جرائم الشكوى

الأصل أن النيابة العامة هي المختصة وحدها بتحريك الدعوى الجنائية فلها مطلق الحق في التصدي لما يقع من جرائم نظمها القانون وقرر لها العقاب وهي في ذلك نائبة عن المجتمع في صون حقوقه، وعلى ذلك فهي تباشر الدعوى الجنائية اتهاما وادعاء بلا قيد ولا سلطان لأحد عليها إلا في حدود المرسوم لوظيفتها دستورياً وقانونياً، ورغم ذلك فإن هناك من الجرائم ما ارتأى المشرع ترك حق المطالبة بالاتهام وترتيب المسئولية الجنائية للمضرور فيها، وذلك لطبيعة تلك الجرائم التي تتصل باعتبارات خاصة بالمجني عليه، بحيث يكون له تقدير المواءمة والملاءمة في تحريك الدعوى الجنائية، ومن هنا قيد المشرع سلطة النيابة العامة في تحريك ذلك الصنف من الجرائم إلا حينما يبدي المجني عليه رغبته الصريحة في ذلك بتقديمه الشكوى، فهي تعبير المجني عليه عن إرادته في أن تتخذ الإجراءات الجنائية الناشئة عن الجريمة وجوهر الشكوى هو الإرادة الحرة المتجه إلى إنتاج الآثار القانونية السابقة.

وتختلف الشكوى عن البلاغ في أنه يصدر عن أي شخص ولو لم يكن المجني عليه، فهو مجرد مصدر معلومات عن الجريمة، فلا يتضمن الإرادة السابقة.

ولقد نصت المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني على انه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم الآتية:
أ – الزنا المنصوص عليه في المادة (316) من قانون العقوبات.
ب – الامتناع عن تسليم الصغير المنصوص عليه في المادة (318) من قانون العقوبات.
ج – الفعل المخل بالحياء مع أنثى المنصوص عليه في المادة (350) من قانون العقوبات.
د – القذف والسب المنصوص عليه في المواد (364) و(365) و(366) في قانون العقوبات.
هـ – الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون.

ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وعلة الشكوى: هي تقدير المشرع البحريني ان المجني عليه في بعض الجرائم أقدر من النيابة العامة على تقدير ملاءمة اتخاذ الإجراءات الجنائية، وهذه العلة إجرائية بحتة ومن ثم عدم تقديم الشكوى لا ينفي ركناً للجريمة أو شرطاً للعقاب عليها، ومثال على ذلك إن جريمة الزنا ليست إلا جريمة كسائر الجرائم تمس المجتمع لما فيها من إخلال بواجبات الزواج الذي هو قوام الأسرة والنظام الذي تعيش فيه الجماعة، وكون تلك الجريمة تتأذى منها في ذات الوقت مصلحة الزوج والأولاد وعائلته فقد رأى المشرع في سبيل رعاية هذه المصلحة وجوب إبداء الزوج رغبته في رفع الدعوى الجنائية.
ويفسر هذا الدور الإجرائي للشكوى بأحد اعتبارات ثلاثة:
في بعض الجرائم يتصل الحق المعتدى عليه بعلاقات عائلية فيكون المجني عليه أفضل من يقدر أهمية الاعتداء ومدى جدارته كالزنا، وفي فئة ثانية من الجرائم تقوم صلات عائلية بين الجاني والمجني عليه، وإن كان حق المعتدي عليه غير ذي طابع عائلي كالسرقة بين الأزواج وبين الأصول والفروع فيخشى المشرع أن يكون إضرار الإجراءات بهذه الصلات، والمجتمع تبعاً لذلك متفوقاً على الفائدة التي يمكن ان يحققها، فيترك للمجني عليه المقارنة بين الوجهتين وتقدير أيهما أجدر بالرعاية، وفي فئة أخيرة من الجرائم كالقذف والسب تكون إحدى علل التجريم حماية المجني عليه الذي انتهك بالاعتداء على شرفه واعتباره فيخشى المشرع أن يكون في اتخاذ الإجراءات وما تفترضه من ترديد عبارات القذف ما يزيد من إيلامه، فترك له تقدير مدى ملاءمتها.

إن الشكوى بمفهومها البسيط هي رفع القيد الذي وضع على النيابة العامة لرفع الدعوى الجنائية حيث نصت المادة (14) من قانون الإجراءات على أنه في جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الطلب أو الحصول على إذن لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق فيها إلا بعد تقديم الشكوى أو الطلب أو الحصول على الإذن ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ويفهم من النص تفرقة أساسية بين إجراءات الاستدلال التي هي من أعمال رجال الشرطة وإجراءات التحقيق التي من أعمال النيابة العامة وسبب التفرقة إن إجراءات الاستدلال أعمال سابقة على تحريك الدعوى أي ليست من إجراءات الدعوى والقيد هنا حُصر على تحريك الدعوى من دون ما يسبقها من إجراءات.

ومن الجدير بالذكر أن حركة الدفاع الاجتماعي تسعى دائماً لمحاولة التوازن بين الحق العام الذي تسعى الدولة إلى حمايته ومن جهة مقابلة حق المجني عليه الخاص في تحريك الدعوى، ومن هذا المنطلق جاء قانون الإجراءات الجنائية البحريني متماشياً مع أحدث ما تنادي به السياسة الجنائية العالمية المتطورة من صون كرامة الإنسان وحقوقه، والمتجلية في إعطاء المجني عليه تلك الصلاحيات من تحريك الدعوى الجنائية الماسة مباشرة به في بعض الجرائم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت