العقوبات التكميلية المقررة للشخص الطبيعي

بالنسبة للعقوبات التكميلية التي هي جزاءات جوازية تترك السلطة التقديرية في النطق بها للقاضي فإنها كلها تهدف تضييق مجال ممارسة الحرية المالية وهي تشمل طبقا لمقتضيات م03 من الأمر 96-22 المعدل والمتمم ما يلي:

أولا: منع الجاني لمدة أقصاها (05) سنوات من تاريخ صيرورة الحكم نهائي من:

– مزاولة عمليات التجارة الخارجية أو

– ممارسة وظائف الوساطة في عمليات البورصة أو عون في الصرف أو

– أن يكون منتخبا أو ناخبا في الغرف التجارية أو مساعدا لدى الجهات القضائية.

ثانيا: إصدار أمر بنشر الحكم القاضي بالإدانة وذلك من طرف الجهة القضائية الفاصلة في الملف، سواءا بأن ينشر كاملا أو مستخرج منه وذلك على نفقة المحكوم عليه في جريدة أو أكثر تعينها.

ملاحظة:

لقد أضاف المشرع في م 04 من الأمر 96-22 المعدل والمتمم أنه إذا اقترف الجاني جريمة تشكل بعناصرها جريمة صرف وفي نفس الوقت يكون الجرم متعلق بعملية محلها نقودا أو قيم مزيفة فإن العقوبات المطبقة تكون نفس العقوبات، أصلية كانت أم تكميلية، التي نص عليها في المادتين 03 و04، بشرط أن لا يشكل هذا الفعل مخالفة أخطر كأن يكون جناية مثل جناية تزوير النقود المنصوص والمعاقب عليها في المادتين 197 و198 ق.ع. كما أن إجراءات المتابعة تتخذ ضد كل من شارك في العملية وذلك بغض النظر عما كان يعلم أو لم يعلم بتزييف النقود أو القيم.

المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف و الجزاء المترتب عنها

إن مسألة الإقرار بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مسألة حساسة و أثارت جدلا حادا في الوسط الفقهي و اختلفت التشريعات في اعترافها بوجود هذه المسؤولية. رغم ذلك نجد أن المشرع الجزائري قد خطى خطوة كبيرة لما اتخذ موقف الإقرار بهذه المسؤولية ولو كان ذلك بمناسبة قوانين خاصة قبل أن يعترف بها في قانون العقوبات، فالإقرار بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف كان لا يتماشى والقواعد العامة المقررة في قانون العقوبات إلى غاية صدور القانون 04-15 المعدل والمتمم لقانون العقوبات[1] الذي نص صراحة على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في المادة 18 مكرر منه، والمادة 51 مكرر منه استثنت من تطبيق المسؤولية الجزائية على الدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، وكذلك صدور قانون 04-14 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية[2] الذي حدد أحكام وشروط إقامة الدعوى العمومية ضد الشخص المعنوي وتمثيله أمام القضاء.

و إذا ثبتت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كانت النتيجة الحتمية و المباشرة لها توقيع العقاب عليه إلا أن هذا الأخير يجب أن يتماشى و الطبيعة القانونية للشخص المعنوي.

لذلك يتعين قبل التطرق للعقوبات المقررة للشخص المعنوي (في الفرع الثاني) أن نتناول مفهوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وشروط تطبيقها في مجال جرائم الصرف(في الفرع الأول).

الفرع الأول: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف

إن المسؤولية الجنائية مبدئيا يتحملها الإنسان وتكون الجريمة فعلا ينفرد به الإنسان تماما كما ينفرد بالإرادة[3]، فأثارت مسألة إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جزائيا جدلا كبيرا بين أنصار الفقه التقليدي وأنصار الفقه الحديث.

فذهب غالب الفقهاء القدامى إلى القول أنه لا يمكن أن تسند إلى الشخص المعنوي أفعالا إجرامية ولا أن تطبق عليهم عقوبات مستندين بالنسبة للبعض إلى طبيعة الشخص المعنوي الذي يعتبر مجرد حيلة قانونية ليس لها وجود مادي مما يحول دون قيامه بالنشاط الضروري لتحقيق الركن المادي للجريمة وليس له إرادة مما يحول دون أن يسند إليه أي خطأ، و إلى مبدأ التخصص الذي يحكم الشخص المعنوي حيث يجعله لا يدخل في الحياة القانونية إلا من أجل تحقيق غاية معينة، في حين يسند البعض الآخر على فكرة العقوبة إذ أن قبول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي يؤدي إلى إهدار شخصية العقوبة فضلا عن عدم تلاءم فكرة العقوبة مع الأشخاص المعنوية ، إذ كيف يمكن تصور إيلام أو إصلاح غير الكائن الإنساني؟

إلا أن هذا الجانب من الفقه رد عليه الفقه الحديث بحجج مقابلة أولها أن نظرية الحيلة تم هجرها، وذلك في القانون المدني وأصبح ينظر إلى الشخص المعنوي بمنظور واقعي فأقر القانون المدني منذ ظهور الثورة الصناعية باستقلالية الشخص المعنوي عن الأشخاص الطبيعيين الذين يسيرونه وما يترتب عن ذلك من آثار كالذمة المالية وحق اللجوء إلى القضاء وأما القانون الجنائي بقي محتشما في هذا المجال إلى أن فرض الواقع والفعل عليه ضرورة التدخل ووضع نصوص تكرس مسؤولية الشخص الاعتباري في الشق الجزائي[4]

كما رد على مبدأ التخصص الذي يحكم الشخص المعنوي أنها لا تصح إلا في المجال التعاقدي الذي قد تنتج عنه الأعمال غير المشروعة، أما عن حجة عدم التلاؤم بين فكرة العقوبة والشخص المعنوي فإن العقوبة لا تقتصر وظيفتها على الوظيفة الإصلاحية بل لها وظائف وقائية وردعية ومنها يمكن وضع نظام عقابي خاص بالشخص المعنوي[5] .

وطالما كان الشخص المعنوي قادر على العمل والإنتاج فهو قادر على الخطأ وبالتالي ضرورة استحداث نصوص جزائية للمتابعة وتحميل المسؤولية الجزائية خاصة وأنه توجد من العقوبات ما يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي كالغرامات والمصادرات والحل والمنع من الممارسة[6]، كما أن مبادئ العدالة تفرض ضرورة تحمل الشخص المعنوي المسؤولية باعتباره مستفيدا من بعض الجرائم وعدم ترك مسئوليه يتحملون ثقلها وحدهم وخاصة أن هذه المسؤولية قد تفتقد لأي مبرر إذا ما اعتبرنا جهل وقوع الجريمة من طرف المسئولين.

وأما بخصوص اتخاذ المشرع الجزائري موقف الفقه الجديد وتبنيه في التشريع الخاص بجرائم الصرف فإنه قد يجد مبررا إذا رأينا إلى الشخص المعنوي كمتعامل اقتصادي الذي غالبا ما يكون سببا في جرائم خطيرة[7]،ما يقودنا إلى التساؤل عن شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف ؟

شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف:

طبقا لنص م 05 من الأمر رقم 03-01 فإن شروط قيام مسؤولية الشخص المعنوي في جرائم الصرف ومن تم توقيع العقوبة عليه: تتمثل في أن يكون الشخص المعنوي المخالف خاضع للقانون الخاص وأن تكون الجريمة مرتكبة لحسابه من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين.

1- أن يكون الشخص المعنوي خاضع للقانون الخاص:

ولابد أن المقصود به تلك الأشخاص المعنوية مثل الشركات التجارية الخاصة والتجمعات ذات المصلحة الاقتصادية والشركات المدنية والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي والمؤسسات العمومية الاقتصادية التي يحكمها القانون التجاري.ويبقى التساؤل قائما بالنسبة للهيئات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري إذ تخضع في تسييرها للقانون العام(Droit public) وفي معاملاتها مع الغير للقانون الخاص. فهل تستبعد من الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جزائيا لارتكابها جريمة من جرائم الصرف أم لا؟[8]

أما بالنسبة للدولة والجماعات المحلية وكذا المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري فقد استبعدت من هذه المساءلة الجزائية بمقتضى الأمر رقم 03-01 تداركا لما كان عليه الأمر 96-22 الذي وسع من نطاق تطبيق هذه المسؤولية إذ لم يحصرها في المؤسسات الإدارية والهيئات العمومية كما ذهبت إليه باقي التشريعات في القانون المقارن لاسيما القانون الفرنسي[9] وأصبح قانون العقوبات الجزائي الحالي 04-15 يستثني صراحة الدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام من المسؤولية الجزائية جاعلا بذلك تطابق بين أحكام التشريع الخاص بجرائم الصرف و أحكام قانون العقوبات وهذا حسنا فعل فلا يعقل أن الدولة التي هي صاحبة الحق في العقاب توقعه على نفسها في أن واحد وهو نفس السبب الذي جعل كافة التشريعات تتفق على ذلك.

2- ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي:

بمعنى أن تكون الجريمة قد تمت تحقيقا لمصلحة وفائدة تعود للشخص المعنوي دون غيره كأن تكون لفائدة أحد مديريها، وفي هذا التمييز لا شك حماية من طرف المشرع لممثلي الشخص المعنوي الذين لا ينبغي أن يسألوا بصفة آلية معه ولكن فقط إذا ما ثبتت مسؤوليتهم الشخصية في هذه الحالة إذا ارتكبوا الجريمة لحسابهم الخاص، بالفعل هذا ما يستشف من العبارة التي تضمنها م5 من الأمر96-22 المعدل والمتمم “…. دون المساس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين” تأكيدا لفصل بين المسؤوليتين الجزائيين لكل من الشخص الطبيعي (مثل الشخص المعنوي) والشخص المعنوي.

3-ارتكاب الجريمة من قبل أجهزة الشخص المعنوي أو ممثليه الشرعيين:

بالنسبة لأجهزة الشخص المعنوي يقصد ممثليه القانونيين كالرئيس والمدير العام والمسير وكذا مجلس الإدارة والجمعية العامة للشركاء أو الأعضاء، إذ أن الأغلبية الفقهية تجعل عمل الإنسان شرطا مسبقا لقيام المسؤولية الجنائية للكائنات المعنوية[10].

بالنسبة للممثلين الشرعيين للشخص المعنوي: يقصد بهم الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسم الشخص المعنوي سواء أكانت هذه السلطة قانونية أو بحكم قانون المؤسسة[11] كأن يكون المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة أو حتى المصفي في حالة حل الشركة. وإن الممثل الشرعي هو من يباشر من خلاله الشخص المعنوي الدعوى العمومية شريطة أن لا يكون هو بنفسه متابعا جزائيا من اجل نفس الجريمة أو أفعال مرتبطة بها وفي هذه الحالة الأخيرة يستدعى ممثل شرعي آخر للشخص المعنوي لتمثيله أمام القضاء.

وبمجرد توافر هذه الشروط ترتبت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وتعين عقابه طبقا للقانون، كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي إذا ثبتت التهمة في حقه، وتكون العقوبات المقررة للشخص المعنوي المدان بمخالفة التشريع والنظام الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج كمل يلي بيانه.

– قانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 71 ، لسنة 2004 .[1]

– قانون رقم 04-14 المؤرخ في 10/11/2004 ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 71 ، لسنة 2004 .[2]

[3] – : أ. عبد المجيد زعلاني، محاضرة ألقيت بالمحكمة العليا بعنوان “الاتجاهات الجديدة لتشريع جرائم الصرف”، المجلة القضائية، العدد الأول، الديوان الوطني للأشغال التربوية 1998.

[4] – مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة 13، تبييض الأموال، 2004-2005، ص 95.

[5] – : أ. عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق، ص65.

[6] : د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002، ص189.

[7] – أ. عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق، ص 65.

[8] – يميل الدكتور أحسن بوسقيعة إلى تصنيف الهيئات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ضمن الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام ذلك أن القانون 01-88 المؤرخ 12/01/1988 المتضمن قانون توجيه المؤسسات العمومية و الذي لا يزال ساريا يصنف المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري ضمن المؤسسات الخاضعة للقانون العام.

[9] -د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص ص 152.

[10] – أ.عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق، 67.

[11] – د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص195.