دور البعثات الأممية في حفظ الأمن و السلم الدوليين ـ المينورسو كنمودج

إعداد عيسات بوسلهام
طالب باحث بماستر القانون العام و العلوم السياسية – أكدال
فاعل جمعوي – جماعة أم عزة (رئيس جمعية النسيم للثقافة و التنمية المستدامة)

تحت إشراف الدكتور الحسان بوقنطار

مقدمة:

عجل اندلاع الحرب العالمية الثانية بنهاية منظمة عصبة الأمم المتحدة لتنهار معها أول تجربة للتنظيم الدولي فاتجه تفكير المجتمع الدولي و في مقدمته دول الحلفاء ، الى اقامة نظام أفضل و أجدى يكون بديلا للتنظيم الدولي المنهار عماده الأمن الجماعي و التعايش السلمي و نبذ الحروب كوسيلة لحل المشكلات الدولية.
و قد بدا الاعداد الفعلي لتأسيس المنظمة في خضم الحرب بحيث تعددت اللاجتماعات و المؤتمرات بشكل كبير بين الحلفاء وكان الغرض منها توحيد المواقف و الاستمرار في الحرب و تنسيق الخطط الرامية الى هزم العدو من جهة و الى وضع أسس متينة و جديدة لعالم ما بعد الحرب من جهة أخرى و تجلت هذه الحركية الدبلوماسية في وضع ميثاق الأطلسي و تصريح الأمم المتحدة ، اتهاءا بمؤتمر سان فرانسيسكو سنة 1945 اي أعلن عن ولادة منظمة عالية جديدة و هي منظمة الأمم المتحدة و التي تم التوقيع على ميثاقها في 26 يونيو 1945 و أصبح ساري المفعول في 24 أكتوبر من نفس السنة . والذي أكد على أن السلام هو البداية و النهاية للمنظمة العالمية حيث عقدت الشعوب العزم على نبذ الحروب و انقاد الأجيال المقبلة من ويلاتها .
وقد بذل واضعوا الميثاق مجهوداتهم لتحقيق السلام و احاطته بكل الضمانات التي تنشئه و تمهد لبقائه و عدم الاخلال به ، فقد حظر الميثاق مطلقا استخدام القوة أو التهديد بها على نحو يمس استقلال الدول و سلامتها الاقليمية و علاقتها الخارجية و حث على اتباع وسائل التسوية السلمية عوض الحرب في المنازعات الدولية[1]
و أكد على مبادئ المساواة في السيادة و احترام حقوق الانسان ، بالإضافة الى ذالك تصور واضعوا الميثاق نظاما متكاملا للأمن الجماعي الذي يقوم على دعامتين هما الدفاع الشرعي الفردي الجماعي ثم أعمال القمع و المنع وفق أحكام الميثاق .
لكن هذا النظام سرعان ما تعطل بسبب طبيعة العلاقات الدولية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية ، و بالتالي لم يتسنى تحقيق العزم على نبذ الحروب ، فقد اكتوى العالم بعد اعلان ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 بأكثر من صراع رئيسي خلف ما يقارب عشرين مليونا من الضحايا ، بينما الأمم المتحدة تقف عاجزة بسبب استخدام حق الفيتو من جهة و عدم القدرة علة تكوين الجيش الدولي المنصوص عليه في المادة 43 [2]، و ذلك نتيجة تعارض وجهات نظر كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي حول قيادة هذا الجيش .
وأمام هذا العجز شهد العالم مولد قوات حفظ السلام من أجل مواجهة الأزمات و الصراعات المسلحة ، و بذالك قامت الامم المتحدة بواسطتها و حتى ان لم ينص ميثاقها على احداث مثل هذه القوات على نزع فتيل الأزمات و الصراعات الدولية ،و قامت باتحاد الاجراءات المناسبة لمعالجة الأسباب الجذرية للحرب في مجموعة من الحالات ، ووضع الأساس اللازم من أجل اقرار السلام و هذه القوات أطلق عليها ” القوات الأممية لحفظ السلام ” [3].
و في اطار المجهودات التي تبدلها من أجل المحافظة على السلم و الأمن الدوليين تدخلت الأمم المتحدة في عدد من الصراعات التي كانت أنداك بين الدول ، ولعل ما يهمنا نحن و من خلاله سنتحدث عن الدور الذي تلعبه قوات حفظ السلام هو تدخل الأمم المتحدة في الصراع الدائر بمنطقة شمال غرب افريقيا حول الصحراء التي يعتبرها المغبر جزءا من أراضيه و جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجارة الجزائر التي تطالب بانفصالها .
ومن هذا المنطلق ستشكل قضية الأقاليم الجنوبية أهم الملفات [4] التي انتقلت من الدائرة الضيقة على المستوى الافريقي خلال مرحلة السبعينات و الثمانينات ، الى قضية دولية تم العمل على ايجاد حل لها داخل المنبر الأممي منذ بداية الستينيات بشكل هجيني ، و بشكل حاد منذ أواخر الثمانينيات الى بداية التسعينيات وهكذا ارتقت قضية الصحراء . في ظرف وجيز الى أعلى مراتب النزاع الدولي بالمقارنة مع غيرها من النزاعات المتزامنة لها رغم أن المشكل ليس إلا واحدا من عشرات القضايا المطروحة على أنظار هيئة الأمم المتحدة بحيث عملت الأمم المتحدة على اعداد مخطط للسلام ينص على وقف اطلاق النار الذي لازال ساريا لحد الآن ، و هو يعتبر النقطة التي لم تسقط أمام اختلاف وجهات النظر حول كيفية تطبيق المخطط كما يتمحور حول اجرا استفتاء في الصحراء تحت اشراف الأمم المتحدة ، و لذالك لجأت هذه الأخيرة على احداث بعثة أممية قامت بنشرها في الاقليم من أجل العمل على تنفيذ المخطط المذكور و أطلق على هده البعثة اسم ” بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية ” المينورسو”.
و نتيجة للصعوبات التي واجهت تطبيق مخطط التسوية الأممي دخلت قضية الصحراء ضمن لائحة المشاكل العويصة و المعقدة التي تواجه الأمم المتحدة حيث تعذر عمليا اجراء استفتاء لحل مشكل الصحراء الذي تجاوز ربع قرن [5] السبب الذي دفع المبعوث الأمم بتقديم مقترحات الحل السياسي في اطار السيادة المغربية مع منح صلاحيات للتسيير المحلي لفائدة الصحراويين .و هو ما اعتبرته الجزائر منحازا لفائدة المغرب.
و أمام كل هذه المحاولات التي باءت بالفشل ظل المغبر متمسكا بالحل التوافقي وفي هذا الاطار أعلن جلالة الملك محمد السادس مبادرة الحكم الذاتي التي تقوم على تمتيع الأقاليم الجنوبية بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية .
و ادا كان من دوافع موضوعية و عملية تدفع كل من يبحث في هذا الموضع فان كل البواعث اجتمعت و شكلت الحافز لربط هذا الدور الذي تلعبه قوات حفظ السلام في اقرار الأمن و السلم الدوليين ، و ربطه بقضية الوحدة الترابية الوطنية كما أن الاشكال الأخير الذي طفا على السطح حول المينورسو و مسودة الولايات المتحدة الأمريكية لتوسيع صلاحيته ليشمل مراقبة حقوق الانسان بالصحراء، و التي سرعان ما تراجعت عنها يقتضي منا ضرورة تسليط الضوء على الدور الذي لعبته هذه البعثة في وقف اطلاق النار.
و بهذا فإننا سنحاول معالجة هذا الموضوع انطلاقا من تقسيمه الى مبحثين رئيسيين

المبحث الأول:الأمم المتحدة و دورها في أقرار الأمن و السلم الدوليين
المبحث الثاني:المينورسو وقضية الصحراء (نموذجا)

لكن الاجابة عن هذا الموضوع انطلاقا من ما سبق ذكره تقتضي منا طرح جملة من التساؤلات .
ما هي المهام التي تقوم بها الأمم المتحدة في ما يتعلق بالمحافظة على السلم و الأمن الدوليين ؟
وماهي المهام التي تقوم بها قوات حفظ السلام ؟
وكيف تمكن المينورسو من اقرار الأمن و وقف اطلاق النار بالأقاليم الجنوبية ؟
و ما هي دلالات و أبعاد تحريك قضية توسيع صلاحيات هذا الأخير لمراقبة حقوق الانسان ؟

المبحث الأول: الأمم المتحدة و دورها في اقرار الامن و السلم الدوليين

ان المهمة الأساسية للأمم المتحدة في ما يتعلق بالجانب السياسي هي حفظ اللأمن و السلم في العالم [6] و لعل أهمية هذا الدور هي التي جعلت الميثاق يحرم الحرب بين الدول الأعضاء.
و المحافظة على السلم في العالم تتطلب تدخل المنظمة الأمية عن طرق مجلس الأمن بالخصوص من جهة لتسوية المنازعات بين الدول بالطرق السلمية و من جهة أخرى لاتحاد تدابير قسرية عند الضرورة

المطلب الأول: المهام التقليدية

بحسب ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة فان مجلس الأمن هو المكلف بالسهر على حفظ السلم والأمن في العالم و لقد اتاح له هذا الدور عدة اختصاصات و سلطات للنهوض بمسؤولياته في هذا الشأن وزوده بالوسائل اللازمة لتحقيق هذه الغاية ، لذلك فان قيامه بتسوية اي نزاع أو خلاف.دولي يحتمل أن يهدد السلم و المن الدولي يقتضي منه نهج سبيل التسوية السلمية التي ينص عليها الفصل السادس [7] و في حالة عدم نجاح هذه الوسيلة وأصبح من شأن استمرار هذا النزاع الدولي أن يشكل تهديدا للسلم و الأمن الدوليين أو ما شابه دالك فان الميثاق يقتضي اعمال مقتضيات الفصل السابع[8] من الميثاق و الدخول في السبل الزجرية لحل هذا النزاع

التسوية السلمية للمنازعات

يضع الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة كما أشرنا مجموعة من القواعد للتسوية السلمية للمنازعات الدولية و هذا الفصل التي يتضمن 6 مواد يستهدف بالأساس تدخل مجلس الأمن و لكن الجمعية العامة بإمكانها التدخل كذلك وذلك حسب مقتضيات المادة 11 ، و لكن في الحالات التي لا يكون فيها النزاع معروضا على المجلس [9] ومختلف الاجرءات السلمية هي المنصوص عليها في المادة 33 من نفس الميثاق الذي يوصي الأطراف المتنازعة باللجوء الى المفاوضات و الوساطة و المساعي الحميدة و التحقيق و التوفيق و التحكيم الدولي أو التسوية القضائية أو الوكالات و المنظمات الاقليمية التي يقع غليها اختيارهم ، و عند فشل هده المساعي يطلب مجلس الأمن من الأطراف اخضاع نزاعها على مجلس الأمن .
فكل دولة عضو في الأمم المتحدة سواء كانت أم لا طرفا في نزاع ما يمكن أن تثير الخطر الدولي ، و يتمحور تدخل مجلس الأمن في فحص النزاع أو القيام بتحقيق أو التوصية بمسطرة خاصة لتسويته.
و كل هذه العمليات نفسها تحت قيادة دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية سواء من خلال حرب كوريا سنة 1950 أو الحرب العراقية 1990 و كذلك التدخل العسكري في هايتي 1990 .

المطلب الثاني :المهام الحديثة للأمم المتحدة

لقد نشأت عمليات حفظ السلام بابتكار ليتطرق اليه ميثاق الأمم المتحدة ولكن الظروف قد استوجبته كما سبق أن أشرت في مقدمة الموضوع ، أي نتيجة لعجز الأمم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن عن القيام بدوره كاملا في سياق نظام الأمن الجماعي ولا سيما فشله في تشكيل الجيش الدولي المنصوص عليه في المادة 43.
ودلك نتيجة لتعارض وجهات النظر بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي ، حول قيادة هذا الجيش و هكذا حتى لا يصاب دور المنظمة بالشلل في المجال الأمني ظهرت فكرة قوات حفظ السلام كبديل عن الجيش الأممي ودلك من أجل تهدئة الأوضاع و الصراعات أثناء الحرب الباردة خاصة و يمكن تصنيف هذه المهام الجديدة لمهام ترتبط بتسوية المنازعات و مهام ذات أبعاد جديدة و متنوعة

الفقرة الأولى:المهام المتعلقة بتسوية المنازعات

مند بداية التسعينات تم ابرام العديد من اتفاقات السلام تحت اشراف منظمة الأمم المتحدة أو بصورة مباشرة بين أطراف النزاع تمت دعوة الأمم المتحدة لتقديم مساعدتها من أجل تنفيذ الاتفاق و في هاتين الحالتين معا تحدد اتفاقات السلام مجال تدخل المنظمة.
و بالتالي مهمات قوات حفظ السلام الأممية ومن أهم الاتفاقيات التي أشرفت الأمم المتحدة على ابرامها و خولت لها حق التدخل من أجل تقديم المساعدة لتنفيذها ، اتفاقية باريس لسنة 1991 حول تسوية النزاع الكمبودي حيث سجل بداية النهاية لصراع معقد دام أكثر من عقدين من الزمن.
و تضمنت هذه الاتفاقية مجموعة من المقتضيات التي ترمي الى اقرار سلام في كمبوديا و بناء دولة على أساس ديمقراطي و قد تحملت الأمر بموجب هذا الاتفاق مسؤولية كبرى في ما يتعلق بتطبيق بنود هذه الاتفاقية بكيفية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات الدولية ، وذلك بواسطة هيئة سميت بسلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا.

الفقرة الثانية:المهام الأخرى لقوات حفظ السلام الأممية

بالإضافة للبعد العسكري وألمني الذي يلازم عمليات حفظ السلام توجد أبعاد جديدة أملتها طبيعة النزاعات التي تستدعي نشر قوات حفظ السلام أو نتيجة للتوجه الجديد الذي هيمن على الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة و المتمثل في معالجة أسباب تهديد السلم و الأمن الدوليين و لذلك أصبحت مهام و قوات حفظ السلام لها أبعاد انسانية و تنموية و ديمقراطية .
1- المهام الانسانية
في السنوات الأخيرة الملاحظ هو أن الأمم المتحدة أصبحت تولي اهتماما متزايدا بحقوق الانسان بحيث عرفت آليات هذه الحقوق و حمايتها تطورا جوهريا انتقل من الدبلوماسية و الانسانية الى اقرار المسؤولية الجنائية الدولية للفرد أو الجماعة التي تنتهك حقوق الانسان بل تم الربط بين حقوق الانسان و المحافظة على السلم الدولي ، وهوما يفسر ما قامت به أمريكا و تراجعت عنه حول تقديم مسودة تقضي بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو بالصحراء و الذي سنحاول تسليط الضوء عليه كنموذج يقتضي منا توضيحه .
2- المهام ذات الطابع الديمقراطي
اصبح الاهتمام بالديمقراطية يعرف نموا متزايدا في عمليات حفظ السلام مند تجربة نيكاراغوا ، اذ اصبح الاهتمام بالانتخابات في التوجه الجديد للأمم المتحدة الذي ينظر الى الديمقراطية كمشروع سياسي يندرج فيه ضمان حقوق الانسان و حمايتها بالإضافة الى تحقيق السلام و الاستقرار الوطني و الدولي ،
3- المهام التنموية
أصبحت تنضج مهام قوات حفظ السلام تنضج في اطار برامج شاملة لبناء السلام في الدول التي يتم فيها تطبيق هذه القرارات و الغاية هي تقوية هياكل الدولة و بناء مؤسساتها و القضاء على أسباب الصراع للحيلولة دون العودة الى اشتعال الحرب ، و بالتالي العمل علة استتباب السلم بكيفية مستديمة و هكذا أصبحت مهام قوات حفظ السلام تشمل القيام بعدة أنشطة ذات أبعاد تنموية .

المبحث الثاني:المينورسو و قضية الصحراء (كنموذج)

تمكنت الأمم المتحدة من تجاوز مشكلة التفاوض المباشر باعتبار رفضها المطلق من طرف المغرب ، واهتمت بمسألة اساسية تتمثل في تنظيم الاستفتاء بحكم اتفاق الأطراف عليها ، وبسبب ذالك أكد الأمين العام خلال اجتماعه مع الممثل الخاص لرئيس الوحدة الافريقية السيد ” ساسو نفويسو” على العمل على ارسال بعثة فنية الى الصحراء الغربية من أجل جمع المعلومات و البيانات اللازمة لوضع اقتراحات بشأن وقف اطلاق النار وإجراء الاستفتاء[10].
وبعد ارسال هذه البعثة للمنطقة لإجراء محادثاث مع الأطراف المتنازعة ، توجت الأمم المتحدة جهودها بصياغة وثيقة تتضمن مقترحات السلام عرضتها على الطرفين في 11 غشت 1988 ، و أطلعت بالجزائر و موريتانيا على فحوى الوثيقة ، و في 30غشت اعلن الطرفان بجنيف عن قبولهما لمقترحات التسوية و التي تهدف الى تسوية مسألة الصحراء تسوية سلمية [11].
وبعد قبول الطرفان لمقترحات التسوية اتجهت جهود الأمم المتحدة الى توضيح مسائل محددة فالمغرب اهتم بضررة توفر الأمن و السلم في الاقليم و الجبهة كان هدفها الحصول على تأكيدات لتهيئة الضروف التي تكفل في رأيها حرية الاستفتاء و نزاهته[12].
و كنتيجة لذالك نوهت الأمم برغبة زعماء القبائل على المساعدة في عملية تحديد هوية الاشخاص الذين لهم صلاحية المشاركة في الاستفتاء [13] و للخروج من المأزق الذي وصل اليه مسلسل الاستفتاء في الصحراء بعد صعوبة تطبيقه تولت الأمم المتحدة تطبيق ما تم الاتفاق عليه في مخطط التسوية الذي يهدف \اساسا لوقف اطلاق النار ، وتنظيم الاستفتاء في الاقليم .
فماهي اذا العوامل التي عجلت بانشاء بعثة المينورسو ؟ و ما هي الأجهزة المكنونة لها ؟ وماهي طبيعة المهام المسندة لها .

المطلب الأول:العوامل التي مهدت لإنشاء البعثة

احداث بعثة الأمم المتحدة في الصحراء جاء بالموازاة مع التحول الجذري الذي عرفه دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية الاقليمية ، وجاء ذالك بعد نهاية الصراع الاديولوجي الذي كان آنذاك بين المعسكرين في الحرب الباردة، ولذال وجدت الأمم المتحدة نفسها مرغمة الى التدخل لحل عددمن النزاعات الاقليمية ، فلهذا عمدت الى احداث عدد من البعثاث الخاصة بحفظ السلام وقامت بنشرها في مختلف النزاعات الاقليمية التي اتفق أطرافها على تسويتها .
و هوالنموذج الذي ينطبق على بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية ” المينورسو” بحيث جاءت هذه البعثة بعد حرب ضروس شهدتها المنطقة بسبب الصراع الذي كان قائما بين المغرب والبوليساريو وهو ما توج بتدخل الأمم المتحدة وخطة السلام لسنة 1988 علما أن هذه البعثة واجهت عددا من العراقيل منذ انشائها.
وبهذا سنحاول تسليط الضوء على الموضوع من خلال تناول تطور النزاع في الصحراء الغربية ( فقرة أولى) و الحديث عن مخطط التسوية بمزيد من التفصيل في فقرة ثانية .

الفقرة الأولى: تطور النزاع في الصحراء الغربية

يمكن أن نرجع المؤشرات الولى لأزمة الصحراء الى سنة 1958 حيث ظلت هذه القضية منحصرة بين الدولة المغربية والدولة المستعمرة غير أن هذه الوضعية ما لبثت ان تغيرت بدخول عناصر جديدة تمثلث في اعلان اسبانيا نيتها تغيير سياستها بالمنطقة وغي توصل الدول المجاورة بالصحراء الى جبهة موحدة في مواجهة الاحتلال الاسباني ، لكن الطرف الآخر لم يتوقف عن مطالبته باسترجاع ألأقاليم الصحراوية ، و هذه المطالب التي ولازالت تصطدم بالموقف الجزائري الذي يعمل في وضح النهار على دعم الجبهة خصوصا في الأيام الماضية للحيلولة دون استرجاع هذه الأقاليم .
1- التأصيل التاريخي للقضية
أهم ما يميز الصحراء هو موقعها الاستراتيجي ، لأنها نقطة اتصال بين الجزائر و المغرب ثم موريتانيا ومن ناحية ثانية تربط افريقيا بأوروبا عن طريق المحيط الأطلسي ، و قد جعلها عاملين أساسين تكون محط اهتمام اسبانيا هي كونها مهمة من حيث الأمن الاستراتيجي لاسبانيا ، اضف لذلك عامل المصالح الاقتصادية و خصوصا الموصلات التجارية و ثرواث الأطلس البحرية [14].
والاحتلال الرسمي للصحراء لم يتم الا في سنة 1884 بحيث رست السفن الاسبانية بمنطقة الداخلة مركزة حينها على المراكز التجارية لكن ساكنة الاقليم عملت علة مقاومتها [15]. كما أن هذه السيطرة تعززت بعد احتلال بعض المناطق المجاورة للإقليم وتم ابرام معاهدات مع فرنسا لسم الحدود وتقاسم النفوذ ، ورغم ذالك لم تستطع فرنسا اخضاع القبائل الصحراوية الا بعد مساعدة الفرنسيين لها في فترات متقطعة ، بحيث لم تدخل لمدينة الكويرة إلا في 1920 و السمارة في 1934 ومنها لعموم الاقليم [16].وبدأت بعد ذالك بإحداث مراكزها العسكرية و جعلت من مدينة العيون مركزا قياديا لها .
لكن على اثر اصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 دجنبر 1960 للقرار 1514 المتعلق منح استقلال للبلدان المستعمرة ، فطرح المغرب مشكل اقليم سيدي افني و الصحراء الغربية في فبراير 1963 على جدول أعمال اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار [17]. وبعد ذلك اصدرت الجمعية العامة توصية تحت رقم 2072 بتاريخ 16 دجنبر 1965 و التي تعتبر أول موقف رسمي للجمعية العامة بشأن اقليمي الصحراء و افني ، ودعت الحكومة الاسبانية الى اتخاد تدابير مستعجلة لتحرير الاقليمين من الاحتلال الاسباني [18].
وبعد هذه الخطوة صدر قرار عن لجنة تصفية الاستعمار في 16 أكتوبر 1964 و الذي تعبر فيه عن أسفها للتأخير في عدم تطبيقها مقتضيات التصريح الذي تضمنته التوصية 1514 .
و اعيدت معالجة القضية في الدورة 21 و اتخدت الجمعية العامة قرار ذكرت فيه اسبانيا بعد وفائها بالتزامها الذي يقضي بحق الشعوب في تقرير المصير ، بيد أن ما تم تقريره في الدورة 22 للجمعية العامة جاء مخالفا عن سابقيه حيث تم الفصل فيه بين قضيتي افني و الصحراء ، فالقرار الأول طالب الحكومة الاسبانية ببددء المحادثات لنقل السلطة للحكومة المغربية بالنسبة لسيدي افني ، اما بالنسبة للصحراء فطالب القرار بنقل السلطات و اجراء استفتاء لتقرير المصير [19].
وتبعا لهذه التوصية وقع المغرب مع اسبانيا على معاهدة استرجع بمقتضاها سيدي افني سنة 1969 في فاس، في اطار فصل واضح بين هذا الاقليم و الصحراء [20].
2- دخول محكمة العدل الدولية على الخط
مع توالي القرارات الصادرة عن الجمعية العامة في ما يتعلق بسيدي افني [21] و التي كانت تدور حول تقرير المصير جاء القرار رقم 3292 ليعلن عن نقل الموضوع الى محكمة العدل الدولية في لاهاي لاستشارتها هول ما يلي
هل كانت الصحراء الغربية الساقية الحمراء ووادي الذهب عند استعمارها من طرف اسبانيا أٍرضا بدون سيد؟ و اذا كانت الاجابة عن هذا السؤال سلبية فماهي العلاقة القانونية التي كانت لهذا الاقليم مع كل من المملكة المغربية و المجموعة الموريتانية ؟
وبهذا المطلب أحبطت الجمعية العامة اللعبة السياسية لاسبانيا التي كان الهدف منها اعاقة وحدة المغرب وإقامة دولة شكلية تحت ستار الحق في تقرير المصير ، و بدلك يكون المغرب قد بعثر الأوراق أخرج القضية من الطابع أو الحقل السياسي الى الحقل التاريخي و القانوني ، وهو ما جعل اسبانيا تعلن عن عزمها مغادرة الصحراء و طلبت من الأمم المتحدة مراقبة جلاء قواتها ، لتدعو في الأسبوع الموالي مباشرة الجماعة و الشعب الصحراوي للاستعداد لتسلم السلطات وخلال هده الفترة بدأت مشاورات سرية بين الطرفين من أجل دعم الجبهة للاستيلاء على المواقع بدعم من الجزائر وهوما حدث بنشر بعض المجموعات المسلحة .
وأمام هذا الوضع أعلن المغرب في 15 يونيو 1975 ان مسألة الصحراء هي مسألة مصيرية بالنسبة للشعب المغربي وأنه مستعد للدفاع عن حقوقه المشروعة بكل الوسائل و ان اقتضى الأمر بالسلاح ، و هوما جعل الجمعية العامة تؤجل الاستفتاء بانتظار رأي المحكمة .
وأعطت المحكمة رأيها في 16 أكتوبر 1975 [22]بخصوص السؤال الأول على أن الصحراء كانت مأهولة بالسكان و لم تكن أرضا بلا سيد وكان قبائلها منظمين سياسيا و اجتماعيا في قبائل و تحت سلطة شيوخ . و السؤال الثاني فالمحكمة حددت كل الروابط التي يمكن أن ثؤثر على السياسة واخدت بعين الاعتبار روابط السيادة التي تدفع المملكة المغربية و في تلك الحقبة التاريخية ( تعيين القواعد جباية الضرائب…) [23].
3- جهود استكمال الوحدة الترابية
بعد تقديم المغرب و اسبانيا و موريتانيا لتصريح مشترك أعلن فيه عن تنازل اسبانيا عنمنطقة الصحراء ن بحيث تم تكوين ادارة مغربية موريتانية وبتعاون مع الجماعة الممثلة للسكان ، لتعلن اسبانيا تخليها عن الاقليم في 26 فبراير 1976 وهذا الاتفاق عارضته الجبهة التي طالبت باستقلال الاقليم وأعلنت عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية .
وبالموزاة مع ذالك حاولت منظمة الأمم المتحدة و منظمة الوحدة الافريقية على ايجاد حل للمسألة ، و اقرت المنظمة تنظيم الاستفتاء ، و في اجتماع نيروبي 1981 أعلن المغرب استعداده لوقف اطلاق النار بالتفاوض لايجاد الحل ، لكن اعتراف 26 دولة بالجمهورية الصحراوية وقبولها عضوا كاملا بها [24] جعل المغرب ينسحب من هذه المنظمة التي يعتبر عضوا مؤسسا لها .ولإيجاد حل لهذه القضية التي ازدادت تعقيدا اقترح ما يعرف بمخطط التسوية في استناد للقرار 658 .

الفقرة الثانية: التسوية الأممية لملف الصحراء

على خلاف ما تعاملت به منظمة الوحدة الافريقية مع ملف الصحراء ، تعاملت منظمة الأمم المتحدة من زاوية سياسية التي انبنت على ايجاد الصيغة السياسية و التعامل السلمي لإيجاد حل عادل وحاسم للنزاع بحيث طالبت الطرفين للدخول في مفاوضات للتوصل لحل لإيقاف اطلاق النار تمهيدا للاستفتاء [25].
1- محاور التسوية الأممية
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها 40/50 في دجنبر 1985 بشأن أزمة الصحراء الذي ينص على تكليف الأمين العام للمنظمة الأممية على اجراء حل يرضي أطراف النزاع و ذالك بوقف اطلاق النار كشرط أساسي وفي 1988 قدم الأمين العام ” خافيير ديكويلار” لأطراف النزاع خطة لتنظيم الاستفتاء والذي قد يترتب عنه اما الانضمام للمغرب أو الاستقلال عنه .
ويتضمن مقترح التسوية ضرورة تشكيل بعثة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء وفقا لأحكام القانون الدولي ، و بذلك حدد الأمين العام كيفية تكوين البعثة ، كما تضمنت الخطة تطبيق وقف اطلاق النار .
اما بالنسبة للاستفتاء فالتحضير له تطلب عددا من الخطوات التي تضمنها المخطط ويضم ثلاث مراحل أساسية فأول مرحلة هي المرحلة الانتقالية و تضم وقف اطلاق النار وتخفيض عدد القوات و المرحلة الثانية تضم اعادة توزيع القوات المنتصرة في الاقليم تبعا لنتائج الاستفتاء ، و المرحلة الأخيرة هي مرحلة انسحاب البعثة من الاقليم .
2- تدابير خطة التسوية
طال المشروع الأممي عدد مهم من التغييرات التي قام بها الأمناء العامون سواء ” خافيير ديكويلار” و”بطرس بطرس غالي “و “كوفي عنان ” …. بحيث كان المقرر اجراء الاستفتاء في 1992 ليؤجل الى 1993 ثم ل 1995 و 1996 ثم الى غاية 1998 و 1999 [26].
وتضم هذه الخطة مرحلتين أساسيتين المرحلة الأولى تلك التي تتعلق بضبط احاء 1974 الذي قامت به اسبانيا و المرحلة الثانية تتم عبر مرحلة اثباث الهوية وتسليم بطاقات التسجيل ونشر اللائحة النهائية بالإضافة الى مجموعة من التفاصيل ذات الطابع التقني .
بيد أن تنفيذ تدابير هذه الخطة اصطدم بمجموعة من العثرات أولها ثغرات الاحصاء الاسباني والذي رفضه المغرب جملة و تفصيلا على اساس تسجيل اشخاص لمرتين أو اكثر وأن هذا الاحصاء الاسباني أقصى الأشخاص الذين لهم صفة الصحراويين فيما ظل الطرف الآخر أي الجبهة تطالب الاعتماد على قوائم الاحصاء الاسباني .
كما ان عقبة تحديد الهوية كانت من بين الصعوبات الجمة التي اعترضت طريق هذا الأخير وهوما جعل الأمين بطرس بطرس غالي يقترح مجموعة من المعايير للقبول بالمشاركة في الاستفتاء ، وبعد أخد ورد التقى ممثلوا جبهة البوليساريو و المغرب بمدينة العيون من 17-19 يوليوز1993 بحضور الممثل الخاص للأمين العام ،وفي هذا الصدد تم اكمال العمل في ما يخص تحديد الهويات وإعداد لوائح المصوتين ، لكن هذه العملية لم تكن بالوتيرة المطلوبة و الفعالية المرغوب فيها .
لهذا أوفد مجلس الأمن لجنة الى المغرب و الجزائر و تندوف و الجزائر و العيون لإقناع الأطراف بمساعدة البعثة على القيام بمهمتها ، لكن غياب الارادة و تعنت الجبهة يجعل مهمة العثة مستحيلة ، و في 1995 اعلنت الجبهة سحب ملاحظيها احتجاجا على اقحام ناخبين جدد في اللوائح .
و في غياب أي تقدم في مخطط التسوية أعلن الأمين العام وقف عملية تحديد الهوية الى حين توصل الأطراف لحل توافقي ، وتم الاحتفاظ بالملفات في جنيف بمكتب الأمم المتحدة [27].
لكن تجدر الاشارة على أن تعيين السيد جيمس بيكر مبعوثا في الصحراء كان ايجابيا حيث تمكن من أن يقنع الأطراف بالتفاوض المباشر لتسوية المشاكل العالقة تحت رعاية الأمم المتحدة ، شريطة أن تبقى المفاوضات سرية وأن تستمر مادام يلمس أن هناك تقدما وكان أول تفاوض مباشر بين الأطراف في 23 يونيو 1997 .
وهذه المفاوضات مازالت مستمرة لحد الساعة بين الأطراف و التي قطعت مجموعة من الجولات دون الوصول الى حل ، لكن تجدر الاشارة على ا، المملكة تتمسك بمقترح الذاتي كحل لقضية الصحراء أي تمتيع الصحراء بحكم ذاتي تحت سيادة المملكة .
لكن مسألة توسيع صلاحية المينورسو ليشمل مراقبة حقوق الانسان أيضا يجعلنا نطرح مجموعة من التساؤلات .
ألا تتوفر المملكة على الجهات المعنية بمراقبة حقوق الانسان و اذا كانت لا توجد فهل يمكن لهذه البعثة أن تقوم بهذه المهمة ؟
كل هذه التساؤلات سنحاول الاجابة عليها مسلطين بذلك الضوء على المقترح الذي قدمته الولايات المتحدة لمجلس الأمن و تراجعت عنه ، و الذي كان يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو ن محددين كذلك دلالاته و أبعاده السياسية .

المطلب الثاني:المينورسو و قضية حقوق الانسان بالصحراء

إن كل بعثة أممیة(المینورسو) تحدد مهامها بحسب السیاق الذي وردت فیه وكذا بحسب طبیعة النزاع الدولي، ولذلك فإن تحدید مهام كل بعثة أممیة تعود حصریا لاختصاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي یقرها ویعدلها وفق النهج التشاوري مع الاطراف لاسیما في الحالات المدرجة تحت البند السادس من قانون الأمم المتحدة
فعلى ضوء اتفاق 1991 تم تأسیس بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء مرافقا للاتفاق على فترة انتقالیة یكون للممثل الخاص للأمین العام خلالها المسؤولیة المنفردة والخالصة على كل المسائل المتعلقة بالاستفتاء یختار فیه الصحراویون بین الاستقلال عن المغرب أو الاندماج فیه.
ساعد الممثل الخاص للأمم المتحدة رئیس البعثة في مهامه مجموعة متكاملة من أفراد الأمم المتحدة من المدنیین والعسكریین وأفراد الشرطة، یتراوح القوام الكامل، بین العنصر العسكري، المتألف من حوالي 1700 فرد ووحدة الأمن حوالي 300 ضابط شرطة .
یقوم المفوض السامي لشؤون اللاجئین للأمم المتحدة بتنفیذ عملیة برنامج إعادة التوطین للناخبین المؤهلین من والذین یعیشون خارج الإقلیم. وكان من المقرر أن تبدأ الفترة الانتقالیة بسریان وقف إطلاق النار وتنتهي بإعلان نتائج الاستفتاء. إلا أنه ولمشكلات تقنیة لم یكن ممكنا المضي قدما وفقا للجدول الزمني الأصلي في تنفیذ الاستفتاء في موعده ینایر 1992.
وبناء علیه فإن وظیفة الممثل الخاص للأمین العام الاشراف على القضایا التقنیة، فإن الأمم المتحدة أحدثت سنة 1997 م منصب المبعوث الشخصي بوظیفة سیاسیة تبحث سبل إیجاد حل سیاسي للنزاع في الصحراء، وذلك بعدما تأكد عملیا أن حل النزاع بناء على تنظیم الاستفتاء بات في باب المستحیل.
ومنه فإن الفرق بین مهمة الممثل الخاص ومهمة المبعوث الشخصي، هي أن للأول دور تقني هدفه الأساسي متابعة تدابیر تنظیم الاستفثاء وكذا الحرص على الالتزام بشروط وقف اطلاق النار لسنة 1991 ، ومنع الاخلال به، بینما الثانیة لها دور سیاسي یروم مساعدة الأمین العام للأمم المتحدة في إیجاد حل سیاسي للنزاع في الصحراء.
وفقا لذلك فإن بعثة المینورسو كلفت عبر ممثلها الخاص للأمین العام ببحث آلیات تطبیق الاستفتاء، قبل أن یتأكد أنه رهان خاسر لاعتبارات تقنیة ولوجستیكیة فضلا عن الاشكالات السیاسیة، ومنها مشكل الطعون في لوائح المنتخبین.
ومنذ ذلك الحین فإن الأمم المتحدة استوعبت أهمیة الفصل بین الشق السیاسي والشق التقني اللوجستیكي للمنینورسو، فكان أن عملت على تحدید مهمتي الممثل الخاص للأمین العام للأمم المتحدة ومهمة مبعوثه الشخصي إلى المنطقة.
وعلیه فإذا كانت المینورسو تسمح بالإبقاء على اتفاق وقف اطلاق النار قائما، فإنها هي بذلك تسمح للأطراف للوصول إلى حل سیاسي من خلال المفاوضات، بعدما تأكد عملیا استحالة تطبیق الاستفتاء لاعتبارات تقنیة وأخرى ساسیة تتصل بالإتفاق على لوائح تحدید الهویة.[28]
وكان إریك جانسن، الممثل الشخصي السابق للأمین العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربیة، ورئیس بعثة المينورسو ما بین عامي 1993 و 1998 ، قد كشف في كتابه “تشريح مأزق الصحراء الغربية” استحالة تطبیق مخطط التسویة، لصعوبات تقنیة جمة اعترضت مسلسل تحدید هویة الأشخاص الذین یحق لهم المشاركة في استفتاء الصحراء بسبب طعون البولیساریو، ولذلك تأكد بأن المضي في ذلك كان شیئا مستحیلا.
وإذ تحاول الجزائر البولیساریو ومنظمات دولیة مغالطة الرأي العام الدولي، فإنها تقوم بابتداع خطاب مزدوج ففي الوقت الذي تدفع فیه بالمینورسو إلى تنفیذ خطة سیاسیة للأمین العام في الصحراء لیست في جوهر صلاحیاتها، ولذلك تلتف على ذلك بخلطة الورقة الحقوقیة وبالعملیة السیاسیة لحل النزاع في الصحراء.
یبدو أن بعثة المینورسو یراد لها أمریكیا أن تحید عن مهمتها الأساسیة، حین تدفع في اتجاه توسیع صلاحیاتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان وفي ذلك خروج عن الحیاد المطلوب لصالح جهة الجزائر والبولیساریو.
ذلك أن الشق الحقوقي یرتبط بجدل سیاسي في نزاع الصحراء، ولذلك تسعى الجزائر والبولیساریو تقویض مهمتها الرئیسیة في إحلال السلام في الصحراء، وجعلها مؤسسة غیر حیادیة، مادمت بحسبیهما لم تستطع تنفیذ مهمة تنظیم خطة الاستفتاء.
وإذ یتجدد الحدیث في الدوائر الأممیة عن توسیع صلاحیات بعثة المینورسو، فإن ذلك یأتي بناء على نمط باقي البعثات التي ارتبطت بفرض الأمن وقمع الاعتداءات العسكریة التي لا تحترم بنود الأمم المتحدة، ولأن هذه الحالات العسكریة تعرف العدید من الانتهاكات وعملیات التقتیل والإبادة فإن البعثات الأممیة كما هو الحال بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة إلى الكونغو وإلى جنوب السودان كانت تتكلف عملیات مراقبة تطبیق القانون الدولي الإنساني وحمایة الناس من الانتهاكات الحقوقي التي تطال حقهم في العیش والحیاة، إلا أن إحداث بعثة “المینورسو” لم تكن ضمن هذا السياق وإنما من أجل تنظیم الاستفتاء حتى أنها في تقریر الحالة حول الصحراء لسنة 1993 تسمیها التقاریر الأممیة ببعثة تنظیم الاستفتاء بالصحراء.
وللحديث أكثر عن القضية الحقوقية الأخيرة لابد من استحضار مجموعة من العوامل ، بحيث يمكن القول انه بعد سقوط نظام القذافي، اكتسبت بعض دول المغرب العربي أهمية كبيرة لدى واشنطن وخاصة من الناحية الاقتصادية، وهو ما يؤكده مؤشران: أولهما، تجدد اهتمام واشنطن بقضية الصحراء، حيث تقدمت بمسودة اقتراح لمجلس الأمن الدولي تهدف إلى توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” لتشمل رقابة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء .

وتشير تحليلات عديدة إلى أن واشنطن تتعامل مع هذه القضية كأداة ضغط على المغرب من أجل تقديم تنازلات اقتصادية لها، وخاصة بعد أن فتحت اقتصادها أمام فرنسا وإسبانيا، ثم منحت مؤخرًا الصين فرصًا استثمارية مهمة. وثانيهما، حرص واشنطن على استمرار المناورات العسكرية المشتركة مع المغرب والتي تحمل اسم “الأسد الإفريقي واستمرار التعاون الأمني مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب، في ظل تفضيلها تعزيز التعاون مع كل دولة مغاربية على حدة، بدلا من العمل من خلال الاتحاد المغاربي، على خلاف الموقف الفرنسي.[29]
وبهدا فان هناك ميزانا يختل لشيء آخر فيه نوع من السياسة و الايدولوجيا والأمور الأخرى ، وأن توسيع صلاحيات المينورسو قد يخلق شيئا خطيرا في المنطقة على مستوى حقوق الإنسان ، وأيضا على مستوى الأمن بالمنطقة لأنه لا يوجد نزاع دولي تم فيه إعطاء صلاحيات للقوات العسكرية بمراقبة حقوق الإنسان في أي منطقة ، ومثل هدا القرار فيه تجاوز ومس كبير بسيادة المملكة المغربية على ترابها ، و المغرب التزم بوقف إطلاق النار بالمنطقة ، في حين أن هذه المبادرة الأمريكية من شأنها أن تهدم الرصيد الحقوقي الطويل في المنطقة، ولا تخدم لا من قريب و لا من بعيد الأجندة الحقوقية بل تمس بشكل مباشر بها [30].
لكن سرعان ما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها في توسيع صلاحيات المينورسو عن طريق تقديم المسودة لمجلس الأمن ،وهو الأمر الذي استنكرته فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن ، باعتبار المغرب قطع أشواطا نحو تحقيق التنمية و النهضة الاقتصادية و بالخصوص الدستور الجديد الذي أقر بمجموعة من المكتسبات و دسترة مجموعة من الهيئات من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الشيء الذي يؤكد رغبة المملكة في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان و احترام الحريات و ضمان ممارستها بموجب القانون .
وبهذا يمكن القول على أن المغرب متمسك بقضيته الوطنية و يؤكد بأنه يقوم باستكمال وحدته الترابية وأن حل القضية لن يتم الا في اطار ، مقترح منح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية وهو ما يعني الاستعداد المبدئي للتنازل عن صلاحيات واسعة لفائدة الصحراويين لإدارة شؤونهم المحلية، وهي صيغة قريبة من مطلب الاستقلال لكنها بعيدة في نفس الوقت عن مطلب الانفصال وستحفظ ماء الوجه للجميع لأن نظام الحكم الذاتي يتجاوز مطلب الإدماج البسيط الذي كان يرمي إليه المغرب كما يتجاوز مطلب الانفصال والاستقلال النهائي الذي تتمسك به جبهة البوليساريو مدعومة بالجزائر.
المغرب يسعى من خلال هذا المقترح إلى بسط سيادته المعنوية على الأقاليم الصحراوية مع التنازل عن جزء معتبر من السلطة المركزية ، وهو أقصى تنازل يمكن أن يقدمه المغرب بالنظر لارتباط قضية الصحراء بإجماع وطني راسخ بل وارتباطها أيضا بشرعية النظام السياسي المغربي فالملك هو المسؤول دستوريا عن وحدة البلاد وهو الضامن لدوام الدولة واستمرارها في دائرة حدودها الحقة .

خاتمة

وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقول على أن البعثات الأممية كان ولازال لها دور محوري في ما يتعلق بالمحافظة على الأمن و السلم الدوليين و هو ما برهنته التجارب السابقة في هذا المجال ، بحيث يظهر جليا هذا الدور المحوري و الجوهري الذي تقوم به.
وكل يتماشى مع الرغبة الدولية في العيش في عالم يسوده الأمن و الاستقرار ، و فيه القطيعة مع الماضي ، و هو ما يتمظهر من خلال مختلف الاجراءات التي عقبت الحرب العالمية الثانية ، من خلال تنظيم المجتمع الدولي و انشاء عدد من المؤسسات و الهيئات الدولة التي كان ولازال الهدف منها هو حل المنازعات الاقليمية ، وخصوصا المسلحة منها بحيث أقر ميثاق الأمم المتحدة بمجموعة من الاجراءات و الخطوات الأساسية و الوسائل السلمية لحل الخلافات و التي لا تنصب إلا في الوصول الى الهدف الأسمى وهو المحافظة على السلم و الأمن الدوليين.

قائمة المراجع

الحسان بوقنطار ” السياسة الخارجية المغربية الفاعلون و التفاعلات” مطبعة بابل الرباط 2002
عبد الواحد الناصر “النضام القانوني الدولي و اشكايات ما بعد هجمات 11 سبتمبر ” منشورات الزمن مارس 2006
عبد الواحد الناصر ” العلاقات الدولية الراهنة ” مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2003
علي الشامي ” الصحراء الغربية عقدة التجزئة في المغرب العربي” دار الكلمة للنشر بيروت ط1 1980
عبد الحق الذهبي “قضية الصحراء المغربية ومخطط التسوية الأممي” دراسة قانونية و سياسية في نطاق المنظمات الدولية، محمد ناصف دار ابي رقراق للطباعة و النشر 2003
الأطروحات و الرسائل
محمد حنين “المهمات الجديدة لقوات حفظ السلام الأممية مساهمة في تقييم عمليات الجيل الثاني ” اطروحة نيل دكتوراه الدولة ،1996 الرباط
مونية رحيمي ” نزاع الصحراء المغربية في اطار السياسة الخارجية الأمريكية ” اطروحة دكتوراه في القانون العام ، الرباط 2003/2004
محمد حنين ” منع استعمال القوة في الممارسات الدولية المعاصرة ” رسالة لنيل دبلوم الراسات العليا المعمقة ، الرباط ، 1990
سهام موفهيم ” الصحراء المغربية من الاتفاق الاطار لمقترح التقسيم ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، 2002/2003 الرباط
يوسف الفاسي الفهري ” الممارسة الاستفتائية في القانون الدولي العام مثال الصحراء الغربية ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، الرباط 1983/1984 الرباط

المقالات والمواقع الالكترونية

عبد الفتاح الفاتحي ” لماذا يستحيل جمع المينورسو لمهام تقنية وأخرى قانونية على الموقع الالكتروني ، سؤال الصحراء
مسعود بوعيش ” توسع صلاحيات المينورسو يقوض الفعل الحقوقي بالمغرب ” جريدة الأخبار
http//sahara-question.com
www.rcssmideast.org
www.ceima.net/rae.htm

الهوامش

الدكتور عبد الواحد الناصر ، ” النظام القانوني الدولي و اشكاليات ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، منشورات الزمن ، مارس 2006 ص 290[1]

المادة 43 ” 1 يتعهد جميع أعضاء المم المتحدة في سبيل المساهمة في حفظ السلم و الأمن الدولي ن أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناءا[2]
على طلبه و طبقا لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة و المساعدات و التسهيلات الضرورية لحفظ السلم و الأمن الدولي ومن ذلك حق المرور …”
انظر الدكتور عبد الواحد الناصر العلاقات الدولية الراهنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 203، ص59.[3]
انظر سهام موفهيم ، الصحراء المغربية من الاتفاق الاطار الى مقترح التقسيم ن رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،[4]
كلية الحقوق الرباط 2002/2003 ص 01 .
انظر د الحسان بوقنطار ، السياسة الخارجية المغربية ، الفاعلون و التفاعلات ، مطبعة بابل ، الرباط 2002 ص 63-65 [5]

انظر المادة 1- مقاصد الأمم المتحدة هي ” حفظ السلم و الأمن الدولي و تحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع السباب التي[6]
تهدد الأمن و السلم و ازالتها و تقمع أعمال العدوان و غيرها من وجوه و الاخلال بالسلم و تتذرع بالوسائل السلمية ، وفقا لمبادئ العدل و القانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي الى الاخلال بالسلم او لتسويتها …”
انظر الفصل السادس في حل المنازعات حلا سلميا المادة 33 1- ” يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم و المن[7]
الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة و التحقيق و الوساطة و التوفيق و التحكيم و التسوية القضائية أو أن يلتجئوا الى الوكالات و التنظيمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع اختيارها…”
الفصل السابع في ما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم و الاخلال به ووقوع العدوان المادة 39 ” يقرر مجلس الأمن ما اذا كان قد وقع .[8]
تهديد للسلم أو اخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان و يقدم في ذالك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو اعادته الى نصابه.
المادة 12 من الميثاق ” 1- عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما ، الوظائف التي رسمت في الميثاق ، فليس للجمعية العامة أن [9]
تقدم أي توصية في هذا النزاع أو الموقف الا اذا طلب ذلك منها مجلس الأمن …”

المؤرخ في 1 أكتوبر 1987 ، الصفحة 5 الفقرة 7 A 42/601 انظر التقرير الأممي اللامين العام [10]
نفس المرجع ، ص 5 ، الفقرة 9 [11]
المؤرخ في 2 أكتوبر 1989 ، الصفحة 7-8 الفقرتين 17-20 A 44/634 6 انظر التقرير الأممي اللامين العام [12]
المؤرخ في 18 أكتوبر 1990 الصفحة 9 الفقرة 26 .A45/644 انظر تقرير الأمين العام الأممي [13]
انظر علي الشامي ، الصحراء الغربية عقدة التجزئة في المغرب العربي ، دار الكلمة للنشر بيروت الطبعة الأولى 1980 ص 64 [14]
عبد الحق الذهبي ، قضية الصحراء المغربية ومخطط التسوية الأممي ، دراسة قانونية و سياسية في مسارات التسوية في نطاق المنظمات[15]
الدولية ، تقديم محمد ناصف ، دار أبي رقراق للطباعة و النشر ، الطبعة الأولى 2003 ، ص 28
علي الشامي ، مرجع سابق ، ص185[16]
انظر يوسف الفاسي الفهري ، الممارسة الاستفتائية في القانونالدولي العام مثال الصحراء الغربية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في[17]
القانون العام ، جامعة محمد الخامس ، كلية الحقوق الرباط 1983/1984 ص 44
انظرمحمد حنين ، المهمات الجديدة لقوات حفظ السلام الأممية ،مساهمة في تقييم عمليات الجيل الثاني ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في [18]
الحقوق تحت اشراف عبد الواحد الناصر ن كلية الحقوق ، الرباط 1996 ص 226.

علي الشامي ، مرجع سابق ، ص 343 [19]
محمد حنين ، مرجع سابق ن ص 227 [20]
انظر القرات الصادرة عن الجمعية العام، القرار رقم 2428، الدورة 23 للجمعية العامة ، القرار رقم 2591، الدورة 24 للجمعية العامةالقرار[21]
رقم 2711 الدورة 25 ، القرار رقم 2983 ، الدورة 27 ، القرار رقم 3162، الدورة 28 للجمعية العامة
www.creima.net/rae.htm انظر الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية على الموقع الالكتروني [22]
انظر د علي الشامي ، مرجع سابق ، ص 345 [23]
انظر مونية رحيمي ، نزاع الصحراء المغربية في اطار السياسة الخارجية الأمريكية ، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد[24]
الخامس أكدال ، كلية الحقوق الرباط 2004/2005 ص 135
انظر محمد حنين منع استعمال القوة في الممارسات الدولية المعاصرة ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام كلية الحقوق ،[25]
الرباط جامعة محمد الخامس 1190، ص 103
انظر سهام موفهيم مرجع سابق ص 19 [26]
انظرمحمد حنين ، مرجع سابق ، ص 248 [27]
انظر عبد الفتاح الفاتحي ” لماذا يستحيل جمع المينورسو بين مهام تقنية وأخرى سياسية؟ ” للمزيد من التفصيل انظر الرابط التالي[28]
http//sahara-question.com/ar/content

مجلة المستقبل العربي العدد 25، ابريل 2013، للإطلاع على المقال كاملا انظر الموقع الالكتروني للمجلة على الرابط التالي [29]
http://rcssmideast.org/componement/com_maitlo/link

مقال ل الحقوقي ” مسعود بوعيش” منشور بجريدة الأخبار تحت عنوان ” توسيع صلاحيات المينورسو من شأنه أن يقوض استقلالية الفعل [30]
الحقوقي ” العدد 130. بتاريخ 18 أبريل 2013