جريمة التزوير في سجلات الأحوال المدنية – أحكام واجتهادات قضائية مصرية

الطعن 4877 لسنة 51 ق جلسة 10/ 3/ 1982 مكتب فني 33 ق 66 ص 322 جلسة 10 من مارس سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم حسين رضوان رئيس الجلسة وعضوية السادة المستشارين/ حسين كامل حنفي ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي ومحمود سامي البارودي.
————
(66)
الطعن رقم 4877 لسنة 51 القضائية

1 – دعوى جنائية “تحريكها”. نيابة عامة “تحريكها للدعوى”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. بطلان.
إيراد الحكم في ديباجته أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من مستشار الإحالة في حين أنها رفعت مباشرة من النيابة. مجرد خطأ مادي. لا يعيبه.
2 – محكمة الجنايات “نظرها الدعوى والحكم فيها”. إجراءات “إجراءات المحاكمة”. حكم “بياناته. بيانات التسبيب”.
حق محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة متهم كان غائباً أن تورد أسباب الحكم الغيابي الساقط أسباباً لحكمها. متى كانت تصلح لحمل قضائها بالإدانة.
3 – قانون “سريانه” “الاعتذار بالجهل بالقانون”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. موظفون عموميون. شريعة إسلامية. أحوال شخصية. زنا.
قبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون غير قانون العقوبات. شرطه؟
دفاع الطاعن بحسن نيته في إسناد نسب مولوده إليه لأن شريكته في الإثم أقرت له أنها حملت منه. وأن الولد للفراش لا ينهض بمجرده سنداً للتمسك بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون الأحوال الشخصية.
4 – شريعة إسلامية. عقد. بطلان.
عقد الزواج على امرأة متزوجة بآخر. باطل. أثر ذلك؟
5 – إثبات “بوجه عام”. إثبات النسب. شريعة إسلامية “زواج”.
المقصود بالفراش الذي يثبت به النسب؟
المراد بالنص على أن الولد للفراش؟
6 – استعمال محرر مزور. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. تزوير “أوراق رسمية”. جريمة “الاشتراك في الجريمة”. اشتراك أحوال شخصية “زواج”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عقد الزواج. وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف عام هو المأذون الشرعي.
مناط العقاب على التزوير في وثيقة الزواج؟ مثال.
تقديم الطاعن وثيقة الزواج المزورة إلى الجهة المختصة بإثبات واقعات الأحوال المدنية وهو عالم بتزويرها. تتحقق به جريمة استعمال محرر رسمي مزور مع العلم بتزويره. أساس ذلك؟
7 – استعمال محرر مزور. تزوير “أوراق رسمية”.
استعمال الورقة المزورة مع العلم بتزويرها. مؤثم ولو كان المحرر باطلاً. علة ذلك؟
8 – قانون “تفسيره”. تزوير “أوراق رسمية”. أحوال مدنية”.
السجلات والبطاقات وكافة المستندات المتعلقة بتنفيذ القانون 260 لسنة 1960 في شأن الأحوال المدنية. أوراق رسمية. كل تغيير فيها يعد تزويراً في أوراق رسمية. يخرج عن نطاق المادة 59 من القانون 260 لسنة 1960. مثال لتسبيب غير معيب.
9 – عقوبة “العقوبة المبررة”. تزوير “أوراق رسمية”. حكم “ما لا يعيبه في نطاق التدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
اعتبار الحكم جرائم الاشتراك في تزوير واقعة البنوة في سجلات الأحوال المدنية وفي تزوير واقعتي الزوجية. والبنوة في البطاقة العائلية واستعمال وثيقة زواج مزورة مع علمه بتزويرها مرتبطة ببعضها ومعاقبته للمتهم بالعقوبة المقررة للجريمة الأخيرة التي لم يقبل نعيه بشأنها. انعدام مصلحته فيما يثيره بشأن جريمتي الاشتراك في التزوير.

———-
1 – لما كانت المادة 336 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالمادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1973 تنص على أن ترفع الدعوى الجنائية مباشرة من النيابة العامة إلى محكمة الجنايات بالنسبة لجرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية والغدر والتزوير وغيرها من الجنايات الواردة في الأبواب الثالث والرابع والسادس عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والجرائم المرتبطة بها. ولما كان الطاعن لا يمارى في أن الدعوى الجنائية قد أقيمت عليه مباشرة من النيابة العامة، فإن ما ورد بديباجة الحكم المطعون فيه من أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من مستشار الإحالة، يكون مجرد خطأ مادي وزلة قلم لا تخفى، ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى. وإذ كانت العبرة في مثل هذه الحالة هي بحقيقة الواقع، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.
2 – لما كان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة المتهم الذي كان غائباً، أن تورد الأسباب ذاتها التي اتخذها الحكم الغيابي الساقط قانوناً أسباباً لحكمها، ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن النعي على الحكم في هذا المنحى – بفرض صحته – يكون غير ذي أثر.
3 – لما كان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده، بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة، وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية، وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون، فإنه مع تقرير قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية: أولاً: إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه. ثانياً: إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن أجراءه من اختصاصه، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة، كما أورد في المادة 60 من قانون العقوبات، أن أحكام هذا القانون لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بحسن نيته في إسناد نسب المولودة إليه لأن شريكته في الإثم قررت له أنها حملت منه وأن الولد للفراش. لا ينهض بمجرده سنداً للتمسك بالاعتذار بعدم العلم بحكم من أحكام قانون الأحوال الشخصية، الذي يحرم الزواج بمن هي في عصمة زوج آخر، ما دام لم يقدم الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة – وهو ما لا يجادل الطاعن في أنه لم يقدم الدليل عليه إلى محكمة الموضوع – فإن النعي على الحكم في هذا المنحى يكون بعيداً عن الصواب.
4 – لما كان المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في عقد الزواج على امرأة متزوجة بآخر، أنه عقد باطل لا أثر له ولا يثبت النسب، وتجب فيه الحيلولة بين الرجل والمرأة وعدم تمكينها من الدخول، فإذا ما ارتكب المعصية ووقع الدخول بالمرأة فلا يؤثر هذا الدخول على العقد ولا يرفع عنه البطلان ولا يثبت به النسب، ويجب التفريق بينهما جبراً إن لم يتفرقا اختياراً، وإذا كان الرجل والمرأة اللذان ارتكبا المعصية عاقلين عالمين بالتحريم فإنه يجب عليهما حد الزنا – وهذا هو المتفق عليه أيضاً في مذهب الأئمة الثلاثة.
5 – لما كان من المقرر في فقه الشريعة الإسلامية، وعلى ما جرى به قضاء دائرة الأحوال الشخصية بهذه المحكمة (محكمة النقض) أن النسب يثبت بالفراش وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق به من مخالفة بناء على عقد فاسد أو شبيهه، وأن النص على أن الولد للفراش إنما يراد به الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة عند ابتداء الحمل لا بعد ذلك، وكان عقد الطاعن على المتهمة الأخرى، كما سلف البيان عقداً باطلاً، فإنه لا يثبت به نسب إلى الطاعن.
6 – لما كان عقد الزواج هو وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف عام هو المأذون الشرعي، وهذه الورقة قد أسبغ عليها القانون الصفة الرسمية لأنه بمقتضاها تقوم الزوجية قانوناً بين المتعاقدين وتكون للآثار المترتبة عليها – متى تمت صحيحة – قيمتها إذا ما جد النزاع بشأنها، ومناط العقاب على التزوير في وثيقة الزواج، هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد المتعاقدين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك، فكل عيث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعد تزويراً، وكون المرأة في عصمة آخر هو من الموانع الشرعية للزواج – على ما سلف بيانه – وإثبات المأذون الشرعي خلو الزوجين من الموانع بعد إذ قرر أمامه الطاعن والمتهمة الأخرى بذلك مع أنهما يعلمان أنها في عصمة آخر، يتحقق به جريمة الاشتراك في تزوير وثيقة الزواج مع العلم بذلك، إذ استعمل الطاعن هذه الوثيقة بأن قدمها إلى الجهة المختصة بإثبات واقعات الأحوال المدنية سنداً إلى ما دون فيها، وهو على بينة من أمرها فإن جريمة استعمال محرر رسمي مع العلم بتزويره تتوافر قبله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ دانه بهذه الجريمة قد اقترن بالصواب. ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة العامة قد أمسكت عن تقديم الطاعن للمحاكمة بتهمة الاشتراك في تزوير ذلك المحرر، لأن عدم تقديمه للمحاكمة بالتهمة المذكورة – في هذه الدعوى – لا أثر في توافر أركان جريمة الاستعمال المحرر المزور والتي دلل الحكم المطعون فيه على قيامها.
7 – لما كان استعمال الورقة المزورة مع العلم بذلك، يعاقب عليه القانون، ولو كان محل ذلك محرراً باطلاً، لاحتمال حصول الضرر منه، ذلك بأن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر، فإنه قد تتعلق ثقة الغير ممن لا يتضح أمامه ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع به من الناس من يفوتهم ملاحظة أو معرفة ما فيه من عيوب أو نقص، وهذا وحده كافٍ لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب استعمال هذا المحرر، فإذا ما استعمل هذا المحرر بالفعل كما هو الحال في هذه الدعوى – على ما أثبته الحكم المطعون فيه – ولم يكتشف من قدم إليه المحرر، من موظفي مصلحة الأحوال تزويره وأثبت استناداً إليه بعض واقعات الأحوال المدنية من ثبوت نسب وعلاقة زوجية فإن الضرر يكون قد بات محققاً.
8 – جرى قضاء هذه المحكمة على أن السجلات والبطاقات وكافة المستندات والوثائق والشهادات المتعلقة بتنفيذ القانون رقم 260 لسنة 1960 في شأن الأحوال المدنية، تعد أوراقاً رسمية، وكل تغيير فيها يعد تزويراً في أوراق رسمية وإثبات البنوة في سجلات الأحوال المدنية وإثبات الزوجية والبنوة في البطاقة العائلية بناء على ما يقره ويتصف به طالب القيد على غير الحقيقة يخضع للقواعد العامة في قانون العقوبات ويخرج عن نطاق المادة 59 من القانون 260 لسنة 1960 سالف الذكر، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار أن اتفاق الطاعن مع الموظف المختص بالسجل المدني لقيد واقعة الميلاد ونسب المولودة إلى الطاعن، واتفاقه كذلك مع الموظف المختص بالبطاقات العائلية لإثبات قيام الزوجية وبينه وبين المتهمة الأخرى وإثبات أن المولودة منها ابنته، يعد اشتراكاًً مع هذا الموظف وذاك في ارتكاب تزوير في محررين رسميين، فإنه يكون قد طبق القانون على وقائع الدعوى التطبيق الصحيح.
9 – لا يجدي الطاعن فيما أثاره في طعنه بالنسبة إلى جريمتي الاشتراك في تزوير واقعة البنوة في سجلات الأحوال المدنية وكذا اشتراكه في تزوير واقعتي الزوجية والبنوة والبطاقة العائلية، ما دام الحكم المطعون فيه قد أثبت في حقه توافر جريمة استعمال وثيقة زواج مزورة مع علمه بذلك، وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من مناعي في الحكم المطعون فيه بشأنها، إنما هي مناعي غير مقبولة، وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات وهي عقوبة مقررة لجريمة استعمال الوثيقة المزورة سالفة الذكر مع العلم بتزويرها. التي ثبت في حق الطاعن وبرئ الحكم من المناعي الموجهة إليه بخصوصها، مما تنعدم معه مصلحة الطاعن فيما ينعاه على الحكم المطعون فيه بالنسبة للجريمتين المعنيتين.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: اشترك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو موظف مكتب صحة الوايلي في ارتكاب تزوير في محرر رسمي حال تحريره المختص بوظيفته بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن قرر له أثناء تحرير شهادة ميلاد الطفلة.. أنها ابنته مع أنها ابنة زوج المتهمة الأولى المدعو….. مع علمه بذلك ووقعت الجريمة بناء على هذه المساعدة ثانياً: اشترك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو الموظف المختص بمكتب سجل مدني الظاهر في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو البطاقة العائلية رقم 30835 الظاهر الصادرة في 19/ 7/ 1974 حال تحريرها المختص بوظيفته بجعل واقعة مزورة في صورة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن تقدم بطلب لاستخراج البطاقة المنوه عنها أثبت به أنه متزوج من المتهمة الأولى وأنه والد الطفلة…… حالة كونه يعلم أنها لم تزل زوجاً…. وأن الطفلة المذكورة ابنة هذا الأخير فوقعت الجريمة بناء على هذه المساعدة. ثانياً: – استعمل محرراً مزوراً مع علمه بذلك بأن قدم وثيقة زواجه من المتهمة الأولى إلى سجل مدني الظاهر للحصول على بطاقة عائلية فوقعت الجريمة بناء على ذلك. وطلبت إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 40/ 3، 41، 42 و214 من قانون العقوبات ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.

المحكمة
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك في تزوير محررين رسميين (شهادة ميلاد وبطاقة عائلية) واستعمال محرر رسمي مزور مع علمه بتزويره قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم المطعون فيه نقل أسباب الحكم السابق صدوره في غيبة الطاعن والذي سقط بإعادة الإجراءات ضده، وأورد أن الدعوى أحيلت إليه بقرار إحالة صادر من مستشار الإحالة بينما إنها أحيلت إليه مباشرة من النيابة العامة وفقاً للمادة 336 من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 5 لسنة 1973، كما أن الطاعن حسن النية وذلك لأن شريكته في الإثم قررت له أنها حملت منه، وأن إقراره بالبنوة أساسه القاعدة الشرعية في النسب وهي أن الوالد للفراش والأم صاحبة الإقرار في ذلك وهي مصدقة بإقرارها ومع ذلك فإن الحكم نفى نسب المولودة إليه بدعوى أن الزواج باطل لوقوعه على زوجة شخص آخر وكان حقيقاً به إذ اعتبر عقد الزواج باطلاً، ألا يرتب عليه قيام المسئولية الجنائية لانعدام الضرر المحقق أو الاحتمالي، وأنه ما دامت النيابة العامة لم تسند إليه واقعة تزوير وثيقة الزواج، فإن استعماله لهذه الوثيقة في إثبات زواجه ونسب المولودة إليه لا يشكل جريمة، هذا إلى أن الحكم إذ اعتبر الواقعة المسندة إليه جناية تزوير في البطاقة العائلية، يكون بعيداً عن الصواب إذ الواقعة جنحة وفقاً لأحكام القانون 260 لسنة 1960 بشأن الأحوال المدنية، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن المادة 336 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالمادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1973 تنص على أن ترفع الدعوى الجنائية مباشرة من النيابة العامة إلى محكمة الجنايات بالنسبة لجرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية والغدر والتزوير وغيرها من الجنايات الواردة في الأبواب الثالث والرابع والسادس عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والجرائم المرتبطة بها. ولما كان الطاعن لا يمارى في أن الدعوى الجنائية قد أقيمت عليه مباشرة من النيابة العامة، فإن ما ورد بديباجة الحكم المطعون فيه من أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من مستشار الإحالة، يكون مجرد خطأ مادي وزلة قلم لا تخفى، ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى. وإذ كانت العبرة في مثل هذه الحالة هي بحقيقة الواقع، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة المتهم الذي كان غائباً، أن تورد الأسباب ذاتها التي اتخذها الحكم الغيابي الساقط قانوناً أسباباً لحكمها، ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن النعي على الحكم في هذا المنحى – بفرض صحته – يكون غير ذي أثر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعات الدعوى بقوله “إن واقعة هذه الدعوى حسبما تبين بجلاء من الأوراق والتحقيقات، وما دار بشأنها في الجلسة تتلخص في أن المتهم…..، وكانت تربطه بأخرى سبق الحكم عليها، علاقة عاطفية قبل زواجيها من زوجها السعودي الجنسية……، وذلك بحكم أن المتهم كان صديقاً لشقيقها……، وبحكم هذه العلاقة فقد تصادق المتهم على زوج المتهمة الأخرى بعد زواجهما، وكان يتردد عليهما عند حضورهما إلى القاهرة، ويقوم بمساعدة الزوج في قضاء أعماله ثم برعاية الزوجة عندما يتركها زوجها بالقاهرة ويسافر إلى السعودية، وقد أخذت هذه الصلة بين المتهمين تزداد حتى كان يقض معها الأيام بالشقة التي يستأجرها لها زوجها ويعاشرها معاشرة الأزواج، ولما أخبرته بأنها حامل منه فوافقا على أن يعقد زواجاً بينهما يعلمان أنه باطل، وفي يوم 19 يونيه سنة 1974 تزينت الزوجة وأحضر المتهم المأذون…… مأذون الكردي واثنين من – أصدقائه هما….. و…..، وادعت المتهمة والمتهم بأن الأولى من طنطا وأنها خالية من الموانع الشرعية، وقام المأذون بالعقد عليها للمتهم الثاني الذي لم يكتف بذلك، وقام عندما وضعت هذه المتهمة السابق الحكم عليها طفلة قام المتهم باستخراج شهادة ميلاد للطفلة باسمه، ثم استخرج بطاقة عائلية أثبت بها الطفلة على أنها ابنته وذلك بعد أن اتفقا سوياً على جعل الزوج أمام الأمر الواقع ومصارحته بالحقيقة، لكن الزوج أنكر هذه العلاقة ولم يصدق ما قيل له”. وأورد الحكم على ثبوت الوقائع لديه في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال…… زوج المتهمة الأخرى ومن أقوال هذه الأخيرة وإقرار الطاعن بالتحقيقات، ومن وثيقة الزواج وشهادة ميلاد الطفلة والبطاقة العائلية للطاعن، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل عن أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده، بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة، وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية، وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون، فإنه مع تقرير قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية: أولاً: إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه. ثانياً: إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبيت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة، كما أورد في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام هذا القانون لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بحسن نيته في إسناد نسب المولودة إليه لأن شريكته في الإثم قررت له أنها حملت منه وأن الولد للفراش. لا ينهض بمجرده سنداً للتمسك بالاعتذار بحكم من أحكام قانون الأحوال الشخصية، الذي يحرم الزواج بمن هي في عصمة زوج آخر، ما دام لم يقدم الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة – وهو ما لا يجادل الطاعن في أنه لم يقدم الدليل عليه إلى محكمة الموضوع – فإن النعي على الحكم في هذا المنحى يكون بعيداً عن الصواب. لما كان ذلك، وكان المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في عقد الزواج على امرأة متزوجة بآخر أنه عقد باطل لا أثر له ولا يثبت النسب، وتجب فيه الحيلولة بين الرجل والمرأة وعدم تمكينها من الدخول، فإذا ما ارتكبت المعصية ووقع الدخول بالمرأة فلا يؤثر هذا الدخول على العقد ولا يرفع عنه البطلان ولا يثبت به النسب، ويجب التفريق بينهما جبراً إن لم يتفرقا اختياراً، وإذا كان الرجل والمرآة اللذان ارتكبا المعصية عاقلين عالمين بالتحريم فإنه يجب عليهما حد الزنا – وهذا هو المتفق عليه أيضاً في مذاهب الأئمة الثلاثة. (الشافعي ومالك وابن حنبل). ولما كان من المقرر كذلك في فقه الشريعة الإسلامية، وعلى ما جرى به قضاء دائرة الأحوال الشخصية بهذه المحكمة (محكمة النقض) أن النسب يثبت بالفراش وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق به من مخالطة بناء على عقد فاسد أو شبيهه، وأن النص على أن الولد للفراش إنما يراد به الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة عند ابتداء الحمل لا بعد ذلك، وكان عقد الطاعن على التهمة الأخرى، كما سلف البيان عقداً باطلاً، فإنه لا يثبت به نسب إلى الطاعن، ومن ثم يكون النعي في هذا الخصوص بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان عقد الزواج هو وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف عام هو المأذون الشرعي، وهذه الورقة قد أسبغ عليها القانون الصفة الرسمية لأنه بمقتضاها تقوم الزوجية قانوناً بين المتعاقدين وتكون للآثار المترتبة عليها – متى تمت صحيحة – قيمتها إذا ما جد النزاع بشأنها، ومناط العقاب على التزوير في وثيقة الزواج، هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد المتعاقدين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك، فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعد تزويراً، وكون المرأة في عصمة آخر هو من الموانع الشرعية للزواج – على ما سلف بيانه – وإثبات المأذون الشرعي خلو الزوجين من الموانع بعد إذ قرر أمامه الطاعن والمتهمة الأخرى بذلك مع أنهما يعلمان أنها في عصمة آخر، يتحقق به جريمة الاشتراك في تزوير وثيقة الزواج مع العلم بذلك، إذ استعمل الطاعن هذه الوثيقة بأن قدمها إلى الجهة المختصة بإثبات واقعات الأحوال المبنية سنداً إلى ما دون فيها، وهو على بينة من أمرها فإن جريمة استعمال محرر رسمي مع العلم بتزويره تتوافر قبله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ دانه بهذه الجريمة قد اقترن بالصواب. ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة العامة قد أمسكت عن تقديم الطاعن للمحاكمة بتهمة الاشتراك في تزوير ذلك المحرر لأن عدم تقديمه للمحاكمة بالتهمة المذكورة – في هذه الدعوى – لا أثر له في توافر أركان جريمة استعمال المحرر المزور والتي دلل الحكم المطعون فيه على قيامها. لما كان ذلك، وكان استعمال الورقة المزورة مع العلم بذلك، يعاقب عليه القانون، ولو كان محل ذلك محرراً باطلاً، لاحتمال حصول الضرر منه ذلك بأن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامه ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع به من الناس من يفوتهم ملاحظة أو معرفة ما فيه من عيوب أو نقص، وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب استعمال هذا المحرر، فإذا ما استعمل هذا المحرر بالفعل كما هو الحال في هذه الدعوى – على ما أثبته الحكم المطعون فيه – ولم يكتشف من قدم إليه المحرر، من موظفي مصلحة الأحوال تزويره وأثبت استناداً إليه بعض واقعات الأحوال المدنية من ثبوت نسب وعلاقة زوجية، فإن الضرر يكون قد بات محققاً، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن السجلات والبطاقات وكافة المستندات والوثائق والشهادات المتعلقة بتنفيذ القانون رقم 260 لسنة 1960 في شأن الأحوال المدنية، تعد أوراقاً رسمية، فكل تغيير فيها يعد تزويراً في أوراق رسمية وإثبات البنوة في سجلات الأحوال المدنية وإثبات الزوجية والبنوة في البطاقة العائلية بناء على ما يقرره ويتصف به طالب القيد على غير الحقيقة يخضع للقواعد العامة في قانون العقوبات ويخرج عن نطاق المادة 59 من القانون رقم 260 لسنة 1960 سالف الذكر، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار أن اتفاق الطاعن مع الموظف المختص بالسجل المدني لقيد واقعة الميلاد ونسب المولودة إلى الطاعن، واتفاقه كذلك مع الموظف المختص بالبطاقات العائلية لإثبات قيام الزوجية بينه وبين المتهمة الأخرى وإثبات أن المولودة منها ابنته، يعد اشتراكاً مع هذا الموظف وذلك في ارتكاب تزوير في محررين رسميين، فإنه يكون قد طبق القانون على وقائع الدعوى التطبيق الصحيح، ويكون منعى الطاعن غير مقبول. ومن وجهة أخرى فإنه لا يجدي الطاعن فيما أثاره في طعنه بالنسبة إلى جريمتي الاشتراك في تزوير واقعة البنوة في سجلات الأحوال المدنية وكذا اشتراكه في تزوير واقعتي الزوجية والبنوة في البطاقة العائلية، ما دام الحكم المطعون فيه قد أثبت في حقه توافر جريمة استعمال وثيقة زواج مزورة مع علمه بذلك، وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من مناعي في الحكم المطعون فيه بشأنها، إنما هي مناعي غير مقبولة، وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات وهي عقوبة مقررة لجريمة استعمال الوثيقة المزورة سالفة الذكر مع العلم بتزويرها، التي ثبتت في حق الطاعن وبرئ الحكم من المناعي الموجهة إليه بخصوصها، مما تنعدم معه مصلحة الطاعن فيما ينعاه على الحكم المطعون فيه بالنسبة للجريمتين المعنيتين – لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .