العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان
“يجب أن يرجم حتى الموت” .. هذه هي العبارة التي كتبها الكويتي ح.ق. على غلاف كتابه المغمور Apostate Son والذي روى فيه قصة ردته عن الإسلام إلى المسيحية وتغيير اسمه إلى روبرت عام 1995، وهي تحريض أطلقه ضده أحد أعضاء البرلمان الكويتي آنذاك.

أثارت قصة ح.ق. ضجة عارمة في الشارع الكويتي حين أعلنت بعض الصحف المحلية تفاصيل تحول المذكور إلى المسيحية وتركه لديانة ميلاده، وكان الجزء الأهم من القصة يدور في سوح القضاء، فقد حذر الأستاذ نجيب الوقيان من التعرض لموكله روبرت بالإيذاء الجسدي وطالب السلطات بتمكينه من رؤية أطفاله تنفيذا لحكم قضائي سابق قضى له بحق رؤيتهم، وأوضح مصدر من قصر العدل بأن قضية ح.ق. هي سابقة في تاريخ القضاء الكويتي حيث صدر له حكم بتمكينه من رؤية أبنائه ست ساعات كل أسبوع وقد كان مسلما حين صدر الحكم إلا أنه ارتد عن الإسلام وقت تنفيذه، وقد علق محاميه للصحف بأنه لا يمكن سحب كل الحقوق من موكله نتيجة قراره التحول عن الدين الإسلامي، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هنالك حقوقا سوف تتأثر نتيجة قرار التحول هذا، كما علق رئيس جمعية المحامين الكويتية آنذاك الأستاذ جمال العثمان لجريدة (السياسة) قائلا: “من المستحيل أن يحصل على حق الحضانة في هذه الحالة”.

ترك ح.ق. منزله إلى جهة غير معلومة كي ينجو بنفسه من الجماهير الساخطة وخوفا من تهديدات تلقاها بالقتل، وقد عرضت عليه أوساط محلية وأجنبية الإقامة لديها إلى حين انتهاء القضية أمام القضاء، تبين لاحقا أنه غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

في المحكمة وأمام دائرة الأحوال الشخصية مثل ح.ق. وأقر بوضوح أمام القاضي بتبديل ديانته من الإسلام إلى المسيحية، وطلب إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية دافعا بعدم دستورية بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية التي تحرمه من بعض حقوقه كأب بسبب تغيير ديانته بمخالفة للمادة 35 من دستور دولة الكويت والتي تنص على حرية الاعتقاد، إلا أن المحكمة أصدرت حكمها في سابقة قضائية في 29 مايو 1996 وأعلنت فيه ردة المذكور عن الإسلام وفندت دفعه بعدم دستورية قانون الأحوال الشخصية في حيثيات الحكم، ورغم أن قانون الجزاء الكويتي لا يجرم الردة والإلحاد – وهو ما أكدته وبينته الحكومية الكويتية في بيان لها أصدرته سفارتها إثر إثارة الموضوع في المملكة المتحدة – إلا أن منظمات حقوقية دولية كمنظمة العفو الدولية كانت قلقة من أن يتخذ الحكم المذكور ذريعة وحجة للجماعات غير الحكومية بأن تقوم باغتيال قمبر تطبيقا لحد الردة المذكور في الشريعة الإسلامية.

من ناحية أخرى قام ثلاثة محامون مستقلون برفع دعوى قضائية مطالبين بإسقاط جنسية ح.ق.الكويتية وتجريده من حق المواطنة، إلا أنه لاحقا نشرت بعض الصحف خبر عودته إلى اعتناق الإسلام وتشهده الشهادتين أمام بعض شيوخ الدين لتأكيد ذلك.

ليست قضية ح.ق. في الكويت ولا مرتد حفر الباطن ولا الشاعر الفلسطيني أشرف فياض في السعودية ولا المفكر المصري نصر حامد أبي زيد في مصر ولا الطبيبة الحامل والأم للطفل ذي السنتين مريم يحيى في السودان ولا سامر محمد العايدي في الأردن هي الأولى ولن تكون الأخيرة من بين تلك الملاحقات القضائية الكثيرة التي يحفل بها التاريخ القديم والحديث لمن اتهم بالإلحاد والزندقة والهرطقة والتجديف وازدراء الأديان وسب المقدسات والردة وتبديل الدين.

