عدم دستورية تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة حل الجمعيات الأهلية

الدعوى رقم 84 لسنة 39 ق “دستورية” جلسة 2 / 2 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمـرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 39 قضائية “دستورية” بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بحكمها الصادر بجلسة 30/7/2016، ملف الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية.
المقامة من
نقابة مصممي الفنون التطبيقية
ضــــد
1- وزير التضامن الاجتماعى
2- محافظ القاهـرة

الإجـراءات
بتاريخ الرابع من يوليو سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 30/7/2016، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المـادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن الممثل القانونى لنقابة مصممى الفنون التطبيقية كان قد أقام الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، ضد وزير التضامن الاجتماعى ومحافظ القاهرة، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ قرار محافظ القاهرة رقم 9031 لسنة 2015 بحل جمعية خريجى كليات الفنون التطبيقية المقيدة برقم 748 لسنة 1967 بإدارة غرب القاهرة الاجتماعية، وتعيين مصف لها، وفى الموضوع: بإلغاء ذلك القرار. وذلك على سند من مخالفة القرار المذكور للقانون، لارتكانه إلى أسباب غير صحيحة لا تصلح سندًا لحل الجمعية. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من منح الجهة الإدارية المختصة سلطة حل الجمعيات المنشأة طبقًا لأحكام ذلك القانون، لمخالفتها حكم المادة (75) من الدستور، قضت بجلسة 30/7/2016، بوقف الدعوى تعليقًا وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ذلك النص.

وحيث إن المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 تنص على أن “يكون حل الجمعية بقرار مسبب من وزير الشئون الاجتماعية، بعد أخذ رأى الاتحاد العام وبعد دعوة الجمعية لسماع أقوالها، في الأحوال الآتية :
1 – التصرف في أموالها أو تخصيصها في غير الأغراض التى أنشئت من أجلها.
2 – الحصول على أموال من جهة خارجية أو إرسال أموال إلى جهة خارجية بالمخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة (17) من هذا القانون.
3 – ارتكاب مخالفة جسيمة للقانون أو النظام العام أو الآداب.
4 – الانضمام أو الاشتراك أو الانتساب إلى نادٍ أو جمعية أو هيئة أو منظمة مقرها خارج جمهورية مصر العربية بالمخالفة لحكم المادة (16) من هذا القانون.
5 – ثبوت أن حقيقة أغراضها استهداف أو ممارسة نشاط من الأنشطة المحظورة في المادة (11) من هذا القانون.
6 – القيام بجمع تبرعات بالمخالفة لحكم الفقرة الأولى من المادة (17) من هذا القانون.
ويتعين أن يتضمن قرار الحل تعيين مصفٍ أو أكثر لمدة وبمقابل يحددهما.
ولوزير الشئون الاجتماعية أن يصدر قرارًا بإلغاء التصرف المخالف أو بإزالة سبب المخالفة أو بعزل مجلس الإدارة أو بوقف نشاط الجمعية، وذلك في أىٍ من الحالتين الآتيتين :
1 – عدم انعقاد الجمعية العمومية عامين متتاليين أو عدم انعقادها بناء على الدعوة لانعقادها تنفيذًا لحكم الفقرة الثانية من المادة (40) من هذا القانون.
2 – عدم تعديل الجمعية نظامها وتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام هذا القانون.
كما يجوز لوزير الشئون الاجتماعية الاكتفاء بإصدار أى من القرارات المذكورة في الفقرة السابقة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى، وذلك بدلاً من حل الجمعية.
ولكل ذى شأن الطعن على القرار الذى يصدره وزير الشئون الاجتماعية أمام محكمة القضاء الإدارى وفقًا للإجراءات والمواعيد المحددة لذلك، ودون التقيد بأحكام المادة (7) من هذا القانون، وعلى المحكمة أن تفصل في الطعن على وجه الاستعجال وبدون مصروفات.
ويعتبر من ذوى الشأن في خصوص الطعن أى من أعضاء الجمعية التى صدر في شأنها القرار”.

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه: أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى في الدعوى الموضوعية وقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ القاهرة رقم 9031 لسنة 2015 فيما نص عليه من حل جمعية خريجى كلية الفنون التطبيقية، لما نسب إليها من ارتكاب مخالفات، وهى السلطة المخولة للجهة الإدارية بمقتضى النص المحال، سواء باشرها وزير الشئون الاجتماعية – وزير التضامن الاجتماعي حاليًا -باعتباره الأصيل أو المحافظ المختص الذى خوله وزير التضامن الاجتماعي بموجب قراره رقم 83 لسنة 2006 بالتفويض في بعض الاختصاصات، في ممارسة اختصاصاته، فضلاً عن أن نص المادة (27) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والقانون رقم 145 لسنة 1988 منح المحافظ جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح بالنسبة إلى جميع المرافق التى تدخل في اختصاص وحدات الإدارة المحلية، وجعل المحافظ في دائرة اختصاصه رئيسًا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية . لما كان ذلك، وكان الفصل في دستورية النص المحال فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية – أو المحافظ المختص – سلطة حل الجمعيات، سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة أمامها، فمن ثم تكون المصلحة في الدعوى المعروضة متوافرة في الطعن على هذا النص في حدود نطاقه المتقدم.

وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صـدور الدستور الحالي حتى يوم الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 2017 تاريخ نشر قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 بالجريدة الرسمية، والذى ألغى بموجب نص المادة السابعة منه قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال سوف يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.

وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (75) منه بكفالة حرية المواطنين في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، ومنح الجمعية أو المؤسسة الأهلية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وحظر على الجهات الإدارية التدخــــل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها، إلا بحكم قضائي، وحظر إنشاء أو استمرار الجمعيات أو المؤسسات التي يكون نشاطها سريًّا أو ذات طابع عسكري أو شبه عسكري.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الجهة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور، وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها – منذ دستور سنة 1923 – على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.

وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق المواطنين في تكوين الجمعيات، ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذى حظر – بنص الفقرة الثانية من المادة (22) – فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلام العام أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم. كما عُنيت الدساتير المقارنة بالنص على هذا الحق في وثائقها، فهو مستفاد مما تضمنه التعديل الأول الذى أُدخل على دستور الولايات المتحدة الأمريكية في 15/12/1791، والذى قرر الحق في الاجتماع، ونص عليه صراحة الدستور القائم في كل من: ألمانيا والأردن وتركيا ولبنان وتونس والمغرب والكويت واليمن وسوريا والبحرين والجزائر، وجرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة – ابتداء من دستور سنة 1923، وانتهاء بالدستور الحالي – علي كفالة الحق في تأليف الجمعيات؛ وهو ما نصت عليه المادة (75) من الدستور القائم من أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكـون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخـــل في شئونها أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي، ……وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون”.

وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة – ومن بينها حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية – كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًّا توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، وقد واكب هذا السعي وعززه بروز دور المجتمع المدني ومنظماته – من أحزاب وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية – في مجال العمل المجتمعي.

وحيث إن منظمات المجتمع المدني – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هى واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هى الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، عن طريق بث الوعى ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معًا، والعمل بكل الوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، وترسيخ قيمة حرمة المال العام، والتأثير في السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعى، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل للخدمات العامة، والحث على حسن توزيع الموارد وتوجيهها، وعلى ترشيد الإنفاق العام، وإبراز دور القدوة، وبكل أولئك، تذيع المصداقية، وتتحدد المسئولية بكل صورها فلا تشيع ولا تنماع، ويتحقق العدل والنصفة وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى ذرى التقدم.

وحيث إن من المقرر أن حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًّا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلى قاعدة أولية تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل ذى شأن حق الانضمام إلى الجمعية التى يرى أنها أقدر على التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات – حال تعددها – ليكون عضوًا فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التى أعلى الدستور قدرها، فاعتبرها – بنص المادة (54) – من الحقوق الطبيعية، وكفل – أسوة بالدساتير المتقدمة – صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها.

وحيث إن ضمان الدستور – بنص المادة (65) التى رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة – لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها مـن فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارًا لا يتهيبون موقفـًا، ولا يترددون وجلاً، ولا ينتصفون لغير الحق طريقًا، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير – وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصرًا في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيًا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحورًا لكل اتجاه بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانًا لنواحى التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العـــــام ، وألا تكون معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقًا دون تدفقها. ومن المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التى تجول في عقولهم ويطرحونها عزمًا – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثًا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبًا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعــــدة في كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويًا إلا عليها.

وحيث إن حق الاجتماع – سواء كان حقًّا أصيلاً أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا أهم قنواتها، محققًا من خلاله أهدافها – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كوّن أشخاص يؤيدون موقفـا أو اتجاهًا معينًا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك مصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي. وكان الحق في إنشاء الجمعيات – وسواء كان الغرض منها اقتصاديًّا أم ثقافيًّا أم اجتماعيًّا أم غير ذلك – لا يعدو أن يكون عملا اختياريًّا، يرمى بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونًا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازمًا اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلاً للحقوق التى أحصاها ضماناتها، محققًا فعاليتها، سابقًا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطًا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنًا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التى لا يجوز تهميشها أو إجهاضها، بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها بعضًا، ويعطل تدفق الآراء التى تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع، كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوّض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندًا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازمًا – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق أحكام الدستور والقانون، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديمقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز – بالتالى- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودًا من أجل تنظيمهًا، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التي وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها – من خلال هذه القيود – بقدر حدة هذه المصالح ومداها، ولذلك حرص الدستور الحالي في المادة (92) منه على تحديد الإطار العام الحاكم لسلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريـات، بحيث لا يمس ما يسنه من تشريعات في هذا النطاق تلك الحقوق والحريات في أصلها وجوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة أحكام الدستور.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية، وما يرتبط به – لزوما – على ما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، وهى جميعًا أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانا سامقًا، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (75) منه على كفالة الاستقلال للجمعيات الأهلية وأجهزتها القائمة على شئونها، تمكينًا لها من أداء دورها وممارسة نشاطها بحرية، تحقيقًا لأهدافها، فحظر على الجهات الإدارية التدخل في شئون الجمعيات أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي يقى تلك الجمعيات تدخل جهة الإدارة في شئونها بأدواتها المختلفة، أيًّا كان مسماها، سواء بحل مجالس إدارتها أو عزلها، بغية تنحيتها عن أداء دورها في خدمة أعضاء هذه الجمعيات، والمجتمع ككل، فمن ثم يغدو ما قرره النص المحال من تخويــل وزير الشئون الاجتماعية – وزير التضامن الاجتماعي حاليًا – أو من يقوم مقامه سلطة حل الجمعيات مخالفًا لأحكام الدستور.
وحيث إن المواد من (92 حتى 96) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية المشار إليه الصادرة بقرار وزير التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 178 لسنة 2002، والتى ترتبط بالنص المحال ارتباط الفرع بالأصل، قد سبق القضاء بسقوطها برمتها بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/6/2018، في الدعوى رقم 160 لسنة 37 قضائية “دستورية”، ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (22 مكررًا ط) بتاريخ 6/6/2018، وهو قضاء يحوز الحجية المطلقة المقررة للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة، بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وذلك في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، بما فيها السلطة القضائية، وتكون ملزمة لهم، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرح هذه المسألة على المحكمة من جديد لمراجعتها.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة حل الجمعيات الأهلية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .