الطعن 968 لسنة 31 ق جلسة 2 / 4 / 1962 مكتب فني 13 ج 2 ق 69 ص 273 جلسة 2 من ابريل سنة 1962

برياسة السيد/ محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر، ومختار مصطفى رضوان.
—————-
(69)
الطعن رقم 968 لسنة 31 القضائية

(أ ، ب) تعدد الجرائم. ارتباط. اختصاص. محكمة الجنايات. محكمة الجنح. عقوبة.
(أ) جرائم متعددة. فصل النيابة بعضها عن البعض الآخر. تقديم بعضها إلى محكمة الجنايات وبعضها الآخر إلى محكمة الجنح. مقتضاه: لا يجوز لمحكمة الجنايات التصدي للفصل في الجنحة التي لم تعرض عليها: ذلك سلب لاختصاص محكمة الجنح.
(ب) إدانة المتهم أمام محكمة الجنايات. حقه في إثارة مسألة الارتباط أمام محكمة الجنح. وعند ثبوت هذا الارتباط: لا يجوز أن توقع عليه إلا عقوبة واحدة.

————
1 – متى كانت النيابة قد فصلت جريمتي عرض الرشوة والسرقة عن جنحة التهريب، وأقامت الدعوى في الجريمتين الأوليين أمام محكمة الجنايات وعن الجريمة الثالثة أمام محكمة الجنح، فإن ذلك لا يجيز لمحكمة الجنايات أن تتصدى للقضاء في تلك الجنحة التي لم تعرض عليها وأن تسلب محكمة الجنح حقها في الفصل فيها.
2 – رفع الدعوى عن جريمة الجنحة أمام محكمة الجنح لا يسلب المتهم فيها حقه في إبداء دفاعه عند نظر الدعوى أمامها في شأن الارتباط الذى يدعيه بينها وبين الجناية التي سبقت محاكمته وإدانته من أجلها أمام محكمة الجنايات، كما يكون من حقه – إذا تبين لمحكمة الجنح من التحقيق الذى تجريه أن الجنحة مرتبطة بالفعل المكون لتلك الجناية ارتباطا لا يقبل التجزئة – ألا توقع عليه إلا عقوبة واحدة.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم أول مايو سنة 1958 بدائرة قسم الميناء ببور سعيد محافظة القنال. المتهم الأول: بصفته موظفا عموميا “معاونا بجمرك بور سعيد” ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويرا في ورقة أميرية هى أمر خروج البضاعة رقم 22 المحرر بتاريخ أول مايو سنة 1958 على النموذج رقم 48 (ك. م) وارد من المجموعة رقم 151 والخاص بالتصريح بخروج ثمانية أطنان من الفحم من مخزن صديق لهيطه بالجمرك محملة على السيارة رقم 444 نقل قنال في التاريخ المذكور وكان ذلك بتغيير المحررات بأن شطب رقم 444 الخاص بالسيارة وأثبت بدلا منه رقم 117 ليوهم أن هذا الأمر خاص بالسيارة الأخيرة ـ المتهم الثاني – أولا: عرض رشوة على موظف غير عمومي ولم تقبل منه بأن سلم محمود توفيق لهيطه مبلغ خمسين جنيها كي يسهل له سرقة فحم من مخزن مخدومه بالجمرك ولكنه سارع بعد أخذ المبلغ بإبلاغ مخدومه – ثانيا: سرق الفحم المبين الوصف والقيمة بالمحضر والمملوك لصديق لهيطه. والمتهم الأول أيضا: اشترك مع المتهم الثاني بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة السرقة آنفة البيان بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده في الأعمال المتممة لارتكابها بأن سهل له خروج السيارة بعد تحميلها بالفحم المسروق من باب الجمرك دون اتباع الإجراءات القانونية لخروجها فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت النيابة العامة من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما: الأول – بالجناية المنصوص عليها في المادة 211 من قانون العقوبات والجنحة المنصوص عليها في المواد 40/ 2 – 3 و41 و318 من قانون العقوبات. والثاني – بالجنحة المنصوص عليها في المواد 109/ 2 و110 و318 من نفس القانون. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات بور سعيد قضت حضوريا عملا بالمادتين 211 و17 من قانون العقوبات بالنسبة للأول وبالمواد 109/ 1 – 2 و110 و318 و32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة للثاني بمعاقبة المتهم الأول “الطاعن الأول” بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور عن التهمة الأولى المسندة إليه وببراءته من التهمة الثانية المسندة إليه، وبمعاقبة المتهم الثاني “الطاعن الثاني” بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور ومصادرة مبلغ الرشوة عن التهمتين المسندتين إليه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .. الخ.

المحكمة
… حيث إن مبنى أسباب طعن الطاعن الأول هو القصور في التسبيب ذلك أن الحكم المطعون فيه دانه بجناية التزوير مستندا إلى أدلة من بينها شهادة شاهدين تناقضا في أقوالهما ودون أن يقول كلمته في هذا التناقض إذ شهد أحمد حسن معوض أن سيارة واحدة خرجت من باب الجمرك مرتين وشهد محمد إسماعيل السيد أولا أنه لم تخرج سوى سيارة واحدة ثم عاد فقرر أنه خرجت ثلاث سيارات. كذلك استند الحكم في ثبوت الركن المعنوي في حق الطاعن إلى مجرد إهماله التحقيق من حمولة السيارة وأنه مما يرخص بخروجه من الدائرة الجمركية على الرغم من أن الإهمال وحده لا يسوغ سببا لثبوت تعمد تغيير الحقيقة في المحرر.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فيما مجمله أن الطاعن الثاني عرض رشوة على أمين مخزن أحد تجار الفحم بحرم الجمرك ليسهل له سرقة نحو عشرة أطنان من الفحم من مخزنه الكائن داخل الدائرة الجمركية ومن نوع “قوالب بريكيت” المحظور التعامل فيه خارج هذه الدائرة وتظاهر هذا الأمين بقبول العرض وأبلغ مخدومه الذى أبلغ بدوره رجال حرس الجمرك ثم تغافل أمين المخزن ومكن الطاعن الثاني من نقل الفحم من المخزن إلى السيارة رقم 117 نقل القنال، ومرت السيارة محملة به في يوم أول مايو سنة 1958 من باب الجمرك رقم 38 الذى يعمل عنده معاون الجمرك “الطاعن الأول”. وبعد أن سمح له هذا بالمرور أحدث تغييرا في أمر الخروج رقم 33 المختص بتحريره بمقتضى وظيفته والذى سبق أن حرره لسيارة أخرى رقم 444 نقل القنال خرجت قبل ذلك محملة بثمانية أطنان فحم من النوع “الحجري البولونى” وذلك بأن شطب رقم هذه السيارة وأثبت بدلا منه رقم 117 حتى يوهم بأنه لم تخرج سوى سيارة واحدة محملة فحما من النوع المسموح بالتعامل فيه خارج الدائرة الجمركية. ودلل الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين بما شهد به مالك الفحم وأمين مخزنه من عرض الطاعن الثاني مبلغ خمسين جنيها على الأمين كرشوة لتسهيل السرقة، ومن نقله الفحم فعلا بسيارته إلى خارج الدائرة الجمركية حيث ضبط، وبما شهد به الشهود من خروج السيارة رقم 444 محملة بفحم من النوع الحجري البولندى وخروج الطاعن الثاني بعد ذلك بالسيارة رقم 117 محملة بالفحم المسروق وهو من نوع قوالب بريكيت، وبما ثبت من المعاينة من حصول كسر في الكشك الموجود فيه أمر الخروج رقم 33 لإحداث التغيير فيه وبما ثبت من الاطلاع على هذا الأمر من تغيير رقم السيارة فيه وبإقرار الطاعن الأول بإحداثه هذا التغيير. وحصل الحكم شهادة خفير المخزن احمد حسن معوض من أنه حملت من المخزن سيارة بفحم حجرى بولونى وبعد ذلك حملت سيارة أخرى بفحم قوالب بريكيت كما حصل شهادة الجندي محمد إسماعيل السيد من قوة حرس الجمرك بمحضر ضبط الواقعة فيه أنه كان معينا لحراسة باب الجمرك رقم 38 ورأى سيارة تصل إلى الباب من داخل الدائرة الجمركية محملة فحما وأذن لها الطاعن بالخروج بعد تفتيشها، وبعد فترة استدعى أحد الأشخاص وأمره بكسر باب الكشك الذى كان مغلقا وأحضر منه دفترا أجرى قلمه فيه بكتابة. وقال الحكم إن الشاهد ردد هذه الأقوال في تحقيق النيابة بالجلسة وأضاف أنه خرجت من هذا الباب ثلاث سيارات اذن الطاعن الأول بخروجها بعد تفتيشها وقد ضبطت الأخيرة منها. وعرض الحكم بعد ذلك لأقوال الطاعن الأول وما قرره من أنه كان معينا معاونا لباب الجمرك رقم 38 وأقبلت سيارة محملة بفحم بولونى أخبره مرافقها بأنها رقم 444 فدون هذا الرقم في أمر الخروج وأثناء خروجها لاحظ أن حقيقة الرقم 117 فغير في الأمر. ورد الحكم على هذا الدفاع بما ثبت من الاطلاع على دفتر يومية المخزن ودفتر نقطة المرور من مرور السيارة رقم 444 قبل ضبط السيارة 117 بما يقطع بمرور سيارتين وبأن السيارة الثانية كانت محملة بفحم قوالب بريكيت من النوع المحظور خروجه، وبأن الطاعن بحكم عمله يعرف أنوع الفحم. واستخلص الحكم من ذلك أن الطاعن تعمد تغيير رقم السيارة في أمر الخروج ليوهم بأن سيارة واحدة خرجت محملة بفحم من النوع المسموح بالإفراج عنه. لما كان ذلك وكان يبين من مطالعة محضر الجلسة أن ما حصله الحكم من شهادة كل من أحمد حسن معوض ومحمد إسماعيل السيد يتفق والثابت في هذا المحضر وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ثانيهما في تحقيق النيابة وأمام المحكمة وإلى أن سيارتين قد خرجتا من دائرة الجمرك في ذلك اليوم، لما كان ذلك وكان مؤدى قول الشاهد محمد إسماعيل السيد بخروج سيارة ثالثة أنها سيارة أخرى لا صلة لها بوقائع الدعوى بما لا ينطوي على أى تناقض في شهادة الشاهدين – لما كان ذلك وكان توافر القصد الجنائي وتعمد تغيير الحقيقة في جريمة التزوير من المسائل الموضوعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع وكان تدليل الحكم المطعون فيه على توافر هذا القصد في حق الطاعن الأول سائغا مؤديا إلى ما رتبه عليه فإن الطعن يكون قائما على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن مبنى السببين الأول والثاني من أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الثاني هو الخطأ في تطبيق القانون وفى ذلك يقول إنه أسندت إليه جرائم عرض رشوة وسرقة وتهريب فحم من الدائرة الجمركية وقدم عن التهمتين الأوليين إلى محكمة الجنايات المطعون في حكمها كما قدم عن التهمة الثالثة إلى محكمة جنح بور سعيد ولم يأخذ الحكم المطعون فيه بما دفع به الطاعن من قيام ارتباط لا يقبل التجزئة بين الجرائم الثلاث يوجب عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات الحكم فيها بعقوبة واحدة هى عقوبة الجريمة الأشد في الوقت الذى أخذ فيه بقيام الارتباط بين الجريمتين الأوليين وتخلى عن جريمة التهريب لتفصل فيها محكمة الجنح على حدة.
وحيث إنه لما كان هذا الطاعن يقول في طعنه إن محكمة جنح الميناء لم تكن قد قضت في تهمة التهريب عند صدور الحكم المطعون فيه وكان هذا الحكم لا يحول دون تمسك الطاعن أمام محكمة الجنح بقيام الارتباط بين جريمة التهريب المعروضة عليها وبين جريمتي عرض الرشوة والسرقة المحكوم فيهما وأن يطلب منها إعمال نص الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات، على ضوء العقوبة المحكوم بها في هاتين الجريمتين، وبعد أن فصلت النيابة جريمتي عرض الرشوة والسرقة عن جريمة التهريب وأقامت الدعوى عن الجريمتين الأوليين أمام محكمة الجنايات وعن الجريمة الثالثة أمام محكمة الجنح، الأمر الذى لا يجيز لمحكمة الجنايات أن تتصدى للقضاء في جريمة لم تطرح عليها وأن تسلب محكمة الجنح حقها في الفصل فيها. على أن رفع الدعوى عن جريمة التهريب أمام محكمة الجنح لا يسلب المتهم فيها حق إبداء دفاعه في شأن الارتباط عند نظر الدعوى كما يكون من حقه – إذا تبين لمحكمة الموضوع من التحقيق الذى تجريه أن الجنحة مرتبطة بالفعل المكون للجناية ارتباطا لا يقبل التجزئة – ألا توقع عليه إلا عقوبة واحدة ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين على غير أساس.
وحيث إن مبنى الأسباب الثلاثة الأخيرة هو الخطأ في تطبيق القانون والتناقض وفى ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه دانه بجريمة السرقة على الرغم من أن شهادة أمين المخزن تفيد أنه سلمه الفحم وسمح له بنقله في السيارة بما ينتفى معه ركن الاختلاس المكون لجريمة السرقة – كذلك جاء الحكم مبهما في استظهار أركان هذه الجريمة والأدلة القائمة عليها كما جاء متعارضا فيما استند إليه من أقوال الشهود إذ أدلى الشرطي محمد اسماعيل السيد بروايتين متعارضتين في خصوص عدد السيارات التى خرجت من باب الجمرك كما أن جرانت صادق اسكاروس شهد في محضر الجلسة أنه علم من صديق لهيطه أن الطاعن عرض على أمين المخزن مبلغ الخمسين جنيها كثمن للفحم وليس على سبيل الرشوة.
وحيث إنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استخلص الواقعة على النحو سابق البيان عند تناول أسباب الطعن المقدم من الطاعن الأول وكان هذا البيان تتوافر به عناصر جريمة السرقة التي دان الطاعن الثاني بها ومن بينها ركن الاختلاس ودلل على أن هذا الطاعن قد اختلس الفحم المسروق على غير إرادة مالكه وأن سماح أمين المخزن له بنقل الفحم لم يكن إلا من قبيل التغافل والعمل على ضبط الطاعن مقارفا لجريمة السرقة – لما كان ذلك وكان الحكم واضحا في استظهار عناصر الجريمة والأدلة عليها وكان قد اطمأن إلى ما قرره الشاهد محمد إسماعيل في تحقيق النيابة وفى الجلسة عن عدد السيارات مطرحا أقواله الأولى في محضر ضبط الواقعة وذلك على التفصيل السابق بيانه عند الرد على أسباب الطعن المقدم من الطاعن الأول كما اطمأن إلى ما شهد به أمين المخزن من أن الطاعن عرض عليه مبلغ الخمسين جنيها كرشوة وقد حصل الحكم المطعون فيه أقوال شهود الإثبات بما لا تناقض فيه، لما كان كل ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذه الأسباب يكون قائما على غير أساس ويتعين الحكم في موضوع الطعن برفضه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .