جريمة تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف – حكم محكمة النقض المصرية

الطعن 2460 لسنة 49 ق جلسة 13 / 11 / 1980 مكتب فني 31 ق 190 ص 979 جلسة 13 من نوفمبر سنة 1980

برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعه؛ ومحمد عبد الخالق النادي، وصفوت خالد مؤمن، والدكتور علي فاضل.
———–
(190)
الطعن رقم 2460 لسنة 49 القضائية

(1) اختصاص “الاختصاص الولائي”. قانون “تفسيره” .قضاء عسكري. نقض. “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
اختصاص المحاكم العادية بكافة المنازعات والجرائم، إلا ما نص على انفراد غيرها به. المحاكم العسكرية. محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي. مناط اختصاصها. اختصاص المحاكم العادية – معها – بمحاكمة الخاضعين لقانون هيئة الشرطة.
(2) علاقة السببية. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها. تقديرها. موضوعي. مثال لتسبيب سائغ على توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة.
(3)نقض. “الصفة والمصلحة في الطعن” “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. عقوبة. “العقوبة المبررة”.
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة في توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة، ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لجريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف مجردة من ظرف الوفاة.
(4) إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل” دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”.
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم. موضوعي.
(5) حكم “بيانات التسبيب”. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. إثبات “شهود”.
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ما دامت قد اطمأنت إليها.
تضارب الشاهد في أقواله أو مع غيره. لا يعيب الحكم، متى كانت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال، بما لا تناقض فيه.
(6)دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
الطلب الجازم. ماهيته؟. مثال لطلب غير جازم.
(7)حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
(8)موظفون عموميون. تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. جريمة “أركانها”. قصد جنائي. باعث.
القصد الجنائي في جريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. مناط تحققه. تقديره موضوعي.
(9) محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات. “بوجه عام”. “قرائن”.
حق محكمة الموضوع في أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها.

—————-
1 – من المقر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقب عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 و3 – لما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: “ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي وقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة وهي موت المجني عليه غرقاً” وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات.
4 – من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعها إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 – المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 – لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه.
7 – المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه.
8 – القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك، وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.
9 – من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عاماً (أمين شرطة بإدارة شرطة ميناء الإسكندرية) قام بتعذيب…….. على النحو المبين بالتحقيقات لحمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسنده إليه بسرقة وإخفاء مسروقات من الدائرة الجمركية فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمادتين 126/ 1، 2، 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض…. إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أفضى إلى موته قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن كان من أفراد هيئة الشرطة وقت وقوع الحادث وقد نسب إليه ارتكابه أثناء تأدية وظيفته وبسببها مما يجعل أمر محاكمته موكولاً للقضاء العسكري إعمالاً لأحكام قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 كما أن الحكم قد خلص إلى أن الإصابات التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه هي التي أودت بحياته رغم أن الثابت بتقرير الصفة التشريحية أن تلك الإصابات ليس من شأنها إحداث الوفاة التي نشأت عن إسفكسيا الغرق بما تنتفي معه علاقة السببية بين الأفعال المسندة للطاعن ووفاة المجني عليه وقد أثار الدفاع ذلك في مرافعته بيد أن الحكم لم يعن بالرد عليه وأخذ بأقوال الشهود رغم تناقضها، كما عول على أقوال الطاعن ووجود آثار شحوم بسترته وتحريات الشرطة وهي أدلة لا تؤدي إلى ما انتهى إليه. فضلاً عن أنه أطرح طلب إجراء معاينة لمكان الحادث بما لا يسوغ به إطراحه، والتفت عن المستندات التي قدمها وهي تنبئ عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير شهود الإثبات. وأخير فإن الطاعن لم يقصد إلى حمل المجني عليه على الاعتراف وإنما قصد اصطحابه لقسم الشرطة مما ينتفي معه القصد الجنائي لديه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن المقرر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقباً عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والمتهم وما ثبت من المعاينة وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ولم ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت بالأوراق. ولما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: “ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي أوقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقاتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة هي موت المجني عليه غرقاً” وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود على فرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وإذ كانت المحكمة قد بينت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصه من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عول في قضائه ضمن ما عول على أقوال الطاعن في التحقيقات وما وجد من شحوم بسترته وتحريات الشرطة باعتبارها قرائن معززة لأدلة الثبوت التي أوردها، وكان ما أورده من هذه القرائن سائغاً ومن شأنه أن يعزز تلك الأدلة ويؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه والتي دين بها فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون عوداً للجدل في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه فضلاً عن أن المحكمة عرضت لهذا الطلب وردت عليه رداً كافياً وسائغاً لتبرير رفضه. لما كان ذلك وكان لا يقدح في سلامة الحكم إغفاله إيراد مؤدى المستندات المقدمة من الطاعن لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يفصح في أسباب طعنه عن مضمون هذه المستندات وكيف أنها تنبئ – من وجهة نظره – عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير الشهود ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر بأسباب سائغة من ظروف الواقعة وما توحي به ملابساتها أن ما أتاه الطاعن من أفعال التعذيب بالمجني عليه كان بقصد حمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسند إليه والإرشاد عن المنقولات المقول بالشروع في تهريبها فإن إذ دانه بجناية تعذيب متهم لحمله على الاعتراف يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .