلس القضاء لا يعد اقرار قضائياً الا اذا كان بتوكيل خاص وتضمن التسليم بالحق المدعى به بقصد الاعفاء من اقامة الدليل عليه (8). واذا صدر الإقرار من ممثل الشخص المعنوي في حدود سلطته واختصاصه، فان هذا الإقرار يكون صحيحاً، اما اذا اقر الموظف او المكلف بخدمة علمة، فلا يصح ما لم يكن مأذونا بذلك، وبهذا قضت المادة (60 / ثانياً) من قانون الاثبات، لان الموظف يستند الى الولاية القانونية ولا يصح اقراره بما لا يملك، وان اقرار الموظف لا يسري في حق دائرته ولكنه يصح اذا ورد على عمل شخصي قام به او عقد أبرمه (9). ويشترط ان يكون المقر مختارا في اقراره، اي ان لا يصدر الإقرار عن اكراه مادي او معنوي، والاكراه المادي متصور في خارج المحكمة (10). فارادة المقر يجب ان تكون سليمة من عيوب الارادة، وقد نصت المادة (409) من قانون الالتزامات والعقود المغربي على ان يلزم في الإقرار ان يصدر عن اختيار وادراك وان الاسباب التي تعد عيبا في الرضاء تعد عيبا في الإقرار. وورد في مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري (ان الإقرار يخضع للأحكام العامة في عيوب الرضا باعتباره تعبيرا عن ارادة المقر)(11). كما يشترط ان لا يكون المقر متهما في اقراره، كاقرار المريض في مريض الموت بدين لوارثه، محاباة لهذا الوارث على حساب الورثة الآخرين (12). وكذلك اقرار المدين المحجوز فلا يعتبر اقراره، واذا دفع من ماله دينا في ذمته لأحد غرمائه فلسائر غرمائه استرداد المبلغ الذي دفعه).

المطلب الثاني : شروط المقر له :

يشترط في المقر له ان يكون موجوداً، حقيقة او حكماً، ومعلوماً وقت صدور الإقرار، ولا يشترط ان يكون المقر له عاقلا (م 62 من قانون الاثبات). لذلك يجوز ان يكون المقر له، جنينا ما دام القانون يفترضه حياً وهو في بطن أمه، ويتمتع بأهلية وجوب ناقصة (13). او طفلا رضيعا او صغيراً مميزا (14). او معتوها (وهو في حكم الصغير المميز م 107 مدني) او مجنونا (وهو في حكم الصغير غير المميز م 108 مدني) ومن ثم يعد الإقرار صحيحا بالنسبة لهم جميعا سواء ذكر المقر سببا صالحاً او بين سببا غير صالح او لم يبين سببا ما (15). كما قد يكون المقر له شخصا معنويا، لان الشخص المعنوي له اهلية التملك.

المطلب الثالث : شروط المقر به :

اشترطت المادة (63) من قانون الاثبات في المقر به، ان يكون معلوما ومعينا او قابلا للتعيين، ولا يصح ان يكون المقر به مجهولا جهاله فاحشة اما الجهالة اليسيرة فلا تكون مانعة من صحة الإقرار وقد نص القانون رقم (46) لسنة (2000) على تعديل نص المادة (63) حيث اصبح على النحو الآتي (يصح الإقرار بالمعلوم كما يصح الإقرار بالمجهول الا في العقود التي لا تصح مع الجهالة، فاذا اقر الخصم في عقد يصح الإقرار فيه مع الجهالة، فيلزم بتعيين ما أقر به)، ويلاحظ ان النص قبل التعديل كان أوضح وأدق. ولم يرد في القانونين السوري والاردني، نص صريح مماثل، ولكن يمكن الأخذ بذلك دون نص صريح تطبيقا للقواعد العامة في هذا الشأن. فالإقرار تصرف قانوني في الشيء المقر به من جانب المقر، لذلك وجب ان يكون موضوعة معينا تعيينا كافيا نافيا للجهالة (16). ففي البيع مثلا يشترط ان يكون معلوما. ومن ثم فلا يصح مع الجهالة، فاذا أقر شخص بأنه باع سلعة لآخر ولم يعين فلا يصح اقراره (17). هذا اذا كانت الجهالة فاحشة، اما الجهالة اليسيرة فلا تكون مانعة من صحة الإقرار، لذلك يجوز الإقرار بصحة شائعة، وهناك تصرفات تكون صحيحة مع الجهالة اليسيرة كالغضب والوديعة، فاذا اقر شخص لآخر بأنه غصب مالا من اخر لزم بإقراره واجبر على التعيين، وفي حالة الاختلاف، يقع على مدعي الزيادة البينة وعلى المنكر اليمين (18).

ويشترط في المقر به ان يكون عملا مشروعا، وان يكون حقا ممكنا مباحا وغير باطل ومما يجوز النزول عنه او مما لم يمنع المشرع الإقرار به، فالإقرار بفوائد تزيد على ما يسمح به القانون او بدين قمار او بيع تركة مستقلة لا يعول عليه لمخالفته للنظام العام والآداب. ويجوز الإقرار ولول كانت قيمة المدعى به تجاوز (خمسة آلاف) دينارا ما لم يقض القانون بغير ذلك، كأن يكون الاثبات متعلقاً بالبيانات التي يلحق بها وصف الرسمية في سند رسمي، فلا يقبل الإقرار خلاف هذه البيانات، لان السند الرسمي لا يمكن الطعن فيه الا بالتزوير، وكذلك لا يقبل الإقرار دليلا على وجود عقد يشترط القانون شكلية معينة لكي ينعقد، كما لا يقبل الإقرار لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، كالإقرار بما يناقض حجية الشيء المحكوم فيه، فاذا اقر شخص بعدم صحة حكم صدر ضده فان ذلك لا يمنعه من ان يتمسك بسبق الفصل في الدعوى (19). ويشترط في المقر به، ان يكون محققا او محتمل الوجود، لانه لا يجوز الإقرار بالمعدوم (20). وان يكون مكذبا بظاهر الحال وان يكون جديا، فقد نصت المادة (64 / أولا) من قانون الاثبات على انه يشترط في الإقرار الا يكذبه ظاهر الحال، كان يقر شخص ببنوة شخص آخر أكبر منه في السن (21). واقرار الزوجة بقيام الزوجية مع وجود اشهار طلاق رسمي يكذبها (22). واقرار احدهم بان فلانا قد اقرضه مبلغا معينا في يوم معين وكان قد مات قبل ذلك اليوم (23). فهذه الإقرارات لا تصح. وتستدل المحكمة على صحة الإقرار أو كذبه، بما تستخلصه من المستندات المقدمة من الخصوم ومن الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى، كما ان للمحكمة ان تقوم بتفسير عبارات الإقرار بالمعنى الذي تحمله بما لا يخرج عن مدلولها (24)، وقد يلجأ الى الإقرار الصوري بالتواطؤ بين المقر والمقر له ليس بقصد الاضرار بالورثة بل يقصد الاضرار بحقوق الغير كالدائن والخلف الخاص، فيجوز لهما اثبات الصورية بطرق الاثبات كافة ومتى تمكنا من ذلك لم ينفذ الإقرار في حقهما (25). ويشترط في الإقرار الا يناقض المقر ما كان قد اقر به سابقا، فقد نصت المادة (64 / ثانياً / أ) من قانون الاثبات على أنه (اذا ناقض المقر ما كان قد اقر به سابقا، كان هذا التناقض مانعا من سماع دعواه أو دفعه) والتناقض حسب تعريف المادة (9) الملغاة من القانون المرافعات المدنية (سبق كلام من المدعي موجب لبطلان دعواه) لانه من المستحيل وجود الشيء مع ما يناقضه واذا وجد تناقضا بين ما أقره المقر سابقا وبين ما يقره الآن، كأن يستأجر شخص دارا ثم يدعي أنه يملك الدار، فيتوجب رفع هذا التناقض، ويرتفع التناقض في الحالات الآتية :

1-بقرار من المحكمة :- ويرتفع التناقض في هذه الحالة بصدور حكم سابق بتصديق احد الكلامين دون الآخر، كان يدعي رجل زواجه من امرأة، الا ان المرأة تنكر عليه ادعاءه، ثم يثبت الرجل زواجه منها بحكم يكتسب الدرجة القطعية. ويتوفى بعد ذلك، فان للمرأة حق في الادعاء بالارث، ولا يعد ادعاؤها السابق متناقضا مع دفعها، لأن هذا الدفع ارتفع بقرار من المحكمة بتصديق الزواج (26).

2-بتصديق الخصم : نصت المادة (64 / ثانياً / ب) من قانون الاثبات على ان التناقض يرتفع بتصديق الخصم، فاذا ادعى الدائن ان له بذمة المدين ألف دينار من جهة القرض، ثم ادعى بعد ذلك، ان المبلغ المذكور من جهة الكفالة، فصدقه المدعى عليه فان التناقض يرتفع، لان التناقض يستلزم كذب احد الكلامين، ولا يعلم الصادق من الكاذب منهما، فاذا صدقه الخصم تعين الصادق وأمكن للمحكمة ان تبني حمكها عليه (27).

3-بالتوفيق بين الإقرارين : نصت المادة (64/ ثانياً / ب) من قانون الاثبات على أن يرتفع التناقض بالتوفيق بين الإقرارين، وقضت محكمة التمييز (اذا وجدت المحكمة ان هناك تناقضا بين اقوال المدعي ووكيله، فعليها تكاليف المدعي بالتوفيق بين القانونين، قبل اتخاذ القرار برد الدعوى لهذا السبب)(28). و(يعتبر تناقضا في أقوال المدعى عليه اقراره بأن عدم تسديده لبدلات الايجار المستحقة للفندق المأجور بسبب رفض المؤجر استلامها ثم قوله انه دفعها عدا أجور الماء والكهرباء)(29). ويغتفر التناقض، اذا ظهر عذر للمقر كان محل خفاء (م 64 / ثانياً / ج) اثبات، كأن يستأجر أحد عقارا ثم تبين له ان العقار قد انتقل إليه ارثا، وطلب الحكم بملكية العقار فتسمع دعواه لخفاء انتقاله إليه عن طريق الارث (30).

__________________

1-انظر (96) بينات سوري و م (47) بينات اردني.

2-قرار تمييزي مؤرخ في 12 / 2 / 1956 مشار إليه في عبدالرحمن العلام، المبادئ القضائية (القسم المدني) لأحكام محكمة التمييز بغداد 1957 فقرة 319 ص111.

3-انظر المادة (99) من القانون المدني العراقي.

4-حسين المؤمن ج1 ص89.

5-القرار المرقم 1271 / ش/ 84 – 85 في 6/2/1985، مجموعة الأحكام العدلية، العددان الأول والثاني 1985 ص62.

6-يقصد بالقاصر، لأغراض قانون رعاية القاصرين الصغير والجنين من تقدير المحكمة أنه ناقص الاهلية أو فاقدها والغائب والمفقود الا اذا دلت القرينة على خلاف ذلك (م3 / ثانياً) وللتوسع انظر مؤلفناً الأحكام القانونية لرعاية القاصرين. بغداد 1989.

7-انظر مثلاً المواد (30) و(42)و(43) من القانون رقم 78 لسنة 1980.

8-نقض مصري في 31/10/1967 الطعن رقم 119 من 34 ونقض في 15 / 11 / 1966 الطعن رقم 185 س32ق. انور طلبة ص616.

9-القرار التمييزي المرقم 422 / ح/ 1968 في 13 / 4 / 1968. قضاء محكمة التمييز، المجلد الخامس ص101 – 102.

10-انظر المادة (112) مدني عراقي.

11-الجزء الثالث. ص440.

12-انظر المادة (1111) والمادة (1112) من القانون المدني العراقي.

13-الدكتور عبدالمجيد الحكيم. الموجز في شرح القانون المدني ج1، بغداد 1974 202 ص114 وفقرة 204 ص115 وفي أهلية الجنين وحقوقه، انظر كتابنا : الاحكام القانونية لرعاية القاصرين، جامعة بغداد، كلية القانون، بغداد، مطبعة الحكم المحلي 1989، ص29 – 36.

14-منير القاضي، شرح المجلة ج3 ص386.

15-علي حيدر، الكتاب الثالث عشر ص75. منير القاضي، المصدر السابق ص386.

16-مرقس، من طرق الاثبات ج2 ص16.

17-حسين المؤمن ج1 ص97. الصوري ج2 ص563.

18-احمد ابراهيم، طرق القضاء، 144.

19-الصوري ج2 ص565 – 566. قيس. الإقرار ص232 وما بعدها.

20-منير القاضي، شرح المجلة ج3 ص387. حسين المؤمن ج1 ص98.

21-انظر المادة (465) مدني عراقي (ملغاة) والمادة (97) بينات سوري والمادة (48) بينات اردني.

22-مجموعة احكام محكمة النقض المصرية السنة (13) رقم (101) ص662.

23-احمد ابراهيم. طرق الاثبات الشرعية ص334.

24-محمد عبد اللطيف ص243.

25-السنهوري، فقرة 249. حسين المؤمن ص103.

26-محمد شفيق العاني. أصول المرافعات والصكوك في القضاء الشرعي. بغداد 195 ص58 – 59.

27-منير القاضي. شرح قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية ببغداد 1957 ص29.

28-التمييزي المرقم 124 / م منقول / 85 – 86 في 11 / 3 / 1986 مجموعة الأحكام العدلية. العددان الأول والثاني 1968 ص92.

29-القرار التمييزي المرقم 574 / عقار / 87 – 88 في 14 / 12 / 1987. مجموعة الأحكام العدلية، العدد الرابع 1987 ص83 – 84.

30-الصوري ج2 ص576.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .