حكم محكمة القضاء الاداري بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن التوثيق

باسم الشعب

مجلس الدولة

محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية

الدائرة الأولى

بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الخميس الموافق 24/6/2010

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ سعيد عبد ربه خليف

نائب رئيس مجلس الدولة

ورئيس المحكمة

وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ مــراد فكــري هابيـــل

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ عادل عبد العزيز مسعود
ج

وكيل مجلس الدولة

وحضور السيد الأستاذ المستشار المساعد/ أيمن محمد مصطفى

مفوض الدولة

وسكرتارية السيد/ طارق عبد الله

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بالسجل العام تحت رقم 4983 لسنة 64 ق

الوقائع /

أقام المدعي هذه الدعوى بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 3/1/2010 بطلب الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن توثيق توكيل له، وما يترتب على ذلك من آثار.

وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 31/12/2009 تقدم لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق بالإسكندرية بطلب؛ لتوثيق توكيل خاص لكل من السادة: ……..، ………….، ……….، …………، ………….، …………….، ………….، …………..، ………..، …………….، ………..، …………..، …………….، …………، وذلك لتشكيل لجنة تحضيرية من القيادات السياسية وأساتذة وخبراء القانون الدستوري لوضع مشروع دستور جديد لجمهورية مصر العربية؛ يتماشى مع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنه فوجئ برفض توثيق التوكيل بحجة مخالفته لنص المادة 189 من الدستور، والمادة 6 من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947. وينعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته الدستور والقانون وصدوره مشوباً بإساءة استخدام السلطة والانحراف بها على سند من القول بأن التوكيل الذي يطالب بتوثيقه يقتصر على توكيل المواطنين المصريين المذكورين في تشكيل لجنة تحضيرية وحضور جلساتها وتقديم الاقتراحات اللازمة لوضع دستور جديد للبلاد فقط ، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إتباع الوسائل الدستورية والقانونية لتعديل الدستور بتقديم المشروع المقترح لمجلس الشعب، ليتم تبني اقتراحه بواسطة أعضاء البرلمان وما يطالب به هو حق أصيل طبقاً لأحكام الدستور، الذي كفل الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير. وأضاف أن حرمانه من حقوقه الدستورية ومن أن يكون له دور في العمل الاجتماعي دون سند، يمثل إساءة من جهة الإدارة في استعمال سلطتها. وبين المدعي أوجه الاستعجال لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وخلص إلى طلباته المتقدمة.

وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بجلسات 4/3، 15/4، 6/5 و20/5/2010 على النحو الثابت بمحاضرها وخلالها حضر كل من/ …………. ، ………… ، ………… ، …………. ، ……………، وطلبوا تدخلهم في الدعوى، والحكم لهم بالطلبات الواردة بعريضة الدعوى ، كما حضر المدعي بشخصه؛ وبصفته محام ووكيل عن بقية طالبي التدخل المشار إليهم بصدر هذا الحكم، وطلب تدخلهم في الدعوى، وقدم عريضتين معلنتين بطلب تدخلهم والحكم لهم بالطلبات المبينة بعريضة الدعوى، وقدم المدعي حافظتي مستندات طويتا على ثلاث صور ضوئية لتوكيلات خاصة موثقة بمكتب توثيق الإسكندرية للسيد/ ………… ؛ رقم 532 / الحرف أ / لسنة 2009 باسم/ ………….. . وتم استلامه في 26/12/2009، رقم 460 / الحرف ن / لسنة 2009 باسم/………… . وتم استلامه في 27/12/2009، رقم 596 / الحرف أ / لسنة 2009 باسم/ …………. . وتم استلامه في 27/12/2009، اطلعت المحكمة على أصولها، وتنص على أن” للوكيل الحق في اختيار لجنة تحضيرية من القيادات السياسية المختلفة ومن أساتذة وخبراء القانون الدستوري ويكون الموكل منسقا لأعمال اللجنة التحضيرية لإنجاز دستور جديد لجمهورية مصر العربية”،

وقدم الحاضر عن الإدارة مذكرة دفاع طلب في ختامها الحكم: أصليا ـ بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية. استنادا إلى المادة (7) من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 واحتياطيا ـ بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة حيث أن الدستور قصر في المادة 189 منه حق طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور على كل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب وبالإجراءات والكيفية المبينة بالمادة المشار إليها وأن المدعي والمتدخلين ليس لهم الصفة والمصلحة في طلباتهم ومن باب الاحتياط ـ بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري السلبي حيث أنه لا يوجد ما يفيد توجه المدعي للشهر العقاري وتقديمه طلب بذلك كما أن رفض الموثق إجراء التوثيق يستند للقانون واللوائح ومن ثم لا يعد ذلك قرارا إداريا ومن باب الاحتياط الكلي ـ برفض طلب وقف التنفيذ استنادا إلى أن الموثق رفض التوثيق – وهو ما تجحده الإدارة باعتبار أنه لا يوجد امتناع ـ استنادا لعدم توافر الصفة والبطلان الظاهر في طلب التوكيل وأن من شروط الوكالة أن يكون العمل المطلوب التوكيل فيه ممكنا ومعينا أو قابلا للتعيين وهي أمور غير متوافرة بشأن المدعي بحسبان أن المدعي لا يملك تعديل الدستور وأن الحقوق السياسية حقوقا شخصية لا يجوز التنازل عنها أو التعامل فيها.

وقدم طالب التدخل ……………. مذكرة دفاع بالرد على دفوع جهة الإدارة، طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وقرر كل من المدعي والمتدخل ………………. بمحضر الجلسة أن مكاتب الشهر العقاري تمنع موظفيها أصلا من قبول طلب التوكيل ويذكر هؤلاء الموظفون أن هناك منشوراً صادراً من وزارة العدل على مستوى الجمهورية بمنع تحرير أو توثيق توكيلات متعلقة بالسيد/ ………….، لتعديل الدستور وأنه لم يتمكن من الاطلاع على ذلك المنشور، فضلاً عن عدم تسليمهم ما يفيد رفض توثيق التوكيلات المطلوبة وأسباب ذلك. وقد جحد الحاضر عن الدولة صدور مثل هذا المنشور.

وبجلسة 20/5/2010 حجزت الدعوى للحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوع، وخلال هذا الأجل قدم الحاضر عن الإدارة مذكرة دفاع تكميلية صمم فيها على طلباته ودفوعه المبداه بمذكرته السابقة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

من حيث أن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن تكييف الدعوى إنما هو من تصريف المحكمة، إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات وأن تستظهر مراميها وما قصده الخصوم من إبدائها وأن تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابساتها.

ومن حيث أنه ترتيبا على ما تقدم، وفي ضوء استقراء أوراق الدعوى وما أبداه الخصوم بجلسات المرافعة ونصوص القانون المتعلقة بالنزاع المعروض، فإن المحكمة تخلص إلى أن حقيقة طلبات المدعي والمتدخلين في الدعوى وفقا للتكييف القانوني الصحيح لها، هي الحكم بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار الإداري السلبي بامتناع مكتب توثيق الإسكندرية عن تلقي طلبات توثيق التوكيلات محل الدعوى والبت فيها بتوثيقها. وما يترتب على ذلك من آثار.

ومن حيث أنه عن الدفع بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة وإحالة الدعوى إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية (قاضي الأمور الوقتية) فإن هذا الدفع مردود عليه بأن الدستور المصري الصادر في 11/9/1971 ينص في المادة (68) منه على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي …… .” وينص في المادة 172 منه على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة, ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية, ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”. وينص القانون رقم 47 لسنــة 1972 بشأن مجلس الدولة في

المادة (10) منه على أن “تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: (أولاً)…. (خامساً) الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية…… (رابع عشر) سائر المنازعات الإدارية. ويشترط في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو عيبا في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة.

ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح.”

ومن حيث أن القانون رقم 68 لسنــة 1947 بشأن التوثيق معدلا بالقانون رقم 103 لسنة 1976 ينص في المادة (2) على أن “تقوم مكاتب التوثيق بما يأتي: (1) تلقي المحررات وتوثيقها. (2) ……….”وينص في المادة (5) على أنه “يجب على الموثق قبل إجراء التوثيق أن يتثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم وصفاتهم وسلطاتهم. ……….” وينص في المادة (6) على أنه “إذا اتضح للموثق عدم توافر الأهلية أو الرضا أو الصفات أو السلطات لدى المتعاقدين أو عدم توافر الشروط المبينة في الفقرة الثانية من المادة (5) – متعلقة بتوثيق عقد زواج أجنبي بمصرية أو التصادق عليها – أو إذا كان المحرر المطلوب توثيقه ظاهر البطلان، وجب على الموثق أن يرفض التوثيق وإخطار ذوي الشأن بالرفض بكتاب موصى عليه يوضح فيه أسباب الرفض.” وينص في المادة (7) على أن “لمن رفض توثيق محرره أن يتظلم إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي يقع مكتب التوثيق في دائرتها وذلك في خلال عشرة أيام من إبلاغ الرفض إليه. وله أن يطعن في القرار الذي يصدره القاضي أمام غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية. وقرار القاضي أو غرفة المشورة لا يحوز قوة الشيء المقضي به في موضوع المحرر.”

ومن حيث أن المستفاد مما تقدم أن مجلس الدولة أضحى بنص الدستور الحالي للبلاد هو القاضي الطبيعي لسائر المنازعات الإدارية – ومنها الطعون في القرارات الإدارية – عدا المنازعات الإدارية التي يقرر القانون صراحة لاعتبارات معينة إسنادها لاختصاص جهة قضائية أخرى. وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن القرار الإداري كما قد يكون إيجابيا بأن تفصح عنه جهة الإدارة بإرادتها الملزمة في الشكل الذي يحدده القانون بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين ممكن أو جائز قانونا ابتغاء مصلحة عامة، فإنه قد يكون سلبيا وذلك عندما تمتنع جهة الإدارة عن اتخاذ إجراء معين كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون. ومتى كان المشرع وبمقتضى المواد المشار إليها من القانون رقم 68 لسنة 1947 بشأن التوثيق، قد ألزم مكاتب التوثيق بتلقي طلبات توثيق المحررات من الأفراد وتوثيقها بعد التحقق من توافر الشروط المنصوص عليها قانونا، فإذا تبين للموثق عدم توافر شرط أو أكثر من تلك الشروط وجب عليه رفض التوثيق وإخطار ذوي الشأن بالرفض بكتاب موصى عليه يوضح فيه أسباب الرفض، حتى يتسنى لهم التظلم منه إلى قاضي الأمور الوقتية ومن بعد إلى غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية المختصة وعلى النحو المبين بنصوص تلك المواد. وفي الحالة الأخيرة يخرج نظر النزاع عن الاختصاص الولائي لمحكمة القضاء الإداري.

أما إذا ثبت – كما هو الشأن في الدعوى المعروضة – امتناع مكتب التوثيق عن تلقي طلب التوثيق ومباشرة عمله بتحرير التوكيل وتوثيقه بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونا، أو امتناعه – في حالة رفض التوثيق – عن إخطار ذوي الشأن بأسباب الرفض، سواء كان ذلك الامتناع انصياعا لمنشور أو تعليمات صادرة من الجهة الإدارية الرئاسية أو من المكتب من تلقاء نفسه، لمجرد صدور التوكيل إلى أشخاص معينين وبمضمون محدد، فإن الأمر ينطوي على امتناع مرفق إداري ممثلا في مكتب التوثيق عن مباشرة مهام وظيفته، ويشكل قرارا إداريا سلبيا بامتناع مكتب التوثيق بالإسكندرية عن تلقي طلبات التوكيلات محل الدعوى والبت فيها بتوثيقها بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونا وهو ما يختص القضاء الإداري ولائيا بنظره، دون قاضي الأمور الوقتية أو غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية المختصة، ويضحى الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى على غير سند من الواقع أو القانون واجب الرفض.

ومن حيث أنه عن طلبات التدخل في الدعوى، فإن من المستقر عليه وفقاً لحكم المادة 126 من قانون المرافعات أنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه

بطلب مرتبط بالدعوى، وأن هذا التدخل يكون إما بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة ويثبت في محضرها، وأن مناط التدخل بنوعيه أن يكون لطالب التدخل مصلحة في ذلك، وأن يكون هناك ارتباط بينه وبين الدعوى الأصلية. وكان الثابت أن طالبي التدخل مواطنون مصريون ممن يحق لهم إبداء الرأي في الاستفتاء على إقرار الدستور أو تعديله، فمن ثم تتوافر لهم

الصفة والمصلحة في التدخل في هذه الدعوى مطالبين بتوثيق توكيلات بأسمائهم بالصيغة وللأشخاص على النحو الذي يطالب به المدعي. وقد تقدموا بطلبات التدخل وفقا للإجراءات المقررة قانونا على الوجه المبين بالوقائع ويتعين بالتالي قبول تدخلهم في الدعوى، والاكتفاء بذكر ذلك في أسباب الحكم دون منطوقه.

ومن حيث أنه عن الدفع بانتفاء القرار الإداري على سند من عدم صدور قرار إداري بمنع توثيق التوكيلات المطلوبة، وأنه بفرض صدور تعليمات أو منشورات بمنع توثيق التوكيلات المطلوبة فإن ذلك لا يعد قرارا إداريا. كما أنه على فرض أن الموثق ارتأى أن المحرر المطلوب توثيقه صادر عن أشخاص ليس لهم السلطة في إبرامه أو توثيقه أو ظاهر البطلان فامتنع عن توثيقه، فإن ذلك يعد تطبيقا من الموثق للقانون واللوائح تطبيقا صحيحا، ولا يجعل من هذا التطبيق قرارا إداريا. فإن ذلك القول مردود بأن التعليمات والمنشورات التي لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري هي تلك التي تخاطب موظفي مكتب التوثيق دون أن يتعدى أثرها إلى الأفراد المتعاملين معه أو تمس حقوقهم وإلا كان ذلك إفصاحا من الشخص العام الذي يدير المرفق العام عن إرادته الملزمة في شكل قرار إداري تنظيمي عام ولو اتخذ شكل منشور أو تعليمات عامة ودون أن يشترط تقديمها صراحة في صورة مكتوبة حتى يمكن الطعن عليها. فالقرار الإداري لا يشترط فيه شكلا معينا فقد يكون مكتوبا أو شفويا مستشفا من ظروف الدعوى وملابساتها مما يجوز إثباته بكافة الطرق طالما تقوم الدلائل على أنه مازال قائما ومنتجا لأثره حتى إقامة الدعوى (المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1369 لسنــة 10 ق.ع جلسة 18/12/1965، والطعن رقم 2748 لسنة 32 ق.ع جلسة 19/1/1991).

فضلا عن أن المدعي والمتدخلين قد لجأوا إلى المحكمة بعد أن تعذر عليهم فعلا تقديم طلبات توثيق توكيلاتهم محل الدعوى وامتناع مكتب التوثيق عن تلقيها وتوثيق التوكيلات المطلوبة أو إخطارهم في حالة رفضها بأسباب الرفض، رغم التزام الإدارة بذلك وفقا لأحكام المواد 2 بند (1)، 5، 6 من قانون التوثيق المشار إليه. وقد أكدوا طلباتهم هذه بجلسات المرافعة وأثبتوها بمحاضرها. ومنحت الإدارة أكثر من أجل للسماح لهم بتقديم تلك الطلبات لمكتب التوثيق لتوثيق التوكيلات موضوعها، وذلك دون جدوى. الأمر الذي يقطع بامتناع مكتب توثيق الإسكندرية – سواء انصياعا لمنشور أو تعليمات صادرة من الجهة الإدارية الرئاسية أو من تلقاء نفسه – امتناع المكتب المذكور عن تلقى تلك الطلبات وتوثيق التوكيلات موضوعها بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونا، وفي حالة الرفض إخطار ذوي الشأن به وفقا لنص القانون، وهو ما يشكل قرارا إداريا سلبيا بالامتناع مما يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري. ويكون الدفع بانتفاء القرار الإداري غير قائم على سند صحيح من الواقع أو القانون جدير بالرفض. مع الاكتفاء بذكر ذلك بالأسباب دون المنطوق.

ومن حيث أنه عن شكل الدعوى فإن الطعن في القرار السلبي بالامتناع لا يتقيد بميعاد معين طالما ظل الامتناع قائما، وإذ استوفت الدعوى سائر أوضاعها الشكلية الأخرى، فإنها تكون مقبولة شكلا.

ومن حيث أنه عن الشق العاجل فإن مناط وقف تنفيذ القرار الإداري ـ وفقا لنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة وما استقر عليه القضاء الإداري ـ توافر ركنين. الأول: الجدية بأن يكون إدعاء الطالب قائما وبحسب الظاهر على أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار. والثاني: الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه.

ومن حيث أنه عن ركن الجدية فإن المادة (47) من الدستور الصادر في عام 1971 تنص أن “حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني.” وتنص المادة (62) منه على أن “للمواطن حق الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقا لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني…… ” وتنص المادة (189) منه على أن “لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور, ويجب أن يذكر في طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل. فإذا كان الطلب صادرا من مجلس الشعب وجب أن يكون موقعا من ثلث أعضاء المجلس على الأقل وفي جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره في شأنه بأغلبية أعضائه, فإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضي سنة على هذا الرفض.

وإذا وافق مجلس الشعب على مبدأ التعديل يناقش, بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة, المواد المطلوب تعديلها, فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه في شأنه. فإذا ووفق على التعديل اعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء”.

ومن حيث أن المستفاد من النصوص السابقة أن الدستور وهو ذروة سنام القواعد القانونية حرص على تأكيد سيادة الشعب وحق المواطن وحريته في إبداء الرأي والتعبير عنه بكافة الوسائل واعتبر النقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني، وأكد على حق المواطن في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وعلى أن مساهمته في الحياة العامة واجب وطني وكفل عدم المساس بهذه الحقوق إلا على سبيل الاستثناء وفي أضيق الحدود بما مؤداه تكامل هذه النصوص واتجهاها إلى تحقيق الأغراض عينها. وتأتي حرية الرأي على قمة الحريات العامة باعتبارها أساس البناء الديمقراطي والتي تكفل تقدم المجتمع وازدهاره. أما فيما يتعلق بطلب تعديل الدستور المصري فإن الدستور قصر صراحة حق طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور على كل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب وفقا للأحكام وبالإجراءات المحددة بالمادة 189 منه.

ومن حيث أن مؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما انحصرت طلبات المدعي والمتدخلين في طلب تشكيل لجنة تحضيرية من مواطنين مصريين من الشخصيات العامة وأساتذة وخبراء القانون لاقتراح تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور وصياغتها على النحو الذي يرونه محققا لمصلحة الوطن من وجهة نظرهم، فإن ذلك الأمر لا ينطوي على أية مخالفة للدستور أو للنظام العام في شيء طالما أن تعديل مادة أو أكثر من الدستور في نهاية المطاف هو أمر مرجعه ولاية كل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب ولم ينازع الخصوم في هذا الحق ولم تنصرف دعواهم إلى ذلك. أما أن ينمي بعض المواطنين أفكارهم من خلال طلب نقلها إلى مواطنين آخرين في علانية وتحت سمع وبصر الجهات الرسمية المختصة بهدف مناقشة مواد الدستور بغرض تعديلها أو تعديل بعضها فهو لا يتضمن بذاته أي تعد أو افتئات على اختصاص أو ولاية السلطة المنوط بها قانونا تعديل الدستور باعتبار أن ذلك من قبيل الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور.

وأن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير – وعلى ما اطرد عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها غير منحصر في مصادر بذواتها تحد من قنواتها بل قصد أن تترامى آفاقها وأن تتعدد مواردها وأدواتها سعيا لتعدد الآراء ومحورا لكل اتجاه بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن على مظاهر الحياة في أعماق منابتها بما يحول بين السلطة وفرض وصايتها على العقل العام وألا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقا دون تدفقها. ومن ثم لم يعد جائزا تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بأغلال تعوق ممارستها بفرض قيود مسبقة على نشرها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها عزما، ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم وبالوسائل السلمية- لتغيير قد يكون مطلوبا ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي فلا يقوم إلا بها ولا ينهض مستويا إلا عليها، ومن أجل هذا جعلها الدستور مصونة فلا تمس.

(المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 25 لسنــة 22 ق. دستورية جلسة 5/5/ 2001)

وعلى ذلك فإن كل مواطن مصري بلغ 18 سنة من عمره وغير محروم من أو موقوف عن مباشرة حقوقه السياسية قانونا، له الحق في إبداء رأيه في الاستفتاء على إقرار الدستور أو تعديله أو تغييره، يتوافر له الصفة والمصلحة في إبداء رأيه بتعديل الدستور أو تغييره وتفويض أو توكيل من يراه أقدر من أولئك المواطنين لتنمية هذا الرأي وثقله ووضعه في الصيغة والإطار الصحيحين كي يكون تحت نظر رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب الذين لهم الحق نيابة عن الشعب الذي انتخبهم في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإتمام التعديلات المقترحة طبقا للأحكام المقررة في الدستور. ويظل لأولئك المواطنين الحق في إقرار أي تعديل أو رفضه في استفتاء عام. ذلك بحسبان أن الدستور ما هو إلا ثمرة جهد بشري لأفراد وجماعات في ظروف معينة ومن ثم فهو قابل للتبديل والتعديل والتطوير في ضوء اختلاف هذه الظروف وتطور حياة الفرد والمجتمع. وقد تم بالفعل تعديل الدستور المصري الحالي الصادر في 11/9/1971 ثلاث مرات، الأولى في 22/5/1980. والثانية في 25/5/2005. والثالثة في 26/3/2007.

ومن حيث أنه بالبناء على ما تقدم وكان البادي من ظاهر الأوراق أن المدعي والمتدخلين، هم مواطنون مصريون يتمتعون بالحق في إبداء الرأي في كل استفتاء ينص عليه الدستور بما في ذلك الاستفتاء على تعديل الدستور ذاته، وقد تقدموا إلى مكتب توثيق الإسكندرية بطلبات توثيق توكيلات خاصة لبعض من أولئك المواطنين من الشخصيات العامة وأساتذة وخبراء القانون لتشكيل لجنة تحضيرية بغرض وضع صياغة لدستور جديد أو لتعديل بعض مواد الدستور الحالي تمهيدا لعرض نتيجة عملهم على الجهات المختصة دستوريا بإتمام التعديلات المقترحة وهي رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب. وهو أمر لا ينطوي بذاته على أية مخالفة للدستور أو القوانين أو النظام العام، بحسبان أن لهم أصلا الحق في إبداء الرأي في الاستفتاء على إقرار الدستور أو تعديله ومن ثم المطالبة بدستور جديد أو تعديل الدستور القائم، وتبعا توكيل غيرهم من المواطنين من ذوي الخبرة والمتخصصين في وضع مطالبهم وآرائهم في الصيغة والإطار الصحيحين. وبالنظر إلى أنه ليس في سلطة المدعي والمتدخلين أو في طلباتهم أو في سلطة المطلوب توكيلهم ما يفيد إلزام أية جهة أخرى بإتمام التعديلات المطلوبة على مواد الدستور أو تغييره. وإنما فقط مجرد وضع خلاصة فكرهم وجهدهم أمام تلك السلطات. فضلا عن أن مضمون التوكيلات المطلوبة لا تصطدم بنص صريح في الدستور أو القانون يحظرها ولا مخالفة فيها للنظام العام.

كما أن محل الوكالة المطلوب توثيقها لا تتعلق بتنازل من الموكل عن حق شخصي له للوكيل بالتصويت نيابة عن الموكل على تلك التعديلات أو بتمثيل الموكل لدى سلطات الدولة العامة في هذا الشأن. وإذ امتنع مكتب التوثيق المذكور عن تلقي تلك الطلبات وتوثيقها بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونا لذلك، أو إخطار ذوي الشأن – في حالة رفض التوثيق – بأسباب الرفض بكتاب موصى عليه حتى يتسنى لهم التظلم منه إلى قاضي الأمور الوقتية ومن بعد إلى غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية وعلى النحو المبين بمواد قانون التوثيق المشار إليها، فإن ذلك يعد – وبحسب الظاهر- قرارا إداريا سلبيا مخالفا للقانون. ويتوافر من ثم ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه. فضلا عن توافر ركن الاستعجال لتعلق طلبات المدعي والمتدخلين بمباشرة حرياتهم وحقوقهم العامة التي كفلها الدستور وفقا لما اطرد عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا.

وإذ توافر طلب وقف التنفيذ المعروض على ركنيه من جدية واستعجال، فمن ثم يتعين القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار أخصها التزام مكتب توثيق الإسكندرية بتلقي طلبات التوكيل محل الدعوى والبت فيها بتوثيق ما تتوافر في شأنه الشروط المقررة قانونا. وفي حالة رفض أي منها إخطار ذوي الشأن بأسباب الرفض بكتاب موصى عليه ليتسنى لهم التظلم منه قضائيا أمام الجهة المختصة. وبمراعاة ما خلصت إليه المحكمة من عدم صحة ما أبدته الإدارة من أسباب للامتناع عن توثيق التوكيلات محل الدعوى. مع إلزام جهة الإدارة مصروفات الشق العاجل من الدعوى وفقا لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى. وبقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وألزمت جهة الإدارة مصروفات الشق العاجل. وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.

السكرتير رئيس المحكمة