وسؤالنا في هذا المقال هو: ما حكم القانون في الإلحاد والردة؟ ورغم أزمة التعريف التي نواجهها هنا للتمييز والتفرقة بين المصطلحات المسطورة ووضع حد فاصل بينها، فإننا سنتفق على أن نتجاوز ذلك تسامحا، وعلى أن نعرف الإلحاد بأنه الاعتقاد بعدم وجود إله أو آلهة وأن نعرف اللاأدرية بأنها التوقف في مسألة وجود الإله دون نفي ولا إثبات وأن نعرف الردة بأنها الانتقال من العقيدة الإسلامية إلى أي دين أو اعتقاد آخر ينافي ضروريات الإسلام وثوابت العقيدة فيه، وأن نعرف تبديل الدين بأنه الانتقال من أي دين إلى دين آخر، وأن نكتفي بذكر قوانين دولة الكويت كنموذج له ما يشبهه إلى حد كبير في قوانين العديد من الدول العربية وذلك بهدف إيصال فكرة عامة علها تفتح الأبواب لمزيد من البحث المعمق، هذا مع وجوب التنبيه على الاختلاف البنيوي في بعض الأنظمة القضائية والقانونية في المنطقة العربية حيث تبتني قوانين بعضها على فهم خاص لأحكام الشريعة الإسلامية بينما تمزج دول أخرى بين القانون الوضعي والديني.

أولا: الدستور
تكفل المادة 35 من الدستور الكويتي حرية الاعتقاد وتعتبرها حرية مطلقة لا يجوز للمشرع أن يقيدها، ولكنها تميز بينها وبين حرية ممارسة الشعائر الدينية والتي تعتبر من الحريات الجائز تقييدها لأنها تمس المجتمع فلا يجوز أن تكون ممارسة الشعيرة الدينية مخالفة للنظام العام والآداب العامة فيه، ولا شك بأن مفهوم النظام العام والآداب العامة هو مفهوم مطاطي نسبي فضفاض ورمادي.

وتتحدث المذكرة التفسيرية صراحة عن عدم الاعتقاد بدين ما وتعتبر ذلك ضمن نطاق حرية الاعتقاد، ولا شك بأن عدم الاعتقاد بدين ما، يشمل عدة مفاهيم كالإلحاد واللاأدرية بل وحتى الألوهية Deism أي الاعتقاد بإله عادل دون الاعتقاد بالأديان والنبوات.

ويلاحظ فيما يتعلق بالتفرقة بين حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر، أن الاعتقاد أمر قلبي من أعمال السرائر لا يظهر للعلن، ومن هنا يتبين أن النص على هذه الحرية وعدم جواز تقييدها – رغم حسنه – لا يغير في الواقع العملي شيئا، إذ لا يمكن للسلطات العامة أن تلج إلى الصدور وتكشف عما في النفوس وتشق عما في الضمائر والسرائر، إلا أن النص قد يكون مرشدا وهاديا للسلطة يحول بينها وبين أن تسلك منحى نصب محاكم التفتيش وتسعى لمعرفة بواطن المعتقدات، فحتى لو ظهر شيء من الاعتقاد من السريرة إلى العلن دون أن يرقى إلى مستوى ممارسة شعيرة دينية فإن ذلك يكون من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها بتاتا.

ثم وفيما يتعلق بالشعائر الدينية فإن المادة 35 من الدستور الكويتي لا تعترف إلا بالأديان الإبراهيمية السماوية الثلاث، وتعتبر المادة المذكورة مستندا قانونيا يكفل لهذه الأديان ممارسة شعائرها، ولكن هذا لا يعني حرمان ومنع الأديان الأخرى من ممارسة شعائرها، إلا أن السماح لها بذلك منوط بالسلطة العامة وللأخيرة سلطة تقديرية واسعة في التصريح به أو حظره، وفيما يلي نص المذكرة التفسيرية في ذيل المادة 35 من الدستور:

“تقرر هذه المادة حرية الاعتقاد مطلقة، لأنها ما دامت في نطاق الاعتقاد، أي السرائر فأمرها إلى الله، ولو كان الشخص لا يعتقد في دين ما، فإن جاوز الأمر نطاق السرائر وظهر في صورة شعائر وجب أن تكون هذه الشعائر طبقا للعادات المرعية وبشرط أن لا تخل بالنظام العام أو تنافي الآداب، والمقصود بلفظ الأديان في هذه المادة الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، ولكن ليس معنى ذلك على سبيل الإلزام منع الأديان الأخرى من ممارسة شعائرها كلها أو بعضها، إنما يكون الأمر في شأنها متروكا لتقدير السلطة العامة في البلاد دون أن تتخذ لحريتها سندا من المادة 35 المذكورة”.

ثانيا: القانون الجنائي (قانون العقوبات)
هنالك قاعدة مهمة في القانون الجنائي (قانون الجزاء أو قانون العقوبات) وهي أن “لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص في القانون” ورغم أن هذه القاعدة مما يقرره القانون الطبيعي والتشريعات القديمة إلا أن الدساتير الحديثة نصت عليها أيضا وأكدتها، فطالما لم يكن هنالك نص قانوني يعتبر فعلا ما جريمة فإن الفعل يعتبر مباحا أخذا بقاعدة “الأصل في الأشياء الإباحة”.

وبالرجوع إلى التشريعات الجنائية في القانون الكويتي لا نجد أي نص يجرم الإلحاد ولا اللاأدرية ولا الردة ولا تبديل الدين، بما يدل على أن هذه الأفعال لا تعد جرائم وفقا للقانون ما لم تندرج تحت عنوان آخر كازدراء الأديان وانتهاك حرمتها.

وهذا هو الحال أيضا في دول عربية أخرى رغم وجود انتهاكات على مستوى التطبيق والممارسة والتكييف القانوني أحيانا، يكتب د.نائل جرجس في مقال له بعنوان (الردة الدينية في الأردن):

“صحيح أنه لا يوجد عقوبة جنائية صريحة للردة في الأردن، على خلاف بعض دول العالم العربي كالسعودية والسودان، ولكن غالباً ما يُزج بالمرتد في السجن تحت تهم جنائية أخرى كزعزعة الأمن العام والوحدة الوطنية أو ازدراء الأديان.”.

وبالعودة إلى قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 فقد تطرقت مواده من 96 إلى 109 إلى مجموعة من الجرائم المتعلقة بالأديان، ورتبت عليها عقوبات متفاوتة بين الحبس والغرامات أو إحدى هاتين العقوبتين، ومن بين الجرائم المذكورة في تلك المواد ما يلي:
– تخريب أو إتلاف أو تدنيس مكان معد لإقامة شعائر دينية، أو الإتيان في داخله بعمل يخل بالاحترام الواجب للدين الذي تمارس شعائره في هذا المكان
– ارتكاب فعل يخل بالهدوء الواجب لاجتماع عقد في حدود القانون لإقامة شعائر دينية بقصد تعطيلها أو الإخلال بالاحترام الواجب لها، أو التعدي على أي شخص موجود في هذا الاجتماع
– إذاعة آراء تتضمن سخرية أو تحقيرا أو تصغيرا لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، ويشترط في هذه الجريمة ركن العلانية.
– نشر كتاب مقدس في عقيدة دين من الأديان مع التحريف فيه عمدا على نحو يغير معناه، بقصد الإساءة إلى هذا الدين.

إلا أن المادة 112 من قانون الجزاء نصت على بند مبيح يخفف من وطأة التجريم، حيث تنتفي الجريمة إذا ما أذيع بحث في دين أو في مذهب ديني في محاضرة أو مقال أو كتاب علمي بأسلوب هادئ متزن خال من الألفاظ المثيرة، وثبت حسن نية المتهم باتجاهه إلى النقد العلمي الخالص، وهو نص متوافق مع دستور الكويت الذي كفل حرية التعبير والبحث العلمي.

ثالثا: قانون الوحدة الوطنية
يمكن أن نلاحظ قوانين أخرى تتعرض للحريات الدينية غير قانون الجزاء وتتضمن مواد جنائية مثل تلك المسنونة لحماية الوحدة الوطنية ومنها المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2012، فالمادة الأولى منه تجرم إثارة الفتنة الطائفية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي مذهب ديني، كما تحظر ذات المادة بث أو إعادة بث أو نشر أو طبع أو إنتاج أو تداول كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، ويفرض القانون عقوبات شديدة تصل إلى الحبس سبع سنوات والغرامة مائة ألف دينار كويتي.

ولعل قائلا يقول بأن لا صلة لمثل هذه البنود بتجريم الإلحاد أوتبديل الدين أواللاأدرية أو الألوهية أو الردة، فتجريم ازدراء الأديان وإهانتها وترويج الفتنة الطائفية أمر مختلف عن العناوين السابقة، ونحن نعتقد صحة ذلك، إلا أن التشخيص والتقدير والتكييف في الميدان العملية يتفاوت من محكمة لأخرى ومن قاض لآخر، وهنا تكمن الخطورة، فقد يتسع تفسير محكمة لنص من هذه النصوص فتبسط نطاقه على محض الإلحاد أو الردة، فتعتبر ذلك في حد ذاته وبما هو هو ازدراء للدين أو نشرا للفتنة الطائفية أو إهانة للدين المرتد عنه، وهو تفسير فاسد خارج عن نطاق مفهوم النص ومنطوقه ومقاصد المشرع، ورغم ذلك فثمة معضلة فلسفية لا يمكننا تجاوزها هاهنا وهي أن التكييف القانوني يخضع – كما هو الحال مع سائر عمليات التفسير والتأويل – للقبليات المعرفية والخلفيات الثقافية للسلطة القائمة على تطبيق النص التشريعي.

رابعا: قانون الأحوال الشخصية (الأسرة والميراث)
تتبنى غالب التشريعات العربية قواعد الفقه الإسلامي في تنظيم مسائل الأحوال الشخصية والأسرة، وقد شرع القانون رقم 51 لسنة 1984 في الكويت وفقا لما انتقاه المشرع مما ارتأى أنه يلائم المجتمع الكويتي من أحكام المذاهب السنية الفقهية الأربعة، وترك شؤون المذاهب الأخرى في الأحوال الشخصية دون تقنين بحيث ترجع المحكمة بشأن أصحاب كل مذهب إلى فقه مذهبهم، ومن خلال الخوض في التشريع المذكور يمكننا أن نقول بحق بأنه حجر الزاوية والسلاح التشريعي الرئيسي الذي ينال من المرتد أو الملحد ويوقع به أشد الجزاءات المدنية والاجتماعية، ومن تلك الأوجه التي يمكن تلمسها ما يلي:

1- فسخ الزواج
لا يجوز في الفقه الإسلامي زواج المسلمة من غير المسلم، كما لا يجوز زواج المسلم من غير المسلمة إذا كانت غير كتابية، وقد أسهب الفقه الإسلامي وبتبعه قانون الأحوال الشخصية في شرح مسائل تبديل الدين، ومن أهم الحالات التي تعني بحثنا هذا هي حالة ارتداد الزوج أو الزوجة عن الإسلام أثناء قيام العلاقة الزوجية، وعن ذلك يتحدث نص المادة (145) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي قائلا:

“أ- إذا ارتد الزوج فسخ الزواج، لكن إذا وقعت الردة بعد الدخول، وعاد إلى الإسلام خلال الردة، لغي الفسخ، وعادت الزوجية. ب- وإذا ارتدت الزوجة فلا يفسخ الزواج”.

وبينت المذكرة الإيضاحية للقانون أن ردة أحد الزوجين هي فسخ مجرد للزواج بغير طلاق وأن الزوجة إذا ارتدت تبقى في عصمة الرجل، وقد علل فقهاء مسلمون ذلك بأنه سد لباب احتيال المرأة على الخلاص من الرجل ورد لقصدها السيء بارتكاب كبيرة من الكبائر بهدف إنهاء الحياة الزوجية على حسب تعبيرهم، ولا حاجة لحكم قضائي ليقضي بفسخ عقد الزواج في حال ردة الزوج فهو يقع تلقائيا بمجرد ارتداده عن الإسلام.

2- عدم استحقاق الحضانة
نصت المادة (190) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي على شروط الحاضن، ومنها شرط “الأمانة والقدرة على تربية المحضون وصيانته صحيا وخلقيا”، وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون مفهوم “الأمانة” بأنها تكون “بحفظ كل من الدين والمال، حسب المتبع من فقه المالكية” ثم نصت المذكرة الإيضاحية – والتي هي تفسير قانوني تشريعي ذو قوة ملزمة – على ما يلي “ولا يشترط إسلام الحاضنة أما كانت أو غيرها، لأن الحضانة مبناها على الشفقة والحنان ولا يؤثر فيهما اختلاف الدين، ما لم يتبين خطر على دين المحضون، بأن بدأت حاضنته تعلمه أمور دينها، وأصبح المحضون يعقل ذلك واتضح أن فيه خطرا على دينه، فإنه في هذه المسألة يسقط حقها في الحضانة”.

ومن ناحية أخرى نصت المادة (192) من ذات القانون على ما يلي:
“الحاضنة غير المسلمة تستحق حضانة الولد المسلم، حتى يعقل الأديان، أو يخشى عليه أن يألف غير الإسلام وإن لم يعقل الأديان، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المحضون عند هذه الحاضنة بعد بلوغ السابعة من عمره”.

يلاحظ مما سبق عدم اشتراط الإسلام في الحاضنة المرأة ما لم يكن في حضانتها خطر على دين المحضون، هذا هو الأصل – قبل سن السبع سنوات هجرية – ولكن للقاضي الحق في تقدير ما لو كان في حضانة الحاضنة خطر على دين الطفل أو كان ثمة خشية عليه بأن يألف غير الإسلام أو أن يكون شرط الأمانة مختلا بمجرد ارتداد الحاضنة عن الدين أو إقرارها بالإلحاد، أما بعد سن السبع سنوات فلا تستحق غير المسلمة الحضانة في جميع الأحوال لأن هذا هو سن التمييز في الأعم الأغلب كما يراه المشرع، ومصدر هذه المادة مذهب الحنفية.

أما إن كان الحاضن رجلا فلا بد أن يكون دينه هو نفس دين المحضون دائما، وذلك لأنهم شبهوا الحضانة بالولاية وقالوا بأن لا ولاية لغير المسلم على المسلم، وأما المذهب الجعفري فقد اشترط الإسلام حتى في الحاضنة الأنثى – ولو كانت أما للمحضون – إذا كان المحضون مسلما تبعا لإسلام أبيه، وذلك تعميما لقاعدة أن لا ولاية لغير المسلم على المسلم لتشمل المرأة الحاضنة أيضا.

3- سلب الولاية على القاصر
يقصد بالولاية أن يقوم شخص راشد بتولي أمور شخص قاصر، والولاية على نوعين: ولاية على النفس وولاية على المال، فالولاية على النفس تتعلق بشخص القاصر ونفسه كالتزويج والتعليم والتطبيب والعمل، أما الولاية على المال فهي أن يتصرف الراشد بأموال القاصر بما يحقق مصلحته، وقد خصصت قوانين الأسرة والأحوال الشخصية قواعد عديدة فيها لتنظيم أحكام الولاية.

تبين المادة (211) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي شروط الولي وتنص عليها، ومنها أن يكون متحدا مع القاصر المولى عليه في الدين، فإذا فقد الولي هذا الشرط سلبت ولايته وغلت يده عن القاصر حتى لو كان ابنه أو ابنته، وبالتالي فإن ارتداد الولي عن الدين أو إلحاده مع كون القصر المشمولين بولايته مسلمين أو مختلفين عنه في الدين يؤدي إلى سلب ولايته عنهم، لأن القاعدة أن “لا ولاية لغير المسلم على المسلم”، ويتفق الفقه الجعفري مع السني في اشتراط هذا الشرط.

4- الحرمان من الميراث
يكاد فقهاء المسلمين أن يجمعوا على أن اختلاف الدين من موانع الإرث، وبذلك أخذ قانون الأحوال الشخصية الكويتي حيث نص في المادة (293) منه على أن “لا توارث بين مسلم وغير مسلم” وبينت المادة التالية رقم (294) بلفظ قاطع حكم المرتد في الميراث حيث نصت على ما يلي:

أ- لا يرث المرتد من أحد. ب- ما المرتد قبل الردة أو بعدها يكون لورثته المسلمين عند موته، فإن لم يكن له ورثة من المسلمين، يكون ماله للخزانة العامة. ج- إذا تجنس المرتد بجنسية دولة غير إسلامية يعتبر في حكم المتوفى ويؤول ماله لورثته المسلمين. د- إذ عاد المرتد إلى الإسلام بعد تجنسه بجنسية دولة غير إسلامية يكون له من ماله ما بقي بأيدي ورثته أو بالخزانة العامة”.

خامسا: قانون الجنسية
وضع البرلمان الكويتي بموجب القانون رقم 1 لسنة 1982 شرطا جديدا لاكتساب الجنسية الكويتية وهو الديانة حيث قصر التجنيس على المسلمين، فعدل المادتين الرابعة والخامسة من قانون الجنسية، وقد اشترطت الفقرة الخامسة من المادة الرابعة على طالب الجنسية ما يلي:

“أن يكون مسلما بالميلاد أصلا، أو يكون قد اعتنق الدين الإسلامي وأشهر إسلامه وفقا للطرق والإجراءات المتبعة، ومضى على ذلك خمس سنوات على الأقل قبل منحه الجنسية الكويتية، وتسقط عنه هذه الجنسية بقوة القانون، ويعتبر المرسوم الصادر بمنحه إياها كأن لم يكن بارتداده عن الإسلام أو سلوكه مسلكا يقطع بنيته في ذلك، ويترتب على سقوط الجنسية الكويتية عنه في هذه الحالة سقوطها عمن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية”.

ولا شك بأن هذا التعديل لا يسري بأثر رجعي على من اكتسب الجنسية الكويتية من غير المسلمين قبل إقراره، ويلاحظ أن الحظر المفروض على تجنيس غير المسلمين في المادة عاليه مقصور على بعض الفئات فقط ممن يتجنس دون الأخرى، فهو لا يسري على حالة اكتساب زوجة المتجنس وأولاده القصر للجنسية الكويتية بالتبعية وبالتالي فيمكن اكتسابها حتى لو بقوا على ديانتهم غير الإسلامية.

وإذا ارتد المتجنس عن الدين الإسلامي يفقد جنسيته بقوة القانون دون حاجة إلى قرار تصدره الجهة المختصة، ويفقد جنسيته الكويتية أيضا كل من تجنس معه بطريق التبعية كزوجته وأولاده مثلا حتى لو كانوا مسلمين ولم يرتدوا عن الإسلام، فهم سيؤخذون بجريرة والدهم على أية حال حتى لو كانوا قد بلغوا سن الرشد، وقد انتقد د.رشيد العنزي أستاذ القانون في جامعة الكويت هذا التعديل انتقادا لاذعا، فقال فيما قاله: “.. الدولة الإسلامية حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبلت بوجود عناصر غير إسلامية تحت سيطرتها واعتبرتهم من مواطنيها، وأعطتهم وضعا قانونيا متصلا بها يختلف عن الأجانب من أهل دار الحرب، وأطلقت عليهم أهل الذمة تمييزا لعلاقتهم الخاصة بالدولة الإسلامية وبالمسلمين .. الخ”.

د.نصر حامد أبوزيد وزوجته د.ابتهال يونس

فائدة عن دعوى الحسبة
تعرف الدعوى التي رفعت على المفكر المصري نصر حامد أبي زيد لتفريقه عن زوجته بتهمة أنه مرتد باسم (دعوى الحسبة) وقد قالت محكمة النقض المصرية في تعريفها في حيثيات حكمها على أبي زيد بأنها:

“فعل ما يحتسب عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله، وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية – أو مستمدة – أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها، وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه أو باستدعاء المحتسب أو والي المظالم “النيابة العامة”، ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق لله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام”.

إذن فدعوى الحسبة تخول أي فرد في المجتمع بأن يحرك قضية ضد المرتد لتفريقه عن زوجته على سبيل المثال حتى لو لم يكن لرافع الدعوى مصلحة مباشرة منها، وهذا ما لم يأخذ به كثير من علماء القانون حيث جعلوا ذلك منوطا بالنيابة العامة دون أن تعقد الصفة لمن ليس له مصلحة مباشرة بأن يحرك مثل تلك الدعوى، لقد كانت دعوى الحسبة – طبقا لما انتهت إليه محكمة النقض المصرية – مأخوذا بها في القانون المصري وجاءت وبالا على أبي زيد وقد فاضت حيثيات حكمه بمناقشة جوانبها وتفاصيلها القانونية، وأكد الحكم على أن الاحتساب فرض كفاية على أفراد المجتمع إما أن ينهض به بعضهم أو أن يأثموا جميعا.

خاتمة
أصبح واضحا بأنه – وإن خلا القانون من عقوبة جنائية على الردة والإلحاد واحتوى على ضمانات دستورية تكفل حرية العقيدة وممارسة الشعائر والتعبير والبحث العلمي – إلا أن قوانين أخرى غالبا ما نجدها في مسائل الأحوال الشخصية – والتي تستقى أولا وأخيرا من الشريعة الإسلامية – تعدم المرتد اجتماعيا بتفريقه عن زوجته وحرمانه من حضانة أبنائه وسلبه صلاحياته كولي عليهم وحرمانه من الميراث وربما إسقاط جنسيته بقوة القانون في بعض الحالات.

ولا شك بأن هذا التهافت والتفاوت بين نصوص الدستور من ناحية وقانون الجزاء من ناحية ثانية وبقية القوانين إنما هو ناشئ عن اختلاط مصادرها، فالمشرع الكويتي بشكل خاص والمشرع العربي بشكل عام لم ينتهج فلسفة متكاملة متسقة متناسقة تكون أساسا لتشريعاته وقوانينه، فلا هو الذي حفظ الحقوق المدنية العلمانية وصانها، ولا هو الذي طبق الشريعة الدينية بحذافيرها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت