جريمة النصب والاحتيال في القانون الفلسطيني

لقد تناول قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 الإشارة إلى جريمة النصب في الفصل الرابع والثلاثون وتحديداً من المواد (300 إلى 308) حيث جاء في نص المادة (300) عقوبات فلسطيني تعريفاً للنصب والغش بأنه “كل بيان أدى باللفظ أو بالكتابة أو استنتج من طريقة السلوك عن أمر واقعي ماضي أو حاضر وهو كاذب في حقيقته يعتبر نصباً وغشاً إذا كان الشخص الذي أداه يعلم بأنه كاذب”.
وهذه المادة كما هو واضح تعطينا تعريف جريمة النصب إلا أن المادة (301) تبين لنا عقوبة جريمة النصب حيث جاء فيها ” أن كل من حصل من شخص آخر على شيء قابل للسرقة أو حمل شخصاً على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأية وسيلة من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة خمس سنوات”.
ومن خلال المادتين (301،300) نستطيع أن نعرف النصب : بأنه قيام الجاني بالاستيلاء على مال منقول للغير بطريق الاحتيال تؤدي إلى تسليم ذلك المال.
وحين تناولنا جريمة السرقة فقد بينا أنه يجمع بينهما وبين جريمتي النصب والاحتيال وخيانة الأمانة وحدة المحل الذي تنصب عليه هذه الجرائم الثلاثة أي أنها تشترك جميعاً في المحل المتمثل في الاعتداء على مال مملوك للغير وجميع هذه الجرائم تشترك في الركن المعنوي كذلك ، وهو قصد التملك أو الاستيلاء بنية التملك ، ورغم كل هذه الأمور إلا أن جريمة النصب تختلف عن جريمة السرقة وخيانة الأمانة في الطريقة التي يتم بها الاستيلاء على المال ففي السرقة يتم الاستيلاء بغير رضاء من صاحب المال أما في النصب فيتم الاستيلاء طواعية من المجني عليه وبرضاء منه إلا أن هذا الرضاء يتم بناءً على الغش والخداع والتدليس. وأما التسليم في خيانة الأمانة ينبني على الائتمان وبالنصب ينبني على الاحتيال . فضلاً عن أن المجني عليه في النصب يسلم المال بهدف نقل الحيازة الكاملة للجاني ، في حين أن المجني عليه في خيانة الأمانة لا يهدف من وراء التسليم إلا إلى نقل الحيازة النؤقتة.
والتعريف السابق ذهبت إليه محكمة الاستئناف العليا حيث قضت في الاستئناف رقم 59/68 “بأن جريمة النصب لا تقوم إلا إذا توافرت لها أركان محددة وهي:
أ-الادعاء الكاذب بأمر واقعي وعلم المتهم بكذب هذا الادعاء.
ب-الحصول على مال من هذا الطريق ونية الغش وتخلف أي ركن من هذه الأركان يؤدي بدوره إلى انعدام الجريمة ذاتها ولدى استعراضنا لجريمة السرقة رأينا أن القوانين القديمة لم تكن لتعرف التفرقة والتمييز بين الجرائم الثلاثة ، وسنتناول دراسة جريمة النصب في ثلاث مباحث على النحو التالي:

أركان جريمة النصب
تقوم جريمة النصب على ثلاثة أركان رئيسية وهي : المحل الذي تنصب عليه جريمة النصب ، والركن المادي ، ثم الركن المعنوي وسنتناول تلك الأركان في ثلاث مطالب لكل ركن مطلب مستقل على النحو التالي:-

محل جريمة النصب
والمحل الذي تنصب عليه جريمة النصب يمثل في ذات الوقت موضوع الجريمة وهو المال الذي سلمه المجني عليه للجاني بناءً على الغش الذي أوقعه الجاني فيه باستخدام طرق الاحتيال والتدليس التي سنبينها في معرض تناولنا للركن المادي للجريمة ، ومحل الجريمة هنا يتمثل في المال المستولى عليه بطرق الخداع وهو ذات المال الذي تحدثنا عنه في جريمة السرقة فينبغي أن يكون المال منقولاً ومملوكاً للغير.

الشرط الاول: يجب أن ينصب محل الجريمة على مال مادي منقول: وعليه فإن صفة المال هي شرط أساسي ينبغي توافره في محل جريمة النصب والمال الذي يتطلب توافره هو المال سواء أكان نقوداً أو شيئاً يقوم بنقود كبضاعة مثلاً وأما إن لم يكن الشيء مالاً ومادياً وملموساً فإن ذلك يمنع من قيام جريمة النصب كما لو قام الجاني بالمساس بعرض وشرف المجني عليها باستخدام وسائل الغش والخداع فإن ذلك لا يعتبر مالاً وإن كان المحل الذي وقع عليه الاعتداء والأفعال المكونة للاعتداء تشكل جريمة عرض واشتراط كون المال مادياً هو من الأمور البديهية التي تقتضيها طبيعة الجريمة لأن جريمة النصب تقوم على أساس التسليم ولا يتصور شيء معنوي ولا يعد نصباً قيام الجاني وباستخدام الطرق الاحتيالية إلى جعل البائع يقبل تقسيط ثمن الشيء المباع وإن عجز عن دفع الإقساط لأن مثل هذه العلاقة تشكل علاقة مدنية محضة بين دائن ومدين ولا تشكل جريمة نصب.
ويجب كذلك أن يكون للمال قيمة إلا أن قيمة المال لا تؤثر في قيام الجريمة وتحققها ، وإن كانت ضآلة المال محل النصب تؤخذ في الحسبان لدى تقدير القاضي للعقوبة المناسبة ويدخل في عداد المال كل شيء تكون له قيمة تقوم بمال حتى وإن كان للشيء قيمة أدبية إلا أنه يصح تقويمه بالمال فإنه في عداد المال الذي تقوم به جريمة السرقة والنصب وخيانة الأمانة.
إلا أن القوانين الحديثة وضعت فواصل وحدود ميزت كل جريمة عن الأخرى ، وأصبح من السهل تمييز كل جريمة عن الأخرى والأساس الذي تقوم عليه جريمة النصب ينحصر في الاستيلاء على مال الغير بطريق التدليس المدني والجنائي حيث يترتب على الأول إبطال العقد أو المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يترتب على التدليس المدني ، أما التدليس الجنائي فيعد جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة جنائية .
ومن الشروط التي يجب توافرها في المال الذي تقوم به جريمة النصب هي أن يكون هذا المال منقولاً وليس عقاراً وينبغي أن يكون هذا المنقول قابلاً للحيازة والتملك الشخصي فمن الممكن أن يكون المال مجرد سند دين أو عقد مخالصة أو ورقة إنذار أو إخطار أو أي مستند أو ورقة لها صفة المال.

الشرط الثاني : ملكية الغير للمال:
وذلك يستخلص من نص المادة(301) حيث جاء فيها ” بأن كل من حصل من شخص آخر على شيء قابل للسرقة والشيء الذي يقبل السرقة هو المال المنقول المملوك للغير أو كل شيء منقول يمكن تقويمه بالمال شريطة ملكية الغير لهذا المال” ، وذلك ما أكدته المادة (263/1) والتي تعرف السرقة والمال محل السرقة بقولها بأن كل من أخذ ونقل مالاً قابلاً للسرقة بغير رضا مالكه.
وبناءً على ما تقدم فيجب أن يكون الهدف الذي سعى الجاني إلى تحقيقه هو الاستيلاء على مال لا يخصه أو يمتلكه ، لأن جريمة النصب من الجرائم التي تشكل اعتداءً على الملكية التي تخص الغير ، ولا يتصور وقوع جريمة النصب من الجاني إذا كان مالكاً للمال حتى وإن كان المال الذي يملكه في حوزة شخص آخر وتم استيلائه على هذا المال باستخدام طرق الغش والاحتيال لن العبرة هي بالأمر الحقيقي والواقعي.
ولا يعتبر الدائن مرتكباً لجريمة النصب إذا ما قام بالحصول على ماله من المدين باستخدام وسائل الغش والخداع طالما أنه لم يستولي على مال من المدين أكثر من قيمة الدين المستحق له في ذمته، لأنه لم يترتب على ذلك إلحاق أي ضرر بثروة المدين أو المساس بها طالما أن المبلغ المستولى عليه هو بقيمة المبلغ الدائن وليس أكثر.
وهذا الاتجاه أيدته محكمة النقض المصرية حيث جاء في أحكامها المتعددة أن توصل الدائن إلى الاستيلاء من مدينه على مبلغ الدين سلب المدين ثروته ، والحالة السابقة تعتبر من قبيل حالات المقاصة الجبرية ، وهذه الحالة قد تكون جريمة أخرى لكنها لا تشكل بحال من الأحوال جريمة النصب وهذا ما يراه جانب كبير من الفقهاء .
ولكن هذه الطريقة بها استخدام قوة في استرداد الدين وأن الدين علاقة مدنية أو تجارية لو كانوا تجاراً فطريقة الاسترداد تكون بدعوى مدنية لاستيفاء الدين ولا يمكن أن تكون بطريقة القوة والعربدة حتى لو كان المسترد مقابل الدين فقط لأن العبرة في مشروعية الأخذ وطريقته وليس في القيمة المراد استردادها ، ولأن إرادة المدين قد شابها التدليس ، والضرر متوافر لأنه قد يكون مبلغ الدين مثار نزاع أو موضع خلاف بين الدائن والمدين .

الركن المادي
الركن المادي في جريمة النصب يتحلل إلى عناصر ثلاثة وهي : السلوك الإجرامي أو النشاط الإجرامي ، وينحصر في استعمال وسائل الغش والخداع والاحتيال والتدليس .
الركن الثاني متمثل في النتيجة الإجرامية أي تسليم المجني عليه المال الذي يمتلكه للجاني.
وأخيراً علاقة السببية التي تربط ما بين السلوك والنتيجة الإجرامية.

السلوك الإجرامي
إن الاحتيال والكذب هو جوهر التدليس الذي يقع ضحيته المجني عليه في جريمة النصب لأن الكذب يدفع المجني عليه إلى الوقوع في الغلط الذي يدفعه إلى تسليم المال محل النصب وذلك ما أشارت إليه نص المادة 300 وما بعدها من مواد ، حيث جاء في المادة (300) بأن : “كل بيان باللفظ أو الكتابة أو استنتج من طريقة السلوك عن أمر واقعي ماضي أو حاضر وهو كاذب في حقيقته يعتبر نصباً وغشاً إذا كان الشخص الذي أداه يعلم بأنه كاذب ، والأمر ليس بهذه السهولة فما المعيار الذي يعتد به في تقدير الكذب الذي يقوم به التدليس ذلك أن الكذب يختلف عن الوسائل الأخرى التي من السهل تحديدها بل أنها محددة على سبيل الحصر وفقاً لما جاء به القانون ، وسنعالج فيما يلي ماهية التدليس ومعياره والوسائل التي يقوم بها وفقاً لما جاءت به نصوص القانون.

أولاً : ماهية التدليس ومعياره :
الكذب بمثابة الأساس الذي يقوم عليه التدليس والكذب معناه الإدعاء بغير الحقيقة أو هو تغيير للحقيقة ينصب على واقعة محددة ولكي يقوم السلوك الإجرامي في جريمة النصب لا بد من توافر الكذب ، لأن ذكر الحقيقة لا يعد نصباً لأن التدليس يقوم على الطرق الاحتيالية والتي بدورها تقوم على الكذب ، والكذب من الأمور الواقعية والتي تستخلصها محكمة الموضوع فإن لم تقم القناعة لدى محكمة الموضوع بقيام ووجود الكذب ، انتفت لديها القناعة بقيام جريمة النصب ، ولا توجد صورة واحدة للكذب إلا أنه لا خلاف بينها أمام القانون ، فجميع صور الكذب متساوية أمام القانون سواء أكان بسيطاً أم شديداً كتابة أو شفاهة جزئياً أو كلياً ، المهم فيه أن يكون هو السبب الذي أدى بالمجني عليه في الغلط الذي يدفعه إلى تسليم ماله بسبب تصديقه لأقوال الجاني ، وادعاءاته الكاذبة ، والموقف السلبي الذي يقع من المتهم لا يصلح لقيام التدليس ولا بد من صدور نشاط إيجابي يؤدي إلى وقوع المجني عليه في الغلط .

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن الكذب الذي يؤدي إلى انخداع المجني عليه به هو الذي يصلح لقيام النصب وذلك ما جرى العمل به لدى محكمة الاستئناف العليا في القضية رقم 59/68 ، وعليه فإن الكذب الذي يعتد به ويصلح لقيام جريمة النصب هو الكذب الذي يؤدي إلى وقوع المجني عليه في الغلط أو هو الكذب الذي ينخدع به المجني عليه فإن كان المجني يعلم بحقيقة الأساليب المستخدمة معه فلا تقوم جريمة النصب.

*ما هو المعيار في الكذب المكون للتدليس :
هل يلزم حد معين في الكذب لدى سائر الناس أم يكفي أن يكون حد الكذب متعلق بشخصية من وقع فيه ، لقد انقسم الفقهاء حول هذه المسألة ، حيث اعتد البعض بالمعيار الموضوعي وهو الرجل المتوسط إلا أن البعض الآخر أخذ بالمعيار الشخصي.
وأنصار المعيار الموضوعي يرون أن الكذب المتطلب لقيام جريمة النصب هو الكذب الذي يلزم فيه حد معين يقع فيه متوسطي الذكاء من الناس ، فإن لم يكن كذلك وانخدع به السذج من الناس والبسطاء فلا تقوم جريمة النصب ، وهذا المعيار لا يصلح الاعتداد به في جريمة النصب وغن كان يصلح في الأمور المدنية لأن الجناة غالباً ما يختارون ضحاياهم من البسطاء من القوم وقليلو الذكاء فلا يعقل أن يتمتع الأذكياء وأصحاب الفطنة بحماية القانون لهم بينما يحرم هذه الحماية الناس البسطاء ومحدودي الذكاء.
أما المعيار الشخصي وهو المعيار السائد في المرحلة الحالية فإنه ينظر إلى الظروف الشخصية المحيطة بالمجني عليه والتي انخدع بها وسلم المال بناء عليها فإن جريمة النصب تقوم وإن كانت مثل هذه الظروف لا تصلح لقيام الجريمة بها لدى البعض من الناس ممن هو أكثر ذكاء من المجني عليه.
وهذا المعيار هو المعمول به لدى القضاء في فلسطين وهو ما أخذت به محكمة الاستئناف العليا.

ثانياً : وسائل التدليس :
لقد حدد المشرع في المادة (301،300) وما يليهما من مواد قانون العقوبات الفلسطيني وسائل التدليس والتي إن توافرت إحداها قامت جريمة النصب وهذه الوسائل هي : الطرق الاحتيالية ، اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير حقيقية ، التصرف في مال ليس ملكاً للمتهم وليس له حق التصرف فيه .
وجميع هذه الوسائل يجمعها عامل مشترك واحد ألا وهو الكذب .

1-الطرق الاحتيالية:
تعريفها: الطرق الاحتيالية هي أكثر وسائل النصب شيوعاً وانتشاراً ولم يرد لها تعريف محدد لا في الفقه ولا القضاء ويعرفها جانب من الفقه القانوني بأنها ” عبارة عن مظاهر خارجية يدعم الجاني بها أكاذيبه كي يحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحة ما يدعيه ، ومما سبق نستطيع تحديد العناصر التي تقوم عليها الطرق الاحتيالية في عنصرين اثنين وهما: الكذب والمظاهر الخارجية والمعززة للكذب.

أ-الكذب : والكذب يعد الجوهر والأساس الذي تقوم عليه جريمة النصب وهو الأساس الذي تشترك فيه كافة الوسائل الأخرى التي يقوم عليها التدليس ويعد من أهم العناصر التي تقوم عليها الطرق الاحتيالية ، والكذب لا ينحصر في وسيلة معينة وجميع وسائل الكذب متساوية أما القانون وهي تهدف إلى الإيقاع والتغرير بالغير مما يدفعه تسليم ما يريده الجاني منه ولا يختلف الأمر إذا ما صدر الكذب بالكتابة أم شفاهة أو مجرد الإشارة ولا يكفي مجرد اللفظ وحده في قيام جريمة النصب وإنما يجب أن يتعزز القول أو اللفظ بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه الاعتقاد بصحة ما يدعيه الجاني ، طالما أن اللفظ لا يكفي وحده لقيام جريمة النصب ذلك أن جريمة النصب هي من الجرائم العمدية الإيجابية التي لا تقوم بمجرد السكوت أو اتخاذ موقف سلبي أو مجرد الكتمان.
ولا يعد كذباً إذا كانت الواقعة المنسوبة للمتهم من الوقائع الصحيحة ، وعليه فلا تقوم جريمة النصب إذا كان ما تم إسناده للمتهم صحيحاً وأن ترتب عليه تسليم الشخص لجانب من ماله.

ب-المظاهر الخارجية: لقد وضحنا أن الكذب جوهر جريمة النصب إلا أن الكذب وحده لا يكفي لقيام جريمة النصب وإنما يجب أن يتعزز بمظاهر خارجية تعزز الكذب وتدفع بالمجني عليه إلى الاعتقاد والاقتناع بصحة ما يدعيه الجاني والمظاهر الخارجية التي يلجأ لها لتعزيز الكذب لا تنحصر في وسيلة واحدة إلا أنه يمكن تحديد هذه الوسائل في اربعة وسائل هي:

/الاستعانة بالغير: استعانة الجاني بشخص أو أشخاص آخرين لتأكيد مزاعمه وللتغرير بالمجني عليه يعد من أكثر المظاهر الخارجية التي يلجأ لها الجاني في جريمة النصب ، فإذا ما اجتمع شخصان على تأكيد واقعة كاذبة بان أكد كل منهما ما يزعمه الآخر فإن هذا التوكيد والتأييد يعتبران من قبيل الأعمال الخارجية التي تحمل المجني عليه على تصديق ما يزعمه كل واحد منهما ، وبذلك التأييد والتأكيد يرقى الكذب إلى مصاف الطرق الاحتيالية التي تقوم عليها جريمة النصب ولا يختلف الأمر إذا كان أحد الشخصين فاعلاً أو شريكاً أو كانا كلاهما فاعلين أم شريكين لشخص آخر ولكن لا بد أن يكون تدخل الغير أو الاستعانة بالغير قد تم بناء على اتفاق مسبق مع الجاني ، أما إن كان التدخل من الغير بشكل عفوي وتلقائي ودون اتفاق مع الجاني فلا تقوم جريمة النصب في حق الغير وإذا كانت تدخل الغير بناءً على سعي الجاني لديه فإن الغير يعتبر شريكاً في الجريمة أو فاعلاً لها ، وتدخل الغير أو الاستعانة به تتم بكافة الطرق التي يتم بها الاحتيال ولا ينحصر في وسيلة واحدة ، فقد يتم هذا التدخل شفاهةً وقد يتم بالكتابة ، وقد يتم مجرد حضور هذا الغير لدى المجني عليه واستغلال هذا الحضور من قبل الجاني ، ويعد نصباً قيام الجاني برهن تمثالاً من النحاس لدى تاجر بزعم الجاني أن هذا التمثال من الذهب ويحصل بالمقابل لذلك على مبلغ أعلى من ثمن التمثال بكثير ويكون ذلك قد تم بتأييد شخص آخر للجاني فيما ادعاه ، فإن ذلك يعد من الطرق الاحتيالية التي يقع بها النصب ، ويعد نصباً كذلك قيام شخص بالادعاء بأنه قادر على مداواة المجني عليه وشفائه باتصاله مع الجن والقيام ببعض الأفعال الغريبة ، وقامت زوجته بتأييده في صحة ما يزعمه وروجت لذلك بقصص وحكايات غريبة من صنع خيالها ، مما دفع بالمجني عليه لتسليم ما لديه من نقود نتيجة تصديقه للجاني وزوجته.

//الاستعانة بأوراق ومستندات مزورة وغير صحيحة:
وذلك ما أشارت إليه النصوص المتعلقة بجريمة النصب والاحتيال بدءً من المادة رقم (300) وما بعدها ، ويعد من قبيل المظاهر الخارجية التي تدعم الكذب وتعزز منه تقديم الجاني للمجني عليه أوراق أو مستندات مزورة وغير حقيقية على أنها مستندات صحيحة وغير مزورة مما يدفع بالمجني عليه إلى تصديق الجاني ولكن يشترط شروط محددة كي ترقى هذه الوسيلة إلى مصاف الوسائل التي يتم بها النصب والاحتيال وهذه الشروط هي :
أ-يجب أن يقوم الجاني فعلاً بتقديم هذه الأوراق أو المستندات إلى المجني عليه ، وعليه فلا ترقى هذه الوسيلة إلى الوسائل التي يقوم بها النصب إذا اقتصر دور الجاني على مجرد الادعاء بوجود هذه المستندات دون تقديمها للمجني عليه.
ب-ويشترط في هذه المستندات أو المحررات أن تكون صادرة من الغير أما إن كانت صادرة عن الشخص نفسه فلا تقوم بها جريمة النصب.ولا يشترط أن تكون هذه المستندات صحيحة فعلاً ، وعدم صحة هذه المستندات لا تنفي قيام النصب ، ولا يشترط القانون في المستند أي شكل معين إلا أن المحكمة يجب عليها أن تبين حقيقة هذا المستند .
ولا يشترط أن يكون للغير المنسوب المستند إليه وجود حقيقي بل يقوم الاحتيال والنصب وإن لم يكن وجود حقيقي للغير الذي استخدم السند المنسوب إليه.

///القيام ببعض الوقائع المادية : وهذه الأشياء التي يلجأ لها الجاني إنما يلجأ إليها لتدعيم ما يدعيه من أقوال وأفعال كاذبة كان يقوم الجاني بإخراج حافظة من جيبه محشوة بالأوراق البيضاء لإيهام المجني عليه بأنها أوراق نقية نقدية لحمله على تصديقه فيما يدعيه ومن هذه الوقائع المادية ما يلي :
أ-قد يحيط الجاني نفسه ببعض المظاهر التي توحي للمجني عليه بأنه صاحب مهنة أو وظيفة أو منصب محدد كان يزعم بأنه محام أو مهندس أو طبيب وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه يعد نصباً.
قيام الجاني بإدارة مستوصف للعلاج وظهوره أمام المرضى بأنه طبيب مع أنه على العكس من ذلك ، وقيامه باستخدام لهجة أجنبية لحمل المجني عليهم (المرضى) على الاعتقاد بصحة ما يدعيه أو انتحاله اسم طبيب مشهور وارتدائه الملابس البيضاء التي يرتديها الأطباء عادة ، وقيامه بالكشف على المرضى واستعانته بإحدى الممرضات لتعريفه على المرضى والقيام باستقبالهم وتقديمهم على أنه طبيب.
ب-وقد يحيط نفسه بمظاهر خارجية من شأنها الإيحاء للمجني عليه بقدرته على الاتصال بالعالم الخارجي أو بالجن ، وبيان قدرته على تسخير الجن لخدمته ، أو إيهامه للمجني عليه بمشروع تجاري كاذب وأيد ادعائه هذا بأوراق تشهد باتجاره مع الغير فينخدع المجني بها ويسلم الجاني النقود التي يطلبها منه.
ج-إحاطة الجاني نفسه بمظاهر خارجية توحي بإقدامه على التعاقد مع المجني عليه ، كأن يستعين الجاني بحقيبة مملوءة بالأوراق النقدية التي تعادل قيمة ثمن السيارة التي كان يريد شرائها وقد تمكن بما استعمله من طرق احتيالية من الحصول على توقيع المجني عليه على عقد بيع السيارة أمام الموثق للعقود أو المحامي بما يتضمن هذا العقد من أن المجني عليه قد قبض الثمن وبعد أن حصل على نسخة العقد طالب المجني عليه بتسليم السيارة مع أنه لم يدفع الثمن .
د-أن يستعين المتهم لتأييد ما يزعم بنشر إعلانات عن نفسه وعن مشروعه ونشره عن فتح حساب في أحد فروع البنوك تودع فيه الأموال التي يشترك بها المساهمون في المشروع وإعداده المظهر الذي يخدع الجمهور بصحة إدعائه، كأن يقوم بتجهيز مقر فخم جداً كمكتب للشركة.
هـ-وأخيراً قد يستغل الجاني ظروف طارئة لا دخل له في تحققها لتأكيد مزاعمه وهذه الظروف قد تكون مادية وقد تكون شخصية.

////استغلال الثقة أو الصفة : قد يلجأ الجاني إلى استغلال صفة خاصة به ، ويجب أن تكون هذه الصفة حقيقية وليست منتحلة عن الغير وأن تكون لها صلة بمجال ادعاءات الجاني الكاذبة حتى يكون من شأنها تعزيز الأكاذيب التي يدعيها.
ومثال ذلك : استعانة الجاني بوظيفته العمومية كجابي ضرائب عقارية فإذا ما عزز هذه الصفة بأوراق يحملها للإيقاع بالمجني عليه بأنه يقوم بعمل رسمي وقام بحصر سكن المجني عليه بالفعل لتأكيد ما يزعمه ثم طلب منه بعد ذلك سداد زعم أنه لدفع غرامة فرضت عليه لتأخره عن سداد رسم البناء الذي قام ببنائه .

2-اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة:
والاسم الكاذب يعني أن يتخذ المتهم له اسماً غير اسمه الحقيقي والأمر سواء أكان الاسم وهمياً أو اسماً لشخص آخر له وجود حقيقي ، وسواء أكان يوجد اختلاف حقيقي في الاسم أو اختلاف جزئي فقط وعليه فلا تقوم جريمة النصب إذا ما تقدم المتهم باسمه الحقيقي حتى وإن كان تسليم المتهم للمال نتيجة غلط وقع فيه طالما أن المتهم قد تقدم للمجني عليه باسمه الحقيقي وليس باسم آخر. والكذب وحده لا يكفي لقيام جريمة النصب ، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن المشرع اكتفى في هذه الحالة بأن تقوم جريمة النصب إذا تعلق الكذب باسم المتهم أو بصفة فيه حتى وإن لم يقترن تغيير الاسم أو الصفة بشيء آخر من الطرق الاحتيالية والعلة من ذلك تكمن في أن الناس قد اعتادوا على تصديق ما يدعيه الشخص من اسم أو صفة دون التحقق من صدق ما يدعيه.
أما الصفة الغير صحيحة فهي الحالة التي يدعي فيها الشخص لنفسه صفة فير الصفة التي تكون له أو ربما كانت له إلا أنها زالت عنه وأمثلة ذلك ، أن يدعي المتهم أنه قريب لشخص محل ثقة المجني عليه أو أنه يشغل وظيفة محددة أو مهنة معينة أو يحمل درجة علمية معينة كالدكتوراه مثلاً .
ومثال ذلك : ادعاء شخص أنه يعمل بوظيفة كبيرة جداً مع أنه مجرد موظف صغير ، وفي حالة استخدام الشخص لصفة معينة وكي تقوم جريمة النصب بناءً على هذه الصفة يلزم توافر شرطين اثنين وهما:-
أ-أن تكون هذه الصفة محددة لقدر من الصفة المالية المتصلة بالشخصية .
ب-أن يجري العرف على التسليم بهذا الإدعاء دون المطالبة بتقديم الدليل على صحة ما يدعيه.

3-التصرف في مال ليس ملكاً للمتهم وليس له حق التصرف فيه:
والتصرف في ملك الغير أو مال الغير هو من الوسائل التي يتحقق بها الاحتيال والذي تقوم به جريمة النصب وفقاً لما ورد النص عليه بمواد القانون المتعلقة بجريمة النصب وهذه الطريقة نص عليها المشرع المصري في المادة (336) عقوبات ، إلا أن هذا النص لا يوجد له مقابل في القانون الفرنسي والذي يعتبر الأصل للقانون المصري وتفترض هذه الوسيلة إجراء الجاني تصرفاً يتعلق بمال لا يملكه وليس له حق التصرف فيه وهو يتصرف بهذا المال بناءً على ادعاء كاذب وهذه الوسيلة تكفي لوحدها لقيام جريمة النصب ولا يشترط اقترانها بوسيلة أخرى ن إلا أن هذه الوسيلة ينبغي قيام شرطين كي يعتد بها لقيام جريمة النصب وهذين الشرطين هما:-
1-أن يتصرف الجاني في عقار أو منقول : ومعنى التصرف هو أن ينشء الجاني حقاً عينياً على المال محل التصرف أو نقله أو انقضاؤه وتخرج أعمال الإدارة من التصرف فالإجارة والعارية والمزارعة لا تدخل ضمن أعمال التصرف التي تقوم بها جريمة النصب ، وهذه الوسيلة كما هو واضح لا تفرق بين المال المنقول أو العقار.
2-عدم ملكية الجاني للمال وعدم أحقيته للتصرف فيه: وهذا الشرط يقتضي التمييز بين أربعة فروض وهي:
أ-أن يكون المتصرف مالكاً للمال وله حق التصرف، وهنا لا تقوم جريمة النصب في مثل هذه الحالة حتى وإن كانت النية المبيتة لدى الجاني على عدم تمام الصفقة أو عدم تسليم الشيء محل البيع ويشترط بذلك أن يكون المتصرف مالكاً لجميع المال محل التصرف أما إن كانت ملكيته تنصب على جزء دون باقي أجزاء المال وتصرف بجميع المال فإن جريمة النصب تقوم في حقه.
ب-أن يكون المتصرف غير مالك للمال لكنه يملك التصرف فيه، وهذه الحالة تنصب على النائب الذي تخوله النيابة سلطة التصرف في ملك الأصيل طالما كان ملتزماً بالحدود التي ترسمها النيابة وسواء أكانت النيابة قانونية أو تعاقدية ، فإن خالف ذلك قامت جريمة النصب.
ج-أن يكون المتصرف مالكاً للمال وليس له حق التصرف فيه ، ويتحقق هذا الغرض بالنسبة لمالك الأشياء المحجوز عليها أو المرهونة وفي هذه الحالة لا تقوم جريمة النصب بتصرف المالك بالمال وإن لم يكن له حق التصرف بالبيع كمن يقوم ببيع أطيانه المحجوز عليها ذلك إن الحجز على هذه الأموال لا يخرجها عن ملكية صاحبها أو مالكها.
د-أن يكون المتصرف غير مالك للمال وليس له حق التصرف فيه ، وفي الغرض الأخير تثور جميع فروض جريمة النصب ذلك أن المتهم ليس مالكاً للمال وليس له حق التصرف فيه.

النتيجة الإجرامية في جريمة النصب تنطوي على(تسليم المال)
*معنى التسليم:
يعاقب القانون كل من توصل بطريق الاحتيال على النحو السابق ذكره باعتبارها من الجرائم المعدة جنايات حسب نص المادة (301) من قانون العقوبات المطبق لدينا حيث جاء فيه ” كل من حصل من شخص آخر على شيء قابل للسرقة أو حمل شخصاً آخر على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأية من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة خمس سنوات .
والهدف الذي يسعى له الجاني من جريمة النصب هو الاستيلاء على مال الغير وذلك يعد بمثابة النتيجة الإجرامية والتي تعتبر بمثابة العنصر الثاني من الركن المادي في جريمة النصب ، والاستيلاء يقصد به تسليم المجني عليه للمال محل النصب بناءً على استخدام الوسائل الاحتيالية التي وقع ضحيتها وبتمام التسليم تقع جريمة النصب كاملة .
والتسليم معناه كل سلوك يصدر من المجني عليه نتيجة الغلط الذي يقع فيه بسبب استخدام الحيل من جانب الجاني يحمله على القيام بتصرف مالي من شأنه نقل المال موضوع النصب للجاني أو أي شخص آخر يعينه الجاني وكي يعتد بهذا التسليم لا بد من قيام شروط محددة وهي :
أ-يجب أن تكون إرادة المجني عليه وقت التسليم قد شابها عيب من عيوب الإرادة أي ينبغي أن تكون هذه الإرادة قد وقع عليها الغش والتدليس وهما الأمور التي تعيب الإرادة.
ب-يجب أن تكون الإرادة المعيبة للمجني عليه قد اتجهت إلى التسليم متأثرة بالعيب الذي شابها ولا تأثير للطريقة التي يتم بها التسليم وسواء أكان باليد أو بأية وسيلة أخرى وسواء أكان فعلياً أو حكماً.
ج-يجب أن يكون من قام بالتصرف وتسليم المال هو الشخص نفسه الذي وقع في الغلط.
د-يجب أن يثبت أن التصرف الذي قام به المجني عليه كان تحت تأثير الغلط الذي أفسد إرادته.
هـ-يجب أن يكون القصد من التسليم هو نقل الحيازة الكاملة إلا أن البعض من الفقهاء لم يشترط الحيازة الكاملة.
و-يجب أن يكون التسليم لاحقاً على حدوث الوسائل الاحتيالية.

*ما لا يؤثر على التسليم:
1-لا يشترط أن يتم التسليم من المجني عليه نفسه فقد يصدر التسليم عن شخص آخر كالوكيل أو الوالد للمجني عليه إلا أن التسليم يجب أن يكون قد تم بناءً على الغش أو التدليس الذي وقع فيه المسلم.
2-لا يشترط في المال محل التسليم أن يكون مملوكاً للمجني عليه فقد يكون تحت يده بصفة عارضة أو تمت حيازته حيازة مؤقتة.
3-لا يشترط كذلك أن يتم التسليم مباشرة من المجني عليه للجاني فقد يصدر التسليم لشخص آخر يعينه الجاني.

رابطة السببية بين الاحتيال والتسليم
لكي تقوم جريمة النصب لا بد من توافر رابطة السببية بين الأفعال التي تشكل الاحتيال والنتيجة الإجرامية المترتبة على ذلك والتي تتمثل في تسليم المجني عليه للمال نتيجة لما وقع عليه من تدليس ، أي أن التسليم الذي تم من المجني عليه للمال أو الأشياء التي في حيازته للجاني يجب أن يكون قد تم نتيجة لوسائل التدليس التي وقع ضحيتها المجني عليه وذلك يستخلص من نص المادة (301) عقوبات ، بأن كل من حصل من شخص آخر على شيئاً قابلاً للسرقة أو حمل شخصاً آخر على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأي وسيلة من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة خمس سنوات .
ورابطة السببية عنصر ضروري ولازم لقيام جريمة النصب وذلك بإسناد المال أو الأشياء محل الاستيلاء إلى الغش أو الاحتيال ، وانتفاء رابطة السببية لا ينفي الجريمة كلية فقد تقف الجريمة عند حد الشروع فيها والشروع معاقب عليه في القانون الفلسطيني.

*مفهوم رابطة السببية :
ومعنى رابطة السببية في جريمة النصب هو وقوع المجني عليه ضحية لوسائل الاحتيال والخداع التي قام بها الجاني وتسليمه للمال أو الأشياء للجاني نتيجة الخداع الذي وقع عليه أي أن رضاء المجني عليه بتسليم المال محل النصب هو نتيجة الغلط الذي وقع فيه المجني عليه أي أنه لو علم بحقيقة الأمور لما قام بتسليم المال للجاني ، وكي يحكم بقيام رابطة السببية من عدمه لا بد من توافر شروط محددة وهي :-
1-أن يكون الاحتيال سابقاً على التسليم : فيجب أن يكون تسليم المال إلى الجاني لاحقاً لاستعمال وسيلة الاحتيال حتى يمكن اعتباره نتيجة لاستخدام هذه الوسيلة ، فلا يسأل الجاني عن نصب إذا كان تسليم المال إليه من المجني عليه سابقاً على استخدام وسيلة الاحتيال الصادرة عن الجاني بقصد الاستيلاء على هذا المال وضمه إلى ملكه. وعلى ذلك لا تقوم جريمة النصب في حق من يدخل محلاً تجارياً ويبدي للبائع رغبته في شراء سلعة معينة فيسلمها له البائع لمعاينتها قبل الشراء ثم يتمكن بطريق الاحتيال من مغافلة البائع والفرار بالسلعة دون أن يدفع ثمنها. وكذلك الحال لا يتوافر النصب في حق من يطلب صرف عملة كبيرة نقوداً صغيرة ، وبعد أن يتسلم منه هذه النقود يستعمل طرقاً احتيالية يلهيه بها فيتمكن بذلك من الفرار بالنقود دون تسليم العملة الكبيرة ففي الصورتين السابقتين نظراً لأن التسليم كان سابقاً على وسيلة الاحتيال التي استخدمها الجاني ، فإن علاقة السببية تكون منقطعة ولا مجال لتكييف الفعل بأنه نصب بل يعد من قبيل السرقة.
2-أن يؤدي الاحتيال إلى خداع المجني عليه: يقصد بهذا الشرط أن تكون وسيلة الاحتيال المستخدمة قد نجحت في خدع المجني عليه . فإذا لم يكن المجني عليه قد خدع بالاحتيال إما لأنه كان عالماً بالحقيقة أو لأن وسيلة الاحتيال كانت مفضوحة بحيث لا تنطلي على أحد ، فإن رابطة السببية تكون منتفية بين الاحتيال والتسليم وبالتالي لا يتوافر الركن المادي في جريمة النصب.
وتأسيساً على ذلك تنتفي رابطة السببية إذا كان المجني عليه عالماً بحقيقة ما وقع من احتيال ومع ذلك يقبل تسليم المال إلى الجاني تحقيقاً لاعتبارات معينة. ومثال ذلك أن يكون المجني عليه عالماً بأن السحر الذي انتوى المتهمان عمله لشفاء زوجته هو من أفعال الدجل والشعوذة ، وأنه لم يسمح لهما بالحضور على منزله لإتيان هذا العمل إلا لحمل زوجته على الاقتناع بعدم جدوى مثل هذه الأعمال فإن رابطة السببية تكون منتفية بين الاحتيال والتسليم. وقد يكون المجني عليه عالماً بما يقع من احتيال إما عن تواطؤ مع الجاني وإما طمعاً في كسب يحققه. وفي كلتا الحالتين لا بقع عليه نصب ، لأنه وقت أن سلم المال لم يكن مخدوعاً بما وقع من وسائل احتيالية.
وتنتفي رابطة السببية أيضاً إذا كان المجني عليه عالماً بما يقع من احتيال نظراً لأنه لا يمكن أن ينطلي على أحد، كما لو اتخذ الجاني صفة كاذبة لا يمكن أن تنطبق عليه أوصافها . ومثال ذلك أن يدعي شخص أنه ضابط شرطة وليس له من مظهر ضابط الشرطة شيء يمكن أن يحمل على الاعتقاد في تصديقه كأن يكون رث الثياب أو يلبس ملابس تدل على أنه عامل أو كانت به عاهة ، فلا يكون في مثل هذه الحالة تأثير على المجني عليه من هذا الإدعاء ، وبذلك تنتفي رابطة السببية بين الاحتيال والتسليم.
3-أن يتم التسليم بناء على الاحتيال: ويقصد بذلك أن يكون الخداع الذي وقع فيه المجني عليه نتيجة استعمال الجاني الوسائل الاحتيالية هو الذي دفعه إلى تسليم المال. أما إذا كان المجني عليه قد سلم المال لسبب آخر ، غير كونه مخدوعاً بما وقع عليه من احتيال فإن جريمة النصب لا تقع . وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا حصلت بعض الوقائع الاحتيالية من المتهم واستعان فيها بأشخاص آخرين في سبيل الغرير بالمجني عليه ، وداخل هذا الأخير الخوف من هؤلاء المسخرين من المتهم ، فسلم المبلغ إليهم (تحت تأثير الخوف) ففي هذه الحالة لا تتوافر جريمة النصب كاملة لأن التسليم لم يتم تحت تأثيره وإنما بناء على حالة الخوف التي اعترف المجني عليه بها ، ولذا يجب على المحكمة أن تستظهر في الواقعة التي تثبت لديها ما يدل على توافر علاقة السببية.
وتنتفي رابطة السببية أيضاً – رغم توافر الخداع المبني على الاحتيال – إذا ثبت أن المجني عليه كان سيسلم المال إلى الجاني حتماً سواء لجأ إلى الاحتيال أو لم يلجأ . فالسبب الدافع إلى التسليم يقوم مستقلاً عن الاحتيال الذي لا يؤثر في قيامه وجود الاحتيال أو عدم وجوده . وتطبيقاً لذلك قضى بأنه يعتبر نصباً تسمي شخص باسم ابن عم مأمور المركز واستجداؤه بهذا الاسم شيءاً من أحد أعيان المركز متى اتضح أن هذا الإحسان هو مما اعتاده المجني عليه وأمثاله نحو الفقراء ، وأنه حتى مع تسمي المتهم بهذا الاسم ما كان يتأخر عن الإحسان إليه. لأنه يجب في جريمة النصب أن تكون التسمية هي الأساس لابتزاز أموال المجني عليهم والدافع لهم على تسليم ما أخذ منهم .

الركن المعنوي
إن جريمة النصب من الجرائم العمدية المقصودة ، ومن ثم لا بد أن يقوم الدليل على توافر الركن المعنوي متمثلاً في ” القصد الجنائي” لدى الفاعل إلى جانب الأركان الأخرى للقول بوقوع الجريمة ومن ثم استحقاق الجاني للعقاب . ولا يكفي في جريمة النصب أن يتوافر القصد العام الذي يتطلبه القانون عادة في الجرائم العمدية ن وإنما يجب ان يتوافر إلى جانبه القصد الخاص ، فإذا انتفى القصد الخاص لا تقوم بالتالي جريمة النصب .
أولاً : القصد العام : يتكون القصد العام في جريمة النصب من عنصرين وهما : العلم والإرادة . فيجب أن يعلم الجاني بأنه يرتكب فعلاً من أفعال الاحتيال من شأنه أن يخدع به المجني عليه ويحمله على تسليم ماله ، ويفترض ذلك علم الجاني بكذب ادعاءاته وأفعاله.
وتأسيساً على ذلك إذا كان الجاني معتقداً بصحة الإدعاءات أو الأفعال أو المظاهر الخارجية ، وكان يؤيدها تلقائياً لاقتناعه بأنها حقيقة فإنه لا يعد فاعلاً في جريمة النصب .
ومثال ذلك : إذا استعان طبيب مزيف بآخر ليعمل عنده كممرض لقابلة الزبائن وتقديمهم إليه على أنه طبيب ، فإن هذا الممرض لا يعد فاعلاً أصلياً مع الجاني فيما أتاه من طرق الاحتيال ، لأنه لم يحط علماً بها . لذا قضي بأنه لا مسئولية على خادم الطبيب الروحاني إذا كان لا يعلم بأن مخدومه يستعمل طرقاً احتيالية.
وكذلك لا يعد مرتكباً لجريمة النصب من يتسمى باسم معتقداً أنه اسمه الحقيقي وأن ما كان يدعي به اسم الشهرة فقط ، أو من يتصف بصفة كانت له ثم زالت عنه دون أن يحيط علماً بزوالها ، كأن يكون قد فصل من علمه ولم يخطر بعد بذلك .
كما يتطلب القصد العام بجانب عنصر العلم ، وجوب اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل الاحتيال ، وإلى تحقيق النتيجة الجرمية ، أي حمل المجني عليه تسليمه المال الذي ينصب عليه فعل الاحتيال.
ثانياً : القصد الخاص : هنالك شبه إجماع لدى فقهاء القانون في شأن وجوب توافر القصد الخاص إلى جانب القصد العام في جريمة النصب . ويتمثل هذا القصد الخاص في نية تملك محل جريمة النصب . فيجب أن تتجه نية الجاني إلى تملك المال المستولى عليه ويعني ذلك مباشرة مظاهر السيطرة على الشيء التي ينطوي عليها حق الملكية ، وتبعاً لذلك حرمان المالك من مباشرة أي مظهر عليه . فإذا قصد الجاني من الاستيلاء أن يحتفظ بالشيء مؤقتاً أو أن تكون له عليه اليد العارضة فحسب فإن جريمة النصب لا تقوم نظراً لغياب القصد الخاص متمثلاً في “نية التملك”.
ولا يتطلب القصد الخاص اتجاه إرادة المتهم إلى الإضرار بالمجني عليه ن ولا يتطلب كذلك اتجاهها إلى الإثراء : فمجرد اتجاه النية إلى التملك كاف ، أياً كانت الآثار التي ترتب على ذلك بالنسبة إلى ذمتي المتهم والمجني عليه.

*أثر الباعث في جريمة النصب :
إذا تحققت العناصر التي يقوم عليها القصد الجنائي العام تحققت جريمة النصب وبالتالي لا تأثير للبواعث على قيام الجريمة فالباعث والغاية لا دخل لهما في تكوين الجريمة وقيامها وإن كان لهما أثر على العقوبة ومقدارها وفقاً لما جرى عليه العمل لدى محكمة الاستئناف العليا.

*إثبات القصد :
والقصد من الأمور الجوهرية التي يجب أن يتضمنها الحكم الجنائي ويقع عبء إثبات قيام القصد الجنائي على عاتق النيابة العامة بوصفها سلطة الاتهام ، ويجب على محكمة الموضوع التحقق من قيام القصد وإلا كان حكمها معيباً ولا يشترط النص على القصد الجنائي صراحة في منطوق الحكم وإنما يكفي أن يستنتج ذلك من سياق الحكم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت