تعريف الهبة:

الهبة لغة التبرع والتفضل على الغير ولو بغير مال، أي بما ينتفع به سواء كان مالاً أو غير مال فقال تعالى: (ووهبنا له اسحاق ويعقوب) (الأنعام: 84)، وقال تعالى: (يهب لمن يشاء اناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)(الشورى: 49).

الهبة في الاصطلاح:

يعرف الحنفية الهبة بأنها تمليك العين بلا شرط العوض في الحال (1). وهذا يعني أن الشخص الذي يملك عيناً معينة، يحق له أن يملكها غيره بدون عوض مالي، ولكن يجوز للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن يأخذ عوضاً وهي الهبة بشرط العوض مثال ذلك أن يقول الواهب للموهوب له: وهبتك هذا الدار بشرط ان تعطيني مائة جنيه. وقد أشارت المادة 77 من مرشد الحيران الى هذا التعريف حيث تنص: الهبة تمليك العين بلا عوض وقد تكون بعوض. وعرفها الحنابلة بأنها تمليك جائز التصرف مالاً معلوماً أو مجهولاً تعذر علمه، موجوداً مقدوراً على تسليمه غير واجب في الحياة بلا عوض (2). ويشترط الحنابلة طبقاً لهذا التعريف أن يكون التصرف في مال مملوك لشخص، وقد يكون هذا المال عقاراً أو منقولاً، ومعنى معلوماً أو مجهولاً، أي ان المال الموهوب لابد أن يكون معلوما، الا اذا تعذر علمه بان اختلط مال اثنين على وجه لا يمكن تمييزه فوهب أحدهما ماله، وقولهم موجوداً خرج المعدوم والمقدور على التسليم خرج غيره كالطير في الهواء لا تجوز هبته، وقولهم بلا عوض خرج البيع ونحوه ولا يخرج تعريف المالكية والشافعية عن هذا المعنى فيعرفها المالكية بأنها: تمليك لذلك العين بلا عوض لوجه الوهوب له وحده، ويعرفها الشافعية بأنها تمليك تطوع حال الحياة (3).

القانون السوداني:

تنص المادة 267:

الهبة هي تمليك مال، أو حق مالي لآخر حال حياة المالك دون عوض.
تجوز الهبة بعوض كأن يشترط الواهب على الموهوب له بدلاً مالياً، أو القيام بالتزام معين.

وهذا التعريف يتفق مع تعريف المذهب الحنفي، ونستطيع من هذا التعريف أن نستخلص الخصائص التالية لعقد الهبة:

(1)الهبة عقد بين الأحياء، لذا لابد من إيجاب وقبول إيجاب من الواهب وقبول من الموهوب له ولا تنعقد الهبة بإرادة الواهب المنفردة، وهذا هو ما يميز الهبة عن الوصية، إذا أن الوصية تنعقد بإرادة منفردة من الموصي، لهذا يجوز الرجوع عنها، ولا تنتج الوصية أثرها إلا عند الموت، وأما الهبة فهي عقد لا يجوز الرجوع فيه إلا في أحوال معينة، وأثرها لا يتراخى حتماً إلى موت الواهب.

(2)الواهب يتصرف في مال له. عقد الهبة تبرع يلتزم فيه الواهب بإعطاء شيء وينقل ملكيته دون مقابل عقاراً أو منقولاً، ويجوز أن يكون الموهوب حق انتفاع أو استعمال أو سكن أو ارتفاق.

(3)الهبة التزام من الواهب دون عوض.

حسب نص المادة 267/1 فإن التزام الواهب يجب ألا يقابله عوض، ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون في الهبة عوض حسب الفقرة الثانية من المادة 267، كأن يهب شخص لآخر شيئاً مقابل مبلغ معين، يدفعه له، كذلك يجوز أن يطلب الواهب من الموهوب له القيام بالتزام معين، ولا يمنع ذلك أن يكون العقد هبة كأن يهب له مبلغا من المال ويلزمه انفاقه على تحصيل العلم، أو شراء عقار، أو أي شيء آخر يكون في مصلحة الموهوب له(4). نية التبرع، وهو عنصر معنوي لابد منه، فقد يتصرف الشخص في ماله دون عوض ولا تكون عنده نية التبرع كأن يوفي ديناً على شخص فيكون تصرفه هذا وفاء لا هبة ولا يستطيع الرجوع عنه، وتنتفي نية التبرع، فإعطاء الأب الخادم مبلغ من المال مكافأة على اخلاصه في العمل، وكذلك المكافآت السنوية التي تدفعها الشركات وأصحاب الأعمال للمستخدمين، كل ذلك تعتبر مكافآت وتعد جزءاً من المرتب، ولا يمكن اعتبارها هبة (5). إذن يجب لاعتبار العقد هبة أن يوجد نية التبرع، دون أن يقصد الواهب تقديم هدية أو جلب منفعة من فعله.

دليل الهبة وحكمة مشروعيتها:

الهبة ثابتة بالكتاب، والسنة والاجماع، أما الكتاب قول الله تعالى: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) (آل عمران: 38). وقوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئاً مريئا)(النساء: 4). وأما السنة فقوله (صلى الله عليه واله): (تهادوا تحابوا) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي، قال الى أقربهما منك باباً). وأما الاجماع فقد سار الصحابة على استحباب الهبة بجميع أنواعها من لدن رسول الله (صلى الله عليه واله) الى يومنا هذا، استدلالاً بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)(المائدة: 2).

وأما حكمة مشروعيتها، فإنها كل شيء يقرب من قلوب الناس ويغرس فيها المحبة مطلوب في الشريعة ويتفاوت ذلك بتفاوت حاجة الناس، فهناك أفراد بين الناس عاجزون عن الحصول على الضروري من القوت، إما لكبر أو مرض، ففي هذه الحالة إن الهبة تكون مستحبة، وهي للأقارب أفضل لأن فيها صلة الرحم (6)، ولكن تخصيص بعض الأولاد بالهبة مكروه، وكذا تفصيل بعضهم على بعض (7)، لأن في ذلك زرع للعداوة وقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة. فقال مالك والشافعي بجواز ذلك واستدلوا بأن أبا بكر رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جذذ عشرين وسقاً دون سائر ولده، واحتج الشافعي بقول النبي (صلى الله عليه واله) (بحديث النعمان بن بشير رد أشهد على هذا غيري، فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها) ولأنها عطية تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوي بينهما. وقال الحنابلة وبعض المالكية أنه يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية، فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم وجب عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر. واستدلوا بما رواه النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي لا أرضى تشهد عليها رسول الله (صلى الله عليه واله): فجاء أبي رسول الله (صلى الله عليه واله) ليشهد علي صدقته فقال: (أكل ولدك أعطيت مثله؟) قال: لا قال: (فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم) فرجع أبي ورد تلك الصدقة، وفي لفظ آخر: (فاشهد على هذا غيري) وفي لفظ: (لا تشهدني على جور)(8). ولكن الحنابلة يستثنون من ذلك أن كان هناك داع أو سبب يقتضي تفضيل بعضهم على بعض، مثل اختصاصه بحاجة أو عمى أو اشتغاله بالعلم أو كثرة عائلته أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لأنه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها (9).

ــــــــــــــــــــــ

1- (فتح القدير) ج7، (ص113)، (حاشية بن عابدين) ج، (4ص530).

2- (كشاف القناع) ج4 (ص 329)، (غاية المنتهى) ج2، (ص 328)، (المغني) ج5، (ص649).

3- راجع هذه التعاريف في (مغني المحتاج) ج2 (ص 396)، (حاشية الدسوقي) ج2، (ص139).

4- (السنهوري) الجزء5، (ص13) وما بعدها.

5- (الهبة في الفقه الاسلامي)، د/ بدران أبو العينين (ص114)، محمد كمال مجدي (ص15).

6- (المبسوط)، للسرخسي ج12، (ص47).

7- (فتح القدير) ج7، (ص113).

8- المغني) ج5 (ص665).

9- (المغني) المرجع السابق (ص665).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .